لغة الأشياء / الوزير لا يقرأ الصحف

08:24 صباحًا الإثنين 15 أبريل 2013
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أبدا صباحي بتجرع سم الصحف البطيئ المفعول، أخبار وصور ومانشيتات فاقعة، معارك وحفلات والكثير من الابتسامات الزائفة، مفارقات وجرائم وتسلية، سينما ومسرح و أندية رياضية، مقالات مدفوعة الثمن وأخرى مجانية لا تثير أي عاطفة!
العالم يجرجر نفسه متثاقلا ويتقلص لعدة صفحات يتخللها الكثير من الاعلانات الملونة، الزمن يجمد أطرافه وهو يقدم لنا الماضي القريب الملقى عند عتباتنا الصباحية، نصحو وبنا فضول لمعانقة ما حدث في غيابنا، ونحن ندرك أننا لا نفعل سوى الغوص في تفاصيل مكررة.
تبقى الصحف النصف مفتوحة على أرائك الهدوء، نحشر أنفسنا في مضمار الحاضر اللاهث، نغلق أبوابنا ونحن ندرك أن لا أسرار في مدينتنا.
كلنا يعرف من الجاني ومن الضحية، من الصادق ومن المحتال، من المذعور ومن الشجاع، كلنا تكررت عليه الصورة مئات المرات، قرأ الحكايات المنشورة نفسها على حبال المطبوع السوداء. كلنا قادر على الاشارة لمواطن الخلل، وسرد قائمة بأسماء المفسدون والضالعون في تدمير مستقبل ابنائنا.
نعم… لسنوات كانت فيها الصحيفة صديقة حميمة، تكشف الأسرار في عالم لم يعد فيه مساحة كبيرة للخصوصية، الأمور مكشوفة ولا غطاء الا على قلوب فقدت بصيرتها، بامكاننا تتبع سلسلة الانحدار خطوة خطوة، التصفيق لقلة من الأنقياء ممن يملكون شجاعة البوح، باستطاعتنا أن نشير للصوص مدينتنا واحدا واحدا، أصبح لدينا دراية بهفوات الساسة وقائمة مصالح الخاصة، وتحالفات مراكز القوة، وتبدل مواقع الاستفادة.
لدينا كم هائل من المعلومات المنشورة كل يوم، تشير وتدين وتحلل كل علة عالقة، وتسلط الضوء على جوانب من النفق المعتم، من أسباب أزمة المرور وحلولها الواضحة الى كيفية القضاء على تجار الاقامات في اسبوعين! لدينا شفافية في نقل الخبر وسرعة وصوله، لدينا السؤال والجواب، المعضلة وحلها البسيط جدا… لكن مشكلتهم أنهم لا يقرأون، ولا يبالون!
لو قرأ كل وزير الأخبار الخاصة بنكبات وزارته وتمعن بشكاوي الناس ونزل من عليائه ليتابع تحقيقات الصحف وصولات المحررين وجولاتهم لنقل الحقيقة من المعنيين بها، لو افترض كل وزير أن أي ملاحظة عن اداء وزارته أو مؤسسة تابعة لها صادرة لوقف نزيف القيم في جسد يعاني من الأنيميا، لو تخيل للحظة أن التغيير لن يأتي من تلقاء نفسه بل بواسطة من يملك تكليفا بالمسؤولية لما كان هذا حالنا.
لو بدأ الوزير صباحه بقراءة متمعنة وخرج ليقارع بسيف التغيير بعض حلقات الفساد حول رقبة الوطن لما ضربنا أخماس بأسدادس ونحن نقول في كل مرة نشاهد فيها صور أبطال السرقات والذمم المثقوبة (أليس هناك من حسيب؟!).
لم يعد الضليعون في الفساد خائفون من انتشار أخبار جرائمهم، فهم يعرفون جيدا أن زلة اليوم وغدا لن يقرأها الشخص الذي يملك عصا التغيير السحرية!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات