التجسس الأمريكي على العالم وإزدواجية المعايير

05:38 مساءً السبت 30 نوفمبر 2013
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

إدوارد سنودن

منذ أن فجر ” إدوارد سنودن” ، الذي كان يعمل موظفا فنيا سابقا في وكالة الإستخبارات الأمريكية وعمل في وكالة الأمن القومي ، قنبلته المدوية لصحيفتي واشنطن بوست الأمريكية والجارديان البريطانية في يونيو/ حزيران الماضي بخصوص عمليات التجسس والمراقبة التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكي للإتصالات الهاتفية وبيانات الإنترنت من شركات كبيرة مثل جوجل وفيسبوك وهناك أسئلة كثيرة فرضت نفسها وخاصة بعد انكشاف فضائح التجسس الأمريكية على دول حليفة وصديقة منها :

أولا : ما الذي يدفع دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية مازالت تصنف باعتبارها الدولة الأقوى في العالم إقتصاديا وعسكريا والأكثر تقدما علميا إلى مثل هذا السقوط الذي يعكس الضعف أكثر مما يعبر عن قوة ؟

ثانيا : كيف يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر قائمة الدول صاحبة الدعوة إلى الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان أن تسمح لنفسها بانتهاك حرمة الحريات الخاصة للمواطنين ، ليس فقط في دول عدوة ومنافسة ومنظمات وتنظيمات معادية ، بل أيضا للدول الصديقة والحليفة بمؤسساتها ومواطنيها ؟

والسؤال الثالث هو : كيف يمكن أن يمتد هذا الإعتداء على الحريات الخاصة إلى مواطني الولايات المتحدة نفسها ، وكيف يمكن أن تمتلك الولايات المتحدة بعد الآن إعطاء نفسها حق التدخل في الشئون الداخلية للدول وممارسة التسلط على سياساتها بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان في هذه الدول ؟

وبالنظر إلى ما تم الكشف عنه ، فإن عمليات التجسس الأمريكية على العالم قد وصلت مستوى جنونيا حيث تعددت أهداف التجسس وتنوعت وسائله .

وقد طالبت العديد من الدول التي استشعرت الصدمة بما في ذلك دول الإتحاد الأوربي الولايات المتحدة بتقديم تفسير ووقف أنشطة التجسس التي تمس بأمن ومصالح الدول الأخرى .

وكانت ردود الفعل الغاضبة من جانب المانيا خاصة والإتحاد الأوربي بصفة عامة بعد تكشف فضائح التجسس الأمريكية حيث نشرت مجلة ديرشبيجل الإخبارية الألمانية عن وثائق أمريكية سرية تؤكد أن الولايات المتحدة تتنصت على نصف مليار من الإتصالات ووسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية في المانيا شهريا من بينها الهاتف المحمول للمستشارة انجيلا ميركل وأن المانيا مصنفة لدى أجهزة الإستخبارات الأمريكية بأنها هدف استخباراتي مماثل للصين رغم أنها تعتبر أهم حلفاء واشنطن في أوربا وطالبت ميركل الولايات المتحدة بتوضيح موقفها مضيفة أن العلاقات بين واشنطن وأوربا تواجه اختبارا عسيرا وتتفاوض برلين حاليا مع الحكومة الأمريكية حول إبرام إتفاقية لوقف كافة أنشطة التجسس على المانيا ومن المنتظر أن تطلب المعارضة البرلمانية في المانيا والمستشارة انجيلا ميركل منح موظف الإستخبارات إدوارد سنودن حق اللجوء في المانيا لاسيما أن فترة لجوئه في روسيا ستنتهي الصيف المقبل .

أما صحيفة لوموند الفرنسية فقد نشرت يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أن وكالة الأمن القومي الأمريكية اعترضت أكثر من 70 مليون إتصال في فرنسا في غضون ثلاثين يوما فقط وأكدت الصحيفة أن فرنسا تمتلك الآن أدلة دامغة على استهداف مصالحها بشكل دوري ، وقام وزير الخارجية الفرنسي (لوران فابيوس) باستدعاء السفير الأمريكي في باريس وصرح بأن هذا النوع من الممارسات والذي يحمل جانبا من المس بالحياة الشخصية أمر غير مقبول بالمرة .

وأثار التقرير الصحفي الذي نشرته جريدة (داجبلات) النرويجية حول تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على 33 مليون مكالمة ردود فعل غاضبة لدى العديد من السياسيين النرويجيين بالرغم من أن رئيسة الحكومة النرويجية (أرنا سولبرج) حاولت التخفيف من وقع هذا التقرير الذي يعتمد على بيانات وفرها العميل الأمريكي سنودن على اعتبار أن قيام الوكالة الأمريكية بتسجيل المكالمات التي كانت تجري بين النرويج وأفغانستان في إطار الجهود الإستخباراتية لضمان سلامة الجنود النرويجيين الذين يعملون في القوات الدولية للأمن في أفغانستان والمعروفة باسم قوات الايساف ، وأضافت أن هذه التسجيلات تعتبر أمرا مشروعا وتدخل في إطار الجهود التي تبذلها المخابرات النرويجية مع المخابرات الأمريكية لضمان سلامة المشاركة في الخارج ولكنها قالت أنها لا تقبل قيام أمريكا بالتجسس على الإتصالات الهاتفية داخل النرويج لأن الأصدقاء لا يتجسسون على أصدقائهم وفي الوقت نفسه قام الحزبين الليبرالي والمسيحي الديمقراطي بالنرويج بالدعوة لإتخاذ إجراءات حاسمة تجاه الحليف الأمريكي .

وكشفت مجلة (بروفيل) النمساوية والمعروفة بقربها من دوائر الحكم في النمسا النقاب عن تقدم المكتب الإتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب ببلاغ إلى النائب العام بسبب وجود شكوك إزاء قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية (إن إس إيه) بأنشطة تجسسية داخل دولة النمسا ضد مصالح الدولة .

وقدمت أندونيسيا احتجاجا قويا لدى الولايات المتحدة بسبب تقارير عن قيام السفارة الأمريكية في جاكرتا بأنشطة تجسس وقال وزير الخارجية الأندونيسي :” إن أندونيسيا لا يمكن أن تقبل ما تردد عن وجود منشآت مراقبة في السفارة الأمريكية في جاكرتا وقدمت احتجاجا قويا ” وطلب الوزير من السفارة الأمريكية توضيح هذا الأمر .

وأظهرت معلومات نشرها أحد المواقع المتخصصة في نشر الوثائق السرية أن السعودية والعراق كانتا أكبر دولتين مستهدفتين من قبل أجهزة الأمن القومي الأمريكي عبر أنشطة التجسس على الإتصالات في العالم العربي حيث قامت وكالة الأمن القومي الأمريكي ب 8.7 مليار عملية تجسس على الإتصال في كلا البلدين فيما بلغت هذه الأرقام 1.9 مليار عملية في مصر و 1.6 مليار في الأردن .

ويصل إجمالي عمليات التجسس خلال شهر يناير/ كانون الثاني من العام الجاري إلى 125 مليار عملية .

وقد أثارت أنشطة التجسس الأمريكية سلسلة من ردود الأفعال الغاضبة بين حلفاء واشنطن في أوربا وأمريكا اللاتينية .

وتعكس أنشطة التجسس الأمريكية المعايير المزدوجة والنفاق اللذان تمارسهما السياسة الخارجية الأمريكية ، وقد كشفت هذه الأنشطة مدى شساعة نطاق ومجالات التجسس الأمريكي على العالم وجعل الحجج بممارسة التجسس من أجل مقاومة الإرهاب تبدو باهتة جدا وحتى عمليات التجسس على الحلفاء بررتها بالعمل من أجل المصلحة الأمنية لحلفائها .

واستغلت أمريكا الطور التقني وخاصة في مجال الإنترنت والمعلومات لترفع من قدرات نظامها التجسسي وبعد أحداث 11 سبتمبر وصلت أنشطة التجسس الأمريكية في الداخل والخارج إلى مستوى غير مسبوق واعتمدت أمريكا حجة مقاومة الإرهاب والأمن القومي لتمدد أنشطة التجسس خارج نطاق مقاومة الإرهاب .

وقال (جيمي ويلز) مؤسس موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت أن أنشطة المراقبة والتجسس التي تقوم بها أمريكا على شبكات الإتصال ستضر بشدة بصناعة الحوسبة وحرية الإنترنت وأنها ستمنح ذريعة للنظم القمعية لفرض المزيد من الرقابة .

لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بتفوق على مستوى القوى الصلبة والناعمة لكنها تعاني من ضعف واضح يكمن في المعايير المزدوجة والنفاق .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات