ذكريات سينمائية بائسة

09:18 صباحًا الثلاثاء 9 أبريل 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قبل رحيل الرئيس أنور السادات بعام تقريبا، قام بتشكل لجنة يرأسها نائبه حسنى مبارك لكتابة تاريخ مصر، وقد لعبت الأحداث دورها فى عدم تفعيل هذه اللجنة، ولم تتم كتابة تاريخ مصر، واذا نظرت إلى مجالات الثقافات والفنون والآداب، فسترى أن تواريخها لم تكتب قط بشكل متكامل، وقد بدا ذلك فى أنشطة وقرارات لجان المجلس الأعلى للثقافة، وخاصة لجنة السينما، التى كان الأجدر بها طوال سنوات تشكيلها أن تكون لجنة فرعية حقيقية لكتابة تاريخ السينما، أو تاريخ الأفلام.

كتاب قديم، وقع من جديد بين يدى، عبارة عن ذكريات الصبا، والشباب وما بعد ذلك لواحد من الأدباء الذين لعبوا دوراً مؤثراً فى تاريخ السينما، بالاضافة إلى اصداراته العديدة فى الروايات، والقصص القصيرة، وأدب الأطفال، والسير الدينية وغيرها، انه عبدالحميد جودة السحار الذين أثروا بقوة فى الحياة الثقافية، سواء كمؤلف، أو كمنتج سينمائى، كما تولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة السينما فى نهاية الستينيات، ولعدة سنوات.

الكتاب الذى وقع بين يدى من جديد هذا الاسبوع يحمل عنوان “ذكريات سينمائية” صدر عام 1975، عن مكتبة مصر التى يمتلكها أخوه سعيد السحار، وهى الدار التى أصدرت أغلب أعمال نجيب محفوظ وكتاب آخرون منهم عبدالحليم عبدالله.

هو كتاب صغير الحجم بشكل ملحوظ، ملىء بالصور القديمة لنجوم السينما العالمية، وأيضاً بصور تذكارية جمعت السحار بمخرجين، ونجوم سينما، يقع فى مائة وثلاث وستين صفحة، منها خمسة وثلاثين صفحة عبارة عن تحقيقات صحفية، ومقابلات مع السحار نشرت فى مجلة الكواكب، وآخر ساعة، وجريدة الجمهورية، وجريدة السماء، ورغم ذلك فإن ما جاء بالكتاب أمر بالغ الأهمية والخطورة، والمعلومات أو الذكريات التى تحدث عنها الكاتب يمكن أن تثير جدلا كبيرا خاصة ما يتعلق بتاريخ السينما المصرية، جاءت على لسان رجل له هذا القدر من التاريخ، وله أهميته كروائى، وتحولت أعماله إلى أفلام ومسلسلات كثيرة، ومهمة.

السحار في شبابه

ولا أعرف لماذا لم يتوقف أحد من النقاد، أو عارضى الكتب عند “ذكريات سينمائية” كما كتبه السحار، واسمحوا لى أن أضيف إلى عنوان الكتاب كلمة “بائسة” لما عكسته الكلمات عم دفع السحار أن يوافق أن تكتب أسماء بعض الأفلام التى كتبها دون ذكر اسمه، ورغم صراحته فإنه لم يذكر أسماء هذه الأفلام، بعد أن تم محو اسمه، وهو لايزال على قيد الحياة، من عناوين الأفلام، كما لم يذكر الأسماء التى شاهد بها الناس هذه الأعمال، وترك الناس تراها دون أن يسند الحق إلى أصحابه، بل أن السحار لم يجرؤ قط على أن يحيط اللثام عن غموض خاص بالأفلام لايزال مجهولاً حتى اليوم، وسيظل مجهولا الى الابد، طالما أنه وحده الذى يعرف أسرارهذه الافالم أيا كانت قيمتها، فالسحار هو صاحب رواية “المستنقع” التى أخرجها حسام الدين مصطفى باسم “بافكر فى اللى ناسينى” وهو أيضا مؤلف رواية “أم العروسة” التى أخرجها عاطف سالم 1961، ومؤلف قصة فيلم “مراتى مدير عام” لفطين عبدالوهاب 1966، وهو أيضا مؤلف رواية “النصف الآخر” التى أخرجها أحمد بدرخان عام 1968، وفيلم “فجر الاسلام” لصلاح أبو سيف، بالاضافة إلى العديد من المسلسلات التليفزيونية المأخوذة عن سلسلة من الكتب تحت عنوان “محمد رسول الله والذين معه”.

وحسب المواقع الاليكترونية، خاصة الويكبيديا، فإن هناك الكثير من الأخطاء مذكورة حول الكاتب دون أن يقوم أحد بتصحيحها، خاصة أسرة الكاتب التى تعمل فى الحقل الثقافى بقوة، حيث أضيف اسم رواية “أنا الشعب” إلى قائمة أعماله، وهى تخص محمد فريد أبو خحديد، كما ذكر أن له فيلم مأخوذ عن أحد أعماله باسم “نور الاسلام” والصحيح أنه “فجر الاسلام” فاذا كان الأمر هكذا بالنسبة لكبارنا فى الأدب والسينما، فترى كيف يكون الحال بالنسبة لبقية الأجيال، وهذا ما دفعنا إلى الكتابة، رغم أن ما ذكره الكاتب بنفسه لا يكاد يصدق.

من أعمال السحار الروائية

القسم الأول من الكتاب أقرب إلى رواية طريفة، فى صورة سيرة ذاتية، اقرب الى الذكيات بدأت منذ الطفولة، حين ذهب الكاتب لأول مرة إلى السينما، بصحبة أخويه أحمد وسعيد ، كان عبدالحميد آنذاك فى الصف الأول الابتدائى، يلازم شقيقيه كظلهما، وهى مرحلة مليئة بالبراءة، والتلقى، والاعجاب، والدهشة، والتثقيف، وتحدث السحار أن شلة المشاهدين فى حى الضاهر قد انقسمت فى تأييدها إلى قسمين، هؤلاء الذين يذهبون إلى سينما ايديال، والذين يشاهدوا الأفلام فى سينما أوليمبيا، فقد تحمس كل فريق للنجوم الذين يمثلون فى الدار التى يحبها، وقد أعجب السحار وأخواه بالأفلام التى تعرض فى سينما ايديال، وبنجوم الشركة التى تعرض لها الدار الأفلام، ومنهم من نتذكرهم الآن دوجلاس فيربانكس، ومارى بيكفورد، وتشارلى تشابلن، وتوم ميكس، وهذا النوع من الذكريات يتسم بحنين جارف ومعرفة لكافة الأجيال.

والغريب أن السحار وهو يتكون عن ذكرياته وتكوينه السينمائى، لم يذكر قط فى هذا الكتاب كيف تشكل أدبيا، أو سياسيا، ومن هم الأدباء الذين قرأ لهم، لكنه بدا هنا أكثر شغفا بالسينما: “كانت الأمنية التى تراودنى فى ذلك الوقت أن يأتى ذلك اليوم المبارك الذى يتاح لى فيه أن أركب حصانا وأن أفعل مثلما كان يفعل زكى للدعاية لأفلام سينما ايديال – ملحوظة: نشر كاتب هذه الفصول رواية باسم “وقائع سنوات الصبا” حول هذا العالم فى عام 1996، كما أن حفيدى الذى يعيش فى كندا، لا يكف عن ارتداء ملابس رعاة البقرة حين نتحدث معه عبر الاسكايبى.

يعنى هذا أن ما كتبه السحار يأتى على هوى كل عشاق السينما، الذين مروا بتجارب مثيلة، وانه عبر عنهم جميعا فى كتابه، خاصة ما يتعلق بالطفولة والصبا، حين كان مقياس الفيلم الناجح لدى المشاهدين الصغار يتمثل فى عدد اللكمات التى يسددها البطل إلى أعدائه، وعدد المرات التى يسقط فيها البطل الأشرار.

ولسنا هنا بصدد عرض لما جاء فى هذا الكتاب الذى صدر منذ أربعين عاما، لكن السحار روى قصصا مهمة فى تاريخ السينما، منها حكايته عن فؤاد الشامى، الذى كان يسكن الحى نفسه “كان محدثا لبقا، وكان يجمعنا ويقص علينا مغامراته بالساعات الطوال، وكانت مغامراته من وحى خياله فقد كان فؤاد واسع الخيال. ولو أتم دراسته لكان من أعظم كتاب المغامرات العرب”، هذا الرجل هو الذى قتل الراقصة امتثال فوزى، حين رفضت أن تدفع له الاتاوة، وقد جسده عادل امام فى فيلم “امتثال” لحسن الامام عام 1972، وقد ذكر السحار أنه سمع أن السينما المصرية، تقوم الآن باخراج فيلم عن فؤاد الشامى وقتل امتثال فوزى، وانى لأرجو أن يتعمق السيناريو أسباب انحراف فؤاد وكيف بذرت فيه بذور الشر وكيف ترعرعت تلك البذور”.

أشهر أعمال السحار للسينما: الحفيد

يعنى هذا أن السحار كتب هذه الذكريات السينمائية عام 1970، أى قبل العرض التجارى فيلم “فجر الاسلام” فى فبراير 1971، وقبل أن يؤلف رواية “الحفيد”، وايضا قبل أن يشارك فى كتابة فيلم “الرسالة”، لمصطفى العقاد.

وفى كتابه أكد السحار أن أول أفلام السينما الروائية المصرية هو “ليلى” وليس كما أوعز إلينا البعض بعد أكثر من عشرين عاما فيلما آخر، وقد حضر السحار وشقيقاه العرض الأول للفيلم “كانت قلوبنا ترقص من الفرحة، وكانت كل لقطة تهزنا” كما تحدث الكاتب عن فيلم “العزيمة” وعن نيازى مصطفى، وفى حديثه عن “طاقية الاخفاء” الفيلم الذى أخرجه نيازى مصطفى عام 1944، قال انه كتب قصة “طاقة الاخفاء” وبعث بها إلى المنتج بناء على نصيحة الزميل نيازى مصطفى، فأرسلها إلى السيد مدير عام ستوديو مصر، وجاءه الاعتذار بأن برنامج هذه السنة قد وضع ولا مكان فيه لروايته، ومرت سنة وظهر فيلم “طاقية الاخفاء” للجميع، لمؤلف آخر، ولم أثر، ولم أذهب إلى المحاكم، لم أكن أعرف فى ذلك الوقت أن الفكرة ملك للجميع، وانه ليست هناك فكرة جديدة.

وقد اعترف السحار نفسه، ان فكرة طاقية الاخفاء، قد جاءته بعد أن شاهد افلام “الرجل الخفى” أما الكاتب الذى لم يذكر السحار اسمه فهو عباس كامل، المخرج والمؤلف، والأمر يحتاج إلى مراجعة، فمن المعروف أن أكثر من نصف الأفلام التى كتبها، عباس كامل، أو أخرجها، كانت تنتمى إلى الفانتازيا فترى هل هو توارد خواطر، أم أن عباس كامل استحسن الفكرة، لهذا السبب، فإن السحار، الذى كان آنذاك فى سن الثلاثين، لم يشا أن يدخل فى مشاكل مع أحد، كما أنه لم يذكر اسم عباس كامل فى الكتاب، لأنه كان لايزال على قيد الحياة، فى بداية عقد السبعينيات.

عبد المنعم مبدولي في مشهد من الحفيد

بدا السحار بائسا فى أول تعامله مع السينما، ولفترة طويلة، ليس بسبب أنه لم يكن يهتم بتوقيع العقود لضمان حقه، بل لأن أفلاما عديدة قد كتبها، وتم تنفيذها وصار مصيرها مجهولا، اما ان اختفت، أو نسبت إلى غيره، مثل الفيلم الايطالى المشترك بين المنتج سمهان والجانب الايطالى، حيث انتهى من كتابة سيناريو فيلم “لقاء فى القاهرة” مع المخرج الايطالى فرنتشيو الذى أخرج العديد من الافلام فى مصر، وكان من بطولة رشدى أباظة وممثلة ايطالية، والحقيقة أنه لا يوجد فى قوائم افلام فرنتشيو، ولا رشدى أباظة اسم كهذا، وتدور قصة حول رجل يعمل فى التنقيب عن الآثار.

مأساة درب المهابيل

كما تحدث السحار عن تجربته المريرة فى انتاج فيلم “درب المهابيل” الذى عرض عام 1955، وهو الفيلم الذى كتب نجيب محفوظ قصته، وشارك كتابة السيناريو مع المخرج، توفيق صالح، أما السحار فانه وجد نفسه يكتب الحوار، ويقوم بالانتاج، وفى ذكرياته السينمائية، اشتكى الكاتب من المخرج الذى كان يشطب الحوار بقلمه الأحمر دون أن يناقشنى فيه.. لم أكن أعلم سبب اعتراضه ولم يكن يحدثنى عما يريد.. وكنت أعيد الكتابة، وكان توفيق الحاكم التركى اذى يلهب ظهرى بالسياط، ولا ينطق حزنا، لقد عذبنى توفيق بما لم أعذب به طوال حياتى.. وأحسست بصدرى يضيق”.

وليس أمامنا متسع لنسرد الذكريات السينمائية البائسة للسحار حول هذا الفيلم، فالميزانية لم تكن كافية، وقد فشل الفيلم تجارياً “وخسرنا أحد عشر ألفا من الجنيهات.. ويقول السحار إنه لم يذكر ناقد واحد الفيلم بكلمة طيبة، وكتب صديقنا يوسف السباعى مقالا يقطر سخرية، وقال “المهابيل وراء الكاميرا”.

وبدت حالة البؤس الشديد التى اعترت الكاتب فى كلامه عن الفيلم “كرهب أصحاب الاستوديو ومديره كراهية شديدة، فقد كان المدير متعنتا متعجرفا، وأقول الحق لقد كنت أكثر فرحا يوم أمم استوديو الاهرام فإن ما سرق منا عاد إلى الدولة.

الغريب أنه فى صفحة 63 من الكتاب نشرت صورة لسميرة أحمد على أنها بطلة فيلم “درب المهابيل” رغم أن الممثلة لم تشارك قط فى الفيلم، وكانت الممثلات هن: برلنتى عبدالحميد، نادية السبع، الهام زكى، رفيعة الشال.

تعلم السحار من هذه التجربة أن الكتاب أطول نفسا من الفيلم، وأن الكتاب سلحفاة تسير فى تؤدة واتزان، كما تحدث الكاتب عن تجربته فى كتابة سيناريو فيلم “شياطين الجو” عام 1956، الذى كان من المفروض أن يخرجه عاطف سالم، الا انه فى اللحظة الاخيرة اسند اليه فيلم آخر، وصار الفيلم تحت مسئولية نيازى مصطفى  الذى طالبه بتعديل السيناريو: “وعرض الفيلم فى دار سينما أوبرا ودار سينما قصر النيل معاً، القصة لوجيه أباظة، والسيناريو والاخراج لنيازى مصطفى، والحوار للسيد بدير، وكان نصيبى الفنى فى الفيلم اننى اشتركت فى السيناريو مع المخرج، ورضيت بهذا النصيب”.

ما ذكره السحار فى ذكرياته أمر يثير الجدل، فليس الصدق وحده هو المكتوب فى عناوين الأفلام، ويبدو أن السحار كان ضعيف الذاكرة فى هذا الشأن، ففى بداية حديثه ذكر أن وجيه اباظة هو صاحب الفكرة ثم كتب عن العناوين أنه مؤلف القصة، وعلى عناوين الفيلم، فإن نيازى مصطفى لم يكتب السيناريو، بل اكتفى بالاخراج، وذكر أن السيناريو كان من نصيب عبدالحميد جودة السحار والرجا الرجوع إلى موسوعتنا عن الافلام العربية، فترى من نصدق، والكاتبة نفسه تختلط لدى ذاكرته المعلومات، لكنه هو الذى عاشها.

وقد ظل السحار يتعامل مع المخرجين بمنطق عدم التكيف، كما جاء فى مذكراته، مثلما حدث مع حسام الدين مصطفى الذى أخرج فيلم “بافكر فى اللى ناسينى”، المأخوذ عن رواية “المستنقع” للسحار الذى كتب الحوار، حيث رأى أن هذا العنوان سيخدع الجمهور، وأنه من الافلام الخفيفة، “ولما وجدت أن مواجعى بدأت تتحرك وأن صدرى ينقبض عندما يعاد المنظر الواحد أمامى عدة مرات، فقد خرجت ولم أعد، ولا اذكر أننى تحمست لزيارة الاستوديو فى اثناء تصوير إحدى رواياتى بعدها أبداً.

وفى ذكرياتى عن الفيلم، شكا السحار من أوضاع النقد السينمائى، بشكل ينز مرارة “كنت متعطشا إلى نقد يضع أيدينا على أخطائنا لتجنبها ويعرفنا بما فى أعمالنا من محاسن لنتقنها، ولكنى أقول والأسف يملؤنى أنى لم أجد ما كنت أصبو إليه.

أما المأساة الحقيقية فى تاريخ السينما، فهى ما يخص فيلم كتبه السحار باسم “دموع البلياتشو” عرض باسم آخر، وحتى يخفى السحار كل ما يخص الفيلم، لم يذكر الأسماء، فقد قام المخرج بتبديل السحار ككاتب حوار، واسنده إلى كاتب آخر، فلما قرأه أحس بضيق، فقد كان ذلك منذ النوع المفتعل الذى يهبط بالفكرة، والذى يعتمد على النكتة اللفظية، ومحاولة انتزاع الضحك من الجماهير بأساليب فجة “ولم أعترض وسكت على مضض، فمن يدرى لعل المخرج الخبير على فهم عقلية الجماهير منى..

إذا كان لاسحار قد قبل هذا التصرف من المخرج، فى هذه السنوات، أى فى بداية الستينيات، وقد صار اسمه مرموقاً، فلماذا لم يتنقص من نفسه، ويذكر اسم المخرج، أو الاسم البديل للفيلم، وقد كان عليه أن يفعل ذلك فى الكتاب، فقد صار الآن لدينا فيلم لا نعرف اسمه، هذا الفيلم موجود فى خريطة السينما، حواره ردىء، حسب اعتراف السحار الذى كتب حواره الأصلى، وكما جاء على لسان الكاتب بما يؤلم الفؤاد: وصور فيلم “دموع البلياتشو” بعد أن منح اسما آخر، وذهبت لمشاهدته مع الجمهور، ولا أذكر أنى شاهدت فيلما اشتركت فيه قبل عرضه على الجماهير إلا درب المهابيل” و”شياطين الجو” وبدأ العرض وبدأت متاعبى، أحسست أننى سأنفجر من الغيظ، وسال عرق الخجل يغمر كل جسمى، كنت أرى عملاً تافهاً لا يمت إلى ما كتبته بصلة.

“وانتهى الفيلم ودموع الغيظ تترقرق فى عينى، ولم أطق الانتظار وذهبت إلى مكتب مخرج الفيلم وسألته، عما فعل فقال إن بطل الفيلم وبطلته كانا متخاصمين، أى والله هذا ما قاله لى، وانه اضطر إلى خلق الخط الجديد حتى لا يتلاقى البطل والبطلة.

لا أعرف لماذا لم يذكر السحار اسم هذا الفيلم الذى أخرجه حيسن فوزى باسم “غرام فى السيرك” وسألته عما فعل فقال إن بطل الفيلم وبطلته كانا متخاصمين، أى والله هذا ما قاله لى، وانه اضطر إلى خلق الخط الجديد حتى لا يتلاقى البطل والبطلة.

لا أعرف لماذا لم يذكر السحار اسم هذا الفيلم الذى أخرجه حسين فوزى باسم “غرام فى السيرك” وعرض فى 15 مايو عام 1960. رغم أن المخرج كان قد رحل حين كان المؤلف يدون ذكرياته، وترى من هما البطلان اللذان تسبب خصامهما فى ألا يلتقيا فى القصة، وكيف ارتضى السحار أن تتغير تفصيلات قصته، دون أن يكشف اسم المخرج، والواضح أنه كان قد نسى أن تتغير تفصيلات قصته، دون أن يكشف اسم المخرج، والواضح أنه كان قد نسى أن عناوين الفيلم تضم اسمه كمؤلف للقصة، أما السيناريو والحوار فقد كانا لعباس كامل شقيق المخرج حسين فوزى، واذا كان مثل هذا الاستسلام للأمر الواقع قد جاء من كاتب فى ثقل السحار، فماذا كان يفعل كتاب فى مقتبل الطريق، لاشك أن ما حدث قد كشف عن أن تترات الأفلام المصرية تخفى أسراراً من الواجب الكشف عنها، فحسب هذه العناوين فإن السحار هو كاتب القصة، وهو فيلم مصنوع من أجل اسماعيل يس وبرلنتى عبدالحميد، فهل هما الاسمان المقصودان بأنهما كانا متخاصمين، فلم يلتقيا، وعليه تغيرت قصة الفيلم، كل ما شاهدناه فى هذا الفيلم، الذى عرض لمرات قليلة فى القنوات، اننا امام قصتين منفصلتين، فى سيرك، الأولى بطلها فلفل الذى يحب بهية من طرف واحد، وتعمل فى السيرك وتطمع أن تتزوج من لاعب الاكروبات الرئيسى، هذا اللاعب حسن “فاروق عجرمة” متزوج من اللاعبة وردة، التى تشعر بنوايا بهية نحو زوجها.

فى محيط حديث السحار عن فيلم “المظ وعبده الحامولى” قال: أحب أن أقول إننى كنت أشتغل بالتجارة فى القطاع العام فى ذلك الوقت، وكنت ماهراً فى التفاوض وابرام العقود فيما يختص بغيره، أما اذا كان الأمر يتعلق بى فإنى أرتبك، وأتواضع كثيراً، وأطلب أدنى الأجور!

وقد كان..

وقد اعترف المؤلف أن نيازى مصطفى هو صاحب فكرة عمل فيلم عن ألمظ وعبده الحامولى، كما أنه تصور أن البطولة ستكون لهدى سلطان وفريد شوقى، فجاء السيناريو مليئاً بالحركة على غرار أفلام هذا الثلاثى، لكنه عرف فيما بعد أن حلمى رفلة هو المخرج، وقد كتب السحار انه فى البداية كتب السيناريو والحوار بالاضافة إلى القصة، وقد ارتضى للمخرج  أن يستعين بآخرين لادخال تعديلات على السيناريو، ليصبح العمل ملائما لطريقته ومزاجه، وكل مخرج وله طريقة”.. ومن الواضح أن السيناريو الذى كتبه السحار، حسبما جاء فى ذكرياته قد تغير. وقد فوجىء المؤلف أن اسمه غير مذكور فى الملصقات، فاتصل بالمنتج المخرج الذى أخبره ان اسمه موجود فى عناوين الفيلم الداخلية، وقد وضع السحار لنفسه تبريراً قال فيه “اعتقد أن هذا من حق أى منتج مادام يعتقد أن اسم المؤلف ليس من عوامل جذب الجماهير، واعتقد ان انانية من المؤلفين ان يصروا على كتابة اسمائهم وان هذا الاصرار دليل على احساسهم بعدم أهميتهم، وانهم يريدون ان يفرضوا انفسهم فرضا.

“واقتنعت بأن اسمى ليست له قيمة سوقية، ويوم يصبح اسمى له ثمن سيسارع المنتج بوضعه فوق النجوم”.

وما أسرع ما تخبو النجوم.. الكل باطل وقبض الريح..

كان هذا هو منطق السحار فى تلك السنوات، صحيح أن المخرج والمنتج قد يتحكمان فى هذا الأمر، لكن الأمر لم يحدث مع اساطين كتابة الافلام طوال هذه السنوات، ابتداء من بديع خيرى، وابو السعود الابيارى، وعلى الزرقانى، واحسان عبدالقدوس، والاسماء كثيرة، والغريب أنه رغم التساهل الذى كان سمة بارزة لدى السحار أمام اسمه السينمائى فانه كان تواقا أن يكتب عنه النقاد، باعتباره مؤلف القصة، على الأقل، وقد تأثر كثيرا لأن مصطفى محمود قد “هاجمنى هجوما شديدا ونسب الى كل ما فى الفيلم من أخطاء، وقد كنت – فى رأيه – السبب فى عيوب الملابس وأخطاء الديكور.

“واختتم هجومه بأن قال: اننى لا أملك الموهبة الفنية التى تؤهلنى لكتابة، مثل هذا الفيلم، أو كما قال:

وكتب السحار انه لم ينغمس فى الوسط السينمائى، وكان يعمل على هامشه، ومن تجاربه  القليلة تعلم ان الفكرة الجديدة قلما يقدم عليها أى مخرج.. وان الفكرة التى سبق أن ظهرت فى فيلم أجنبى يوافق عليها دون اعتراض، وقد وجدت مفتاح الموقف، كنت كلما طرأت علىّ فكرة جديدة وأخشى أن ترفض أقول: اسمع الفكرة دى، أنا شفتها فى فيلم أمريكانى، وأسرد الفكرة، وسرعان ما أسمع: مدهشة، وتمر الفكرة بسلام على الرغم من أنها من بنات أفكارى، وليست من بنات العم سام.

وقد تكرر الأمر، أكثر من مرة فى حياة السحار، الذى لا نعرف لماذا ارتضى ألا يذكر اسمه، وهو يحكى حكاية مؤلمة قال فيها: “جاءنى منذ سنين حسام الدين مصطفى واتفق معى على كتابة حوار فيلم سيخرجه فاتفقت معه على مبلغ، ثم أكدت له أنه اذا لم يذكر اسمى سأتنازل عن خمسين جنيها وقد كان، لم يدفع المنتج خمسين جنيها ولم يذكر أننى كاتب الحوار”، فترى أى فيلم كتبه “عبدالحميد جودة السحار” دون أن يفخر به مخرجه، ويطمس الاسم، ويعترف السحار ان النقاد قالوا ان الحوار كان اكثر ما فى الفيلم حركة، وانه لم يحزن على ما فاته، “فلو ذكر اسمى لمرغوا الحوار فى الأوحال وحمدت الله على أننى أنقذت الشرف الرفيع من الاذى.

كما حكى السحار عن تجربته مع فيلم “رسالة إلى الله” الذى أخرجه كمال عطية، وأنتجه إبراهيم مراد فى الوقت الذى فشلت محاولات عديدة عديدة لتحيول رواياته بكافة أشكالها إلى أفلام، ومنها الحصاد كما حكى عن تحويل أقصوصة “عريس لأختى” التى كتبها احسان عبدالقدوس فى صفحة مجلة، واعترف أن المجد كله ذهب إلى مؤلف الصفحة، رغم أنه لا توجد أى علاقة بين النص، وبين الفيلم، وأصابت السحار وسوسة الاضطهاد من المنتج أو المخرج، أو النقاد، ويروى المؤلف متاعبه مع سيناريو لم يتم تنفيذه عن أقصوصة توفيق الحكيم “طريد الفردوس”، ثم تأتى سنوات النجاح، مع عرض فيلم “أم العروسة” وتأتى أفلام أخرى مهمة، كتب قصصها مثل “مراتى مدير عام” و”النصف الآخر” ثم “الحفيد”، وقد وصل الأمر بالكاتب أنه أغلق كتبه وفر من مكتبه وطوى حياة الأديب، وحاول أن يعيش كما يعيش الناس إلا أنه ينجح..

لم نسرد كل ما كان يجب الوقوف عنده فى كتاب كان حظه من القراءة بائسا بشكل ملحوظ، والا انتبه اليه البعض وكتبوا كم أنه كتاب عن ذكريات سينمائية بائسة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات