كان اختيارنا لعرض أوبرا (توسكا) في هذا التوقيت لأن تشابها كبيرا بين الخلفيات الدينية والسياسية التي تستعرضها هذه الأوبرا الكبيرة وبين ما تموج به الساحة العربية والعالمية من تحولات وحسابات جديدة فرضتها حركة (تمرد) التي كانت هي المسئولة في المقام الأول عن إقالة محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية؛ التابع لجماعة الإخوان المسلمين والذي أساء استغلال منصبه بصورة لا تخفي على أحد متخذا من الخطاب الديني وسيلة لتطبيق سياسة لا جدوى منها ولا مستقبل منظور من ورائها ,بحجة أنه لا يمكن أن تتم مراجعة الحاكم إنه ظل الله على الأرض , ومن يخرج عنه فهو خارج عن الدين!!!, فكانت ثورة 30 يونيو الباسلة …
تماما مثلما اعتبر نابليون بونابرت أنه بدعم من رجال الكنيسة في فرنسا سيكون هو الإمبراطور الذي لا تُرد له كلمة , فقد أعلن نفسه إمبراطورا لفرنسا في كاتدرائية (نوتردام) 1804..
فأحداث أوبرا توسكا المكونة من ثلاثة فصول تدور أثناء غزو نابليون بونابرت لإيطاليا في معركة (مارنجو) ..إنه الصراع بين رجال الدين ونفوذهم وسلطاتهم التي يفترضون أنها ينبغي أن تكون مطلقة لأنهم يحملون تفويض إلهي وبين المفكرين والفلاسفة .. كانت أحداثا أوروبية لاسيما في فرنسا وإيطاليا وإنجلترا شهدت حروبا واسعة النطاق بين الغيبيات والواقع , بين القديم والجديد , بين رجال الكنيسة الكاثوليكية ورجال الفكر والفلسفة … بين طبقة حاكمة تتخذ من الدين ذريعة للإستبداد والقهر والوحشية وبين شعوب تمردت على الظلم والقهر …. تمرد في مصر 2013 , وتمرد في أوروبا تجلى في أعظم صوره حين قامت الثورة الفرنسية كأول ثورة ليبرالية في التاريخ كانت وراءها حركة التنوير التي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر وكانت في المقام الأول ضد الظلم والقهر … وتمرد في روسيا نتجت عنه الثورة البلشيفية 1917.
أوبرا توسكا أحد أهم أعمال جاكومو بوتشيني Giacomo Puccini (1858-1924)
أوبرا توسكا هي واحدة من أشهر أعمال الموسيقار الإيطالي (جاكومو بوتشيني) والذي كتب من قبل أوبرا (لابوهيم) , وأوبرا (مدام بترفلاي)… كتب بوتشيني أوبرا توسكا عام 1899, وعُرضت للمرة الأولى على مسرح (كوستازي) في روما عام 1900. وهي في الأساس دراما مسرحية للكاتب الفرنسي (فيكتوريان ساردو) Victorien Sardou (1831 – 1908)…
أوبرا توسكا : صورة قاسية لتحكم الساسة والطبقة الحاكمة في مصائر شعوبهم
توسكا هي مغنية للقصائد الدينية في الكنيسة , حيث تدور أحداث الفصل الأول في كنيسة St.Andrea, يخفي حبيبها (كافارادوس) صديقه السجين الهارب (إنجيلوتي) ..,أما رئيس الشرطة البارون سكاربيا فيصدر أمرا بالقبض على (كافارادوس) وإعدامه بعد إكتشاف مساعدته للسجين الهارب.
أما أحداث الفصل الثاني فتدور في حجرة سكاربيا بإحدى قاعات قصر فرنيس .. حيث تتدخل توسكا لإقناع رئيس الشرطة البارون بالعفو عن حبيبها وتخبره بمكان اختباء (إنجيلوتي) فيوقع أمرا بالعفو عن (كافارادوس).
البارون سكاربيا هو صورة مجازية لنابليون وعجرفته وجبروته في أوروبا واستهتاره بمقدرات شعوب أوروبا الطامحة للحرية والعدالة والمساواة .. لدرجة أنه أعلن نفسه إمبراطورا لفرنسا 1804 بكنيسة نوتردام, تلك الواقعة التي جعلت الموسيقار الألماني بتهوفن يمزق إهداءه الذي وضعه تكريما لنابليون في مقدمة سيمفونيته الثالثة المساة (البطولة).
الفصل الثالث من أوبرا توسكا يدور في قلعة الملاك .. بعد أن تقتل توسكا رئيس الشرطة (سكاربيا ) تسرع لإنقاذ حبيبها وتطلب منه أن يتظاهر بالموت لحظة إعدامه … ولكنها حين تصل تكتشف أن رئيس الشرطة كان قد قتله بالفعل فتلقي بنفسها من أعلى حصن القلعة .
أوبرا توسكا تكشف بجلاء خداع البارون سكاربيا واستغلاله لنبل وصدق المرأة المتدينة (توسكا) التي وثقت فيه وغدر بها وقتل حبيبها بعد أن جعلها تخبره بكل المعلومات التي يحتاجها .. بما يعكس المستوى غير الأخلاقي لطبقة لها هذا القدر من النفوذ السياسي والديني و مدى الزيف والريبة الذي كان يحيط بتصرفاتهم وأخلاقياتهم … فكان التمرد وكانت الثورة.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.