حصان طروادة للتّجارة بالدّين وتقسيم مصر

07:56 مساءً الأربعاء 17 أبريل 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب

“قد أسمعت لو ناديت حيّا” أو هكذا آمل بعد صدور قانون مباشرة الحقوق السّياسيّة بليل من مجلس مطعون عليه و لم ينتخبه إلاّ أقلّ من نسبة سبعة في المائة من الشّعب على أساس أنّه مجلس غير تشريعي لكن منحت له سلطة التّشريع عنوة و اغتصابا ممّن لا يملك لمن لا يستحقّ ليصدر هذا القانون الشّائه و الذّي سيلقي بمصر في هاوية دون مناقشة مجتمعيّة أو توافق يذكر اللّهمّ إلاّ حواره مع نفسه أو في أحسن الظّروف مع موالاته.

وقد تزامن ذلك مع محاولات دنيئة للانقضاض على الإمام الأكبر شيخ جامع الأزهر و عزله من منصبه من قبل اليمين الدّيني الفاشي المتطرّف و الذّي سيعاود الكرّة لا محالة عبر إصدار قانون من مجلس مطعون عليه منحت له سلطة التّشريع غصبا لكي يفصّل قانونا لمشيخة الأزهر يمكن هذا التيّار من تصفية حساباته مع الشّيخ الجليل الإمام الأكبر الذّي لم يقرّ صكوك بيع مصر و رهنها .. ؛ و يكفي أن نعلم أنّ ذلك القانون الشّائه الغارق في العوار الخاص بمباشرة الحقوق السياسية قد أتاح حقّ استعمال الشّعارات الدّينيّة في الدّعاية الانتخابيّة بما سيترتّب على ذلك من احتقان طائفي سيقود البلاد لا ريب إلى هاوية التّقسيم في ظلّ متغيّرات دوليّة تستهدف المنطقة بوضوح لا يخفى على أبسط النّاس عقولا لوضع الكيان الصّهيوني فوق رؤوس الجميع لينفرد بقيادة منطقة يتمّ اختزالها إلى كيانات ضعيفة مهترئة و ها قد بدأوا بالعراق و ليس انتهاء بمصر و سوريّة في سبيل اتمام المخطّط الذّي يتصدّر أدواته اليمين الدّيني الفاشي المتطرّف بمنتهى الإنتهازيّة و الإنحطاط السّياسي .., ومن نكد الطّالع أن يخرج علينا أحد قيادات تلك الجماعة التّي تطلق على نفسها ” الإخوان المسلمين” ليسخر من عقول المصريين إلى حدّ الإحتقار مستظرفا ليصرّح بأنّ مسيحيّي مصر بإمكانهم رفع شعار ” الإسلام هو الحلّ ” بكلّ ما يحمله هذا الإستظراف الممجوج من إكراه لشركاء الوطن على التّضحية بمعتقداتهم من أجل شعار انتهازي يحمل الإسلام بكلّ جلاله و عظمته و قدسيّته أوزار السّياسة و مساوئها و اخفاقاتها كما حدث معهم .., إن لم تكن هذه هي التّجارة بالدّين فكيف تكون ؟ .., وإن لم تكن تلك القوانين المشبوهة التّي دبّرت بليل هي مقدّمة تقسيم مصر .. فكيف تكون مقدّماته ؟

– لقد نال النّظام الحاكم من هيبة مصر كما لم ينل منها ألدّ أعدائها و بارك و شارك بالصّمت أو التّواطؤ في تخريب مؤسّسات الدّولة في تقويض واضح لمقوّمات و أسس الدّولة المدنيّة , و بعد أن تغلل المنتمين و الموالين له في كافّة دواليب الدّولة و قيامه بتدجين الدّاخليّة و التعدّي على مؤسّسة القضاء و تكريس وجود طابور خامس له فيهما و اغتصاب سلطة التّشريع كما ذكرنا آنفا , بدأت رحلة التّآمر على أهمّ مؤسّستين في مصر القوّات المسلّحة و المؤسّسة الدّينيّة ممثّلة في الأزهر الشّريف الذّي يمثّل الوجه الثّقافي و الحضاري المصري إلى جانب الكنيسة القبطيّة .., و ابتعاد مصر عن وسطيّتها و اثنيّتها فضلا عمّا ذكرناه آنفا هو الخطوة الأخطر نحو تقسيم مصر التّي خرجت من جوف حصان طروادة الذّي غرسه تيّار اليمين الدّيني المتطرّف خنجرا مسموما في قلب مصر .

كنت قد إنتهيت من كتابة هذا المقال و إذا بأحداث الفتنة الطائفية تندلع في منطقة ” الخصوص ” بفضل تحريض أمام مسجد ينتمي للتيار الديني المتطرف و هو التيار المتمتع حاليا برعاية و حماية النظام المصري .. و لم تفاجأني كثيرا فهو متوقع من نظم الحكم التي تكون على هذه الشاكلة .. ؛ إلا أن ما روعني أو بالأحرى زلزل كياني هو أن يتجرأ هذا النظام و يقدم على جريمة لم يسبقه إليها أحد من العالمين بما في ذلك التتار و يعتدي بواسطة داخليته و مليشياته الموالية له على البطريركية القبطية ” بطريركية الكرازة المرقسية ” و المقر البابوي .. ؛ ويسقط شهداء من أخوة الوطن و الدم أيضا من المسيحيين ؛ و ينسى النظام الفاشي أن هذه الكنيسة هي أهم أجزاء الوجه الحضاري و الثقافي لمصر مع الأزهر الشريف و يمثلان معا وسطية مصر و إعتدالها الديني على مر العصور .. ؛ وينسى النظام الجاهل الجهول أن تلك الكنيسة هي أقدم كنيسة في العالم ” من ناحية نظام الإكليروس ” و أنها هي التي و ضعت أسس نظام الرهبنة في المسيحية على يد ” الأنبا باخوميوس الشايب ” و ” الأنبا بولا ” .. و …. و … من تاريخها المجيد الذي يقاس بتقويم الشهداء الذين قدمتهم مصر شاهدا على دفاعها عن المسيحية حتى ظهرت على الناس قاطبة آنذاك .. تماما كما فعلت مع الإسلام ..

و لا أتصور أو يتبادر لذهني أن رأس النظام المصري اليوم يقارن بعمر بن الخطاب رضى الله عنه و سلوكه مع بطريرك بيت المقدس و لا بعمرو بن العاص و مسلكه مع بطريرك الكرازة المرقسية في مصر عند فتحها .. و هما من تعاملا بمنتهى التقدير و الإجلال مع هؤلاء الأحبار العظام .. فكيف لا يقتضي بهما .. ؛ لم يعتدى على الكنيسة المصرية عبر خمسة عشر قرنا من الإسلام إلا في عهد الإخوان الذين لا يدركون أن الكنيسة المصرية و الأزهر و أن بابا الأقباط و شيخ الأزهر هم قلب مصر الذي لا يتأثر بالخناجر المسمومة التي تطعنه بقدر ما يغضب فإحذروا بركان الغضب المصري ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات