بين غزوة المسرح البلدي وغزوة الصناديق : أسئلة و دلالات

07:24 صباحًا الإثنين 18 فبراير 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تلتقي تونس كثيرا مع مصر في بعض المعطيات و التفاصيل الحضارية و التاريخية رغم خصوصية كل بلد و إختلاف المضمون ؛ إلا أنهما تلتقيان في تعدد الثقافات و الأعراق و مرور الغزاة والفاتحين الذين تركوا أيضا آثارا لا تمحى انصهرت في بوتقة تلك البلدان لتصبح جزءا لا يتجزأ من وجهيهما الحضاري المتعدد الروافد.

و كذلك يلتقي البلدان في أحد المعطيات الجديدة و هو أن الفصيل الحاكم الآن في البلدين ينتمي إلى فصيل الإسلام السياسي و ربما يمكننا القول أن لهما جذر واحد و خلفية واحدة لعلها تصل إلى حد التنسيق فيما بينها إذ أن الفصيلين الحاكمين هما وجهان لعملة واحدة هي جماعة الإخوان المسلمين ..

و قد وقع الخميس الماضي (16 فبراير ” فيفري”) حدث يبدو بسيطا للوهلة الأولى رغم أنه يطرح الكثير من التساؤلات و يحمل العديد من الدلالات الغامضة .. إذ فوجئ الجميع براية بالغة الضخامة لحركة النهضة الإسلامية تتدلى بعرض الشرفة التي تتصدر واجهة المسرح البلدي خلال المظاهرة الكبيرة التي أطلقت عليها الحركة ” مظاهرة دعم الشرعية ” ؛ و بغض النظر عن دوافع تلك المظاهرة التي حرصت على إستعراض قوة الحركة أو أغراضها ؛ نعتقد أنه كان من الأجدى و الأكثر طمأنة للجميع أن يتدلى مكان تلك الراية التي تمثل فصيل سياسي بعينه و إيديولوجية محددة .. العلم التونسي الذي يمثل الدولة بوجهها الحضاري المتنوع على كافة الصعد و الذي لا يقوم على إقصاء ثقافة أو عرق أو خصوصية ما ؛ و هو ما يفرض سؤالا حول إن كان ذلك تصرفا متعمدا أم عفويا ؟ ؛ و حتى إن كان ذلك عفويا فهو بلا شك أمر جانبه الحصافة السياسية على الأقل إذ أنه قد يحمل رسالة غير مطمئنة للداخل و الخارج معا .. ؛ أما إن كان ذلك تصرفا متعمدا فأظنه سيجلب على الحركة الكثير من المتاعب المحمولة على صهوة سوء الظن على الصعيدين الخارجي و الداخلي معا و يمكن أن يستغلها الخصوم السياسيين إن كانت لديهم البراعة و الحنكة السياسية اللازمة ..
– فالمسرح البلدي و هو أكبر و أهم مسارح تونس و واجهتها في المهرجانات و الإحتفالات الكبرى يعد الوجه الثقافي الرسمي للبلاد ؛ و قد روى لي غير ذات مرة الأخ و الصديق الكبير الكاتب المسرحي ” عزالدين المدني ” كيف كان دخول أبناء المدينة العربية للمسرح البلدي بمثابة تحرير له من النفوذ الأجنبي و إعلان إستقلال ثقافي أسهم في معركة إستقلال تونس و لايقل خطرا عما قام به المناضلون في مناح أخرى ؛ و بناء على ما ذكرناه آنفا فإن لهذا المكان تحديدا دلالات معنوية على مختلف الصعد تمثل وطنا بأكمله ..
– أمر آخر هام يفجر تساؤلات حول دلالة ذلك الفعل حيث يعرف الجميع موقف تيار الإسلام السياسي من الفن الرابع و التمثيل بشكل عام .. ؛ و لا يحدثني أحد عن أن الأستاذ “حسن البنا ” أنشأ فرقة مسرحية فذلك حديث آخر .. خاصة و أن الشيء الذي قدمه آنذاك بوصفه مسرحا لا علاقة له بفن المسرح اللهم من حيث الشكل نسبيا و كان له موقف من المرأة لا يتسع المجال له الآن
– و قد أعاد ذلك التصرف إلى الأذهان مقولة الشيخ ” محمد حسين يعقوب ” في مصر  عن”غزوة الصناديق ” التي أطلقها على تعديلات دستورية سياسية لا علاقة لها بغزوات أو فتوحات ؛ أو فسطاط للإيمان يمثله من يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة .. في مقابل فسطاط للكفر يمثله الجانب الذي يعارضهم ؛ حيث أعتبر المثقفون و المسرحيون في تونس أن هذا العمل هو إحتلال لدار تتسع للجميع من قبل تيار بعينه دائما ما يعتمد مبدأ المغالبة عندما يتمكن و يستتب له الأمر .. و قد بدا هذا التصرف بمثابة غزوة للمسرح مرادف لغزوة الصناديق ترتب عليها بعد فتحه وضع راية لا تمثل إلا وجها أحاديا لتونس فيما تمتلك وجها حقيقيا بالغ الجمال و الثراء بفضل تعدده و تنوعه .. تساؤلات و دلالات بالغة الخطر قد تكشف عن عورات لم و لن يسترها إلا علم تونس الإفريقية المتوسطية العربية المسلمة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات