رسالة للمصدر العسكرى

04:57 مساءً السبت 23 فبراير 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قبل أيام نشرت مقالاً بعنوان «هات اللى عليك يا سيسى» أذكّر فيه الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع بالجرائم التى ارتكبها جنود وضباط فى الجيش المصرى عياناً بياناً ولم يحاسبهم عليها أحد، ولا نعرف مصير التحقيقات التى قيل إنها ستجرى معهم من فحص عذرية اعترف هو شخصياً بأنها قد حدثت حين كان يتولى مسئولية المخابرات الحربية، مروراً بوقائع ضرب وسحل وتعذيب للمتظاهرين، لعل أشهرها ما تعرّض له كثيرون فى مجلس الوزراء على يد أحد ضباط الصاعقة الذى نُشر اسمه وصورته ولم يحقق معه أحد أو يحاسبه حتى الآن، وليس وصولاً إلى تعرية ست البنات على الهواء مباشرة وسحلها فى فضيحة عالمية لم نسمع عن محاسبة المسئول عنها ومحاكمته حتى الآن، وتصادف نشر المقال مع خروج الشائعة البالونة التى أطلقتها (قوى سياسية) حول إقالة السيسى، وهى الشائعة التى تسببت فى غضب شديد داخل أروقة الجيش جعل اللعب على المكشوف بينه وبين الإخوان، وأصبح كل منهما يرسل برسائل للآخر، ونشط المصدر العسكرى والمحللون العسكريون فى تسريب هذا الغضب، والتأكيد على رسائل أهمها أن ما حدث مع طنطاوى وعنان لن يتكرر مرة ثانية، إضافة إلى أن الجيش لن يسمح بمحاولات أخونته، وواكب ذلك كتابات وآراء من العديد من كتّاب الأعمدة ورؤساء التحرير ومقدمى برامج التوك شو، بدا واضحاً أنها منحازة للجيش ضد الإخوان، وكشر الجيش عن أنيابه فى استعراض للعضلات وقرصة ودن لمرسى وجماعته، فنشرت الـ«واشنطن بوست» أن صبر الجيش بدأ ينفد وأنه قد يستولى على السلطة مرة أخرى، وقالت وكالة الأسوشيتدبرس كلاماً مشابهاً كرره كثيرون تلميحاً فى حوارات ودية مع عدد من الإعلاميين، مما جعل مرسى يبادر بالشكر تلو الآخر للجيش وقياداته، ثم يستقبل السيسى، ويخرج بالصور وهما فى وضع الابتسامات اللطيفة الذى لا يبدو أنه يظهر ما يضمره كل منهما للآخر من مشاعر، وربما تصرفات وقرارات.

عقب نشر مقالى اتصل بى صديق وقال لى إن الجيش زعلان من مقالك، فظننته يمزح، لكن فى زيارة لى للجريدة قالوا لى إن الجيش «واخد على خاطره» وإنهم ردوا بأننى كاتب رأى وكل صاجب رأى حر فيما يكتبه، وكنت سأعتبر الأمر مزحة، لولا أننى قابلت صديقاً عزيزاً ومقرباً قال لى إن مقالى ضايق الجيش لأنهم شعروا أنه بتوقيته هذا جزء من مؤامرة ما وأننى ربما أكون مدفوعاً، ثم قال لى صديق رابع إنه كان يتحدث مع (مصدر) عسكرى -بحكم المهنة- فشكا له من المقال وتوقيته ودلالاته واستخدامه دون أن يعرف أننا أصدقاء.

ظللت مستغرباً من الأمر، ربما إلى الآن، لأن هذه الوقائع -وهى صحيحة- تعكس ارتباكاً شديداً فى تعامل الجيش الذى -شاء أم أبى- لا يزال جزءاً من المعادلة السياسية فى مصر، وهو ما لا يفهمه كثيرون من قادته الذين يعتبرون أى انتقادات لهم انتقادات للجيش وعسكريته وليس انتقاداً لتصرفاتهم السياسية، ووقائع مثبت أنهم ارتكبوها فى الفترة الانتقالية التى انتهت بأن ابتلانا الله بما نحن فيه الآن، والتى يعرف كثيرون من قادة المجلس العسكرى السابق أن التاريخ لن يسامحهم عليها، ولا نحن، وستظل نقطة سوداء ما لم يعدلوا أوضاعهم ويحاكموا من أخطأ وتجاوز بدلاً من المداراة عليهم، وهو ما ليس له علاقة لا بالإخوان ولا برئيسهم، فليس معنى انتقاد فعل خاطئ أن يسارع «البعض» بمنتهى المراهقة بتصنيفك واعتبارك مع المعسكر الآخر الذى لا يقل فشلاً ولا ارتباكاً ولا ارتكاباً لتجاوزات ومهازل تستحق التحقيق والمحاكمة، كما لا يجب أن نكتب بالمازورة فننقد الطرف الآخر لكى لا يقال علينا إننا معه، وإننا نسانده، ولم يكن العبد لله يوماً طرفاً فى أى اجتماعات عقدها المجلس العسكرى مع رموز ومثقفين وإعلاميين وشخصيات عامة، ثم بعد أن استمع ضرب بكلامهم عرض الحائط ونفذ ما يريده، شأنه فى ذلك شأن مرسى الذى يستمع إلى الجميع ثم ينفذ ما يريده مكتب الإرشاد، ولذلك فما زلت مندهشاً من المقال الذى يجعل هذا (اللوك لوك) يثار حولى بأسلوب هواة وليس أسلوب محترفين المفترض أنهم يفهمون طبيعة المرحلة وطبيعة عملهم.

عموماً، وحتى لا ننزلق كثيراً فى متاهات ربما يُفهم منها أن الموضوع شخصى، وأننى أستغل مساحتى للرد، فلا بد هنا من التأكيد على عدة أشياء.

أولها: أن الجيش لا يزال طرفاً فى المعادلة السياسية، وأنه يجب أن يتقبل ما يوجه للسياسيين من انتقادات، وأننا لن ننسى أى تجاوز ارتكبه أحد أفراده ولم يحاسب عليه.

وثانيها: أن العبد لله شخصياً غير مطالب بالتطبيل للجيش وعظمته حتى يرضى عنى، فالتجربة أثبتت أنهم سياسياً فاشلون فى إدارة بلد، وأن من يطالبون بعودتهم يطالبون بـ«نصف العمى» بدلاً من العمى كله (مرسى والإخوان).

وثالثها: أن مرسى فاشل والإخوان فاشلون ولن يغير الهجوم على خصومهم أو انتقادهم من هذه الحقيقة أبداً.

ورابعها: أننا ما زلنا ننتظر من القادة العسكريين الآن أن يأتوا بحق 18 جندياً مصرياً لقوا حتفهم فى رمضان الماضى، ونُفذت من أجلهم عملية عسكرية غامضة لم نعرف عن أى شىء أسفرت.

وخامسها: هناك شهداء من الجيش فى الشهور القليلة السابقة لا يعرفهم أحد، ومخطوفون لم يسلط عليهم أحد الضوء، ونسمع عنهم مصادفة، ولذلك ننتظر أن يقوم التوجيه المعنوى بدوره ويتعاون مع الإعلام لنقدم شهداءنا كقدوة للناس بدلاً من أن ننساهم ولا نعرف حتى أسماءهم؟

أخيراً:

وما من كاتب إلا سيفنى.. ويُبقى الدهر ما كتبت يداه.

فلا تكتب بكفك غير شىء.. يسرك فى القيامة أن تراه.

وأسأل الله أن أكون من المسرورين بما أكتبه عنكم أو عن غيركم.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات