أوبرا فالستاف..مفارقات كوميدية يتوجها الحب

الممثل براين باناتين سكوت في دور فالستاف، مع جوني هينسون في دور آليس فورد

تُعتبر أوبرا (فا لستاف) أفضل عمل أوبرالي كوميدي في تاريخ الأوبرات العالمية على الإطلاق وقد لاقت نجاحا كبيرا في عرضها الأول على مسرح (لاسكالا) في ميلانو .

أوبرا فالستاف معالجة مسرحية موسيقية لرواية(زوجات ويندسر السعيدات) للأديب والشاعر الإنجليزي الكبير (وليام شكسبير), وقد تعاقب أكثر من مايسترو شهير على تقديمها (مثل قائد الأوركسترا الإيطالي الأشهر(توسكانيني), جوليني, كارايان, شوليتي, وكذلك المايسترو الإنجليزي الشهير (جون إليوت جاردنر).

فيردي يعود للتأليف الموسيقي بعد 16عاما

بعد أن قدم الموسيقار الإيطالي العظيم (فيردي) أوبرا (عايدة) 1871 ولاقت نجاحا مذهلا قرر أن يعتزل التأليف الموسيقي تماما, وانقطع جوزيبي فيردي 1813-1901 طوال 16عاما عن التلحين باستثناء(قداس راحة الموتى) تخليدا لذكرى المؤلف الإيطالي (أليساندرو مانزوني).

عاد فيردي للتلحين الموسيقي عودة قوية مع أوبرا (عطيل) وكانت تراجيديا ناجحة جدا من روائع شكسبيرأيضا وقد لاقت نجاحا كبيرا وأكد فيردي من خلالها على أن تقدمه في العمر لاعلاقة له بإمكاناته الموسيقية الفريدة والرائعة.

ملصق تاريخي للعمل الموسيقي يحمل اسم مبدعه فيردي

لكن حلم تقديم أوبرا كوميدية ساخرة ولاذعة كان يراوده دائما فاقترح عليه الشاعر والموسيقي (بويتو) النص الكوميدي (زوجات ويندسور السعيدات) من روائع شكسبير فوافق فيردي وتعاونا معا على إنجاز النص الشعري أو ما اصطٌلح على تسميته (الليبريتو) ولما انتهيا من الكتابة الشعرية تفرغ فيردي للتأليف الموسيقي,إلا أنهما أجريا بعض التعديلات على النص الشكسبيري الإنجليزي لكي يتلائم مع الطبيعة الإيطالية, ولما اكتمل النص شعرا وتلحينا عٌرض على أوبرا (لاسكالا) 1893 ولاقى نجاحا منقطع النظير.

جيريمي بويس (يسارًا) في دور بيستولا، وجوش لوفيل (يمينا) في دور باردولفو، واقفين، مع الجلوس: كولين اينسورث (فينتون)، بريت بوليجاتو (فورد)، وكريستوفر مايل (دكتور كايوس)

فالستاف كوميديا ساخرة لا تخلو من الحكمة

جون فالستاف النبيل الذي يحمل لقب سير والواثق دائما من قدراته وإمكاناته في التأثير على النساء والإستحواذ على قلوبهن بالرغم من بدانته الشديدة وادمانه للخمور .. فهو يبحث عن الشهوات الحسية ويفتش دوما عن علاقات غرامية مع النساء ..

يبعث فالستاف برسالتين غراميتين واحدة إلى السيدة (أليس) والأخرى إلى صديقتها (ميج) فتقرران أن تلقناه درسا فتجيبان عليه بالموافقة على موعد غرامي في الظهيرة من الساعة الثانية إلى الساعة الثالثة, يٌقابل زوج السيدة (أليس) فالستاف وهو يتخفى تحت اسم مٌستعار ويترجى السير فالستاف أن يقدم له نصائح يتقرب بها إلى أليس ويستحوذ على قلبها وتجعلها تبادله الغرام فيحكي له فالستاف عن موعده مع السيدة (أليس) فيقرر الزوج أن يعود للمنزل للإنتقام من هذا الوغد مع مجموعة من رجاله لمفاجئتهم اعتقادا منه أن زوجته على علاقة عاطفية مع سير (فالستاف) ولما يصل الزوج إلى المنزل يختبئ فالستاف في سلة الغسيل ويقفز من نافذة البيت في النهر… تكشف أليس لزوجها حقيقة الأمر وتفاصيل الخطة التي رسمتها مع صديقتها ميج ..

فورد تقود بحثا شرسًا عن فالستاف، الذي يختبيء في السلة وسط المسرح، عرض من تصميم ليزلي فرانكيش وإخراج جلينيس ليشون

يقرر الجميع أن يلقنوا فالستاف درسا قاسيا لاينساه , فتعطيه السيدة أليس وصديقتها موعدا في غابة البلوط وهناك يدبروا أجواء شيطانية وسحرية تجعل الفزع والرعب يسيطران على قلب وروح فالستاف العاشق المراوغ الذي يستسلم لهم ويعتذر عن حماقاته ويعلن لهم عن توبته..

فالستاف عمل كوميدي يحمل بين مشاهده المتعددة وحوارته الساخرة الكثير من الحكمة والفلسفة .. فالسير فالستاف رغم ضخامته وادمانه الخمور إلا أنه يحمل قلب طفل محب للحياة في النهاية وردا على سخرية أليس وزوجها وباقي الأصدقاء منه يرد عليهم بأغنية تكشف عن هويته ونظرته البعيدة والفلسفية للحياة:

“كل ماينطوي عليه العالم هو مجرد نكتة

وماوُلد الإنسان إلا نكاتا يٌقارع بهذه الطريقة أو تلك

بسلاح الٌمعتقَد أو العقل

نحن جميعا أبطال هزل

نصرف العمر بالضحك على الآخرين

ولكن أفضلنا ضحكا

من يُبقي ضحكته إلى لحظة العمر الأخيرة“.

راشيل فلنون التي تقوم بدور ملكة الحكايات الخرافية نانيتا، مع فريق مركز الرقص كساحرات، وفالستاف (الممثل براين باناتين سكوت) المشاهد إضاءة المصمم كيفن لاموت

الحب والعاطفة المتدفقة تمثل سياجا يحيط بأوبرا فالستاف الكوميدية , فيقدم لنا فيردي وبيوتو أنماطا متعددة للحب , كالعلاقة الحميمة بين الزوجين , وحب نانيتا إبنة أليس للشاب اليافع فينتون , وحب الفارس سير فالستاف الواهم … إنها الحياة بتركيبتها السحرية بين العاطفة والغريزة , الفرح والحزن , الوفاء والخيانة , العقل والجنون .