عَينُ الرِّحلة على طريق الحَرير

12:31 صباحًا الثلاثاء 28 مايو 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

المدونة المصورة للرحلة على طريق الحرير

طريق الحرير

طريق الحرير هو اسم جامع لخطوط القوافل المنقولة برًّا من وإلى الصين في أقصى الشرق، مرورًا بالقارة الآسيوية غربا، وصولا إلى قلب أوربا.

من المصادر الصينية يمكننا العثور على بداية ذلك الطريق عند عدة خطوط رئيسية أولها الطريق الذي كان ينطلق من تشانغآن (شيآن حاليا) حتى يصل إلى واحة دونهوانغ حيث يتفرع إلى الخط الشمالي والخط الجنوبي، فيجتاز طريق الحرير الشمالي يجتاز الصحراء بداية من واحة دونهوانغ، إلى مدينة كاشغر في أقصى شمال غرب الصين، بمنطقة شينجيانغ، قرب الحدود مع باكستان وقرغيزيا وأوزبكستان وأفغانستان والهند.

أما الخط الجنوبي فكان مستهله واحة دونهوانغ، التي كانت تقع عند ملتقى خطوط المواصلات بين الصين والغرب، همزة مواصلات بين الصين وآسيا الوسطى وغربي آسيا وأوربا، ومركزا للتبادلات الحضارية بين الصين والغرب.

كاشغر

حين زرتُ كاشغر للمرة الأولى صيف 2008 تبين لي أهمية موقعها الاستراتيجي على طريق الحرير، ولا عجب في أنها كانت ـ ولا تزال ـ تعتبر البوابة الغربية من الصين، كما كانت تعرف بدُرة طريق الحرير لما فيها من واحات وارفة الظلال غنية بشتى الإنتاجات. الطريق الذي يبدأ في كاشغر كان ينطلق باتجاه الغرب متفرعا إلى خطين آخرين يدخل أحدهما  في وادي فرغانة ثم يمر بسمرقند وبخارى حتى مرو (مدينة ماري بتركمانستان حاليا)، أما الآخر فكان يجتاز هضبة البامير ويخرج من قلعة البرج الحجري ويمر ببختيريا حتى مرو أيضا.

الأيام التي عشتُها في مدن طرق الحرير، سواء بالصين، وأوزبكستان، والهند، وإيران، وسواها من الدول، هي التي أحيت فيَّ فكرة كنتُ أظنها مرهونة بالتاريخ وحسب. فقد كان الغالب أن  طريق الحرير مرتبط بالماضي، وأردت، بالبحث في متونه، والقراءة عن فنونه، والتنقل بين مدنه، أن أثبت أنه لم يمت. هكذا رأيته في سمرقند وبخارى مثلما عايشته في كاشغر وأورومتشي.

عازفون من خوقند

وقد كنتُ أظن أن طريق الحرير يمر بعشرين أو ثلاثين مدينة، فإذا بي أتخطى في عد المدن إلى أكثر من 160 مقصدا لطريق الحرير، سواء كانت تلك المقاصد مدنا سادت ثم بادت، أو بقاعًا غيرت أسماءها ولغاتها وتعاقب عليها الملوك مثلما تبدلت بها الأديان.

كانت مرو ـ التي أشرت لها ـ ملتقى عدة فروع من طريق الحرير، الأمر الذي جعل منها مركزا هاما في خط خراسان الحريري. أما بختيريا فهي المدينة الزرقاء، ونعرفها في الأدبيات العربية الجغرافية باسم بلخ.

من طرق الحرير أيضا دربٌ يعبر أكباتان (همذان حاليا) حتى ينتهي إلى سلوقية وقطيفسون (اللتين جمعتهما مدينة المدائن) وكانتا مدينتين متقابلتين على شاطئي دجلة. وكانت هناك عدة طرق تمتد من سلوقية وقطيفسون صوب سورية وآسيا الصغرى ومصر حتى تنتهي إلى أوربا.

كان الأمن والخطر يتقاسمان طرق الحرير. وكان من الطرق ما هو محفوف بالمتاعب أكثر من سواه، مع وجود تقلبات سياسية عديدة. وقد سبق للصينين بأقوامهم الغالبة وأقلياتهم على حد سواء،  ممارسة التبادل الاقتصادي والثقافي مع الأمم القاطنة في آسيا الوسطى وغربي آسيا قبل أسرة هان (206 ق.م-220م)، حاملة مع قوافل الإبل أفضل المنتجات لكل برٍّ تعبره. فمن الصين جاء الحرير والمخترعات الأربعة (البوصلة والبارود والورق والطباعة)، حيث ستعود بالعنب والجوز. وعلى الرغم من أننا نعد طريق الحرير تاريخًا، إلا أن مدنه لا تزال تنعمُ بذكريات الازدهار. فطريق الحرير الصيني اليوم ـ مثالا ـ يأتي على رأس قائمة مواقع وهناك نوعٌ من النوستالجيا في الحديث عن المدن التي مر بها طريق الحرير. يكادُ المرء يتنفس في أطلال عمارتها هواء مرت عليه القرون، فحمل روائح العطور والتوابل والبخور.

وقد كان العرب ـ حتى قبل ظهور الإسلام ـ وسيطًا تجاريا مهما بين الشرق والغرب؛ حيث كانت التجارة القادمة من الشرق (بخاصة الهند والصين) تمر ببلاد العرب عبر طريقين رئيسين؛ الأول  يمر بعدن في جنوب غرب اليمن بالبحر الأحمر، حيث تأتي السفن، بعضها يواصل سيره في البحر الأحمر إلى ميناء السويس في مصر، ثم تفرغ حمولتها، وتنقل البضائع بالقوافل إلى الموانئ المصرية علي البحر المتوسط، وبخاصة ميناء الإسكندرية، ثم تشحن في السفن بحرًا مرة أخرى إلى أوربا، وبعضها الآخر يفرغ حمولته في عدن، ثم تحملها القوافل برا عبر الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية، المطل على البحر الأحمر، وتمر بمكة المكرمة، التي كانت مركزًا تجاريا مهما، وبعضها يواصل سيره إلى ميناء غزة في فلسطين.

أما الطريق الآخر فكان يمر عبر الخليج العربي، حيث تواصل السفن سيرها وتفرغ حمولتها في أقصي شماله، بميناء غربي البصرة، ثم تنقل البضائع علي القوافل برا عابرة العراق إلى الشام؛ وخصوصا حلب، حيث تفرغ حمولتها بعد ذلك في موانيء عكا وصور وصيدا وبيروت واللاذقية وأنطاكية، ثم تشحن بحرًا إلى أوربا.

 في العصر الأموي لم يعد العرب وسيطًا تجاريا لنقل البضائع بين الشرق والغرب، وإنما أصبحوا سادة الموقف كله، بعد امتلاكهم الطرق التجارية البحرية والبرية، من الصين إلى الأندلس. فبالإضافة إلى ما سبق الحديث عنه بسط المسلمون سيادتهم على الطريق الذي يبدأ من شمال الصين، ثم يجتاز هضاب وسط آسيا وسهولها (بلاد ما وراء النهر) ثم يتفرع إلى عدة طرق، تنتهي كلها إلى موانئ البحر الأسود والبحر المتوسط، ويمر معظمها في الأراضي الإسلامية، ثم تنقل التجارة إلى أوربا الشرقية والجنوبية، أمَّا أوربا الغربية وشمال إفريقيا والأندلس، فكانت معظم تجارتها تأتي من الطريق الأول عبر الموانئ المصرية.

سيطر المسلمون علي النشاط التجاري في تلك الرقعة الواسعة من الأرض وأصبحت بلادهم تصدِّر البضائع والمنتجات إلى بلاد الشرق والغرب. فتصدر إلى (الصين) المنسوجات الصوفية والقطنية والكتانية، والبُسُط، والمصنوعات المعدنية، وخام الحديد، وسبائك الذهب والفضة، كما كانت تستورد منها الحرير. وقد ساعد علي ازدهار تلك الحركة التجارية العالمية اهتمام الدول الإسلامية المتعاقبة على حكم تلك البلاد بإنشاء الطرق، وتعبيدها وتأمينها، فكانت القوافل تسير في طرق آمنة، تنتشر علي جوانبها الفنادق والاستراحات والأسواق.

كما كانت التجارة أعظم مصادر الثروة في العهد المملوكي؛ إذ قاموا بتشجيعها، وعقدوا المحالفات والاتفاقات التجارية مع سلاجقة آسيا الصغرى،  وإمبراطور القسطنطينية، وملوك إسبانيا، وأمراء نابلس، وجنوة، والبندقية وكاد المماليك أن يحتكروا تجارة الهند، وخاصة التوابل، بالاتفاق مع أمراء الموانئ الإيطالية.

قد يكون طريق الحرير مسلكًا فوق الرمال، وممرًّا بين الجبال، ودربا يقطع الفيافي، وجسرًا يعبر الأنهار، وحياة كاملة فوق قافلة تمضي شهورًأ من مكان إلى آخر، لكنه قبل ذلك كله صنيعة الإنسان.

 ربما تمر اليوم بمدينة عتيقة عرفت مكانها ومكانتها على طريق الحرير لمئات السنين فتتناهى للسمع أصوات جلبة السوق، وضوضاء الباعة، ونداءات المعلنين. حين يتميز النهار بضوء واهن يدفع الليل من أجل يوم جديد، يغني لحياة متجددة. يعلو صوت المؤذن فوق المنارة العالية بالمسجد القريب من السوق، داعيا المؤمنين للصلاة الأولى، بينما يحمل باعة الفحم بضاعتهم مشتعلة نحو زبائنهم المعتادين. تبدأ رائحة الخبز الساخن تفوح فتغطي على ما عداها من روائح، وكأنها تطعم الأنوف قبل أن تغذي البطون، وتتحرك مع جوع القادمين لميدان السوق. يتوقفون وهم يطالعون مقدم قافلة على موعدٍ لها مع القائمين على التجارة. يعجل رجل عامل من إنهاء فطوره ليلحق بدوره أمام القافلة، لم يكن الفطور سوى رغيف خبز ساخن شهي وزيت سمسم، ومقدار لبن رائب، وبعض البقول المطحون، والعجين المخلوط. يعبر وهو يهرول بمطعم يفطر عنده القادرون؛ يبسط صاحبه على موائده صحافا ستمتليء بعد قليل بالعجائن المحشوة باللحم، والكعك الساخن بوجناته المتوردة. غير بعيد هناك قوارير زجاجية يحتوي كل منها على شراب له طعم وله ورائحة ليست لسواه. وهناك أيضا الفواكه المجففة والأرز متعدد الألوان والخضروات الطازجة. يهرول الرجل الذي يعمل حمالا وهو يتفادى ـ في الطرق الملتوية كحية داهية ـ أن يكسر مزهريات خزفية، أو يوقع صفا من العمائم المتراصة وعيناه تصافح وجوهًا قدمت من كل أنحاء الأرض؛ إنه صباح متكرر كل يوم، وبأي شهر، وعلى مدار العام، ولقرون طويلة.

ماذا كان يجذب الناس؛ باعة ومشترين، في السوق الكبيرة؟ ما هي البضائع التي حملتها قوافل طريق الحرير؟ ستجد الروس أرسلوا بضاعتهم من فراء الثعالب والدببة القطبية، ومن مدربي القنص ستجد باعة الصقور المدربة على الصيد، ومن كل مكان ستأتي الأقمشة المرغوبة في كل سوق، مثلما ستباع البخور التي تتوق إليها المعابد البوذية. هنا سيباع العسل والشاي، والفضة والذهب، والدمى الخشبية والسهام المعدنية والدروع الحربية والسجاد والحلي، والأرز مع كافة الأطعمة المجففة. هنا سيباع كل شيء، قادم من كل مكان. وهنا سيباع الحرير.  لكن مع التجارة جاءت ثقافات، وألسنة ولهجات، وفنون وآداب، وهاجر أعلام، وتنقل رحالة، وهنا ظهرت أهمية طريق الحرير كشريان عبر نبضه عن حياة العالم.

لكن التوثيق المصوّر لطريق الحرير قد بدأ بعد اندثار ذلك الدرب الشهير بقرون، فنحن نتحدث عن عصر بدأت فيه الحدود السياسية، والنزاعات العرقية، والهيمنة المعولمة تتحكم في جسد البشرية فتقطع أوصالا وتزرع جيوبا ناتئة فتت هذا التواصل.

صحيح أن هناك محاولات لاستعادة طريق الحرير، سياسيا، وتجاريا، ورياضيا، وفنيا، إلا أنها لا تنكر جميعها أن حلم استعادة الطريق الذي كانه أصبح مستحيلا.

فنون طريق الحرير تطوف العالم

وتشمل المدونة المصورة لطريق الحرير، كما أراها، الآتي:

  1. 1.   التصوير الفوتوغرافي

في العام 1839 كُللتْ بالنجاح جهودُ المصوِّرَين الفرنسيين لويس جاك داجيري وزميله ألفونس جيرو في الحصول على صورة قياسية عن طريق آلة تصوير فوتوغرافي، وما أن أعلن تحقق هذا الحلم على لسان فرانسوا أريجو بأكاديمية العلوم في باريس حتى كانت هذه الآلة، مع أول مصوِّر جاء الشرق، الذي كان الفن الاستشراقي يقدم نسخة مثيرة عنه لأوروبا.

وإلى ربوع الإمبراطورية العثمانية، التي ورثت كثيرا من بقاع ومدن طريق الحرير، أرسل السلطان عبد العزيز، والسلطان عبد الحميد الثاني، مصورين من استانبول، فضلا عن الإيطالي كارلو نايا، واليوناني زنجاكي. ولعل هذا الأخير كان من أغزرهم وتظهر مجموعاته في ألبومات كثيرين من مقتني صور هذه الفترة.

وكانت هذه الألبومات تقدم لسراي السلطان عبد الحميد الثاني طمعًا في نيل عطاياه وهو المشجع على هذا الفن، والطامح لتوثيق بقاع الإمبراطورية، حتى أن الدوائر والمؤسسات الحكومية والعسكرية شرعت في إقامة معامل تصوير خاصة بها. بل إن السلطان عبد الحميد الثاني نفسه أرسل في  العام 1893 مجموعة كاملة من 36 ألبوما تضم الصور التي التقطت عن ممالك الدولة العثمانية إلى مكتبة الكونجرس الأمريكي في واشنطن. وتقدر المجموعة الأساسية لصوره التي احتفظ بها السلطان في قصره، سراي يلديز، بنحو 35 ألف صورة.

وهكذا غزا فن التصوير الشرق مصاحبا لغزوات عسكرية واستشراقية، وطاف الفنانون والمصورون الشرق، حتى أن أحد الكتب يرصد وجود 250 مصورا على الأقل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان معظمهم من الفرنسيين، وبعد تأصيل التصوير كمهنة مربحة ظهر مصورون من أهل البلاد، وأسسوا استوديوهات خاصة في كبرى عواصم الشرق، وراجت مجموعات بعينها مثل أمور الحج والسياحة، عدا اهتمام الجاليات الأجنبية بهذا الفن بفضل ما لها من قدرة على الإنفاق، على فن كان يعوزه الكثير من المال آنذاك.

  ومن هنا أحيلكم ـ نموذجا ـ إلى مؤسسة silkroadfoundation التي توثق لكل ما يتناول طريق الحرير من مواد منشورة ومصورة في النسيج، والعمارة والتقاليد، والفنون، وأدب الرحلة، وصولا إلى الرواية.

سنجد صورًا توثق الجداريات على هذا الطريق، وأعمال الحفر بالخشب، والمنمنمات التي حفظت ما اندثر من عمارته، وما اختفى من أزيائه، وما شاع من تقاليده، وما ندر من منحوتات لأرباب دياناته الأرضية، وما حفظته الكهوف لآلاف السنين، وما تناقلته الشفاهيات عبر قرون طويلة.

 (عنوان الموقع الإلكتروني للمؤسسة www.silkroadfoundation.org)

 ثانيا: التصوير السينمائي الوثائقي والتسجيلي 

لعلي أستحضر هنا، نموذجًا، سينما المخرج عبد الله المخيال التوثيقية في الصحراء 13 فيلما بدأت في العام 1996 بفيلمه المسمى (في أثر أخفاف الإبل)، وكان آخرها أرض الملوك قبل عامين، وعناوينها الأخرى : بادية العرب، والبادية السمراء، وقناصة العرب، والمغول رعاة السهوب، في جزأين عن منغوليا، ونداء الصحراء، في جزأين بالمثل، وحديث الصحراء، وحكاية طائر، وحديث الصحراء، وحكاية عُمان، وصحراء الأمازيغ؛ الذي قدمه عن الأمازيغ في صحراء المغرب، وعرضه هذا العام في الجزائر أثناء الاحتفال بمدينة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.

هذا الفيلم الأخير ـ رغم أنه ليس على طريق الحرير ـ قد يمثل مرحلة النضج لدى المخيال، حيث لم يكتف المخرج باستحضار الصورة الفريدة، بل حاول أن يسجل وثيقة عربية نادرة ـ حيث كان الأمازيغ أسيري نظرة الغرب ـ ومن هنا رأينا كيف يمتزج الأمازيغ مع العرب، ومتى يهاجرون موسميا، عبر جبال أطلس، وما هي الطبيعة الصحراوية، وعمل المرأة البدوية في تلك الطبيعة القاسية.

وبعين أنثروبولجية كذلك، يعيد السياريست والمخرج المخيال رسم الطبيعة النباتية والحيوانية للصحراء، وهو مولع بذلك، منذ فيلمه الأول، فهو يجعل الطيور والحيوانات الصحراوية تتقاسم الظهور مع البشر، مما يجعل من الصحراء عالمًا مغايرا للصورة النمطية عن الجفاف والقفر واليباب الذي ترسمه الأدبيات للصحراء.

لا أستطيع أن أخفي قلقي حين يكون صوت المعلق واحدًا أحاديا وهو (يحاضر) عن كل شيء، ومن هنا أتمنى أن تكون هناك نظرة إلى تعدد الأصوات في الفيلم التسجيلي، فهذا يقدم صورة أكثر حياة، لتلك المشاهد الثرية التي تصورها سينما المخيال التسجيلية.

 هذا الخط المميز، والمميز في إنتاج الأفلام الوثائقية  عن البيئات الصحراوية يأخذ المشاهد إلى أماكن بعيدة ونائية خارج المألوف عبر رحلات طويلة وشاقة تعتريها المخاطر والمغامرة وما تتطلبه من صبر وانتظار في تصوير مادة تراثية نادرة أو متابعة لكائنات فطرية في الصحراء، وقد خبر المخيال صحاري الكويت والسعودية والإمارات وعمان وسورية والسودان وتونس والمغرب ومنغوليا والهند.

ولعل ذلك الجهد كان دافعي لترشيحه ليكون مكرما في ندوة مجلة (العربي)، التي حملت عنوان (العرب يتجهون شرقا)، فقد اتجه المخيال شرقا، وحط الرحال في منغوليا أحد أهم محطات طريق الحرير في الشرق، والأرض التي أنجبت أشهر أباطرة الحرب؛ جنكيز خان.

(الموقع الإلكتروني للمخيال  www.mkhyal.com )

  1. 2.   الأفلام الروائية 

نعرف جميعًا سلسلة أفلام 007  أو جيمس بوند، تلك الشخصية الخيالية لجاسوس بريطاني ابتكرها الكاتب إيان فلمنج Ian Fleming في عام 1953 عبر أول رواياته؛ كازينو رويال، وهي الرواية التي قدمت مؤخرا بأحدث ممثلي شخصية جيمس بوند.

كتب فلمنج عدة روايات وقصص قصيرة من بطولة بوند خلال حياته حتى مماته في العام 1964. ثم تابع سرد روايات ومغامرات بوند الجديدة كينغسلي أميس وجون بيرسون، وجون جاردنر، وريموند بينسن وتشارلي هيغسون، وهناك من كتبها مباشرة للسينما مثل كريستوفر وود إلا أن شهرة بوند الحقيقية بدأت بشكل أساسي في السينما من خلال عشرين فيلما من إنتاج إي أو إن برودكشنز EON Productions بالإضافة لإنتاجين سينمائيين مستقلين ومسلسل أمريكي مستمد من روايات فلمنج.

مِثل جورج أورويل؛ عمل المؤلف إيان فلمنج فعليا لجهاز المخابرات البريطانية لفترة هي التي كرست فيه حب الكتابة المخابراتية؛ إذا صحت التسمية، وقد اقتبس (فيلمنج) اسم (جيمس بوند) من كتاب يدعى (طيور جاميكا). والفيلم الذي آخذه نموذجًا على تقديم السينما الروائية لطريق الحرير مصور هو الثالث عشر في سلسلة أفلام جيمس بوند وعنوانه (Octopussy أكتوبوسي) وتدور أحداثه في راجستان، حيث يسعى العميل البريطاني لإبطال عملية تهريب لجوهرة شهيرة، وقد ظهر الفيلم على الشاشة للجمهور بإخراج John Glen سنة 1983.

السينما المصورة لطريق الحرير، في هذا الفيلم وغيره، قدمت ما يمكن أن نعده معادلا موضوعيا للوحة التشكيلية المصورة للشرق، وللصورة الفوتوغرافية الموثقة له، فقد اعتمد التنميط الذي يقولب الحياة على طريق الحرير بطريقة عجائبية، غرائبية، لا تخلو من الإثارة، ولا تخلو أيضا من التعامل الفوقي لأهل البلاد، سواء من جمهوريات ما وراء النهر، تلك الجمهوريات الإسلامية المستقلة اليوم عما كان الإتحاد السوفياتي بالأمس، والجمهوريات المحتلة، مثل الهند والباكستان اللتين قسمتهما دولة الاحتلال قبل أن تتركهما، مما يعني أن الفيلم السينمائي الغربي يتناول بنظرة دونية على الأغلب تلك المنطقة، وهو في ذلك أسير النظرة الكولونيالية لطريق الحرير الذي فتته السياسة، بعد أن ظل قائما 12 قرنا.

 للقراءة عن الفيلم    www.imdb.com/title/tt0086034

  1. 3.   الإعلانات التجارية والسياحية

طريق الحرير في المخيلة الاستشراقية هو ذلك الدرب الذي حمل أسرار الشرق إلى الغرب، فمع قوافل التجارة، المحملة بأنواع الشاي، وأجولة التوابل، ونفائس المنسوجات، بل والمخطوطات، ولذلك فإن النوستالجيا اليوم تروج لهذا الطريق القديم في الإعلانات الجديدة.

4.   قصص الأطفال المصورة وألعابهم الرقمية

وهنا أشير إلى الشرائط التلفزيونية المصورة المعدة للأطفال أو تلك القصص المرسومة لهم، ويمكننا أن نشير إلى قصص ألف ليلة وليلة ورحلات السندباد البحري، التي اختارت جغرافيا طريق الحرير مسرحًا لأبطالها. كما قدم عالم الألعاب الرقمية طريق الحرير في لعبة شهيرة تحمل الاسم نفسه.

ولعلي أختار شخصية “ماجد” في مجلة الأطفال التي تصدر في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أكتبها منذ عام ونصف العام، وهي بعنوان (مغامرات ماجد على طريق الحرير)، وفيها تسافر الشخصية إلى المدن الواقعة على طريق الحرير لتعيش طقوسا وتقاليد وثقافات وحضارات مغايرة، ويعاد تقديمها للأطفال بلغة ميسرة للتعرف على الآخر لفهمه، وهو الفهم الذي نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى لتجنب الصراعات، أو إيجاد طريقة لإخمادها.

هكذا يسافر ماجد من الصين، حيث بدأ طريق الحرير في مدينة الصلصالـ التي يعرفها العالم باسم (التراكوتا)، في شيآن، وصولا إلى كبادوكيا في تركيا، والبندقية التي جاء منها أشهر رحالة على طريق الحرير؛ ماركو بولو.

لقد حرصتُ على استحضار التاريخ وتقديم الأزياء  وتصوير الطعام واتذكر الحكايات الشعبية، حيث أننا في مناهجنا التعليمية منغلقون على ذواتنا، بما يجعل أطفالنا في شبابهم عاجزين عن فهم ما يحيط بهم من ثقافات، تصدمهم رؤية تسلطية من عدم قبول الاختلاف في اللون والعرق والدين واللغة والثقافة، مما يفصلهم عن المجتمع، أو يصدمهم به.

هذا المشروع يحتاج إلى مشروعات مماثلة وعلى كافة الأصعدة، مثلما هو يحتاج إلى جرأة، ربما تكون بتبني هذه القصص ضمن أحد المناهج التعليمية التربوية بمدارسنا العربية.

(الموقع الإلكتروني لمجلة ماجد www.majid.ae)

  1. 5.    أدب الرحلة المصور عبر الدوريات والكتب

لن أعدد الكتب التي غطت طريق الحرير، بلغات غير عربية، ولذلك، ومن نفس المنطلق، سعيت لتقديم طريق الحرير ـ موسوعة ثقافية مصورة، لتصدر عن مكتبة الإسكندرية العام القادم، لتقدم المدن والمعالم والأعلام التي تعد نقاط تحول أو مراكز إضاءة على طريق الحرير. وغير الكتب أشير إلى دورية متخصصة باسم (Silk Road) تصدر مرتين سنويا للدراسات التي تتناول تاريخ وحضارة هذا الطريق الطويل زمانيا وجغرافيا،

ولكنني أستحضر، لشيوعهما، دوريتين كان لهما دور هائل في التعريف بطريق الحرير:

الأولى أعني بها مجلة الجمعية الأمريكية الجغرافية (National Geographic) والتي سعدت باقتناء نسخها كاملة، منذ صدورها في العام 1888م، وهي تعد موسوعة خاصة بالعالم عامة، وطريق الحرير عبر أكثر من رحلة. ولا شك أنها بنسخاتها اللغوية المتعددة، وقنواتها الأكثر دهشة تعد عالما مصورا رائعا لطريق الحرير منذ أكثر من 70 سنة عندما نشرت مقالها المصور: على طرق الحرير العتيقة، على متن سيارة موتور، وعربة نوم مكيفة، من باريس إلى الهند عبر أوروبا وآسيا، في أكتوبر 1940م.

(الموقع الإلكتروني للمجلة www.nationalgeographic.com)

أما قرينتها في الشرق فهي مجلة (العربي) التي تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت منذ ديسمبر 1958. ومن حسن الطالع أنني أعمل في (العربي)، وهي التي ألهمت قبلي رحالة كبارا مثل فهمي هويدي ومصطفى نبيل ومحمد المخزنجي ومحمد المنسي قنديل لاستكشاف طريق الحرير، مثلما منحتني الفرصة لأعيش التجربة على طريق الحرير مجددا ما وراء النهر، في الاستطلاعات التي نشرت بالمجلة.

وأشير إلى أهمية الخبرة الشخصية للرحالة في التدوين المصور، فهناك تعدد للمصادر لغة وتوجهًّا، واختلاف بالأسماء في أحايين كثيرة نطقا وكتابة، مما يعد مصدر حيرة وهو أمر لا يعفيه ـ أي الرحالة ـ من أي قصور يستدركه الرحالة بعده على طريق الحرير.

(الموقع الإلكتروني للمجلة www.alarabimag.net)

  1. 6.   مدونات العلماء والمغامرين والمستكشفين  

أهم نموذج عثرت عليه، حين بدأت أوثق لتلك المرحلة، كانت أفلام البعثات السويدية ـ الاستكشافية والطبية والتبشيرية ـ إلى الصين عامة، وإلى شمال غرب الصين، الذي عرف قديما باسم تركستان الشرقية، وهو المعروف اليوم بإقليم شينجيانج، ذي الأغلبية المسلمة، والحكم الذاتي.

كانت المنطقة مهد بعثات الكنيسة السويدية الإرسالية، وعلى رأسها المبشر ألبرت آندرسن (1865 ـ 1915)، وقد شاهدت أفلاما كثيرة، عمرها نحو قرن، لعمل تلك الإرسالية، في بناء كنيسة، ومستشفى، وفي التنقل بين وادي فرغانة ـ في أوزبكستان الآن ـ وكاشغر، شمال غرب الإقليم الصيني، وأكثر المدن الحية التي لا تزال تحتفظ بتراث مدن الحرير، كبوابة بين غرب الصين والعالم، مما يجعل تلك الأفلام التي صورها علماء ومبشرو الرحلة، وكانت تضم نساء كذلك، أهم توثيق فوتوغرافي مبكر لهذه المنطقة.

  1. 7.    العروض الفنية الحية، الموسيقية والحركية.
  2. ودعوني هنا أستحضر نموذج مشروع طريق الحرير الذي تأسس عام 1998 كمنظمة فنية وتعليمية لا تهدف لتحقيق الربح، وهي مشروع يُعنى بالربط بين الموسيقيين، والملحنين والفنانين، وجمهور المستمعين من أسيا إلي أوروبا والأمريكتين، بتقديم حفلات موسيقية يؤديها فريق طريق الحرير، إلي جانب الأعمال ذات الوسائط المتعددة، وتطوير المواد التعليمية والبرمجة. ورسالة المشروع هي رسالتي، ورسالة المهتمين بإحياء ذلك الطريق من أجل التواصل، والشراكة السلمية، والتعرف على الآخر. فالرسالة أو الرؤية مستوحاة من الثقافة التقليدية لطريق الحرير التاريخي، ويعمل لكي يكون حافزاً لتشجيع الابتكار والتعلم عن طريق الفنون، وربط دول العالم المتجاورة وذلك عن طريق الجمع بين الفنانين والجمهور في جميع أرجاء العالم.

    يقود مشروع طريق الحرير عازف التشيلو يويو ما ،Yo-Yo Ma الذي يبحث بشكل مستمر عن سبل جديدة للتواصل مع الجماهير مستلهما الأفكار المستوحاة من مشروع طريق الحرير، ومعه لورا فريد ،Laura Freid ذات الخبرة القيادية في التعليم العالي ومستشارة الشؤون الإستراتيجية، والمفتونة بتأثير الأفكار وقدرتها علي تخيير متخيلات المجتمع، وهي تشرف على مشروع طريق الحرير SilkRoad Project  منذ عام 2004. أما العازفون فهم نخبة مختارة من العازفين والملحنين ينتمون لأكثر من 20 دولةيعملون على إعادة اكتشاف للموسيقى التقليدية والمعاصرة من تراثهم المتنوع ومشاركة جمهور المستمعين في جميع أرجاء العالم.

    ولهذا المشروع تسجيلات عدة منها ألبوم الاستحالات الجديدة New Impossibilities، وصدر في 2007، ورحلات فريق طريق الحرير: ألبوم خلف الأفق Beyond the Horizon الذي صدر قبل ذلك بعامين، وعندما يجتمع الغرباء When Strangers Meet ، والقافلة الموسيقية A Musical Caravan وصدر كلاهما في العام 2002.

    في معارض المشروع المصاحبة للعروض يجتمع الفن المرئي، والقصصي، والموسيقي بهدف التوعية بفنون العالم وثقافاته علي طول طريق الحرير التاريخي، وهو ما شهده الجمهور في متحف بيوبودي أيسيكس the Peabody Essex Museum في مدينة سالم Salem، ماساتشوستس؛ متحف نارا القومي the Nara National Museum في مدينة نارا اليابانية؛ متحف روبين للفنون the Rubin Museum of Art في مدينة نيويورك؛ ومعهد الفنون The Art Institute في مدينة شيكاغو؛ ومتحف ريتبيرغ Rietberg في مدينة زيوريخ عاصمة سويسرا.

    ومنذ عام 2005 ، أنضم مشروع طريق الحرير مع جامعة هارفارد Harvard University ومدرسة رود أيلاند الفنية Rhode Island، لبرنامج توطين الفنانين عبر استضافة منتظمة للاقامة مع أفراد فريق طريق الحرير، تعزيزا للثقافات المختلفة والتفاعل متعدد الاختصاصات مع الطلاب والكلية، على أمل أن يكون مشروع طريق الحرير بذرة ميراث يلهم مبادرات مماثلة للمستقبل.

     (الموقع الإلكتروني للمشروع www.silkroadproject.org)

  1. 8.   البرامج التلفزيونية

 أختتم بالحديث عن برنامج (الآخر) التلفزيوني الذي أعده وأقدمه على شاشة قناة (العربي) ويستضيف أعلامًا من حضارات وثقافات مغايرة، وهو يحمل همومي في تبني طريق الحرير الإعلامي، ليس كبديل للطريق التجاري، ولكن كرافد جديد في دعم ثقافة الحوار مع الآخر، وقد استطعت من خلال ستين حلقة، أذيع الجزء الأول منها، أن أنقل للمشاهد صورا من ذلك الطريق، مع أعلام استضفتهم من الصين وتركيا وإيران والهند والباكستان وغيرها، ممن مثل لهم أمل إعادة الحياة لذلك الطريق مهمة كبيرة تغني الحياة، من خلال التماس مع أبناء الثقافات المختلفة. وهكذا، من قلب دخان المعارك على جبهات العالم كله تبرز الدعوة مجددا، لإحياء طرق التواصل، والحوار، والتفاهم، برا وبحرا وجوا، نشرًا وإذاعة وبثا.

One Response to عَينُ الرِّحلة على طريق الحَرير

  1. maillot foot pas cher 2014 رد

    27 مارس, 2014 at 10:14 ص

    I’d like to find out more? I’d want to find out some additional information.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات