الحق في الاتصال و ضمان الخدمة العامة للاعلام السمعي البصري

12:54 مساءً الأحد 19 مايو 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يكتبه: ثامر الزغلامي، صحفي، تونس:

يبدو ان دوائر التشريع و الاستشارة في المجلس التاسيسي  التي اشتغلت طوال سنتين على المواد المتصلة بحرية الاعلام و الصحافة في الدستور التونسي المرتقب لم توفق في ادراك الاتجاهات القانونية الحديثة في موضوع حرية الاعلام و التعبير و لم تستوعب نسق التغييرات الحاصلة في النشاط الاعلامي على مستوى الوسائل و المفاهيم . و اتضح ذلك من خلال ما افرزته اعمال التفكير هذه من فصول في مشروع الدستور حول حرية الاعلام لا ترتقي الى الفهم المطلوب بمنظومة التداول الجماهيري للمعلومات في الوقت الراهن .

  في الحقيقة كان هذا الافراز السطحي في المادتين 26 و 121 من مشروع الدستور منتظرا بسبب سيطرة الشعارات على التفكير و تبادل الاتهامات على الاقتراح و المحاصصة على النقاش بين اغلب الفاعليين السياسيين و المهنيين  و لم تخرج الاحكام المتعلقة بالاعلام  في الدستور من النمطية السائدة في الرؤية لهذا المجال و التعبير عنه فتحدث الفصل 26 عن الاعلام  كمجال مضمون الحرية و المادة 121 عن هيئة تختص بضمان و تعديل هذه الحرية .

 و هذا النص بمفهومه ( الاعلام) و اليات ضمان حريته ( الهيئة )  لا يعتبر قادرا على تحمل السياق الثقافي و السياسي و التكنولوجي الذي نعيشه و لا يعبر عن مستجدات المباحث القانونية في موضوع الاعلام و التعبير التي تتحدث عن مفاهيم جديدة فرضتها الطفرة الهائلة في وسائل الاتصال و هي الحق في الاتصال و ضمان الخدمة العامة للاعلام السمعي البصري .

من الحق في الاعلام  الى الحق في الاتصال

  لعل المشرع الامريكي في التعديلات العشرة الاولى للدستور التي تم اقرارها سنة 1791 كان اول من تفطن الى الحق في الاتصال دون وعي كامل بهذا المفهوم فضمن الدستور حق المواطن في الكلام في صياغة تمنع اصدار اي قانون للحد من حرية الكلام. و يعد هذا التضمين تجاوزا لرؤية ضيقة تحصر حرية التعبير لدى فئة او مجموعة او فرد و منسجما مع روح الدساتير التي تتجه دائما الى استيعاب المستقبل بما يطرحه من تغييرات في المفاهيم و وسائل العمل .

 و حق المواطن في الكلام المضمون في الدستور الامريكي في القرن الثامن عشر هو منطلق و اساس المنظومة الاتصالية الحرة في الولايات المتحدة الامريكية في الوقت الراهن اذ اتاحت الحرية المطلقة في الكلام في شكله باللفظ او الكتابة او الصورة ثورة اتصالية و اعلامية في البلاد راكمت  ثقافة احترام حرية التعبير الى حد التقديس .

 و نجد نفس الاثر لمفهوم الاتصال في اعلان حقوق الانسان و المواطن الفرنسي سنة 1789 اذ تقول مادته(11) … يستطيع كل مواطن التحدث و الكتابة و النشر بحرية …

و لم يبدا التفكير اكاديميا في تطوير مفهوم الحق في الاعلام الى مفاهيم اشمل الا في بداية السبعينات  حيث وضع عديد المختصين تصورا يقطع مع التراث القانوني للاعلام و اعتبروا ان المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان قاصرة عن ضمان حرية التعبير في ظل التحولات الجوهرية لوسائل الاتصال و تغير العلاقات الاتصالية بين الجمهور ووسيلة الاعلام , و قدموا  مفهوما جديدا وهو الحق في الاتصال اقرارا باحقية كل فرد في التعبير و ابداء الرائ و المشاركة في انتاج المعلومات وبواجب المجموعة في توفير البنى التحتية و المنظومة القانونية  الحامية لهذا الحق  و الضامنة لمشاركته  في المشهد الاعلامي ليس كصاحب راي فقط بل كمنتج للمعلومات و الاخبار .

 و لعل المسالة تتضح اكثر في التجربة التونسية حيث قاد الفرد عملية تغيير جذرية في  النظام السياسي التونسي بعد ان افتك حقه في الاتصال و تبادل المعلومات و المعارف. و يصبح بالتالي من حق المواطن او الفرد الذي اعطى الحرية للمشرع  لصياغة دستور جديد يقطع مع الاستبداد في تونس ان يعطيه هذا المشرع حقه في الاتصال دون قيود.

الخدمة العامة للاعلام السمعي البصري

 لم يشر الدستور التونسي المرتقب الى مفهوم يحضر بكثافة في ادبيات الاعلام و الاتصال في السنوات الاخيرة, هذا المفهوم هو الخدمة العامة المحمولة  حصرا على الاعلام السمعي البصري باعتبار ان وسائله تستغل الاثير المملوك للمجموعة الوطنية لتمرير رسائلها الاعلامية , هذا الاستغلال للملك العام يفرض عليها تقديم خدمة عامة للمواطن تتفاوت في مساحتها و مضمونها بين الاعلام الخاص و العمومي و تضبطها قوانين لاحقة تنظم علاقة الدولة بوسائل الاعلام السمعية البصرية الخاصة و العامة .

و يكون بالتالي القطاع السمعي البصري هو المعني بالتعديل خلافا لما ورد في المادة 121 التي نصت على هيئة تعنى بالاعلام في المطلق .

 و نعني  بضمان الخدمة العامة التنوير و التبصير  و دعم التعددية السياسية و الثقافية  و المحافظة على الهوية الوطنية و الترويج لها محليا و دوليا وهو ما ينسجم مع المهام الموكولة للهيئة العليا للقطاع السمعي البصري  التي رات النور مؤخرا تطبيقا للمرسوم 116 .

 و لا تنطبق هذه المفاهيم على الصحافة المكتوبة و الالكترونية باعتبار تناقضها مع مبدا الملك العام و خضوعها لاليات و قوانين مغايرة اساسها الحرية و حدودها اخلاقيات المهنة الصحفية .

المادتان   121 و 26 من الدستور التونسي المرتقب في حاجة الى مراجعة لا تبيح في المستقبل سن اي قانون يحد من حرية الاتصال  و تضمن خدمة عامة للمواطن  تقدمها وسائل الاعلام السمعية البصرية باشراف هيئة عليا تتولى السهر على تامين هذه  الوظيفة .

                                                                                     ثامر الزغلامي

                                                                                         صحافي 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات