الروائي المصري “علاء الأسواني”

كما يقوم الأشخاص برواية حكاياتهم، وحكايات بلادهم على مر الزمان، تقوم عمارة يعقوبيان بهذا الدور. فهذه العمارة التي تجمع فئات الشعب المصري المختلفة، تشبه في تكوينها مصر، وتجعل القارئ ينتبه إلى مدى الفساد الذي غرقت فيه مصر منذ تلك الفترة، وحتى الأن.

عمارة يعقوبيان، هي عمارة بناها أحد الأجانب في مصر، بطراز بديع لتكون شاهدة بعد ذلك على مجتمع وسط البلد المصري بمختلف فئاته. فعمارة يعقوبيان هي الرابط الوحيد الذي يجمع بين شخصيات الرواية، فهناك من يسكنها و من يحرسها و من يمتلكها، إذا إعتبرناها مصر. نستدل من خلال الرواية كذلك على تاريخ عمارة يعقوبيان وهي عمارة حقيقية موجودة في شارع طلعت حرب بناها المليونير جاكوب يعقوبيان عميد الجالية الأرمنية عام 1934، ويعد العديدون هذا المبنى شاهداً على تاريخ مصر الحديث.

بالطبع عند سماع اسم “عمارة يعقوبيان” يتبادر إلى أذهان الناس الفيلم الشهير الذي تم إقتباسه من الرواية المثيرة للجدل تلك، ولكن أن أردنا إقرار الحق، فالرواية أفضل خاصة فيما يخص وصف و تجسيد الشخصيات بطريقة عجز عنها الفيلم أو بالغ فيها في أوقات أخرى. شخصيات عمارة يعقوبيان كان علاء الأسواني قادراً على نسجهم بطريقة مبدعة، والإبداع في تفاصيل الرواية وخاصة تفاصيل الأماكن، هي من أحد من سمات أسلوب الأسواني، رغم ما عانته الرواية من إنتقادات بسبب التفاصيل الجنسية التي تحتويها.

شخصيات الرواية تختلف فهنالك الرجل المسن المتصابي زكي الدسوقي و أخته الحقودة دولت، الخادم أبسخرون وأخوه المكير ملاك، شباب متناقضون مثل بثينة السيد وطه الشاذلي، الصحفي الشاذ حاتم رشيد وعشيقه الصعيدي عبد ربه، ورجل الأعمال الحاج محمد عزام وصلته بكمال الفولي وعلاقته بالسلطة. فكما نرى تختلف طبقات وثقافات شخصيات الرواية لتكون صورة متكاملة عن مصر في هيئة رواية، دون الحاجة إلى الإشارة لكل شئ باسمه الحقيقي.

وتتعرض الرواية لبعض التابوهات التي لم يتم كسرها في مصر حتى وقت قريب، مثل الحديث المباشر عن الحالة الإقتصادية والإجتماعية المتردية، الصراع الطبقي، وضع المرأة في المجتمع، الأحقاد الدفينة بين طبقات المجتمع، الأعمال السرية لرجال الأعمال و صلتهم المشبوهة بالرئاسة، العلاقات الجنسية والشذوذ.

تمر شخصيات الأسواني بتحولات جذرية، فلا يمكنك الحكم عليها بأنها شخصيات سطحية، فشخصية طه الذي كانت أقصى أحلامه هي أن يلتحق بالشرطة يتحول إلى أحد أكثر المتشددين و ينضم إلى جماعة الأخوان المسلمين، وتتحول بثينة التي زرعت والدتها فيها حب المال منذ أن وعت على حياتها العملية إلى شخصية رقيقة ترفض المال من أجل من تحب.

نشاهد كذلك وضع المرأة في المجتمع وعلاقتها بجسدها من خلال شخصية سعاد جابر، الأرملة الفقيرة التي تزوجت الحاج عزام لتتخلص من الفقر وتساعد ابنها. حتى يتم الحمل منه، وبهذا تنكث باتفاقها معه ولكنها تصر على عدم إجهاض الجنين، لأنها تراه وسيلتها الوحيدة لعدم العودة إلى خانة الفقر مرة أخرى، حتى يتعرض لها الحاج عزام بالدين تارة والعنف تارة أخرى لتفقد الجنين في النهاية.

نشاهد التطرف الإسلامي في شخصية طه والشخصيات الإسلامية العديدة التي تعامل معها بعد دخوله كلية الحقوق، وقد جذبه إليهم تقواهم وفقرهم المماثل لفقره. وبمرور الوقت يختلف طه ويصبح متشدداً و تتركز في عقله فكرة الإنتقام من الضابط الذي أشرف على تعذيبه في قسم الشرطة، ليصبح ثأره مع الشرطة مضاعفاً. فلا ننسى أن حلمه الأول كان الإنضمام إلى كلية الشرطة ليتم رفضه بسبب مهنة أبيه، وهي كونه حارس عقار، عمارة يعقوبيان.

كذلك شخصية زكي الدسوقي، المسن المولع بالنساء و الماضي الذي كان يعيش فيه حياة الملوك، حتى قامت الثورة، ثورة الضباط الأحرار. وعلاقته المضطربة بأخته دولت، التي تجرده من كل ممتلكاته وأخيراً من كرامته ليجد عزاءه الوحيد في بثينة السيد، حبيبة طه القديمة وزوجة زكي الدسوقي الوحيدة. بثينة، هي فتاة يتيمة، منذ أن تخرجت من الجامعة زرعت فيها والدتها فكرة أن عليها جني المال بأي وسيلة من أجل الإنفاق على أخوتها الصغار، مما إضطرها إلى فعل أشياء لا تفخر بها، حتى تلقيها الأقدار لتعمل لدي زكي الدسوقي، وتتطور علاقتها به من علاقة خداع إلى علاقة حب.

وننتقل إلى الشخصية الأكثر إثارة للجدل في الرواية، وهي شخصية حاتم رشيد وماضيه الغريب وشذوذه المبكر. حاتم، هو مدير تحرير أحد أكبر الصحف الفرنسية في مصر، وشاذ في دولة تعتبر الشذوذ بجانب كونه حراماً إلا أنه كذلك أكبر التابوهات التي لا يجدر الحديث عنها حتى. علاقاته المتخبطة وحياته المشوشة تمكن الأسواني من ذكرها بتفاصيل مميزة، كما قام بتقديم تاريخ عائلته والسبب الأول الذي قاده للشذوذ ومدى التعقيد الذي أصبح عليه جراء ذلك.

العامل الذي يجمع شخصيات الرواية بجانب عمارة يعقوبيان، هو المال. فمنهم من مات بسبب المال و منهم من يحيا من أجل المال ومنهم من يفعل أي شئ من أجل المال.

هذه الرواية من أحد أفضل الروايات الشاهدة على عصر مرت به مصر، فهي تتعرض للفساد السياسي، الكبت الجنسي، التطرف الديني، وأمال مصر في فترة ما.

Tweet