هل تدق طبول الحرب بالساحل الإفريقي؟

05:46 مساءً الجمعة 23 نوفمبر 2012
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

نظرة تحليلية للأوضاع في مالي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

احتقان شديد على الحدود الصحراوية لمالي استمر لأكثر من عشر سنوات على طول الخطوط الحدودية التي تربطها بالجزائر والنيجر وموريتانيا. خلال هذه الفترة كانت مجموعات محسوبة على الحركات الجهادية المعادية للأنظمة التي كانت قائمة آنذاك وبعضهم متحالف مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي  قد فرضت  نفوذها وسيطرتها ، متعاونة مع شبكات أخطبوطية لتهريب المخدرات والسلاح عابرة للقارات  وشكلت قوة لايستهان بها عسكريا وإستراتيجيا وتهديدا مباشرا للدولة المالية التي طالما غضت الطرف عن تأثير هذه الكيانات المسلحة والمتطرفة على أمنها وتجاهلت هذا الخطر الجاثم على حدودها طالما أنه بعيدا عن المركز باماكو وكبريات المدن .

كان هذا هو المشهد الذي شجع تلك الجماعات على غزو شمال مالي باسطة نفوذها على مساحة تتجاوز 55% من إجمالي الرقعة الترابية لمالي أي حوالي ثلثي مساحتها , لاشك أن انهيار نظام العقيد القذافي بطرابلس الذي كان يعتبر الحاضنة المركزية لمختلف الحركات الإنفصالية في المنطقة خاصة الطوارق التي كانت تنشط في مالي بصورة أساسية  قلب كافة الموازين وأصبحت تلك الجماعات الجهادية تتحرك بحرية وبلا رادع بعد أن كانت طريدة الدول والحكومات .

بدأ إنهيار الدولة في مالي فعليا منذ عشر سنوات وبالتحديد مايو / آيار 2002 عندما عاد الجنرال المتقاعد من الجيش آمادو توماني توري إلى الحكم إثر إنتخابات رئاسية عقدت آنذاك وتميزت فترة حكمه بالضعف والهوان وإنتشار الفساد والرشاوى , ولما بسط الإرهابيون والمهربون سيطرتهم على الأراضي المالية شمالا بسبب تهاوي الدفاعات الأمامية للجيش المالي والإنهيار التام لألويته أمام الطوارق الإنفصاليين والحركات الجهادية السلفية من ناحية أخرى  أصبح من المستحيل تقريبا القضاء على هذه الجماعات العصابية المسلحة بجهود عسكرية مالية خالصة إستراح الرئيس آمادو توماني تراوري لهذه الصيغة وتهرب من مسئولياته ومهددا دول الجوار بخطورة الوضع في بلاده وإنعكاساته على تلك الدول أمنيا وعسكريا لحمل كافةالأعضاء على التدخل لإنقاذ الوضع المتفاقم وتصاعدت الإتهامات الموجهة لتوري بالتولي يوم الزحف وغض الطرف عن الرشاوى التي كان يتقاضاها كبار المسئولين نظير بسط نفوذ الإرهابيين على المقدرات الإقتصادية للمنطقة الشمالية .

21 مارس آذار 2012 قامت وحدة عسكرية من لواء القبعات الخضر المتمركزة في ثكنة كاتي بضواحي باماكو بمهاجمة القصر الرئاسي الواقع على مرتفعات كولوبا في قلب العاصمة المالية ولم ينج الرئيس إلا عندما أرسلت له السفارة الأمريكية سيارة مدرعة لإنقاذه ولكن هذا الإنقلاب فشل سريعا في لإنقاذ الموقف في البلاد وسرعان ماأتضح للمواطنيين بعد الوعود التي قطعوها على أنفسهم بإعادة تنظيم الجيش  المنهار وطرد الجماعات المسلحة أنهم لم يكونوا إلا مجموعة من ضباط الجيش الطامعين في السلطة ولما ساءت الأوضاع تدخلت دولة بوركينا فاسو بعقد جولات موسعة ومضنية من المباحثات توصلت بموجبها إلى صيغة دستورية لحل الأزمة وتطبيق حيثيات الدستور وتحجيم دور الإنقلابيين الأهم هو تشكيل حكومة إنتقالية تتولى تسيير الأمور وبمقتضى هذه الخطة تولى السيد جاكوندا تراوري رئيس الجمعية الوطنية والمقرب من الرئيس المخلوع رئيسا إنتقاليا للبلاد .

كان مجلس الأمن قد وافق بالإجماع على مسودة قرار أعدته فرنسا في محاولة منه لإحياء جهود متعثرة للتعامل مع تلك الأزمة والتي حذر من أنها يمكن أن تقوض الإستقرار في منطقة الساحل الإفريقي المضطربة والتي تمتد عبر نحو مايقرب من من 12 دولة من أفقر دول العالم تقع على الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى, وقد أبدى المجلس في القرار قلقه البالغ من تدهور الوضع الأمني والإنساني في شمال مالي وتزايد وجود عناصر إرهابية بها بما في ذلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي, وأكد المجلس أنه بمجرد تلقي خطة عسكرية مفصلة لإستراتيجية التدخل من التجمع الإقتصادي لدول غرب إفريقيا <ايكواس > ومن الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة سيكون المجلس مستعدا لبحث قرار ثان بالوافقة على التدخل العسكري , وكانت إيكواس قد أعدت خطة لعملية على ثلاث مراحل وطلب الرئيس المؤقت لمالي ديكوندا تراوري من مجلس الإيكواس  إجازة إستخدام القوة حيث تدخل عسكريا في صراعات سابقة في سيراليون وليبيريا .

ويلاحظ المراقبون عدم تحمس الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل العسكري المباشر بالغم منأن تدخلا عسكريا ضد هذه العناصر الإرهابية وفصائل تنظيم القاعدة قد تصب في النهاية في سياسة أمريكا في الحرب الشاملة ضد الإرهاب إلا أنها تفضل إنتظارما ستؤول إليه المساعي الإقليمية بشأن التحضير للتدخل العسكري أو اللجوء للمفاوضات والحل السلمي .

وحدها فرنسا هي التي كانت تفضل التدخل العسكري وتضع كل ثقلها في الميزان من أجل الدفع نحو الحل العسكري مقدمة في هذا السياق كل المساعدات العسكرية والمالية المطلوبة للجيوش في المنطقة والتي كانت تخطط أي تلك الجيوش الإفريقية من الإيكواس إلى إرسال حوالي 3300 جنديا للقيام بهذه المهمة العسكرية شريطة أن تلتزم الحكومة الإنتقالية بإلتزاماتها بشأن إسترجاع عافيتها السياسية ولو بشكل جزئي وأن تحقق إستقرارا في مؤسساتها لاسيما المؤسسة العسكرية .

عربيا صرح السيد مراد مدلسي وزير الخارجية الجزائري إن قرار الحرب في شمال مالي يعود إلى الماليين أنفسهم ولكن الجزائر تنصح بخيار التفاوض وأنها لاتريد حربا على حدودها الجنوبية وأنها دافعت منذ البداية عن خيار التفاوض لأن نتائج هذه الحرب ستكون كارثية لا محالة ولكن الحكومة الجزائرية تحاول إعلاميا إقناع المجتمع الدولي بأن وساطتها في مسألة التدخل العسكري في مالي جعلت فرنسا تعدل من موقفها تجاه دخول تلك الحرب ونفى وزير الدفاع الفرنسي تصريحات الجزائر رافضا إياها وأعطى إنطباعا أن ملف مالي أوروبي في المقام الأول .

كان الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى منطقة الساحل <رومانو برودي > رئيس الوزراء البريطاني الأسبق قد أعلن 13 نوفمبر الجارى أنه سيدعو إلى عقد إجتماع دولي في ديسمبر القادم كانون أول لمحاولة حل الأزمة في مالي سلميا .

وفي النهاية يظل المجتمع الدولي في حيرة من أمره حيث تتحكم المصالح الإقتصادية العالمية والتوازنات الدولية في إحتمالات التدخل العسكري في مالي من عدمه الأمر الذي تتداخل فيه الأزمة السياسية في باماكو العاصمة مع الإحتمالات المتصاعدة لإنفصال الشمال الذي يسيطر عليه تنظيم القاعدة .

ومهما يكن فإن هذه المنطقة الحيوية من القارة السمراء مقبلة لا محالة على تطورات خطيرة ستكون لها إنعكاسات كبيرة على كافة الدول في المنطقة في ظل مخاوف متصاعدة من تنامي وتصاعد النفوذ السلفي والديني المتعصب والذي لا يقبل ثقافة الآخر ولايعترف بها ولو كان من أبناء ذات الوطن ونفس الأرض .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات