لغة الأشياء / الخروج من الكهف

09:18 صباحًا الإثنين 23 ديسمبر 2013
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الشاعر والسيرة

حرصت في معرض الكتاب الأخير على اقتناء كتاب الشاعر السوري فرج بيرقدار (الخروج من الكهف) الحائز على جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي عام 2011، والذي جاء في بيان لجنة التحكيم:

«يوميات جارحة كتبت بلغة تنوء بين الرقة والقسوة، وين التصريح والمجاز، لشاعر قضى شطرا من شبابه ورجولته في زنازين السجن السياسي في سورية التي رزحت نصف قرن في ظل ديكتاتورية عائلية بشعة أدخلت السوريين في عهود الصمت و الظلام، و لم يفقد لمرة الأمل بالحرية».
بيرقدار صاحب العبارة الشهيرة « يا الهي… ثلاثون عاما وجثمان الحرية لايزال دافئا»، ومؤلف (خيانات اللغة و الصمت) أشهر كتب أدب السجون، لم يكن يوما عضوا في اتحاد الكتاب العرب رغم عدد مؤلفاته والترجمات التي حظيت بها، شاهدت له فيلما تسجيليا وثائقيا يبعث على الألم (رحلة إلى الذاكرة) عن ذكرياته في سجن تدمر الرهيب مع ياسين الحاج صالح وغسان جباعي.
في (الخروج من الكهف) يسرد بيرقدار يومياته في مدينة ليدن الهولندية فور خروجه من سورية مع زوجته عام 2003، يوميات معتقل سياسي أمضى أربع عشرة سنة في سجون الأسد ما بين تدمر وسجن صيدانا العسكري، توغل في المقارنة ورأى العالم المتقدم بنظرة امتنان وحب، مشاهدات تربط الحاضر الآمن بماضي حياته المرعب، وفي كل المقارنات يطل وجه هولندا منتصرا، فالجامعة والمكتبة والطرق والمستشفى ومكتب الضمان الصحي والمتاحف ووزارة الثقافة والملكة والمناسبات الرسمية وغيرها لا يمكن لها الهبوط لدرجة المقارنة.
«لدى الهولنديين فائض إنساني، يزيد عن حاجتهم، فيصدرونه إلى الآخر وهم يشكرونه كما لو أنه هو المتفضل عليهم!».
الملاحظ في الكتاب كمية الأمل التي يتمتع بها بيرقدار رغم كل ما تعرض له في حياته من أسى، وعشقه لبلاده رغم ذكرياته السيئة وتهميشه فيها.
«كانت ذاكرتي منهكة بصور ومقارنات كثيرة بين سورية وهولندا، بين السجن والحرية، بين وضعي هناك محروما من حقوقي المدنية والسياسية، وبين وضعي الآمن والمرحب به هنا»*.
بيرقدار الحاصل على جائزة «الكلمة الحرة» عندما تسلم وثيقة الجائزة ألقى كلمة مؤثرة على الحضور منها:
«كنت أعتقد أن طريق الكلمة الحرة وعر وشاق و مزروع بالأشواك. لم أتخيل أبدا أنه قابل لأن يكون مزروعا بالورود. في الماضي..كانت الكلمة الحرة، تعني لي التشرد والملاحقة أو الاعتقال والتعذيب، وكم يسعدني الآن أنها تعني جائزة».*
الكتاب لم يتضمن مقدمة بيرقدار الباعثة على الدهشة والتي ستصدر في الطبعات اللاحقة، ولعل من أكثرها حزنا مشهد المطار وهو يحاول بقلق اللحاق بطائرة بعد عبور خمسة حواجز. عندما اطلعت على المقدمة غير المنشورة تمنيت لو قرأ تجربته كل من يقف اليوم مع نظام ساقط اخلاقيا.
«كان علي أولا أن أعيد ترميم جسدي المهتوك وبعض جدرانه المتداعية ومن ثم علاقتي بنفسي ومحيطي، تفاصيل كثيرة تجعلني أشعر بالغربة والحيرة والتردد وعدم التصديق. كأني واحد من أهل الكهف».
كم واحدا كفرج بيرقدار خرج نازفا من وطنه لتضمد جراحه مدن الغرب المتحضرة؟! وكم كهفا لم يخرج منه الضحايا إلى اليوم؟!

*المقاطع من كتاب (الخروج من الكهف يوميات السجن والحرية) المؤسسة العربية للدراسات والنشر، فرج بيرقدار 2013

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات