أميمة عز الدين: الحرير المخملى

12:53 مساءً الإثنين 22 أبريل 2013
أميمة عز الدين

أميمة عز الدين

أم وكاتبة مصرية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تنشر (آسيا إن) هذا الفصل من رواية الحرير المخملى للروائية أميمة عز الدين التي صدرت عن دار الحضارة في القاهرة

الشك ثم الخلاص

لم يعد أبى يثق فى الآخرين حوله، وأصبح يراجع كل شىء حوله، سواء فى المزرعة أو الأرض، وقرر أن يضع حَدًّا لطائف الشك الذى داهمه منذ أن ظهر المدعو رءوف. عقد العزم على السفر إلى الإسكندرية والسؤال عن الحاج طلب الذى داهمته أمراض الشيخوخة وتخاريف العمر المتقدم حتى إنه أصيب بالزهايمر وبالكاد يتعرف على الوجوه والأشياء المحيطة به، ورغم مشقة خدمته والتعايش معه ومع هذيانه المخيف ونسيانه البرىء لمفردات الحياة اليومية المعتادة إلا أن أبناءه الذين لا يختلف سَمْتُهم عنه إلا قليلا، يُقدّرون حالته ورفضوا بشدة إيداعه دار العجزة أو المسنين، يريدونه أن يموت على فراشه، بينما عم طلب تتساوى كل الأشياء لديه ولا يهمه غير لعب الصغيرة تقى ذات الأعوام العشرة والتى تلاعبه وتخفف عنه الأيام التى يقضيها منتظرا أمر ربه، الغريب أنه ما زال قادرًا على تذكر مفردة الموت التى نجت من مذبحة الذاكرة التى داهمته منذ أكثر من خمس سنوات، يصيخ السمع عندما يتحدث إليه أحد، يحاول أن يكون مستمعًا جيدًا فيومئ بإشارات تدل على فهمه الجيد لكل كلمة تقال، ويظل يهز رأسه فى تجاوب آلى مع الطرف الآخر الذى غالبا ما يستاء وينصرف مبكرا ولا يشعر برحيله عم طلب غالبا، أبى احترم مرض عم طلب وتعامل معه كأنه شخص معافى فى بصره وسمعه وعقله وحاول أن يجعله يتذكر أباه الذى تزوج وأنجب رءوف على يديه، إلا أن عم طلب قهقه فى عفوية وهز رأسه، وقال عن جدى جملة واحدة جعلت أولاده يعاودون النظر فى تاريخه المرضى :

–   طول عمره يشتهى النساء، أما أنا فظللت كالثور فى ساقية أولادى، أدور فى فلك طلباتهم واحتياجاتهم حتى حَوَّلونى إلى بقرة ذات ضرع كبير تضخ لبنًا من أوراق البنكنوت، ليتنى عشت حياته مثله، لكن هيهات هيهات يا مجدى!

ومجدى هذا ليس اسم أبى، لكنه أحد أحفاده الذين يتعهدون توصيله إلى الجامع المجاور للبيت لأداء الصلاة فى وقتها كما عوَّدَهُم.

عاد أبى بخُفَّىْ حنين، دون أن يشفى غليله ويتأكد من صحة ما يَّدعيه رءوف، يتفرس الأوراق القديمة المتهالكة أطرافها والتى أعطاها إياه عمى رءوف، يُحدّث أبى نفسه وهو ينظر إلى ختم النسر وتوقيع الموظفين الكروكى الركيك سواء فى مكتب صحة بحرى بالإسكندرية أو مكتب توثيق الزواج بالمعمورة حيث بنى جدى بامرأته دنيا فى اليوم السادس من شهر أغسطس سنة 74، يدقق النظر فى توقيع عم طلب وشاهد آخر يدعى سليم الزيات عبيد.

اقتحمت عمتى زينة خلوة أبى وقالت مُهِّددة إياه فى وقاحة لم يحسب لها أبى:

–   سوف أساند رءوف بكل قوتى ولن أخذله، إنه أخونا ويجب أن تعترف بذلك، لن يضيرك شىء إن ساعدته على تنفيذ وصية أبينا الذى صعدت روحه للسماء.

يبدو أن أبى استسلم أخيرًا لمنطق عمتى زينة وأرسل فى طلب رءوف يستدعيه على عجل، فى تلك المرة استقبله بحفاوة وترحاب شديد وشَدَّ على يده وربت على كتفه، كان تطورًا مفاجئًا لنا، حتى جدتى عطية لم يعد يسمع كلامها وألمح لها بعذاب الله الواقع عليهم جميعا إذا فكَّروا وأكلوا مال اليتيم وأجحفوا فى الميراث وأحبوا التراث حُبًّا جَمًّا وفضلوه عن رضوان الله. إلى هنا وجدتى لا تستطيع أن تجادل، لا سيما أن كل الأوراق التى مع رءوف تثبت أنه ابن شرعىّ. وقال أبى فى ورع مجاهدًا جدتى لجعلها تتقبل وجود رءوف فى البيت الكبير:

–   للعاهرة الحجر والولد للفراش، وأبى كان يخشى الْحِمَى ومواطئة الحرام، وأنتِ تعلمين ذلك جيدًا عن أبى رحمه الله.

لم تُؤَمِّنْ جَدَّتى كعادتها وتطلب الرحمة لجدى، وإنما استدارت بكرسيها المتحرك وولت الأدبار، وشعر أبى براحة كبيرة عندما انحلَّتْ عقدة عمى رءوف وأصبح يتناول الطعام معنا على مائدة واحدة وظلت جدتى تتحاشى الاجتماع به فى مكان واحد، ولم تحاول عمتى مهرة أن تتقرب منه، كانت تعامله بطريقة عادية، على الجانب الآخر كان عمى رءوف يبذل جهدًا كبيرًا فى كسب ودّ عمتى مهرة حتى إنه فاجأها بصرَّة كبيرة تحتوى على  أتواب عديدة من الحرير المخملى الذى تعشقه وبألوان صافية متنوعة ولم ينس أن يحضر خيوطا ذهبية وفضية وملونة بألوان الطيف السبعة، وأحضر كتيبا صغيرًا به رسومات بيزنطية وأندلسية وعربية، وتركها مع كنزها الثمين وقد احتضن يدها الكبيرة الخشنة السمراء براحة يده البيضاء الناعمة وقد أوشك أن يرى الدموع فى عينيها، فابتعد حتى لا يجرحها وتركها وهى فى أشدّ حالات الامتنان له، لأول مرة يأتى لها شخصٌ ما بهدية ويتذكر وجودها المهمل فى ذاكرة العائلة التى تستطيل ويزداد أفرادها ولا يفكر أحد منهم فيها ويتركها لتتشح برداء العنوسة الذي لا يصد عنها أسئلة الفضوليين ولا تجاوز اللاهين.

ترك عمى رءوف كل شىء وراءه بالإسكندرية، البحر والناس الملونة وجوههم بماء البحر الواسع واتساع السماء اللازوردية وأفق من يعيشون تحتها، ترك هذا وجاء ليعيش وسطنا فى قرية صغيرة يبص أهلها من نوافذهم المواربة فى توجس وريبة، إنهم لا يحبون الغرباء.

ذات يوم ربيعى أفقتُ من موتى الصغير الوقتى والتى نطلق عليه مجازًا النوم، وفى قلبى غصة بعد أن رأيت فيما يرى النائم أنى أحلق وقد نبت جناحان مكان ذراعى وأنى أوشكت أن أسقط فى بحيرة تبدو من بعيد قرمزية الألوان، تتلألأ مياهها على الحوافّ ويقف طائر أبيض كلما هَمَّ بغمس منقاره فيها يرتوى رَدَّتْهُ موجة من لهب تلفح وجهه وريشه، ينظر إلىَّ كأنه يستجدى عونى وأنا مثله عطشى، يتفرسنى متعجبًا من هيئتى وسَمْتى الذى يزواج بين هيئة الطير والآدميين، لقد ظنَّ أننى طائر خرافى فجفل منى وطار وتركنى وحيدة، وعلى مرمى البصر المحدود شاهدت عمى رءوف و …..عندها استيقظت، شعرت بأن كابوسًا جثم على أنفاسى، لكننى استبشرت خيرًا برؤيا عمى رءوف فى الحلم.

عندما سأله أبى عن نوع العمل الذى يُجيده جاوبه عمى فى تمهل كأنه يتذكر شيئًا هامًّا:

–   لقد تخرجتُ لتوِّى من كلية الفنون الجميلة وأتمنى لو أننى استطعت أن أجعل هواية الرسم بمثابة عمل أيضا.

 قال أبى دون أن يقصد التهكم:

–   أتظن نفسك جويا أم دالى الجديد، دعك من تلك التهويمات، وعش واقعيا ملتزما الواقعية بحذافيرها مثلى.

ثم أردف:

–   سوف يكون عملك من اليوم متابعة الأرض والإشراف على الأُجَرَاء بها، وأنا يكفينى عناء المزرعة والإشراف على المواشى.

اعترض عمى وقال:

–        لكننى لا أفهم فى شئون الأرض والزراعة يا أخى.

 قال أبى:

–        يجب أن تتعلم وإلا سيأكلنا الفلاحون.

 قال عمى:

–        لا أرى داعى لأن أتولى الأرض فهى على ما يرام بى أو بدونى.

 قال أبى وقد احتد صوته:

–        يجب أن تثبت جدارتك وإلا فلن تحصل على شىء من ريع الأرض.

 قال عمى:

–        سوف أبيعها لك وبالثمن الذى تحدده.

وأفق أبى واشترى نصيب عمى رءوف فى الأرض والمزرعة وتصور أنها خطوة على الطريق. وعما قليل سوف يحزم عمّى أغراضه ولوحاته وألوانه ويقفل راجعا إلى الإسكندرية، أصرًّ عمِّى على عدم بيع نصيبه فى البيت الكبير وظل مرتبطا به كالوتد القديم.

كان عمى أفضل رجل رأيته فى حياتى، فهو يفعل كل ما يريده، وليس لأحد سطوة عليه، يرسم ويسافر ويعرض لوحاته ويحضر ندوات الشعر وعضو فعال فى منتديات الحياة الثقافية بالقاهرة، فى قرارة نفسه كان أبى يحسده ويتمنى أن يفعل مثله، لكنه ينوء بعمره الأربعينى وما جُبل عليه، يحاول الخروج بروحه من زقاق جدتى الضيق،  يأتى الشعر سرًّا ويُخفى ما خَطَّتْ يداه بعيدًا عن الأعين، كأنما يخشى افتضاح أمره، يتصبب عرقا عندما تداهمه حالة البوح على الورق الأبيض، أمى تعرف ذلك وتبدو أمامه امرأة ساذجة لا تعرف ما يدور فى عقله وما يضطرم به خياله، كانت أكثر وعيًا منه، تخشى انفلات اللحظة / القصيدة من مسارب خياله وتترك المكان دون أن تتفوّه بكلمة أو تشير إلى السر الذى تعرفه، لم يقدر أبى لها هذا الصنيع أبدًا، واكتفى بالنظر إليها على أنها مجرد امرأة عادية تعرف كيف تدير شئون البيت وتكفيه مئونة هلاوس جدتى منذ أن أتى عمّى رءوف، بالليل يأتيها وفى الصباح يتركها، لم تحاول أمى التبرم، وهذا كان يؤلمنى، كان فى إمكانها التمرد وقول لا وتنبيه أبى إلى وجودها لكنها أثرت السلامة وتركته يعيش حياة حقيقية من صنع خياله ومن شبق شعره مع مريم، المرأة الأكثر حضورًا فى حياته.

ذات يوم نهارى مشمس من شهر يونيو وقف عمى مع أبى ينظر إلى الأرض قبل أن بييعها له، الفلاحون الأجراء يعملون بكد، تساعدهم بعض النسوة وقد لوحت وجوههم الشمس حتى تلونت باللون البرونزى القاتم، كانوا يدوسون بحرص فى جداول الأرز حتى لا تتكسر داليات الأرز وهم ينقون الحشائش المتطفلة، عمّى وجدها فرصة كى يرسم لوحة واقعية، أما أبى فلم يفكر فى شىء سوى فى كيفية العثور على عمالة إضافية استعدادًا لموسم الحصاد، قال عمى وهو يحاول أن يخاطب الشاعر القابع فى دهاليز العيب والخجل فى عقل أبى:

–   انظر إلى ذلك الجمال الربانى، المرأة بجوار الرجل يعملان معًا ولا شبهة فى ذلك، الجميع يتبادل الضحكات والنكات البريئة وتتلامس الأجساد دون الوقوع فى المحظور.

قال أبى وقد ضاق صدره بحديث عمى المنفتح قليلا:

–   لولا شدة احتياجى لمزيد من الأنفار لما وافقت على جلب النساء للعمل فى الأرض، إننا نساعدهم بصورة أو بأخرى على الاختلاط الذى يؤدى إلى الفساد حتما.

 علق عمّى فى حدة قائلا:

–   ولماذا تنظر للأمر من تلك الزاوية الضيقة، ألم تلاحظ اتشاح تلك النسوة بالسواد والملابس الفضفضاضة، أليس هذا بكاف حتى تثبت أنها امرأة شريفة قد دفعتها الحاجة للعمل كتفا بكتف الرجل؟

شعر أبى أن عمى يتحدث مثل الاشتراكيين الذين يمقتهم طوال حياته، فهم يثرثرون كثيرا ويتحدثون عن الحقوق والتعاونيات بين الدولة والفرد حتى يذوب الفرد فى ملامح الدولة، لكن حلولهم المطروحة دائما لا ترقى إلى مستوى الواقع والتنفيذ، أما عمّى فلم يخطر بباله تلك التهويمات والتنظيرات التى أطلقها أبى عليه.

أخيرا تغلب أبى على خجله وقرر أن يكون نَفْسَهُ لأول مرة، لقد تجاسر وطبع ديوانه الأول على نفقته، فرحت أمى به كأنما وضعت مولودا ذكرا، أما عمتى زينة فلقد تلقفت الديوان بدهشة غير مصدقة، ووعدته أن تدفع به إلى ناقد صديق يعمل معها فى نفس الجريدة كى ينقده ويدفعه إلى منطقة الحراك الثقافى بأم الدنيا، وشكرها أبى وشعر أن هَمًّا كبيرًا انزاح عن صدره، وهنأه عمّى وعاتبه لأنه لم يسمح له برسم بعض اللوحات القصيرة تتخلل قصائده، أما  عمتى مهرة فلم تهتم مثل جدتى التى اعتبرت أن من يكتب ويفضفض على الورق عنده فكر، تدعو الله أن يشفيه من داء الفكر الذى يُقصّر العمر ويهد الحيل.

تصوَّر أبى أن النقاد فى مصر سوف يهللون له وتتبارى الأقلام فى تناول قصائده وسيغدو رامبو فى زمن وشيك، وطمح أن يكون سَيَّابًا آخر فى مصر المحروسة أو أنْ يشبهوه على الأقل بصلاح عبد الصبور وديوانه الأول الناس فى بلادى، كل هذا شحذ روحه وفكره لتلقى الحفاوة المأمولة وزينة لن تفعل شيئا عظيما، فهى مجرد وسيط بينه وبين الوريد الشعرى بالقاهرة، لن تبذل جهدا كبيرا، فقصائده سوف يفوح عطرها وينتشر نزقها وتعدو صرخة رائعة  وصرعة حديثة لقصيدة الشعر العمودى الذى أهمله كثيرون وصاروا يتشدقون بالحداثة والبنيوية والتفكيكية وهم لا يفقهون حديثا، أما هو فلقد كان واعيا تماما لما ينتجه عقله وتخطه يداه.

ظل أياما ينتظر وينتظر، تهرب من أسئلته المعلنة والغير معلنة عمتى زينة، تخشى أن يضمهما مكان ويسألها عن مصير ديوانه ولماذا حتى الآن لم يسمع بخبره ولم يشعر بدوامات الماء الراكدة وهى تتمحور وتتشكل دوائر نتيجة لإلقاء ديوانه / الحجر فى بركة ماؤهم الآسن، لماذا لا يسمع ضجيجا أو حتى همسًا ويرى اسمه ولو لمرة واحدة وقد تناولته الأقلام والكتابات النقدية ولو بالهجوم أو تشريح قصائده واتهامه بالعبقرية المجنونة أو حتى يصفونه بالشاعر العادى الذى لم يأت جديدا، لا شىء، لا شىء، وبيد مرتعشة مصحوبة ببعض الأوراق المتناثرة وديوانه الفذ، عايشت عمَّتى أسخف لحظة فى حياتها، كان عليها إبلاغ أبى أن ديوانه هذا مجرد كلمات مرصوصة ولا يربطها شىء سوى سجع رخيص ثقيل على الأذن، وهذا ليس رأيها هى وإنما رَأْى كل من وقع الديوان فى يده، وأن عليه أن يراجع نفسه ويشعر بالأشياء التى يكتب عنها وأن يقرأ ويظل يقرأ حتى تمتلئ جعبته بأريحية خيالية ويلفظ ما قرأه من جوفه بطريقة ما لكن ليس على حساب الشعر، فالشعر له أصحابه وناسه.

وقفتْ أمامه فى خجل تحاول توليد الكلمات على لسانها، كابدت كثيرًا حتى لا تجرحه ويظن بها الظنون، استجمعت كل فنون البلاغة التى حباها بها الله وقالت:

–        يقولون إن الديوان يحتاج إلى بعض المراجعة والتدقيق.

انتظرت طويلا وهى ترقب أبى وقد عقد يديه خلف ظهره وخلع نظارته الطبية وفرك عينيه وحك أرنبة أنفه فى عصبية، ومرر يده على شعره وتناول منها الديوان وتساءلت نظراته عن تلك الأوراق المجهولة الهوية فتمتمت قائلة:

–   إنها آراء بعض النقاد الذين يريدون مساعدتك، يقولون إن المثابرة والتأنى والقراءة المتواصلة سوف يكون لها أثر مفيد على ما تكتبه.

عَضَّ أبى على شفته السفلى حتى إن عمتى شكَّتْ أنه سيبتلعها، وقال فى هدوء:

–   لم أتخيل يومًا أنّ حقدك علىَّ سيجعلك تقفين أمام طريقى وموهبتى بهذا الشكل السيّئ، أتخشين أن أسرق الأضواء منك، ما لكِ أنت وشأنىِ؟ أنتِ مجرد ناقلة للأخبار، مراسلة حقيرة تجوب الشوارع والأزقة بحثا عن خبر أو قصاصة ورق، ما لك أنت والإبداع الحقيقى؟ أنت التى تنتمين إلىَّ ومن دمى، الجوقة خاصتك أهدروا دمى على أسنة أقلامهم الصدئة الخربة، ماذا يريدون؟ لا بأس سوف أرسل لهم الهدايا والعطايا على مطايا من ذهب وفضة، ما رأيك يا أختى العزيزة؟!

حتى عمى رءوف عندما قرأ الديوان كاد أن ينفجر من الضحك لولا أنه تماسك فى الوقت المناسب، وإلا فالويل له والتهم عند أبى جاهزة على وشك الإصدار مثل طبعات الصحف الصباحية.

حلت القطيعة بين أبى وعمتى زينة حتى عندما غابت بضعة أسابيع فى مهمة صحفية خارج البلاد لم يهتم أبى بأمر  رحيلها أو عودتها، الوحيد الذى كان يهتم لأمرها ويسأل عنها هو عمّى رءوف، ورغم حبى الشديد لعمتى زينة كان من الواجب علىَّ تجاه أبى أن أعاديها ولا أتحدث معها كثيرا وألا أسأل عنها إكراما لصلة الأبوة المقدسة، أما عمتى مهرة فهى الآن تعيش أسعد لحظات حياتها بعد أن أتمت مفرش السرير الحريرى المخملى المطرز بخيوط السرما الذهبية والمدججة أطرافه بالخرز الملون وخيوط الساتان على هيئة زهور البانسيه والنرجس التى تعشقه عمتى، وفى  وسط المفرش طرزت جدولاً صغيرًا من الماء يرتكن على حوافه اليمام الأسطورى الموشَّاة أعناقه بقلوب من فضة، تغمس مناقيرها فى جدول الماء. تتمعن مهرة فى المفرش وتحتضنه كأنه حلمها / رجلها الذى تشم رائحته التى لا تعرف كيف تكون، لكنها التخيلات والأمنيات التى تجعلها تعيش وتنام على أمل أن يأتى رجل حتى تعطيه كل ما تملك من أرض ومال ويعطيها اسمه ويجردها من لقب العانس الذى تسمعه على استحياء من أفواه الفلاحات الحاقدات على حسبها ونسبها ومالها.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات