2020 – الفصل السادس

10:01 مساءً الأحد 19 مايو 2013
محمد البرقي

محمد البرقي

كاتب و مدون من مصر .. له العديد من الأعمال المنشورة و الإلكترونية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مها سيد عبد الغني..
31 سنة..

عازبة, و ما أظنش إنه متاح إن الحالة دي تتغير في المكان ده.
و هي دي معلومات بطاقتي من غير معاملات حكومية أو روتين.
أول مرة أكتب مذكراتي.. فعلا مش زي أي بنت!
إيه ؟ بنتك ما بتكتبش؟..غير صحيح يافندم انتي لسة ملقيتيش الدفتر..لكن مافيش بنت ما بتكتبش مذكراتها.
دوّري كويّس جوّه هدومها في الدولاب..تحت المرتبة..في ركن درج.., المهم إنك هتلاقيه.

لكن بالنسبة لي دي أول مرة بجد, ما أضمنش إن حد هيقرأ المذكرات دي فمعنديش حد أخاف منه أو أكذب عليه, و بالتأكيد مش هأكدب على نفسي..لإنها نوع من السخافة حتى لو تغاضيت عن إنها عدم أمانة. و أنا في المدرسة ماكنتش طالبة مشهورة, أو محبوبة. الحقيقة كانوا بيلاحظوني بالعافية أحيانا, ماكانش حد بيعرف إسمي و ماكانش حد بينطقه إلا في مناسبات قليلة، و كنت بأستغرب لما أسمعه. الوضع ما إتغيرش في الجامعة ماكانش ليَّا غير زميلة واحدة أحيانا كنت بأخد منها ورق المحاضرات و نتكلم كلمتين ونكتة و ماشفتهاش تاني.

حتى لما حصل اللي حصل محدش لاحظني بسهولة لما جابوني من تحت كومة رمل كانت دخلت بيتي فجأة بعد ما كسرت الإزاز من ثقلها. كنت مجرد عدد إضافي زاد للناجين. والدي مكنش عايز يهرب, كان متمسك بالبيت و بيحبه جدا, و إحنا مرضيناش نسيبه لوحده, كنا مستعدين نموت معاه. رغم إننا مش متأكدين قوي هنهرب فين, ولا هيتم قبولنا للدخول في بارادايس ولا لأ. أغلب اللي مالهمش قرايب عسكريين أو ليهم قرايب في تيارات دينية كانوا بيترفضوا، كنا مستعدين نموت مع بابا و البيت. أنا على الأقل كنت مستعدة, مكانتش حياتي فيها حاجة مهمة ياترى ده يتحسب شهامة؟ أهم حاجة فيها كانت أكوام الكتب اللي كنت بحب أقراها جدا, و كانوا تقريبا صحابي. لما أنقذونا و إتنقلت لبيت الأمان ,فِضِل الوضع بنفس الحال, الفرق إن الحياة بقِت أصعب شوية؟

ما أظنش..أنا شوفت اللي حصل لمصر بعد الثورة.. وفتها إتحولت لأبشع مَسخ نتج من زواج أبشع أبوين، الدولة العسكرية و الدولة الدينية.
شفت الحاجات إزاي بقى ليها معنى جديد و مختلف بقت معناها خطير..الدولة دي ماكانتش بتحافظ على التميّز, و مكانش في نيتها. كل شيء بقى له نكهة بوليسية بمباركة دينية, كل المؤخرات عليها علامات البيادة, و المثقفين أو اللي ليهم نظرة مختلفة زيي, بيتم القضاء عليهم. كان الأول في إعتراضات ومظاهرات لكن تم ترويضها و إخفاتها إعتمادا على الوتر الديني, و كِسِب صاحب النفس الأطول.

ممكن تعتبر اللي حصل في 2015 – 2016 عقاب مناسب. دولة فسدت و لازم تندفن, و كان ده الطلاق الملحمي بين الدولة العسكرية و الدينية. فتحولت العسكرية لـ (ساك) و هي بإختصار قيادة موحدة، تحت قيادة لواء جيش سابق (طارق الشربيني). بعد تفكك الجيش كوّن المؤسسة و موّلها برتب أقل و مهمة محددة (خلصوا على المقاومة). المقاومة اللي سيطرت عليها التيارات الدينية و حولتها لأداة الظهور الأخير.. ضربة دبيحة أخيرة قبل ما روحها تخرج للي خلقها.

كلنا كنّا شايفين النتيجة القادمة من الأفق، فقط الغبي يظن للحظة واحدة ان المقاومة ببدائيتها و ضعف تنظيمها تقدر تهزم جهاز في قوة الـ(ساك). يمكن الإحباط خلانا ننسى الحقيقة دي و نحاول نعيش حياتنا بتمثيل إنها طبيعية على قد ما يمكن. كان في مؤامرات و إتفاقات بتحصل في السر بين الطرفين، لكن الكل عارف إن أمنية كل واحد إن التاني يختفي..و خصوصا الـ(ساك) عشان يتفرغ من المقاومة و يرجع لـ(بارادايس).

كلنا إستسلمنا..كلنا مستنيين مصيرنا بهدوء و سكينة و قبول من غير مقاومة -لسخرية القدر- اللي هو الإسم اللي إختاره مؤسس المهزلة دي.

في وسط ده كله بأشوف (أمين)، بيحاول ولو لفكرة..انه يواجه المصير ده و يفكر في حل تاني ولو حتى بس نال شرف المحاولة.

(أمين), عزيزي السري, صرخة عالية تصم أجيال جاية في وسط كون من السكون و الإستسلام. و هو أول راجل يدخل حياتي, و يظهر زي فارس من تحت الرمل اللي إفتكرت انه دفن و بحرارته حرق آخر حصن للمشاعر الإنسانية جوايا, اللي إفتكرت إني نسيتها يجي هو عشان يهاجمها على غفلة ويصحيها من نومها الأزلي..يلعب على أوتار قلبي بنوتات حادة و عاليه من غير ما يحس، و على ساعة شوق يقرر حضوره المهيب ينور في عتمة قلبي, و يؤمر و ينهى بحركات حواجبه مش أكتر.

هو اللي قرر من غير ما يقرر، و أنا اللي إستسلمت من غير ما أستسلم.. هو اللي بعد ما أخدت هدنة أبدية مع قلبي و عهد أزلي إنه عاطل عن العمل..جه يصحي رغباتي المستخبية وراء نشافة طباعي..و يلاعب أفكاري بمحاولات ليلية عشان يخليني أسهر..و أوجد صفحة في الليل الطويل مخصصة ليه, لو ما خصصتش الليل كله.

جيت منين و ليه يا (أمين)؟
هو مش ضخم الجسم ولا عضلاته كبيرة زي شلة الغوريلات اللي (محمود) بيحرس نفسه بيهم. جسمه عادي أميل إنه يكون هزيل, لكن عضلاته كلها في مخه..ثوريته و محاولته..أنا بأراقبه من فترة و عارفة بيفكر في إيه..خايفة عليه جدا ليتكشف ..مش عارفة هيبقى مصيره إيه؟

اه يا سبب جنوني السري..لو تأخد بالك مني..من وسط أوراقك و إنهماكك..لو تلمحني و أعرف من جوة بحر عينيك دول مرسى ليَّه. أعرف مصير القلب و العروق اللي شايلاك سايل جواها دول إيه؟ إرحمني .. و جاوب تساؤلاتي أو حتى لمح لي بإتجاه أمشي فيه..أو على الأقل بطل تخليني أخاف عليك.

صحيح معجبة بمجهودك للتغيير..بس هأكون أسعد لو فضل اللي أنا معجبه بيه نفسه.

حاول تحافظ على نفسك…و تحافظ عليَّه..

لازم أنهي الحلقة او اللقاء أو المذكرة دي…مش عارفة هأكتب مرة تانية ولا لأ؟ أو هتكون دي تجربة مجنونة عملتها مرة واحد هأضحك عليها يوم من الأيام..و لا فعلا هأرجع تاني..
بجد مش عارفة..

لكن لو رجعت, أشوفك على خير يا مذكراتي..

توقيعي: مها سيد عبد الغني..

 

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات