الرصاص.. ينتصر

07:02 مساءً الأحد 10 فبراير 2013
محمد سيف الرحبي

محمد سيف الرحبي

كاتب وصحفي من سلطنة عُمان، يكتب القصة والرواية، له مقال يومي في جريدة الشبيبة العمانية بعنوان (تشاؤل*، مسئول شئون دول مجلس التعاون في (آسيا إن) العربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في أمتنا لا صوت للحوار..
مع أننا أكثر أمة تطرح في أبجديات معيشتها فلسفة الحوار وضرورته، وقدرته على النفاذ باتجاه التعايش مع الآخر..
وبين شعوبنا العربية عجز حتى عن التعاطي في حوار مع الأنا.. كأن الآخر نعني به الشقيق في الوطن لا ذلك الجالس وراء هضاب المختلف دينيا وقوميا.. ومع ذلك لا نريد الحوار، لا مع هذا ولا مع ذاك، فالفيصل هو صوت الرصاصة، كالمصارعة القديمة المنتصر فيها هو القاتل، أما المهزوم فلا لوم عليه ولا تثريب.. نأى به قدره عن كل ذلك.. ومات.

في الحالة السورية يجري الحوار على أرض مسفوح فيها دم الأشقاء بصوت الرصاص وحده، ومن يتحدث عن الحوار فهو خائن، وعليه التبرؤ من دعوته، أو تليينها لتغدو كما يريد أعداء الحوار (السياسي) فالمبدأ أن يسقط الآخر أولا، ثم يكون الحوار على كيفية قتله أو دفنه أو سحله في الشارع إن أتيحت الفرصة.

محركو ألعاب الموت (الخارجيين) لم يعودوا معنيين بالحسم العسكري حيث تكلفة الفاتورة ارتفعت وطال أمد (الدفع) ورأوا أن الرهان على سقوط أحد المعسكرين ليس في المدى المنظور.. وأن الكلفة الإنسانية هائلة المرارة بما لا تقدر عليه ضمائرهم.. أو أن السأم طالهم حيث متطلبات اللعبة تغيرت.. والضحية هي سوريا، بكل ما فيها من حضارة، والمواطن السوري، بما هو أهل له من كرامة عيش، لكن أمد الجنازات طال كثيرا، وأكل الشتاء اللاجئين في مخيمات اللاكرامة.

والمطلب لدى الأشقاء: أن يسقط النظام، أو أن يعود المتمردون إلى عقولهم ويفطنون إلى المؤامرات الأجنبية المحاكة على الوطن.
هي ذات الصيغة التي يجري تسويقها في بلد عرف الربيع العربي (المر) على نحو أقل وطئا حينما أطاح بالنظام في ظرف أسابيع قلائل، لكن العواقب تهز شجرة الوطن هزا، وفي تونس لم يكف نهر الدم على الجريان منذ الهروب المباغت لـ”ابن علي”، المواطن ضد نفسه بعد أن غادر النظام (السابق) كرسي الحكم.

كان الأمل في حصاد وافر لما بعد هذا الربيع كبيرا..
لكنه، وبعد كل يوم يمضي يكتشف المواطن العربي أنه خدع، وأن الدم الذي دفعه ليحيا الوطن بحرية لم يكن إلا ماء مهدورا في طرقات لا تعترف بالياسمين (التونسي) ولا بالورد (الذي تفتح في جنائن مصر)..

دمشق وريفها وشقيقاتها السوريات تحت وطأة القصف اليومي، نار حارقة منها، وأخرى مضادة من هناك، والثمن مقومات هذا البلد العربي، والقاهرة كحال غيرها من المدن المصرية يعتدى يوميا على المواطن وممتلكات الوطن، والمتهم طرف ثالث، لا هو النظام (الإخواني) ولا شباب الثورة، مدارس وقصور أثرية وهيئات حكومية تحترق والفاعل مجهول.

في هذه البلدان، وغيرها من جمهوريات الربيع العربي (وممالكه) يحيّد الحوار كحالة غير مرغوبة للتسويق، وعلى الرصاصة أن تكتب النهاية بدم مواطن، حلم ذات يوم بالحرية والعيش الكريم، فإذا به يفتقد حياته.. كلها.


اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات