نحن مشغولون بقضايانا الصّغيرة و الكبيرة تغرقنا حكومات الرّبيع العربي في الهوامش و الأصول و الفروع ..في قضايا القتل و التّعذيب و تحصين الثّورات و التحرّش بالنّساء و اغتصاب الأطفال و تدنيس المقابر و حرق مقامات الأولياء و الصّالحين و الإغتيال و الخطف .. ووجه آخر لفلسطين لم نكن نعرفه أو نراه .. بلاغات من كلّ النّاس ضدّ كلّ النّاس .. أسعار تنفجر أكثر منها ترتفع ..و أمن كأنّه عدم .. و أكداس القمامة تكاد تقتحم علينا البيوت .
نحن مشغولون بفرز الثوّار من راكبي الثّورات حتّى تداخلت المفاهيم و المعالم و الهويّات , مشغولون بأزلام الأنظمة السّابقة التّي يبدو أن لا ربيع في ظلّ الثّورات إلاّ ربيعهم ..
نحن على حافّة الهاوية من كلّ شيء و العالم فوقنا يدقّ أجراس الحرب و الحرب الجديدة لا متاريس فيه و لا خنادق و لا وقت فيها حتّى للموت أو الحياة ..حرب نوويّة و كفى .. يعني أن التّي تليها إن بقي على الأرض من يمكن أن يحارب لن تكون إلاّ بالحجارة و العصيّ . هل هي حربهم فقط ؟ قطعا لا .. تفنّن النّاس في التّقسيم و التّرقيع عبر التّاريخ و صنعوا الحدود و الحواجز و الجوازات و المطارات ..و قسّموا الماء و السّماء مجالات وطرق .. و لكنّ أحدا لا يملك إيقاف الدّمار .. إنّه لا يملك جواز سفر و لا ينوي امتلاكه .. و لا ينوي استئذان أحد ما دام قد خرج من قمقم الأزرار و الأسرار .. الحرب وشيكة .. ولا ندري إن كان ديوكها يحسنون الوقوف على حافّة الهاوية أم أنّهم هوّاة هاوون بنا حتما إلى حرب نوويّة لا يد لنا فيها و لا ساق اللهمّ إلاّ أنّنا نعيش على هذه الأرض و ساهمن ربّما بمقدار أنملة أو ذرّة .. لا أدري .. في صنع طغاتها و طواغيتها .
اليوم أتذكّر أنّي قابلت راهبا بوذيّا غريب الأطوار في أحد الأديرة الشّهيرة في كوريا الجنوبيّة , تشو او هيون.. راهب يدخّن السّجائر و يشتري سلاما لنفسه بنفحات ماليّة سخيّة ويرسم على كتبه الإهداءات وجوها بدل أن يكتب جملا معتادة و معادة من الإهداءات .. يرسم الوجوه كما يراها بروحه .. سيتعجل الموت لأنّه تأخّر عليه لكنّه لا يملّ الإنتظار .. شاعر و كاتب لا يشقّ له غبار .. رسمني وجها باسما بعيون كوريّة .. و مازلت أذكر إهداءه , كان ” إلى سيّدة جميلة ” , هو رآها , انا أبحث عنها منذ أربعين عاما . كان مهموما بالإنسان و الحياة و الطّبيعة .. محبّ لكلّ هذا زاهد فيه .
في ساحة الدّير جرس غريب علينا نحن الذّين عرفنا الأجراس معلّقة في السّقوف و الأبواب في شكلها التّقليدي , جرس مستطيل عليه نقوش جميلة معلّق تحت مظلّة رائعة الزّخارف .. كلّنا , و كنّا من تونس و مصر و الأردن و المغرب و سلطنة عمان و من كريا الجنوبيّة , كلّنا أردنا أن نقرع الجرس و نسمع صداه لكن قيل لنا أنّ دقّه ممنوع علينا . أوقفوا العالم المجنون عند الحافّة .. دقّوا جرس السّلام و كلّ أجراس الدّنيا لعلّهم يوقفوا هذا الجنون السّريالي الرّهيب .. قد لا يكون على الأرض أحد بعدها ليشهد عمّا حدث .
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.