المخرجة الكندية آناييس باربولافاليت: في الحرب يصير الحياد أمرا مستحيلا

09:20 مساءً الأربعاء 10 أبريل 2013
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لطالما قدمت لنا وكالات الأنباء العالمية صورة مروعة للمواطنين الفلسطنيين الذين يقومون بعمليات إستشهادية في مناطق حيوية من دولتهم التي اغتصبها كيان الإحتلال الإسرائيلي ووصفتها بأنها عمليات إنتحارية وأنهم إرهابيون وقتلة.. دون التطرق للدافع الذي تتم من اجله هذه العمليات علما بان من يقوم بها يعلم جيدا انه سيلاقي حتفه مع تفجير الحزام الناسف الذي يرتديه …

على خلفية هذا المشهد الصادم للوهلة الأولى تقدم لنا المخرجة الكندية (أناييس باربو لافاليت) فيلمها (إن شاء الله) لتقدم رؤيتها الإنسانية والمهنية للصراع الدائر على أرض فلسطين التي قسمتها قوات الإحتلال الإسرائيلي إلى قسمين بجدارالفصل العنصري الرهيب معتبرة أن دخول المواطنين الفلسطنيين إلى أراضيهم التي سلبت منهم عام 1948 هوأمر يكاد يكون مستحيلا إلا بشروط عسيرة وفي أوقات محددة وأنهم رهن الإعتقال الجماعي في محيط أراضيهم التي تعاني من شتى أنواع الظلم والفقر والإذلال ..

المخرجة الكندية (أناييس باربولافاليت)

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها المخرجة الشابة لافاليت (34 عاما) رؤيتها للحياة اليومية والمعاناة الدائمة للفلسطينيين على معابر الجدار العازل بين الآراضي المحتلة عام 1948, ومناطق السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع , فقد قدمت قبل ذلك فيلما تسجيليا بعنوان (ليتني أملك قبعة) وقد تم تصويره في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين

تتحدث عن سر عشقها لتلك البقعة المحتلة المأزومة من العالم قائلة :” عندما بدأت تصويرفيلمي التسجيلي الأول وقعت في غرام أطفال فلسطين , فهم سحروني وأثاروا فضولي وفتحوا شهيتي للعودة مجددا إلى أراضيهم بهدف التعرف أكثر إليهم وإلى أهلهم وإلى الظروف التي يعيشون فيها , فعدت للمخيمات من دون أن أصور مشهدا واحدا فقط لمجرد الإحتكاك بهم , ورحت أتعلم اللغة العربية حتى أقترب منهم وأتبادل الحديث معهم بلغتهم ولهجتهم , وكونت لنفسي صداقات واسعة مع عائلات فلسطينية خصوصا النساء “.
بالإضافة لكونها مخرجة متميزة فهي كاتبة روائية أيضا , وأحدث كتاب صدر لها يحمل عنوان (تقبيل ياسر عرفات) الصادرعام 2011, ويروي صفات الشجاعة والحس العائلي التي يتميز بها الفلسطينيون طبقا لما عاشته معهم خلال زياراتها المتعددة للمنطقة.

 فيلم (إن شاء الله) رؤية كندية لدولة الإحتلال العنصرية

 إنفجار شديد في إحد المقاهي المقد سية وحالة شديدة من الإستنفار والتمشيط وحظر التجوال في مدينة القدس بحثا عن الفاعلين..

كان هذا هو المشهد الإفتتاحي لفيلم (إن شاء الله) وتستمر الأحداث بعد ذلك لمدة 100 دقيقة لنعرف من الذي قام بهذه العملية ولماذا ؟؟

يقدم لنا الفيلم الدكتورة الكندية الوافدة الشابة (كلوي) والتي تعمل في مخيم بمدينة رام الله الفلسطينية وهو تابع للأمم المتحدة ويقع في النطاق الخاص بالسلطة الوطنية الفلسطينية , ولكنها تعيش في شقة بالقدس المحتلة حيث تقع المدينة تحت الإحتلال .. إن حياتها مقسمة بين عالمين متناقضين جملة وتفصيلا ,فهي ترى كم الإهمال والفقر والمرض الذي يعاني منه المواطنون الفلسطينيون في منطقتهم , ومدى الرفاهية والرغد الذي يعيش فيه المحتلون في منطقتهم وكيف ينظر إليهم المستعمر كأوغاد ويقابل حجارتهم التي يصوبها الصبية نحو المدرعات برصاص حي يخترق صدورهم ويولد شرارة جديدة لإنتفاضة صغيرة سرعان ما تكبر وتخلف وراءها مزيدا من الشهداء…

المخرجة الكندية  أناييس باربو لافاليت في لقاء مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات

تم تصوير الفيلم بين مدينة رام الله والأردن والآراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 , أما الجدار فقد تم بناؤه خصيصا من أجل الفيلم ,أما بطلة الفيلم   ( إيفيلين بروشو) والتي تؤدي دور الطبيبية الوافدة فتتحدث المخرجة باربو عن اختيارها لها قائلة :” سافرت مع إيفيلين إلى المخيمات لتعايش بنفسها الحياة اليومية والظروف التي يعيش فيها الناس هناك, لأنها لم يكن لديها معرفة كافية بالمنطقة العربية, كما أنني رويت لها تفاصيل رحلاتي السابقة إلى فلسطين مسلطة الضوء على أنني لم أزر أبدا هذه المنطقة كسائحة بل كإمرأة ترغب في مشاركة الناس حياتهم .. كما أنني طلبت منها أن تتعلم اللغة العربية لأنها تتكلم بها في مواقف عديدة من الفيلم  .

 هذه هي الحرب : تستطيع اختراقنا وتدميرنا

 في القدس المحتلة حيث تعيش (كلوي) الطبيبة تشعر بالغربة والوحشة على الرغم من الحفلات الصاخبة والأصدقاء الكثر وحديثها المتصل مع والدتها عبر سكايبي , ترغمها ظروف الحصار وحظر التجوال التي يفرضها المحتل الإسرائيلي على الإحتماء في منزل عائلة الشابة الفلسطينية (رند) والتي تقوم بدورها الممثلة الفرنسية من أصل جزائري (صابرينا وزاني) , رند حامل في أسابيع الجمل الأخيرة , كما أنه من المنتظر إطلاق سراح زوجها من معتقلات الإحتلال قريبا , أما شقيقها (فيصل) والذي يقوم بدوره الممثل الحيفاوي ( يوسف سويد) فهو يعمل مديرا لمطبعة تقوم بطباعة ملصقات الشهداء … تقع الطبيبة أسيرة لهذا الحنان الأسري الذي تفتقده بشدة.

تتحدث باربو لافاليت عن اختيارها للممثلة الفرنسية (صابرينا وزاني) قائلة:” كنت قد رأيتها في فيلم (منبع النساء) للسينمائي (رادو ميخايلانو) ووجدتها تتمتع بشخصية قوية على الشاشة ومقدرة على التعبير ,لقد عرضت عليها دور رند ولكنها لأنها جزائرية فإنها ليست متمكنة من اللهجة الفلسطينية وبالتالي دبرنا لها الحصص الخصوصية , وهي من جانبها أبدت استعدادا كبيرا ورغبة حقيقية من أجل اتقان اللهجة الفلسطينية وأنا فخورة بها حقا”.

  عندما تنهار جدراننا الواقية لا يمكننا الإكتفاء بالصمت

 تنقلب حياة الطبيبة الكندية الوافدة(كلوي) عندما تفشل في اقناع الجندي المحتل على جدار الفصل العنصري بالسماح لرند بالعبور وهي في مخاضها الأخير .. هنا تكتشف (كلوي) عنصرية وكراهية المحتل الإسرائيلي للمواطن الفلسطيني بلا رحمة … فيموت الوليد مجهضا وتصاب بصدمة شديدة عندما تصل إلى نقطة حاسمة في صراعها النفسي بين الجبهتين وتنحاز للجانب الفلسطيني وتقبل أن تهرب عبوة ناسفة عبر الجدار العنصري الفاصل .

لاحقا نتابع شابة معها حقيبة تجلس على مقهى مقدسي قبيل أن تفجر نفسها, إنه مشهد البداية  …. إنها رند تنتقم لوليدها من عدو قاس رفض أن يمنحها فرصة لتضعه وقتل بداخلها الأمل فكان سبيل الوحيد هو الإنتقام.

أثناء التصوير

تبرر (لافاليت) ماقامت به الطبيبة من تهريب للعبوة الناسفة لتنفيذ التفجير قائلة :” إن شخصية كلوي مع مرور الوقت أصبحت ساحة معركة ..إبتلعتها الحرب , لم يعد بإمكانها أن تكون مشاهدة فقط …هذا ما أردت التعبير عنه في وضع كهذا , هذه هي الحرب تستطيع اختراقنا وتدميرنا لأننا غير محصنين ضدها”.

عُرض الفيلم في مهرجان برلين

العمليات الإستشهادية التي دأب الغرب على تسميتها بالعمليات الإنتحارية , دون أن يبحث عن الدافع وراءها ودون أن يسأل المحتل لماذا وصل الشعب الفلسطيني لهذه المرحلة التي جعلته يفضل الموت على الحياة أملا في مستقبل أفضل للأجيال القادمة على أرض فلسطين .. قد نعترض فعلا على التفجيرات وقتل الأبرياء ولكن لابد أن يكون الإعتراض من الجانبين وأن يكون المواطن الفلسطيني الذي يتم قتله بالرصاص أو بالقصف المدفعي أو بهد المنازل على رؤوس أصحابها أن يكون له قيمة ولحياته ثمن … لا أن تنقل الفضائيات الأحداث من منظور أحادي … وهذا ما أرادت المخرجة الكندية توصيله للمشاهد الغربي الذي أصبح لديه أنماط محفوظة ونماذج معلبة عن المواطن العربي أنه إرهابي ودموي … دون أن ينظر أو يبحث عن الدافع .. إنه الظلم والقهر والإحتلال الفاجر لأراضينا وبدم بارد وسط تواطؤ دولي على محو اسم فلسطين من على الخريطة الدولية .

ملصق الفيلم

2 Responses to المخرجة الكندية آناييس باربولافاليت: في الحرب يصير الحياد أمرا مستحيلا

  1. Fatimaalzahraa

    فاطمة الزهراء حسن رد

    11 أبريل, 2013 at 10:27 ص

    حصل هذا الفيلم على جائزة لجنة التحكيم للنقاد الدوليين (فيبرييس ) في مهرجان برلين السينمائي الدولي لهذا العام .

  2. Fatimaalzahraa

    فاطمة الزهراء حسن رد

    11 أبريل, 2013 at 10:38 ص

    قام والد المخرجة باربو لافاليت بتصوير أجزاء من الفيلم بواسطة كاميرا محمولة مما أضفى على العمليات العسكرية في الفيلم حالة طوارئ وفورية ملفتة .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات