مات من يمثل دينى.. وبقى من يتاجر به

06:47 مساءً الثلاثاء 26 مارس 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مات محمد يسرى سلامة الرجل المحترم العالم الذى اجتمعت على حبه والحزن على وفاته طوائف متناحرة فى دولة الفرقاء الشهيرة بمصر. لم تدنس لحية محمد يسرى سلامة بمتاجرة فى الدين أو قذارة سياسة أو نجاسة مناصب لعنت أصحابها فلم يجدِ معهم استنجاء أو اغتسال، وأغلب من نعوه كتبوا عبارة كاشفة: «مات من يمثل دينى.. وبقى من يتاجر به». نعاه أقباط غيروا صورهم على حساباتهم الشخصية فى شبكات التواصل الاجتماعى لصورته، ليكون -تقريباً- أول مسلم ملتحٍ سلفى يحزن من أجله الأقباط بعد سيد بلال. دعك من قذارة أحد السلفيين المنتمين للجبهة السلفية والذى كتب ما يعد (شماتة) فى وفاة (أبومروان)، فإن خرج العيب من أهل العيب ما يبقاش عيب، ولتنظر لسلفيين محترمين أعلى شأناً ومقاماً وأكثر أدباً واحتراماً نعوا صديقهم السابق الذى اختلفوا معه بعد مواقفه السياسية وانضمامه لحزب الدستور الليبرالى رغم كونه متحدثاً رسمياً سابقاً باسم حزب النور.

يكتب د.محمد يسرى سلامة على حسابه على «تويتر» قبل وفاته بفترة «إذا كنت لا تتعامل بأخلاق الدين فى السياسة مع مخالفيك، فكيف تزعم بعد ذلك أنك ضد الفصل بين الدين والسياسة؟!.. أنت فعلاً فصلت بينهما». أفكر ملياً فى العبارة وأنا أشاهد عشرات من السلفيين والمحسوبين على تيارات إسلامية وميليشيات «حازمون» يقفون عند بوابة مدينة الإنتاج الإعلامى. أحدهم يقسم بالله أنه سيفصل رأس الإعلامى عن جسده لو رآه، والآخر يؤكد أن دماء الإعلاميين حلال، فيما يقول ثالث «أنا وهبت نفسى لله» لكنه يستطرد: «يا ولاد المت….» ويؤكد أنه سيضرب الإعلاميين بمطواة على (ط….)، ولا تفعل الشرطة أى شىء، ولا تستطيع، ولا تجرؤ، ولا تملك، لأن رئيس الجمهورية شخصياً أعطاهم إشارة مرات ومرات، وفخامته قال فى الخطاب الرئاسى الغريب والمرتبك كلاماً يبدو وكأن من كتبه له من مكتب الإرشاد حيث استخدم مصطلحات وعبارات كانت نفسها التى استخدمها المتحدث الرسمى باسم الإخوان فى مؤتمر صحفى سبقه بليلة، وسألوا فيه عن صمت الرئيس، وها هو الرئيس يتكلم بما أملاه له مكتب الإرشاد ويصك مصطلح (الغطاء السياسى) الذى صكه مكتب الإرشاد، ويوجه التحقيقات حين يؤكد أن (سياسيين) قد يكونون متورطين فى أحداث العنف، ويتحدث عن الأصابع التى تلعب فى مصر (أستغفر الله العظيم)، مؤكداً أنه سيقطعها. خطاب آخر مرتبك وبه كثير من الارتجال والعشوائية والتحريض من رئيس يرى أنه يمكن أن يضحى بشوية ناس من أجل مصلحة الوطن، بينما لم يتحدث عن تضحيته هو، أو يقل لنا لماذا يضحى بمن أشار إليهم، ويعتبرها تضحية إلا إذا كان ذلك سيتم بدون غطاء قانونى، وهو ما يدعونا للتساؤل: نشيل الغطاء ولّا نحط الغطاء يا ريس؟

الأمر سينتهى على الأرجح بمصيبة جديدة. ربما اعتداء على إعلامى، وربما دماء أخرى تراق، والفضيحة ستظل بجلاجل، وتستمر طالما أن الرئيس لا يريد أن يفهم معنى أن يكون رئيساً لكل المصريين، وطالما أن الإسلاميين لا يدركون اللحظة الفارقة التى أتتهم، وبدلاً من أن يستغلوها لترويج مشروعهم وتسويقه ورفض الظلم والبلطجة والإرهاب الذى تعرض له أغلبهم، استغلوه فى تشويه الآخرين وتسوىء أنفسهم ونزع الغطاء عن عوراتهم، ليصدق ما كتبه محمد يسرى سلامة قبل رحيله: «ما زلتم تنازعوننى وها هى الأيام تثبت يوما بعد يوم أن (الإسلاميين) ما كان ينبغى لهم أن يكونوا فى الصدارة فى هذه المرحلة»، لكنه يعود ويستطرد فى آخر تغريدة له قبل وفاته: «إن كان حظى فى الحياة قليلها.. فالصبر يا مولاى فيه رضاكَ».

يا رب ارحم محمد يسرى سلامة، وارحمنا.. وصبّرنا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات