المخرج السينمائي الجزائري مرزاق علواش: أنا حر في إدانة (التائب)

12:41 صباحًا الأربعاء 3 أبريل 2013
حسنات الحكيم

حسنات الحكيم

شاعرة وكاتبة صحفية من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مرزاق علواش: مخرج جزائري مثير دائما للجدل، يؤمن بأحقية الابداع السينمائي في فضح المسكوت عنه

حصدت أفلام مرزاق علواش عشرات الجوائز السينمائية الرفيعة، ونظمت له مناسبات احتفاء وتكريم في مهرجانات وملتقيات عربية ودولية، وظلت أعماله السينمائية قريبة على الدوام من خصوصيات الإنسان الجزائري، واتكأت معالجاتها الدرامية المتنوعة على براعة في توظيف مفردات اللغة السينمائية، وذلك لمنح قصصه الزاخرة بالعزلة والانكسارات عذوبة بصرية لافتة.

ورغم استقرار علواش تماما في باريس، لا تغيب الجزائر عن أفلامه، وهو لا يكاد يبتعد عنها حتى يعود إليها، لأنه يدرك يقينا وهو الذي يعد (أول سينمائي تجرأ على الحديث عن الواقع اليومي في الجزائر في فيلمه “عمر قتلته الرجولة”)، أنه استطاع أن يثير الجدل بأعماله التي تعري المجتمع في بلاده من خلال مواضيع تنبع من الهم الإنساني وتعبر عن الواقع بكل ما يحمله من قسوة.

والمخرج الكبير الذي يشكل حالة خاصة في السينما الجزائرية، يهوى تخطي الخطوط الحمراء، ويعشق تعديها بجدارة، في كل أفلامه، وكان آخرها “التائب” الذي حصد جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي، وقد علقت لجنة التحكيم على فوزه قائلة: (نظرا لما فيه من شحنة قوية ومتنوعة من المشاعر ولأسلوبه الدقيق في معالجة شخصيات مركبة في لحظة مأساوية من وجودهم ومن تاريخ وطن)، وقد عرض الفيلم أيضا في المسابقة الرسمية للأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير، وحصلت بطلته “عادلة بن دمراد” على جائزة أفضل ممثلة، وكان عرض الفيلم الأول في برنامج “نصف شهر المخرجين” في مهرجان “كان” في دورته الخامسة والستين، وحول هذا العمل المهم، ورحلة مخرجه الفنية طوال 36 عاما، توقفت “آسيا إن” مع مرزاق علواش خلال زيارته السريعة إلي القاهرة في الحوار التالي:

ـ فيلم “التائب” يعود إلى نهاية حقبة التسعينيات عندما حاولت السلطات الجزائرية إنهاء دوامة العنف وتحقيق نوع من المصالحة الوطنية وتشجيع عودة من تعتقد أنهم ضللوا بالانتماء إلى الجماعات المسلحة إلى مدنهم وقراهم، فأصدرت ما عرف حينه باسم ميثاق “السلم والمصالحة الوطنية” في عام 1999 أو لاحقا بـ “قانون الوئام المدني”، وأنت وضعت هذا القانون تحت المجهر في فيلمك، فما الذي اردت أن تبوح به؟

ـ أعتقد أنه في السنوات الأخيرة وخاصة منذ بداية الثورات العربية، أو ما اصطلح عليه بالربيع العربي، عرفت الجزائر مبادرة فتحت النقاش بين الجزائريين، ورأيت أن هناك رغبة في الحديث عن كل ما يتعلق بالجزائر في السنوات الأخيرة الماضية وما توصلنا إليه بعد هذه السنوات، ولا يمكن أن ننسى أن الجزائر هي الأولى التي بادرت بالانتفاضة في 5 أكتوبر 1988 حين حطمت احتكار الحزب الواحد للسلطة ثم عشنا بعدها عشرة سنوات من العنف والتقتيل، وبسبب ما يحصل من حولنا فتحت فئات الشعب الملفات السابقة والعديد منها كقضية المفقودين وضحايا الإرهاب وغيرها، ولقد عشت مراحل مختلفة من تاريخ الجزائر من الثورة الزراعية إلى أكتوبر 88 ثم الإرهاب، وعندما انتفض العالم العربي لاحظت أن الشعب الجزائري لديه رغبة في الحديث عما جرى حتى لا نعود له، وهناك خوف من العودة إلى نفس المراحل السابقة وكأننا لم نقم بأي تضحية، ولذلك كان يجب أن أتناول وأتحدث عن كل هذه المراحل حتى لا نقع في نفس الأخطاء وبنفس الخطوات.

المخرج والفيلم

وأنت فضلت تناول مرحلة ما بعد السنوات العشر السوداء، لماذا تريد أن لا ينسى الجزائريين تلك الحقبة ويعودوا للوئام؟

ـ في الحقيقة، عندما أتحدث عن أي موضوع في السينما لا أحدده مسبقا، أنا أقدم أفلاما كوميدية وأخرى درامية وأنا حر في هذا، ولكني فقط عدت إلى سيناريو كتبته منذ فترة طويلة وهي قصة كتبها أحد القراء في جريدة فرنكوفونية سنة 1999، عن تائب ابتز مواطنا، وكانت لدي الرغبة في الحديث عن هذه الفترة، فإذا كان الجزائريون يريدون أن يتوقف العنف، أعتقد أنه عليهم الحديث عن عشرة سنوات وهم يقتتلون فيما بينهم، وفتح النقاش حول مراحل مختلفة من تاريخ الجزائر ليس صدفة، أنا ديمقراطي وأؤمن بالحوار، ويمكن أن أتحدث في أي موضوع، لكن تبقى القصة إنسانية بحتة لا علاقة لها بالسياسة ولا بالقوانين ولا بوضعية الجزائر.

إذا لم نحل مشاكل الجزائريين العالقة بكل أنواعها وأبعادها، سيبقي الباب مفتوحا لمرض الإرهاب

ولكن نهاية الفيلم أكدت بأن لا شيء تغير، لم هذه النتيجة وهل هي عن اقتناع شخصي أو حقيقة مسلم بها؟               

ـ أنا أعتقد أن الإرهاب مثل السرطان لم نقض عليه تماما، وهو موجود إلى اليوم وإذا لم نحل مشاكل الجزائريين العالقة بكل أنواعها وأبعادها، سيبقي الباب مفتوحا لهذا المرض، لينتشر في الجسد، وعلينا أن نغلق كل الأبواب ولا نترك مجالا أو ثغرة لعودة الأخطاء السابقة، ومن ثم كانت إدانتي في الفيلم للتائب.

 الموسيقى مهما كانت لا تصلح لهذا الفيلم

طغى على الفيلم الصمت، والحوار كان متقطعا وأعطي الفرصة للصورة أكثر ومن دون موسيقى، هل هذا النمط في التعبير السينمائي اختيار فني أو طبيعة للقصة؟

ـ اخترت الصمت للسببين الذي تضمنهما سؤالك، فالقصة درامية قاسية عنيفة، رأيت أن الصمت يعبر أكثر عما كان يحدث، هناك بعض المواقف لا يصلح معها الكلام، أو أن الكلام يعجز عن وصفها فيكون الصمت أفضل، كما أنني أردت القول إن هؤلاء الذين نتحدث عنهم لا يرحمون، لا يفهمون معنى الحوار، وبمجرد أن تتحدث يقطعون الكلام، كما أنني أتحدث عن الصمت بعد المأساة، عن ذلك الصمت المتواصل خلالها وبعدها، والحديث ممنوع في الحالتين، ولماذا لم أوظف الموسيقى؟ لقد حاولت أن أضيفها عند تركيب الفيلم، وكلما اخترت موسيقى لمشهد وجدتها لا توافقه أو لا تعبر عنه، وانتهيت إلى قناعة بأن الموسيقى مهما كانت لا تصلح لهذا الفيلم، وكان هذا اختياري الأخير، حتى لا تصبح العمل ميلودراما لا معنى لها، ويبقى الفيلم عبارة عن قصة تمثلها ثلاث شخصيات، تحكي مأساة إنسانية لا غير وكل يفسرها كما يريد.

لا تحكموا على الفيلم سياسيا، أريد أن ينظر إليه على أنه عمل فني خالص

لقد أثير الكثير حول فيلمك، منها رفض وزارة الثقافة الجزائرية الموضوع، ثم رفض تمويله، هذا بخلاف اتهامات الصحافة في الجزائر من أنك تعبر عن أطراف خارجية تريد الاساءة للوطن، ما هو ردك؟

ـ أنا مخرج فقط، أقدم أفلاما وأفلامي لا تؤدي إلى ثورة، وليس لها أي مفعول أو تأثيرات خاصة الآن بعد أن هجرت الناس قاعات السينما في الجزائر، وأصلا لا توجد قاعات لعروض الأفلام، وأرى أنه يجب أن تطلق يد الإبداع وننتج الأفلام وبعدها ينتقد من يشاء، وتتكلم الصحافة اليوم عن الفيلم حتى قبل أن يراه الجمهور في الجزائر، وتدينه وتتهمني دون أدلة في محاولة لتشويه رحلة طويلة قدمت فيها للجزائر رؤية مختلفة، وفعلا رفضت وزارة الثقافة تمويل الفيلم بسبب الموضوع، وكتبوا لي بالحرف الواحد “السيناريو رائع، لكن الموضوع مرفوض”، وكان ردي “لا تحكموا على الفيلم سياسيا، أريد من اللجنة أن تنظر إليه على أنه عمل فني خالص”، وبعد رفضه، قررت أن أنجزه بمفردي وبميزانية أقل من ميزانية فيلم قصير، وساعدني في ذلك الجائزة المالية التي كنت قد حصلت عليها من مهرجان الدوحة ترايبكا عن فيلمي “نورمال” عام 2011.

هجرة الشباب لا تعني دائما النجاة من الواقع المؤلم

أفهم من ذلك أنك تستثمر جوائز أفلامك لتنتج غيرها من دون الاعتماد على جهات خارجية كما يتهمك البعض؟

ـ فعلا أنا استثمرت القيمة المالية لجائزة “فيلم “نورمال”، واعتمدت على دعم مهرجان الدوحة لأنتج فيلم “التائب” في ظروف صعبة وقاسية وفي وقت وجيز، فقد وجدت إشكاليات في التصوير وفي التمويل وهذا الفيلم تم تصويره بكاميرا لا تتجاوز قيمتها 6000 يورو اشتريتها للغرض لما ضاقت السبل ورفعنا التحدي، وكانت لنا إرادة وعزيمة لإنجاز هذا العمل، وقد توفقنا في إنجازه بجهود كل الشباب المشاركين فيه من ممثلين وتقنيين وغيرهم.

خلال اقامتك في باريس نجحت هناك في تقديم أفلام مثل: “حومة باب الواد” 1994 و”سلاما يا ابن العم ” 1996 “الجزائر .. ذاكرة لبيروت” 1998  و”العالم الآخر” 2001 وغيرها، وقد أشرت في عدد منها إلى الواقع المؤلم الذي عانته الجزائر جراء السنوات السوداء مثلما تعرضت إلى العلاقة بين الجزائريين أنفسهم وما يحيط بهم من فرنسيين، هل تعتقد إن رؤيتك لتلك الأفلام لاقت صدى لها داخل الجزائر؟.

ـ ليس بالضرورة، وأنا قدمت رؤيتي بما اعتقد وافكر، ولا أسعى إلى حلول أو معالجات فأنا اطرح موضوعاتي في أفلام وأعرضها أمام الجميع جزائريين وغيرهم، وقد كان الحزن طاغيا في المجتمع الجزائري قبل وما بعد الاستقلال، وهجرة الشباب لا تعني دائما النجاة من هذا الواقع المؤلم، بقدر ما تتطلب منه تنازلات وتحديات اضافية كان بمنأى عنها في الوطن،  وهذه العينة من الشباب ظلت دائما تتخبط في دائرة من التهميش والمجازفة غير المحمودة العواقب.

يثار في الجزائر حاليا، ما يسمى بصراع الأجيال السينمائية الجديدة مع القديمة، كيف تراه وبماذا تعلق عليه؟

ـ من الجيد أن يقوم هذا الجيل السينمائي الجديد بالتنافس مع الجيل القديم بهذا المعنى، وأنا شخصيا سأركن للتقاعد (ضاحكا)، ولكن أن يصل الصراع إلي ضرورة دفن الجيل القديم وهو حي أو محاولة تشويهه، هنا تصبح الاشكالية، وفي رأيي في مجال السينما عموما ليست هناك خطوط للاختلاف بل تراكم للتجارب السينمائية وتواصل المفروض أن يكون عبر كافة المجالات.

وكيف ترى السينما العربية حاليا؟

ـ أرى أن “السينما التجارية” بعد الثورات قد اختفت تقريبا وتركت المجال للإبداع، كما أرى جيلا سينمائيا جديدا تجاوز الرقابة السابقة وهو الآن منطلق للتجربة بحرية كبيرة، وأعتقد أن السينما العربية هي بصدد أن تتطور وأن النساء في هذه السينما قادمات بقوة، وآمل أن يتمكن الجيل الجديد من الوصول إلى المسابقات العالمية وأن يحصل على جوائز تلفت الانتباه لما يقدم عربيا.

برزت في الآونة الأخيرة أفلام جزائرية حازت على إعجاب النقاد في أكثر من مهرجان خصوصا خلال عام 2012، كيف تنظر إلى هذا التوجه الجديد؟.

ـ أي إنجاز سينمائي جميل هو إضافة إلى السينما الجزائرية، التي طالما جالت في العديد من البلدان ولاقت استحسان المشاهدين من شتى الأذواق والثقافات، ولا شك إن بعض الانتاجات الجديدة جاء بفعل الاحتفال بمرور خمسين عاما على السينما واستقلال الجزائر، لكن ذلك لا يشجع إذا ظلت الأمور على مسارها بهذا النحو،  فالمطلوب إقامة مؤسسات مستقلة ومبادرات ومشاريع لإطلاق إبداعات الشباب كحل دائم بعيدا عن المناسبات.

فيلموغرافيا

 مرزاق علواش مخرج جزائري قدم خلال 36 عاما 14 فيلما، حصد بعضها الكثير من الجوائز، وهذه الأفلام هي:

•    “عمر قتلاتو” (1976).

•    “مغامرات بطل” (1978).

•    “الرجل الذي كان ينظر الى النوافذ” (1982).

•    “حبّ في باريس” (1986).

•    “ما بعد أكتوبر” (1989).

•    “باب الواد الحوم” (1994).

•    “سلاماً يا ابن العمّ” (1996).

•    “الجزائر ـــ بيروت” (1998).

•    “العالم الآخر” (2001).

•    “شوشو” (2003).

•    “باب الوب” (2005).

•    “حراقة” (2009).

•    “نورمال” (2011).

•    “التائب” (2012).

الماضي والحاضر في مواجهة “التائب”

يصور فيلم “التائب” استقبال المجتمع الجزائري لذاك التائب العائد الى قريته حيث لا يتمكن من البقاء فيها فيغادر الى المدينة ليجد له مسؤول الأمن عملا في مقهى يرفض صاحبه ان يدعوه بأخيه، ويظهر نبيل عسلي بطل الفيلم في دور رشيد وعلى وجهه ملامح البراءة لكن رغم قوله انه لم يقتل أحدا تحوم شكوك حول دوره الحقيقي، وهذه الشكوك تتعقبه في يومياته وفي كل ما يحاول ان يفعله ليبدو هو الآخر ضحية لما جرى، ويتقدم النهج الدرامي للفيلم متتبعا خيط الصمت الذي يقول الكثير عن حالة الجزائر حيث يتحول الصمت الى قيمة يقابلها صمت السلطات على ما جرى وكذلك صمت المجتمع بينما يظل الحاضر مرتبطا بذلك الماضي بل هو متوقف عنده وكأنه مقيد به، ويطرح الصمت في الفيلم الكثير من الأسئلة عن إمكانية العفو، عن حقيقة ما جرى وواقع ان محاكمة المتطرفين الذين ارتكبوا عمليات قتل الأبرياء في هذا البلد لم تتم، وقد أدت عادلة بن دمراد دور الأم والزوجة المنفصلة وادى خالد بن عيسى دور الزوج الصيدلي، وفي مشهد طويل يستغرق الجزء الأخير من الفيلم يظل الثلاثة في السيارة التي تقودهم الى قبر الابنة البريئة المقتولة والتي يريد التائب ان يدلهم عليه في مقابل مبلغ من المال، وفي السيارة وخلال الرحلة الطويلة يعترف الإسلامي بما فعله الآخرين بالابنة، وفي حين لا يريد الأب ان يعرف تصر الأم على معرفة كل شيء، معرفة سوف تمكنها من طي الصفحة والنظر الى المستقبل، ولكن حتى هذا الاعتراف يعيد طرح العديد من الأسئلة التي تبقى معلقة بخيال المشاهد، حيث تتحول السيارة الى نوع من وطن على الجميع تعلم كيفية التعايش فيه، وتبقى النهاية مفتوحة على الموت الممكن الذي لا ينتهي في الجزائر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات