مخرجة السينما الهندية ميرا نايير: خلطة بوليوود في هوليوود

07:44 مساءً الخميس 15 نوفمبر 2012
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مخرجة السينما الهندية ميرا نايير، في مهرجان فينيسيا، أغسطس 2012

يثير الحديث عن ميرا نايير ( Mira Nair) مسألة الهوية القومية الأساسية للمخرج السينمائي ، إذا رحل عن وطنه ، إلى بلد مثل الولايات المتحدة ، وراح يخرج أفلاماً من أموال ذلك الوطن ، فهل مثلاً أفلام ميرا نايير التي أخرجتها في الولايات المتحدة ، تجعلها أفلاماً هندية ، حسب هوي المخرجة ، أم أنها أفلام أمريكية حسب التمويل المالي .

تعتبر ميرا نايير  استثناء ملحوظ في هذه التجربة ، فأغلب الأفلام الأمريكية ، هي في الأساس قصص هندية ، أبطالها من الهنود الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة ، وظلت مشاكلهم عالقة بين الوطن الجديد، والشرق الهندي الذي أتوا منه ، بعقائده ، وعاداته الاجتماعية .

ولدت ميرا نايير في مدينة هندية صغيرة عام 1957 ، هي مدينة أوريسا ، حيث عاشت هناك طوال خمسة عشر عاماً ، وقد قضت بضع سنوات في جامعة نيودلهي ، وفي هذه الفترة عملت ممثلة في  المسرح ، في فرقة تهتم بإعادة تمثيل ا لمسرحيات القديمة، ثم تركت بلادها ورحلت إلى الولايات المتحدة عام 1976 لعمل دراسات عليا في جامعة هارفارد ، وهناك وجدت فرصتها في إخراج أفلامها الأولى ، حيث بدأت بأربعة أفلام تسجيلية ، وقد بدت هذه الأفلام في العديد من المحطات التليفزيونية العالمية ، وأيضاً في العديد من المهرجانات داخل الولايات المتحدة ، وخارجها ، وكما أشرنا فإنها أفلام عن الثقافة الهندية ، ولذا فإن الكثيرين تصوروا أن أفلامها من إنتاج الهند ، وقد حصلت كمخرجة على العديد من الجوائز عن أفلامها القصيرة ، وفي عام 1988 ، قدمت فيلمها الروائي الأول ” سلام بومباي ” ثم قدمت فيلم ” خلطة المسيسبي ” عام 1991 ، و” يوم أن أحضرت مرسيدس قبعة ” عام 1993 ، و” أسرة بيريز ” عام 1995 ، و” قصة حب ” عام 1996 ، و” قريتي ” عام 1998 (تلفزيوني) ، و” زفاف موسمي ” عام 2001 ، و” عمي هيستيري ” عام 2002 ، و” سوق الغرور ” عام  2004 ، و” تشابه أسماء ” عام 2006 ، و” أميليا ” عام 2009 .

 

كانت البداية رائعة ، متميزة ، حيث عرض فيلم ” سلام بومباي ” في مهرجان كان في العام نفسه ، وهو فيلم اعتمدت فيه المخرجة على عدد كبير من الأطفال الذين ليست لهم أي علاقة بالتمثيل ، لذا ، جاءت التجربة مليئة بالصدق والحيوية ، كما جاء مختلفاً عن الأفلام الهندية التجارية التقليدية المليئة بالفواجع والتناقضات ، والمليودراما الفاقعة ، وكما كتب رؤوف توفيق أن المخرجة اعتمدت على شهادات وتجارب أطفال الشوارع المشردين في بومباي ، ثم نفذت الفيلم على الطبيعة وبدون اللجوء إلى الاستوديوهات ، أو إلى الممثلين المحترفين ، حملت الكاميرا ووقفت على الأرصفة وبين الخرابات ، وصناديق القمامة لتنقل الواقع الحي بكل مرارته وصدقه .

نحن أمام الطفل كريشنا ، في العاشرة من العمر ، يعاني من الفقر ، لذا عليه أن يبحث عن عمل ، لا يهم ماذا يكون العمل ، المهم أن يدبر مبلغاً ضئيلاً كي يمكن من تدبير غرفة ضيقة تقيم فيها أمه معه في إحدى القرى ، في البداية عمل في سيرك ، وقبل رحيل السيرك ، يفاجأ أن صاحب السيرك قد ذهب إلى مكان آخر دون أن يترك له أجره ، فيفكر في الذهاب إلى مدينة بومباي ، وهناك يلتقي بمئات الأطفال القادمين إلى المدينة بحثاً عن فرص عمل مثلما يفعل كل المشردين الصغار ، يسعى كريشنا للعمل في أحد أكشاك بيع الشطائر والمشروبات ، يحمل الصواني ماراً على الزبائن ، ويجد نفسه داخل منزل للدعارة. فيتوغل فيه ، ويتعرف هناك على امرأة صغيرة السن ، معها ابنتها الصغيرة ، في سن الثامنة ، هذه الصغيرة تكاد تعرف وظيفة أمها ، وتجيد التصرف عندما يأتي أحد الزبائن .

يواجه كريشنا القواد الذي يقود نساء الماخور ، بينما تصل فتاة صغيرة ، في سن السادسة عشر ، تم إحضارها إلى المكان عنوة كي تصبح عاهرة ، وما إن تدخل الماخور حتى يجد لها القواد زبوناً يفضل العذراوات .

ميرا نايير تدخل عالم الأطفال ، والبالغين ، وأقبية المدينة المملوءة بالداعرات ، إلى أن تقوم الشرطة بالقبض عليه ، كما يتم القبض على الطفلة ابنة الداعرة ، ويتم إيداعهما الإصلاحية ، حيث تكشف المخرجة الجانب الحقيقي لهذا العالم ، ويحاول كريشنا الهرب . ويسرع إلى المكان الذي يخفي فيه الأموال التي كسبها ، لكن النقود ضاعت ، لقد سرقها أصدقاؤه من أطفال الرصيف الذين يضربونه بشكل مبرح ، في الوقت الذي تقرر فيه العاهرة الصغيرة أن تعلن توبتها ، سعياً وراء الحصول على حق حضانة ابنتها . في الوقت الذي يحاول القواد عرقلة توبة العاهرة ، فما كان من كريشنا إلا أن قتله .

حصلت ميرا نايير على جوائز عديدة كأحسن مخرجة ، وأحسن فيلم ، على أن جاء فيلمها الثاني ” خلطة مسيسبي ” بطولة دنزل اشنطن وروشان سيث ، والفيلم يتحدث عن الجيل لثالث الذي تم ترحيله من أوغندا عام 1972 عن طريقة عيدي أمين. حيث يغادر الأب جاي مع زوجته كينو وابنته مينا إلى المسيسبي من أجل أن تعيش مع أسرة تمتلك فندقاً صغيراً ، في عام 1990 ، وبعد قرابة 18عاماً ، فإن مينا تقع في حب ديمتريوس ، وهو أمريكي من جذور أفريقية ، يعمل في تنظيف السجاد . إذن ، فمن حالة من التقارب بين عائلتين ، الأولى هندية ، الأخرى أفريقية ، تعيش في الولايات المتحدة ، هاتان الأسرتان تقضيان إجازة نهاية الأسبوع في منطقة تعرف باسم بيلوكسي . وفي أثناء الإجازة ، يحس أفراد العائلتان بمدة حاجة كل منهما للآخر ، وتحاول الأسرة الأفريقية العودة إلى أفريقيا ، لكن لاشك أن الظروف قد تعثرت تماماً .

في فيلم ” سوق الغرور ” المأخوذ عن رواية للكاتب البريطاني ويليام ناكراي هناك امرأتان هن إميليه سيولي وريكا شارب ، تغادران البنسيون الذي عاشتا فيه طويلاً ، للذهاب إلى لندن للعيش مع أسرة سيدلي ، تجد إميليا أسرتهما ، ومنهم جوزيف ، شقيقها الذي عاد من الهند ، وقابلت أيضاً خطيبيها جورج أوسبورن ، وهو شاب مغرور وأناني وقعت في حبه ، وأيضاً أرب أصدقاء هذا الأخير جورج . كما أن هناك بيكي شارب ،وهو شخص ميكايثللي النزعة ، تحاول ربيكا إغواء جوزيف ، لكن محاولاتها تبوء بالفشل ، فترحل للإقامة لدى أسرة كرولي ، ولا تتأخر في إغواء العمة العجوز البالغة الثراء ، وأيضاً ابن الشقيق المفضل له راودون .

في فيلمها ” إميليا “: ، تحاول ميرا نايير تتبع السيرة الحياتية للشابة إميليا إيرهارت . واحدة من بطلات القيرات، تبدأ الأحداث في الثاني من يوليو عام 1937 ، حيث ستكون رحلة الطيران الأخيرة لإميليا ، مع الطيار فريد فونان بالإقلاع حول العالم ، حيث تتذكر مسيرتها ، فقد شغفت إميليا بالطيران منذ سنوات عمرها الأولى . حين رأت طائرة تحلق أعلى سماء كنساس ، وظلت تحلم أن تصير طيارة وهيتنمو تحت هذه السماء لقد تزوجت الفتاة من زوجها رجل الأعمال جورج بوتتام الذي جعل منها أول امرأة تعبر فوق المحيط الأطلنطي طيراناً ، لقد كانت واثقة من نفسها ، وصارت أشهر امرأة في هذا المجال ، لقد ساعد الزوج امرأته أن تكتب مؤلفاً حول الطيران ، مثلما فعل تشارلز لندبرج .

إلا أن إميليا تقع في حب رجل آخر غير زوجها ، إنه طيار يدعى جين فيدال .مما يعرض زوجها للحرج ، إلا أن النهاية المهنية سرعان ما تحل بها فبعد أن عملت لدى شهركة لوكهيد فإنها تقرر اعتزال الطيران للأبد .

وكما نلاحظ ، فإن ميرا نايير قد اختارت دوماً قصصاً أمريكية هندية لتدور حولها قصص أفلامها، عدا فيلمها الأخير ” إميليا ” ، مثلما حدث في فيلم ” سوق الغرور ” ، فهناك دوماً حكايات ما عن الهند ، والرحيل إلى الغرب ، وقد بدا الأمر واضحاً في فيلمها ” تشابه أسماء ” عام 2007 ، المأخوذ عن رواية كتبها الهندي جومبا لاهيري ، وقدلوحظ أن المخرجة في تجربتها الأمريكية لا تساهم في كتابة السيناريو ، وإنها مثل أغلب التجربة الأمريكية ، يوجد هناك كتاب سيناريو يعملون ، ثم هناك مخرجون يقومون بعملية الإخراج .

في هذا الفيلم يحاول زوجان هنديان التأقلم مع العيش في حضارة ثقافية جديدة ، ويكتشفان أن المشاكل تتفاقم مع ابنهما ، حيث هناك عشوق (عرفان خان) وآشيما زوجان في مقتبل العمر ، ارتبط كل منهما بالآخر بزواج قام على الأسلوب التقليدي النمطي، ثم غادرا كالكتا بحثاً عن حياة أفضل في الولايات المتحدة، وبعد أن يعتاد الزوجان على الحياة معاً ، يدركان ضرورة التأقلم مع نمط الحياة المختلف في نيويورك ، بما في ذلك الفرص الممتعة التي توفرها تلك المدينة للزوجين ، وبعد فترة وجيزة من الإقامة في نيويورك ، تلد آشيما صبياً وتضطر لاختيار اسم للمولود الجديد، فتطلق عليه اسم ” نخيل ” ، لكنه سرعان ما يطلق عليه لقب “جوجول ” ، وهو اسم الكاتب الروسي المفضل لدى الأب ” عشوقة ” نيكولاي جوجول مؤلف مسرحية ” المفتش العام “. وعندما يكبر الطفل ويدخل المدرسة يصر على مناداته باسم جوجول طوال الوقت ، كما يبدو أنه لا يعير أي اهتمام لتراثه الهندي . وبعد مرور عدة سنوات ، يقرر جوجول أن يلقب باسم ” نيك “، ويصبح أمريكياً بكل معنى الكلمة ، ويتمرد علناً على والديه ويدخن حشيشة الماريجوانا في غرفته ، ويدخل في علاقة عاطفية مع ماكسين . وهي فتاة شقراء من عائلة ميسورة. يبدو ” عشوق ” وزوجته عاجزين عن إيجاد الطريق اللازمة للتعامل مع محاولات ولدهما في الانسلاخ عن حضارته الثقافية الأصلية، لكن ” نيك ” يبدأ بنفسه بالتعبير عن شكوكه حول هذه النقطة عندما يلتقي ماوشومي، وهي فتاة جميلة وابنة عائلة هندية تعيش في الغربة ، يموت الأب بشكل مفاجئ ، ويجد الابن نفسه يدفن أبيه في كلكتا ، ويرتدي الزي الهندي ، ويتحمل مسؤولية أسرته .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات