تلتقي تونس كثيرا مع مصر في بعض المعطيات و التفاصيل الحضارية و التاريخية رغم خصوصية كل بلد و إختلاف المضمون ؛ إلا أنهما تلتقيان في تعدد الثقافات و الأعراق و مرور الغزاة والفاتحين الذين تركوا أيضا آثارا لا تمحى انصهرت في بوتقة تلك البلدان لتصبح جزءا لا يتجزأ من وجهيهما الحضاري المتعدد الروافد.
و كذلك يلتقي البلدان في أحد المعطيات الجديدة و هو أن الفصيل الحاكم الآن في البلدين ينتمي إلى فصيل الإسلام السياسي و ربما يمكننا القول أن لهما جذر واحد و خلفية واحدة لعلها تصل إلى حد التنسيق فيما بينها إذ أن الفصيلين الحاكمين هما وجهان لعملة واحدة هي جماعة الإخوان المسلمين ..
و قد وقع الخميس الماضي (16 فبراير ” فيفري”) حدث يبدو بسيطا للوهلة الأولى رغم أنه يطرح الكثير من التساؤلات و يحمل العديد من الدلالات الغامضة .. إذ فوجئ الجميع براية بالغة الضخامة لحركة النهضة الإسلامية تتدلى بعرض الشرفة التي تتصدر واجهة المسرح البلدي خلال المظاهرة الكبيرة التي أطلقت عليها الحركة ” مظاهرة دعم الشرعية ” ؛ و بغض النظر عن دوافع تلك المظاهرة التي حرصت على إستعراض قوة الحركة أو أغراضها ؛ نعتقد أنه كان من الأجدى و الأكثر طمأنة للجميع أن يتدلى مكان تلك الراية التي تمثل فصيل سياسي بعينه و إيديولوجية محددة .. العلم التونسي الذي يمثل الدولة بوجهها الحضاري المتنوع على كافة الصعد و الذي لا يقوم على إقصاء ثقافة أو عرق أو خصوصية ما ؛ و هو ما يفرض سؤالا حول إن كان ذلك تصرفا متعمدا أم عفويا ؟ ؛ و حتى إن كان ذلك عفويا فهو بلا شك أمر جانبه الحصافة السياسية على الأقل إذ أنه قد يحمل رسالة غير مطمئنة للداخل و الخارج معا .. ؛ أما إن كان ذلك تصرفا متعمدا فأظنه سيجلب على الحركة الكثير من المتاعب المحمولة على صهوة سوء الظن على الصعيدين الخارجي و الداخلي معا و يمكن أن يستغلها الخصوم السياسيين إن كانت لديهم البراعة و الحنكة السياسية اللازمة ..
– فالمسرح البلدي و هو أكبر و أهم مسارح تونس و واجهتها في المهرجانات و الإحتفالات الكبرى يعد الوجه الثقافي الرسمي للبلاد ؛ و قد روى لي غير ذات مرة الأخ و الصديق الكبير الكاتب المسرحي ” عزالدين المدني ” كيف كان دخول أبناء المدينة العربية للمسرح البلدي بمثابة تحرير له من النفوذ الأجنبي و إعلان إستقلال ثقافي أسهم في معركة إستقلال تونس و لايقل خطرا عما قام به المناضلون في مناح أخرى ؛ و بناء على ما ذكرناه آنفا فإن لهذا المكان تحديدا دلالات معنوية على مختلف الصعد تمثل وطنا بأكمله ..
– أمر آخر هام يفجر تساؤلات حول دلالة ذلك الفعل حيث يعرف الجميع موقف تيار الإسلام السياسي من الفن الرابع و التمثيل بشكل عام .. ؛ و لا يحدثني أحد عن أن الأستاذ “حسن البنا ” أنشأ فرقة مسرحية فذلك حديث آخر .. خاصة و أن الشيء الذي قدمه آنذاك بوصفه مسرحا لا علاقة له بفن المسرح اللهم من حيث الشكل نسبيا و كان له موقف من المرأة لا يتسع المجال له الآن
– و قد أعاد ذلك التصرف إلى الأذهان مقولة الشيخ ” محمد حسين يعقوب ” في مصر عن”غزوة الصناديق ” التي أطلقها على تعديلات دستورية سياسية لا علاقة لها بغزوات أو فتوحات ؛ أو فسطاط للإيمان يمثله من يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة .. في مقابل فسطاط للكفر يمثله الجانب الذي يعارضهم ؛ حيث أعتبر المثقفون و المسرحيون في تونس أن هذا العمل هو إحتلال لدار تتسع للجميع من قبل تيار بعينه دائما ما يعتمد مبدأ المغالبة عندما يتمكن و يستتب له الأمر .. و قد بدا هذا التصرف بمثابة غزوة للمسرح مرادف لغزوة الصناديق ترتب عليها بعد فتحه وضع راية لا تمثل إلا وجها أحاديا لتونس فيما تمتلك وجها حقيقيا بالغ الجمال و الثراء بفضل تعدده و تنوعه .. تساؤلات و دلالات بالغة الخطر قد تكشف عن عورات لم و لن يسترها إلا علم تونس الإفريقية المتوسطية العربية المسلمة
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.