المجد للرواية الأولى

11:08 مساءً الإثنين 11 مارس 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

منذ ثلاثين عاماً، وفى سنة 1983، نشرت مقالاً فى كل من جريدة الأهرام، ومجلة الهلال، حول انتهاء عصر القصة القصيرة، وسيادة عصر الرواية، وقد أغضب هذا المقال كتاب القصة فى مصر والعالم العربى، ووجهت بحملة ضارية ضد ما كتبت، وقد صدرت كتب بعد هذه الفترة لكل من الدكتور على الراعى، والدكتور جابر عصفور، حول “زمن الرواية”، ومنذ ذلك الحين تقلص عدد كتاب القصة القصيرة، وازدهرت الرواية بشكل ملحوظ فى العالم العربى، وبدا ذلك ايضا من خلال العدد الكبير من الجوائز الأدبية التى تمنح للرواية فى المقام الأول، والآن وبعد ثلاثين عاماً أشعر بالفخر أننى قرأت الحاضر آنذاك، والمستقبل الذى نعيش فيه الآن، وايضا فى السنوات القادمة والعقود.. ربما حتى نهاية القرن الحالى.

وقد تأكدت من ذلك ايضا، وأنا أقوم باعداد موسوعة ضخمة حول الجوائز الأدبية العربية والعالمية، فأغلبها جوائز للرواية، فى الوقت الذى تقلصت فيه أنواع أدبية كانت مزدهرة، وعلى رأسها القصة القصيرة، والشعر، والمسرح.. انه عصر الرواية، ذلك الابداع الجميل، والمدلل، والذى ازداد الاهتمام به فى العقود الثلاثة الأخيرة، فأقيمت من أجله المؤتمرات، والمعارض، والجوائز الأدبية.. والمهرجانات..

انتقل هذا الاحتفاء إلى المبدعين الجدد، أصحاب الروايات الأولى، بصرف النظر عن أعمارهم وبدت هناك حمية خاصة بهؤلاء الجدد، باعتبارهم أصحاب الدماء الجديدة فى عالم هذا الفن الشعبى المقروء فى كل أنحاء العالم، وايضا فى مصر فى زمن العزوف عن القراءة، وبدا الامر بالغ الاهمية فالروائيون الجدد قادمون باضافات جديدة من القصص، والموضوعات والمفردات اللغوية، والعوالم الفريدة وروايتهم تنتظرها الجوائز المهمة، وشركات الانتاج السينمائى والتليفزيونى وايضا أعمال الترجمة إلى لغات عديدة.

فى شهر مايو هذا العام، سوف يعقد فى فرنسا، على سبيل المثال، مهرجان الرواية الأولى فى دورته السادسة والعشرين، فى مدينة شامبرى، بعد أن حقق مهرجان العام الماضى المزيد من النجاح، والاقبال، وجاء إلى المدينة المذكورة اثنان وعشرين كاتباً ينشرون رواياتهم لأول مرة بلغات اوروبية عديدة، وقد حضر المهرجان أحد عشر ألف زائراً، مقابل ستة آلاف زائر جاءوا إلى هناك عام 2011، وقد انتشرت فاعليات المهرجانات فى الفنادق، والمكتبات، والميادين، بما يعنى الاحتفاء الحقيقى بالروايات الجديدة، ومؤلفيها، مما يعنى أننا نعيش عصرا مزدهراً للرواية، فى الوقت الذى تقلصت فيه الانواع الأخرى، وكما أشرنا فإن الروائيين الجدد، قد جاءوا من أنحاء اوروبا، بما يعنى أن ازدهار الرواية ليس أمراً محلياً على بلد واحد، بل هو ظاهرة قارية فى المقام الأول، لعله يذكرنا بالمسابقات السينمائية فى المهرجانات بتخصيص قسم للتسابق بين المخرجين الجدد.

ولا شك أن مشاركة اثنين وعشرين مؤلفاً جديداً بأعمالهم فى المهرجان يعنى أن هناك أكثر من هذا العدد من الروايات قد صدرت، وان الناشرين قد تحمسوا لهؤلاء الأدباء، ووقعوا معهم العقود، وان الرهان قد تم على أسمائهم لدرجة أن الكثير من الناشرين، وضعوا صوراً للمؤلفين الجدد رجال ونساء، على أغلفة الروايات، مثل صورة الكاتبة الشابة جوديت ماير على غلاف روايتها “موبايل” وقد لوحظ فى روايات العام الماضى، أن أغلب المؤلفين من النساء مثل ايزابيل ريفال “بدانة”، وياسمان منتظمى من ايران “أحسن الأيام”، ولوسيل صراد “أنا ماركيزة كاراباس”، وجويل ديكه “آخر أيام آبائنا”، وايمانويل جوتارى “الرابطة الصغيرة”، وغيرهن.

الأسماء الجديدة لا تبدو مألوفة حين نقرأ عنها للمرة الأولى، وفيما بعد يصبح هناك تهافت على أصحابها، ولعل المسيرة تؤكد استمرار البعض، واختفاء أو توقف البعض الآخر.

أما الاحتفاء الاكبر بهذه الأسماء، فيبدو فى أكاديمية جونكور، التى تمنح سنويا جائزتها الكبرى فى الرواية، لافضل اصدار روائى ظهر خلال العام الفائت، وفى هذا الأمر ليس هناك فاصلا عنصريا بين كاتب جديد، وكاتب محترف، ففرصة الترشح متاحة للجميع، وقد فاز بالجائزة الكبرى أدباء ينشرون رواياتهم الأولى، مثلما حدث حين فازت رواية “ساحات الشرق، وتفوقت على روايات كتبها أدباء محترفون، وتكرر الأمر كثيراً فيما بعد.

روايات وجوائز

فى عام 1990، قررت الأكاديمية تخصيص جائزة جديدة للروائيين الجدد وحدهم، حتى وان رشحت أعمالهم للجائزة الكبرى، أو الأم، وذلك تشجيعاً، أو اعترافا بقيمة الكتاب الذين ينشرون رواياتهم الأولى، ومن المعروف أن النقاد والناشرين، والقراء، فى عالم الأدب، ينشرون فى مهرجانات السينما، فى القسم الخاص بالمخرجين الجدد، ان التقنيات تحتاج إلى خبرة، وبمعنى أصح، النظر إلى هؤلاء المبدعين ببعض الشفقة، وبالكثير من الرحمة، والتعامل مع هذه الروايات على أنها الخطوة الأولى لطفل خرج لتوه من عالم الحبو، ليس مطلوباً منه أن يشترك فى سباق الجرى، وأن عمله الأول يحتاج إلى خبرة، باعتبار أن الكثير من روايات كبار الكتاب فى العالم ليست بالضرورة هى الأفضل، أو الأنضج.

وتعمدت أكاديمية جونكور ومسئوليها أن يتم الاعلان عن اسم الفائز بالجائزة فى شهر مارس من كل عام، أى بعد خمسة شهور من اعلان الجائزة الكبرى، حتى تكون هناك مساحة من الزمن بين الفوز فى كلا الحالتين، باعتبار أن القراء يقبلون بقوة على الرواية الفائزة، باعتبارها الأفضل، وفى فرع الجائزة الممنوحة للرواية الأولى فإنها تعتبر بمثابة “الأمل القادم” وبالنظر إلى الروائيين الجدد الذين فازوا بالجائزة منذ عام 1990 حتى الآن، وعددهم ثلاثة وعشرين كاتبا، فسوف نلاحظ عدة سمات أبرزها..

–   منحت الجائزة لروايات مكتوبة، باللغة الفرنسية بصرف النظر عن الهوية القومية لمؤلفى هذه الروايات فهناك كاتب من اصول عربية، وكاتبة ايرانية، وكاتب صينى، كما أن هناك كتابا من قوميات أخرى، فالروائية شان سا مولودة فى بكين عام 1972، بدأت كشاعرة وهى طفلة، ثم ذهبت للدراسة فى فرنسا، واستقرت بها، ودرست الفلسفة، وحصلت روايتها الاولى “باب السلام الصافى” على جائزة جونكور فى مجال الرواية الأولى.

والغريب أن أكثر هذه الاسماء لم يبرز فى عالم الأدب، مثلما هو متوقع، فلم يصبح الفائزون الخمسة الأوائل للجائز نجوما فى العقد الثانى من القرن الحالى، وهم: هيلين دو مونفران “صديقات الواز”، وآماند جوبرى – فال عن رواية “ابليس”، وهى مكتوبة بمنطوقها العربى، ثم نيتاروسو “زهور الايريس الزرقاء”، وبرنار لامارس، فاول “طب بيطرى”، وفلورانس سيفوس “الظهور”، الا ان للكاتب جان – كريستوف روفن شهرته وهو الفائز بالجائزة عام 1997، حيث حصل عليها وهو فى الخامسة والاربعين، ورغم ذلك فان “الأعماق” كانت عمله الروائى الاول، هو طبيب، ومؤرخ، وقد صار اصغر عضو فى الاكاديمية الفرنسية عام 2008، وقد حصلت روايته الاولى على جائزة اخرى تحمل اسم البحر المتوسط، وبيع منها ثلاثمائة الف نسخة كما ترجمت الى تسع عشرة لغة، مما يبين اهمية الرواية الاولى وقد حصل الكاتب على جوائز عديدة عن رواياته التالية، ومنها “انقذوا اصفهان” عام 1998، و”الاسباب الضائعة” 1999، و”برزيل حمراء” 2001، و”عطر آدم” 2007، و”كتيبة” مكتوبة بمعناها العربى عام 2010، والقلب الكبير عام 2012.

فى الوقت الذى نرى فيه كاتب آخر هو بنجامين برتون 1974، قد فاز بالجائزة عن روايته الأولى “لننقذ أنفسنا” عام 2000، وليست هناك معلومات عن رواياته الخمس التى نشرها حتى اليوم ومنها “قراصنة” 2004، و”ضربة حرب” 2007.

وكما هو ملاحظ فان اكثر من فاز بهذه الجائزة من النساء، ومنهن الممثلة فرانسواز دورنيه المولودة عام 1949، التى فازت بجائزة جونكور للرواية الاولى عام 2004، بعنوان “ابنة الصف الاخير” والكاتبة لها العديد من المؤلفات المسرحية، كما أنها لم تكن مؤلفة الرواية الواحدة مثلما فعلت كاتبات كثيرات منهن سيمون سيتيوريه، ومارى فرانس بيزيه، فقد نشرت روايات اخرى منها “القاتلة اللذيذة” 2006، “لمسات سحرية” 2009، ولها العديد من الكتابات السينمائية، بالاضافة الى ظهورها فى عشرة افلام، واكثر من ثلاثين مسلسل تليفزيونى فاى نشاط مكثف، تقوم خلاله بتأليف روايات وتفوز بجائزة الرواية الاولى.

من المهم الاشارة الى الادباء ذوى الجذور العربيى اللذين فازوا بهذه الجائزة يكتبون بالفرنسية الاول هو الجزائرى المولود سليم باشى، المولود عام 1971 فى عنابة، توجه الى باريس لاول مرة عام 1995، ثم عاد اليها للدراسة بعد عامين، درس فى السوربون، وفازت روايته “كلب اوليس” بجائزة الرواية الاولى، وقد كتب النقاد فى الجزائر انه اكثر الادباء الجدد موهبة، وتتحدث الرواية عن سنوات الاستعمار الفرنسى للجزائر كما كتب عن الارهاب المسلح فى الجزائر، وتخيل مدينة تاريخية رومانية تدور فيها احداث اعماله الروائية كما اهتم بجذور العنف والارهاب، وقد رشحت رواياته الثمان للحصول على جوائز كبرى فى فرنسا من خلال اعماله المنشورة لدى جاليمار، من هذه الروايات “كاهيتا” 2003، و”اقتل الجميع” 2006، و”ستة حكايات ليلية” 2006، و”صمت محمد” 2008، “قصص حب ومغامرات سندباد البحرى” 2010، و”أنا خالد خلخال” وهو يعيش بين الجزائر وفرنسا.

أما الكاتب الثانى ذو الجذور العربية فهو التونسى هادى قدور، مولود عام 1945، من أب تونسى وأم فرنسية، درس الاداب الحديثة، عمل مترجما من اللغات الانجليزية، والالمانية والعربية، كما عمل مدرسا للأدب الفرنسية فى المدرسة العليا بليون، كما عمل فى المدارس الامريكية بباريس، بدأ حياته الادبية كشاعر، الا ان كتابه الاول كان لدى الناشر جاليمار بعنوان “والتنبرج” عام 2005، الذى فاز بجائزة جونكور للرواية الاولى حول عالم المغامرات والتجسس فى القرن التاسع عشر، وقد اختارت مجلة “لير” هذا العمل باعتبار احسن رواية فرنسية صدرت فى العام نفسه.

الغريب ان الشاعر الذى اصدر سبعة دواوين شعرية، بين عامى 1987، و 2000، قد توقف عن كتابة القصائد، بعد النجاح الذى لاقته روايته، وعاد مرة أخرى لكتابة الرواية، بعد خمس سنوات برواية جديدة “نعرف كيف نعيش”.

الملاحظ هنا ان هؤلاء الادباء قد عرفوا ما يسمى بتوهج الرواية الاولى فى المقام الاول وان الكثيرين منهم لم يشهد توهجا فى الروايات التالية الا قليلا، لكن الكثيرين منهم لا يزالوا فى مقتبل العمر، لن نستطيع الحكم النهائى على قدراتهم الابداعية، الا بعد عقدين من الزمان على الاقل، لكن الظاهرة لاتزال تدلى بدلوها، تسعى الى ضخ دماء الحماس لدى الكتاب ان يكتبوا وينشروا.. وسوف يتم اختيار أحدهم أو أكثر، ولا شك أن الفرصة الاولى لا تتاح الا مرة واحدة، ومن المهم اقتناصها، فليست هناك مبادرة لتشجيع الرواية الثانية، لذا فعلى الكاتب أن يكون فى احسن حالاته، وهو يكتب للمرة الاولى، والا يتسرع فى عرض اعماله الاولى على الناشرين خاصة الكبار منهم الا حين يكون واثقا فيما كتب، خاصة ان الجوائز الادبية من هذا النوع تعود بالفائدة فى المقام الاول على الناشر، مثلما تعود الى الكاتب، لان الروايات الفائزة تجد قبولا جيدا من القراء الذين عليهم شراء أعمال ادبية مضمونة ان تكون جيدة.

فى مصر، ازدهرت الرواية الاولى بشكل ملحوظ، خلال السنوات الثلاثين الماضية، وتحمست دور نشر عديدة للادباء الجدد، وفتحت لهم ابوابها، مثل احمد مراد، واحمد العايدى، ومحمد علاء الدين، واصدر المجلس الاعلى للثقافة سلسلة الكتاب الاولى، التى تحتفى بالكتاب الجدد، ولم تقتصر السلسلة على الرواية بل صدرت مجموعات قصصية، وكتب غير ابداعية، وفى مجال الرواية كانت هناك أسماء برزت فيما بعد فى هذا العالم، وصار اصحابها بارزين.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات