نازلي : أميرة التنوير

10:35 صباحًا الأحد 21 أبريل 2013
سماح أبو بكر عزت

سماح أبو بكر عزت

كاتبة بجريدة الوطن المصرية ومجلة العربى الصغير الكويتية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الأميرة نازلي فاضل

الفقر الفكر و فكر الفقر ، ليس عنواناً فقط لكتاب مهم من كتب الأديب يوسف إدريس و لكنه عرض لمرض نرجو ألا يكون مزمناً فى الجسد المصرى و حتى نستطيع التخلص من مرض فقر العقل و ظلام الإبداع ، لابد أن نتذكر رموز التنوير و منهم أميرة التنوير التى تناساها التاريخ و خلد فقط من ساهمت هى فى فتح الطريق لهم و مد الجسور بينهم وبين الشعب …

أحد هؤلاء هو قاسم أمين محرر المرأة الذى لا يعرف الكثيرين المراة التى كانت وراء تغيير رأيه ووجهة نظره فى المرأة ، فتحول من عدو المراة إلى محرر المراة ! إنها الأميرة نازلى فاضل .

 نموذج نسائى فريد فى تاريخ مصر المعاصر ، بل فى تاريخ الشرق كله ، فلم يعرف الشرق إمراة مثلها إستطاعت أن تخترق الحواجز الإجتماعية والسياسية و الثقافية التى فرضتها تقاليد ذلك العصر عليها كإمراة و كأميرة من أميرات الأسرة المالكة لكنها تغلبت على هذه الحواجز بما إستطاعت تحصيله من علم وثقافة ، و بما أسهمت به من صحوة فى مسيرة الثقافة و التنوير فى مطلع القرن العشرين ، فكانت لها بصمة واضحة على فكر و ثقافة الكثير من أعلام مصر فى زمنها .

الأميرة نازلى فاضل التى ننفض تراب النسيان و نقترب أكثر من شخصيتها ، و لنبدأ حكاية أميرتنا بحكاية أبيها الذى كان له تأثير قوى على شخصيتها ومسار حياتها .

والدها هو الأمير مصطفى بهجت فاضل بن إبراهيم باشا إبن محمد على الكبير مؤسس الأسرة العلوية ، ولد الأمير مصطفى فاضل فى 22فبراير 1830 م بعد ولادة أخيه غير الشقيق إسماعيل بأربعين يوماً ، و قد فاز إسماعيل بعرش مصر و بعدها غيّر نظام وراثة العرش ليتولى ولاية العهد إبنه محمد توفيق بدلاً من أخيه مصطفى فاضل الذى إنتقل للإقامة الدائمة فى الخارج ما بين أوروبا و الآستانة ( تركيا ) ، بعد شعوره بالظلم الذى لم يزده إلا إعتزازاً و ثقة بنفسه ، تلك الثقة التى ورثتها عنه إبنته نازلى التى صاحبته فى إقامته بالخارج ، و هى فى الثالثة عشرة من عمرها ، فأراردت دوماً أن تكون شخصية ذات تأثير فى كل من حولها .

 عشر سنوات قضتها الأميرة نازلى بالخارج فنشأت تحمل مزيجاً من العادات الشرقية و من الثقافة الغربية التى نهلت منها فى باريس حيث كانت تقيم مع زوجها خليل باشا شريف الذى عين سفيراً للدولة العثمانية فى باريس التى شاعت فيه آنذاك فكرة الصالونات الأدبية التى تضم صفوة المفكرين و الأدباء  ، تطرح فيها موضوعات مختلفة تتصل بالفكر والفن والسياسة ، تأثرت الأميرة نازلى بتلك الصالونات و دورها فى تفعيل الحركة الثقافية .

فى اوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر عادت الأميرة نازلى فاضل الى القاهرة ، سيدة مثقفة تتحدث العربية التركية و الإنجليزية و الفرنسية والألمانية و الإيطالية ، و أقامت اول صالون ثقافى فى تاريخ مصر المعاصر ..

كان للأميرة دور بارز فى حياة ثلاثة من رواد الصالون ، أولهم كان الإمام الشيخ محمد عبده الذى بدأت علاقتها به بعد عودته من المنفى عام 1888م ، دعته الأميرة لحضور صالونها و شجعته على تعلم اللغة الفرنسية و دراسة الادب الفرنسى ، وقدم لها الشيخ اثنين من تلاميذه فكان لها أثر عميق فى حياة كل منهما ..

الأول كان سعد زغلول الذى توثقت صلته بالأميرة فوكلته عنها كمحام ، ورشحته زوجاً لصفية هانم إبنة مصطفى باشا فهمى رئيس الوزراء كما رشحته بقوة ليصبح وزيراً ، فكان سعد زغلول اول وزير مصرى فى وزارة المعارف او وزارة التربية والتعليم . قاسم امين هو تلميذ محمد عبده الثانى الذى قدمه للاميرة نازلى ، كان عائداً من باريس ساخطاً على المراة الشرقية ،  ومن المدهش ان اول مقالات كتبها قاسم أمين كانت هجوماً قاسياً على المرأة المصرية نشرت بجريدة المؤيد ، دعا فيها المراة ان تلزم بيتها و تمتنع عن أى دور فى الحياة العامة .

غضبت الأميرة نازلى من مقالات قاسم امين ، وطلبت من الشيخ محمد عبده مقابلته لتحاوره فيما كتب ، وبالفعل وجد قاسم امين نفسه امام صورة رائعة للمراة المصرية المثقفة ، تعرض آرائها بثقة و قدرة على إثباتها بالمنطق ، تتفاعل مع ضيوف صالونها فى حوارات رفيعة تديرها بعدة لغات تتحدثها بطلاقة .

إنبهر قاسم امين بالأميرة نازلى كنموذج راق لما يمكن ان تصل إليه المراة المصرية ، فاقتنع بأن تأخر المرأة جاء نتيجة ظروف إجتماعية فُرضت عليها ، ونادى بضرورة تحطيم المرأة لقيودها ، لتلحق بما فاتها ، فجاء كتاباه ( تحرير المرأة ) و ( المرأة الجديدة ) دعوة لذلك .

و الفضل يرجع للأميرة نازلى فاضل التى رفضت قيود المجتمع لتقدم أروع الأمثلة لما يمكن أن تصل إليه المرأة الشرقية من عقلية ثرية و أفق رحب ، لذلك إستحقت لقب .. أميرة التنوير ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات