الدَّرسُ التايلاندي لدول الربيع العربي!

07:11 صباحًا الثلاثاء 10 ديسمبر 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بكين: مع تطور الأوضاع في تايلاند، حلت رئيسة الوزراء التايلاندية ينغلوك شيناوترا البرلمان يوم الاثنين ودعت إلى إجراء انتخابات مبكرة ولكن زعماء الاحتجاج المناهض للحكومة واصلوا المظاهرات الجماهيرية، التي أطلقوها في شوارع العاصمة منذ أسابيع، سعيا لتنصيب هيئة غير منتخبة لإدارة البلاد.

ومنذ بداية الاضطراب الحالي في تايلاند الشهر الماضي، تحولت المواجهات بين مؤيدي ومعارضي الحكومة إلى أعمال عنف. وقتل ما لا يقل عن 3 أشخاص وأصيب 127 آخرون في اشتباكات بجامعة رامخامهاينغ بالعاصمة بانكوك في 2 ديسمبر الحالي.

وتسلط هذه التطورات الضوء على مسألة النظام الانتخابي، إذ أن هناك عددا من الدول العربية، بما فيها مصر وتونس، واصلت النظام الانتخابي على النمط الغربي في السنوات الأخيرة الماضية دون تعديل، وبالتالي، وقعت فى حلقة مفرغة من الاضطرابات على نحو متكرر.

ورغم اختلاف أسباب اندلاع التوترات، إلا أنها ذات صلة إلى حد ما بالنظام الانتخابي، سواء كان نظام الحزبين أو التعددية الحزبية. وتعد التظاهرات في تايلاند هذه المرة خير نموذج يمكن الاستفادة منه، كما أنها تعطي درسا لبعض الدول العربية التي تعاني من الاضطرابات السياسية المستمرة.

وهناك ما يقول أن التوترات الجارية في تايلاند ترجع إلى وجود فجوة ضخمة بين الفقراء والأغنياء، لكن عدم نضج النظام السياسي هو ما نجم عنه في الواقع وقوع الأزمة.

ومثلما يحدث في تايلاند حاليا، تمر مصر بمرحلة في غاية الصعوبة، إذ أطاحت تظاهرات معارضة دعمها الجيش بالرئيس السابق الذي جاء للرئاسة عبر انتخابات قبل عام، ولم يتوصل جميع الأطراف إلى توافق حتى الآن، لذا تتجدد المظاهرات تقريبا كل يوم.

وفي تونس في أعقاب سقوط نظام بن علي، اتسمت الأوضاع وعملية الانتقال السياسي بالاستقرار نسبيا في البداية، حيث تقاسمت “حركة النهضة” الإسلامية المعتدلة وبعض الأحزاب العلمانية السلطة، لكن الأوضاع إتجهت نحو التوتر في العام الجاري الذي يعد هاما جدا بالنسبة للعملية السياسية التونسية، فعادت المظاهرات إلى الشوارع وسقطت تونس في وحل أزمة سياسية مرة أخرى.

ومن ناحية أخرى، لم تستطع ليبيا إيجاد مخرج مناسب لتحقيق التوافق والاستقرار، ناهيك عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية ، فهناك خلافات وصراعات تدب يوميا بين القبائل والحكومة، ولم يتم حتى الآن التوصل إلى مصالحة بين جميع الأطراف ، حيث تقوم الجماعات المسلحة، بما فيها الخلايا الإرهابية، بأعمال عنف مثل الاغتيالات وعمليات الاختطاف في جميع أرجاء البلد، الذي تمزق أوصاله الأوضاع المتوترة.

وعودة إلى تايلاند، فمن “القمصان الحمراء” والقمصان الصفراء”، يمكن القول إن الانقسام لا يتجسد بين الفقراء والأغنياء، فحسب، لكن في المواجهة العنيفة بين الطبقتين الدنيا والوسطى. وتماثل مظاهرات تايلاند ما جرى في بعض الدول العربية مثل مصر وتونس، التي يمتلك فيها كل شخص صوتا واحدا.

وعندما نتحدث عن النظام السياسي لا يمكن أن نفوت الانقسام بين الطبقتين الدنيا والوسطى. فسياسات الاقتراع القائمة خلال السنوات الأخيرة أفضت بشكل عام إلى بروز مشكلة كبيرة تتمثل في أن القادة السياسيين يفوزون بمزيد من الأصوات من خلال تقديم مزيد من المزايا المالية للطبقة الدنيا من الشعب، والتي تشكل أكبر مصدر في عملية الاقتراع ، مثل رفع الدخل أو تقديم المزايا العينية المباشرة، كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين تجاه شريحة كبيرة من أصوات الفقراء، ورغم أن هذه المسالك قد ترضي بعضهم بشكل مؤقت، إلا أنها لن ترفع مستوي معيشتهم علي نحو دائم.

وفي هذه الحالة، لا يمكن أن تتطور الدولة إلا عن طريق تقاسم الفوائد مع الطبقة الوسطى، التي من الطبيعي أن ترفض ذلك.

فقد حظي الرئيس المصري المعزول في مصر ، و”حركة النهضة” التونسية بدعم طبقة معينة من الشعب من خلال خدمة مصالح هذه الطبقة، ولكن هناك ـ من ناحية أخرى ـ عددا كبيرا من الناس من الطبقات الأخرى لا يؤيدهما في ذلك. ومن المؤكد أن تعارض هذه الطبقات السلطة في الوقت الذي تخفض فيه السلطة مزاياها لتخدم الطبقة الموالية لها، وبالتالي تكون المصالحة بعيدة المنال.

وتكمن مشكلة النظام السياسي الذي يشمل نظام الحزبين أو التعددية الحزبية في أن الحكومة الواقعة في وسط الانقسامات الشديدة التي تحدث بين الأحزاب والطبقات الاجتماعية يجب عليها أن تختار موقفا لكسب الأصوات، الأمر الذي يضعف دائما قوتها على حكم البلاد في ظل قيود الاقتراع والبرلمان، ومن الصعب أن تحصل على ثقة واسعة من الشعب، ناهيك عن حشد الدعم من الشعب، نظرا لغياب التوافق المجتمعي في الأساس.

كما يصعب على هذه الحكومات، ذات الصفة المعتدلة نسبيا، القيام بإصلاح نظام التوزيع الانتخابي أو وتعديله على النحو الذي تقبله الغالبية، وهو ما يؤدي إلى تقويض سلطتها وقدرتها على الحكم ويدخلها في حلقة مفرغة أمام سياسات الشارع أو التغيير الثوري أو الانقلاب العسكري.

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن النظام الديمقراطي الغربي تم تأسيسه وسط ثقافة اجتماعية وتقاليد دينية مختلفة، لا تشتمل على عناصر الفصل بين السلطات وضبط النفس المتبادل فحسب، بل تشتمل أيضا على روح التوافق. ولكن بعض الدول نقلت هذا النظام دون تعديل، لذا لا يوجد، في كثير من الأحيان، أي توافق في ظل الصراع الغالب بين الحزبين أو كافة الأحزاب .

يعتبر المخرج المحتمل للدول العربية المضطربة هو القيام بإصلاحات سياسية، لكي تجد طريقا لتطوير نظاما سياسيا يتناسب مع خصائصها التنموية وظروفها الاجتماعية . ولا يمكن إجراء هذه الإصلاحات إلا في بيئة اجتماعية مستقرة يمكن التوصل في ظلها إلى توافق، حتى لا تسير هذه الدول في حلقة مفرغة على خلفية نظام الانتخابات.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات