ماذا فعلت صورة السيسي بقصيدة مختار عيسى: نساؤنا حبلى بنجمك

12:32 صباحًا الجمعة 15 نوفمبر 2013
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
مازالت تداعيات «نساؤنا حبلى بنجمك» مشتعلة في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. الجملة عنوان قصيدة نشرها الشاعر الصديق مختار عيسى في الزميلة «الوطن»، ومن يومها يسب بأقذع الشتائم التي يستحيل نشرها!
من المرات النادرة ان تتحول قصيدة الى «ظاهرة ـ أزمة»، أولى تجلياتها أنها كشفت عمق الاحتقان والانقسام السياسي في مصر، كما كشفت عن مستوى التردي الأخلاقي والفجور في الخصومة والقتل الرمزي ـ
أو الفعلي ـ للآخرين، لمجرد اختلافهم معنا، ما يتطلب تحليلاً لاختصاصيين في علم النفس والاجتماع. واللافت ان معظم الشتامين يرفعون «شعار رابعة»، فهل هذه أخلاق من يدعون التحلي بأخلاق القرآن الكريم؟! بالطبع سترد جماعة الاخوان، بما قاله مرشدها قديماً: ليسوا باخوان وليسوا بمسلمين! وسواء أكان هؤلاء لجنة الكترونية اخوانية للنيل من السيسي، أو لجنة الكترونية لتشويه صورة «الاخوان»، فمستوى السباب كاشف لمدى الانحدار المجتمعي، لأنه قبل ان نختلف سياسياً ومذهبياً وعرقياً ثمة قيم أخلاقية لا يجوز ان نهدرها، والا تحولنا الى وحوش دون الحد الأدنى من الانسانية.

القصيدة الأزمة

ولنفرض ـ كما يزعم البعض ـ ان عيسى ينافق السيسي، فهل هذا يبرر كل ذلك الكم من السباب البذيء؟ ولماذا التعامل معه كأنه المنافق الأوحد في عالمنا العربي؟!
ولو عدنا الى الجملة المثيرة للغضب، فهي صورة مجازية متكأة على ارثنا الديني لأنه لا نساء تحبل من «نجم» أو «نور»، وليست خادشة للحياء ولا مبالغة في الحسية. انما حسيتها، ولدتها المفارقة الفادحة، بين قصدية شاعرها، وتأويل متلقيها. فعيسى لم يشر في النص الى السيسي وانما أضاف صورته كي يرفعه الى مستوى «الرمز» فهو «رمز» لمصر، امتداد حورس وأحمس وعبد الناصر، خلص مصر، من مغامرات الجماعات الدينية، وأجهض مشاريع اقليمية لا تريد لنا خيراً.
لكن صورة السيسي المرفقة مع القصيدة، جسدت رمزيتها وابتذلتها في آن واحد، وحفزت الجموع المستنفرة، ضد صاحب القصيدة، وأغلقت باب التأويل لأي بطل متخيل، ومُنتظر، فلو لم توجد «الصورة» بكامل رسميتها، لانتفت المعركة، والدليل ان عيسى نشرها قبل ثلاثة أشهر في صفحته ولم ينتبه اليها أحد!
 
وعادة يميل البشر أكثر الى سوء الظن وليس حسنه، لذلك لم يروا في التصاق صورة السيسي بجسد القصيدة، رفعاً له الى مصاف الرمز، بل رأوه فعلاً غير أخلاقي، مجرد مزيج من الاباحية والنفاق.
ثمة دوافع كثيرة لهذه القراءة، فجماعات الاسلام السياسي لا ترى في السيسي بالتأكيد رمزاً مخلصاً، بل هو «السفاح» و«الانقلابي». حتى بين شباب الثورة، والتجمعات اليسارية والليبرالية، يبدو السيسي شخصية «اشكالية» لا ترقى الى مستوى الرمز.
صحيح ان معظم هؤلاء رأى في انهائه لحكم الاخوان عملاً بطولياً وطنياً، لكن ارتيابهم في محاولات تكريس ديكتاتور وتخبط مرحلة ما بعد الاخوان، واعادة انتاج نظام مبارك، والالتفاف على خريطة 30 يونيو، كل هذه المخاوف تجعلهم لا يقرون برمزية السيسي، لأنها لن تكتمل الا بالوصول الى دولة مدنية، أما اذا وصل هو الى الرئاسة فسوف تسقط رمزيته، وتدخل الدولة في مرحلة انتقالية ثالثة!
الى جانب «اشكالية» شخصية السيسي التي تحول دون جعله رمزاً، لا ننسى الاصرار على التأويل الحرفي للنص، وكان النساء نساء، والحمل وقع فعلاً، والنجم هو السيسي. وهي قراءة تتسق مع توجه عام لجماعات الاسلام السياسي، فهي شديدة الارتياب في كل ما هو مجازي، وتصر على قراءة ظاهرية حرفية، متشددة، لأي نص، ولا تلجأ الى التأويل الا لخدمة أغراضها البراغماتية أو للالتفاف حول تناقض ما. وما محاربتها للفنون والآداب، الا نتيجة رعبها من التخييل والمجاز الكاشف لقصورها العقلي والروحي.
وعادة ما تلجأ بكل غوغائيتها، الى اقتطاع ما تشاء من «سياقه»، لتسهل مهمة المحاكمة الأخلاقية وتأليب بسطاء الناس.
وهذه الآلية جُربت بنجاح دائماً، ويكفي ان نشير الى أزمة «في الشعر الجاهلي لطه حسين»، فعندما تصدى وكيل النيابة للحملة المبرجمة بدوافع سياسية وليس غيرة على الدين، أسس لمبدأين مهمين، الأول: ان مدبري الحملة اقتطعوا «جملاً من سياقها»، والثاني انتفاء قصدية الطعن في الاسلام. ولو طبقنا ذلك على القصيدة، نلاحظ ان انتقاء جملة من سياقها ساهم في تضخيم المحاكمة الأخلاقية. ويمكننا ممارسة اللعبة ذاتها ضد عشرات القصائد للمتنبي ودرويش ونزار قباني، ومحاكمتهم بتهم الالحاد والاباحية.
كما يتعذر اتهام عيسى ـ مثلا ً ـ بترويج الدعارة، أو النيل من شرف نساء مصر! لأنه اتهام لا يستقيم مع القصيدة ذاتها. حتى اتهامه بالنفاق الرخيص لا يستقيم، لأنه كان بمقدوره ان يضع اسم السيسي في القصيدة ويكيل له ما يشاء من مدح، لكنه عبر بطريقته عن توجهه الفكري الراسخ لدى معظم شعراء مرحلة المد القومي وحتى سبعينيات القرن الماضي، هؤلاء المولعون بالبطل المخلص، وأبوته الرمزية.
بالضرورة لا تتطابق قصدية الشاعر مع تأويل المتلقي، لكن الفجوة التأويلية بين الطرفين، تتطلب ادراكاً لحساسية اللحظة، وقراءة متأنية لسياق انتاج النص، وسياق تأويله أيضاً.
وما حدث ان مختار عيسى المسكون بالرمز المخلص أراد ان يطوب «السيسي» عبر قصيدته، والمتلقون المضادون وجدوا فيها متنفساً، لتفريغ شحنات الغضب والاحباط، وقرروا النيل من «السيسي» عبر مختار وقصيدته.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات