حضاراتُ العالم تُلهمُ فنون وسط آسيا

12:02 صباحًا الخميس 9 يناير 2014
د. سماء يحيى

د. سماء يحيى

فنانة تشكيلية وأكاديمية من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الأثر الفني للحضارات الأخرى على فنون منطقة وسط آسيا

 ” لقد بدأ تأثر فنون منطقة  وسط أسيا  بفنون المناطق المجاورة  والمحيطة في وقت مبكر جداً من التاريخ ويعود ذلك إلى الهجرات المتوالية لعدة شعوب إلى هذه المنطقة والغزوات المتتالية و المتلاحقة لها من قبل قبائل وجماعات وافدة والعلاقات التجارية التي ربطت هذه المنطقة بالعديد من أجزاء العالم القديم قبل ميلاد المسيح بعهد طويل جداً ولعل من أقدم الأمثلة على هذا التأثر الأختام الطينية التي عثر عليها في حواضر موهنجودارو و شانشودارو و التي تعود إلى حضارة الهاربان و التي احتوت على أشكال حيوانات مثل الثيران و الخراف و الفيلة و غيرها و التي من الممكن ملاحظة شبهها التام بتلك العائدة إلى العصر الأكادي المستخرجة من حفائر منطقة تل أسمر في العراق على بعد 50 ميلاً من بغداد و حوالي 2300ق.م”[1] .

” و كذلك و في هذا الوقت المبكر بدأت  ظاهرة  تقديس الإلهة الأم  في الثقافة الهندية      و التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا ولا يعرف على وجه التحديد ما إذا

شكل ( 45 ) أم كونية من العصر الآشوري بلاد الرافدين 3000 ق.م

كانت عبادة الإلهة الأم انتقلت من  شعوب البحر المتوسط ( شكل 44 ) و أرض ما بين النهرين إلى وسط آسيا أو العكس الذي حدث و لكن الواضح أنها ظهرت في كل حضارات العصر النيوليثي في الشرق الأدنى  ( شكل46  ، 43 )  و بلاد الرافدين ( شكل 45 ) و فلسطين و مصر و سوريا و شمال شرق أوروبا ( شكل 47 ) على حد سواء و كانت الأم تعبد على أنها أم للكون كله و جالبة الخصوبة الحيوانية و النباتية على حد سواء “[2]. ” ولعل الإلهة الأم السومرية ( شكل 48 ) و التي قدست في سومر و في غرب آسيا على حد سواء قبل فجر العصر المسيحي هي الأقرب شبهاً الإلهة الأم الهندوسية مما يدل على عمق التبادل الثقافـي بين الحضارتيـن  فالإلهـة السومريـة و الهنديـة يتشابهـان في عدة نواحـي

 أهمها التالي :-

1- كان الأسد هو مركبة الإلهة في كلتا الحضارتين و الثور هو مركبة زوجها أو شريكها .

2- في كلتا الحضارتين كانت الإلهة الأم هي آلهة الحرب .

3- في كلتا الحضارتين كان التأكيد على أن الإلهة امرأة عذراء و متزوجه في الوقت ذاته.

4- في كلتا الحضارتين كان معقل الإلهة في الجبال أو التلال .

     5- كان يرمز للإلهـة الأم في العهد السومـري باسـم نانا Nana و اسمهـا في الهـند

          ناينا Naina Devi.”[3]

  

 هذا و ربما يرجع اهتمام الباحثة  لبيان الارتباط الحضاري  لشكل  و فكرة الإلهة الأم بين الحضارة  الهندوسية  و حضارات  أخرى إلى ،” أن أقدم  شكل  يمثل الآلهة  في الحضارة الهندوسية اكتشفته البعثات كان يمثل الأم الأرضية و المسماة  بالإلهة  بادما لاكشمي إلهة الخصوبة و الثراء …..و غير ذلك مما سبق ذكره ” [4].  

الأشكال من 43 إلى 47

” هذا ومن الممكن ملاحظة أن الحضارة الأكثر تأثيراً في فنون وسط آسيا في عصر ما قبل الغزو الآري  كانت  حضارة  وادي الرافدين عبر فارس  و يرجع هذا التأثير الثقافي القوي على المنطقة إلى علاقات تجارية متميزة بالدرجة الأولى ، كما أنه من الممكن استنتاج أن تمثيل الإلهة الأنثى  في هذه المنطقة  يشير إلى أن حضارة  وادي الهندوس والمناطق المحيطة بها كانت تشكل جزء من ثقافة تميز بها العصر النيوليثي من منطقة الأدرياتيك حتى الشرق الأقصى و تجلت  واضحة تماما ً في عدة  بؤر في أودية النيل و دجلة الفرات و هلماند ونهر الهندوس كما أن التأثر القوي بحضارة بلاد الرافدين  خلق  تأثيرا ً شديداً على الديانات الهندية و على الفنون الهندية و كذلك على الرموز المستخدمة في هذا الفن وقد اندثر هذا التأثير بعد وصول الآريين ثم عاد إلى الظهور قويا ً في عهد إمبراطورية الموريا البوذية ، هذا و رغم  التأثر الكبير للأسلوب الفني الهندي في مرحلة ما قبل الغزو الآري للهند بحضارات أخرى  محيطة  مثل عيلام و مصر و سوريا إلى جانب تأثرها بحضارة بلاد الرافدين إلا أن الفن بقي متميزاً في هذا الوقت المبكر بمحاولة خلق وهم  ثلاثية الأبعاد كما في الأجسام  الحقيقية  و ركز على الحيوية التي تعطي  شكل  من أشكال  الحياة  للصور كما حاول في هذا الوقت المبكر إظهار نوع  من الطاقة و الرغبة في الحياة  للأشكال على السطح الأملس و هو ما اعتبر أحد أهم الخصائص التي ميزت فنون هذه المنطقة فيما بعد”[5] .

   ” أما في بداية العصر الآري  فقد ارتبط الفن بالدين و بالطقوس السحرية التي كان البراهمة يمارسونها من التضحيات على المذابح ، و قد شهدت هذه الفترة تراجعاً لنمط وأسلوب العصر الحجري فكانت أغلب الأشكال الفنية تصنع من الخشب بعد معالجته بالنار كما كانت التشكيلات الفنية ذات طابع  شديد البساطة و هدفها الأساسي هو دعم القدرة السحرية للكاهن ، و كان  تصميم العمل الفني يعتمد تماماً  على الغرض منه و هو دعم قدرة لسان أو يد الكاهن . وموطن هذا الأسلوب البسيط لم يكن الهند هذه المرة بل انتقل من  وسط آسيا إليها و ليس العكس كما هو الطابع الغالب عند  باقي  مراحل تطور الأسلوب الفني  للمنطقة  عندما  ظهر تأثير الســلالات  المنحدرة  من  صيادي العصر الحجري  ليس  فقد في الهند من منطقة وسط آسيا و لكن أيضاً في مناطق كل الحضارات القديمة  خاصة في منطقة البحر التوسط  و شمل  ذلك سوريــا و أنطاليــا     و كريت ومصر و كذلك إيطاليا و اليونان”[6] .

  ” أما الفترات التي أعقبت الحقبة الآريــة فقد ظلت خلالها المنطقة على اتصال قوي بجيرانها الغربيين على مـر التاريخ  فقد كانت هذه العلاقات القديمة بين هذه المنطقة خاصة بين مصر وبلاد الرافدين محصلة لعلاقة تجارية قوية على امتداد خطوط تجارية عبرت السواحل الجنوبية لبلاد فارس ، و مرت قبلها على أراض شبه الجزيرة العربية و ربما ما رجح كفة هذه العلاقات و قواها أن الرياح الموسمية التي تحرك السفن كانت تهب من ذلك الاتجاه ،  و قد كان هؤلاء الجيران هم الرابط الأساسي لتلك المنطقة  بالثقافة  الشرقية و الغربية على حد سواء فقد تأثر الفن بأسلوب الحضارة الفارسية والمصرية عندما غزا الفرس بلاد ما بين النهرين ومصر وورثوا كل إنجازات الحضارة البابلية في الطب و الفلك والفن في القرن السادس قبل الميلاد ، هذا و قد كان الفرس تربطهم علاقات تجارية و عسكرية و دبلوماسية و علاقة  جوار قوية بالمنطقة ثم بعد تحطيم الإسكندر الأكبر للإمبراطورية الفارسيــة فإن المنطقة  تأثرت بموجة قوي من التأثير الغربي  Occidental   Influence  متمثلة  في الأسلوب الهيليني Hellenism الذي  دخل مع جيوش الإسكندر إلى باكتريا Bactria  و وادي الهندوس مما طور أسلوباً  تميزت به  المناطق المفتوحة  ظهر  فيه  واضحا ً الطابع الجريكو روماني Greco-Roman الذي تميز به الفن البوذي حتى وقتنا الحاضر “[7].

  ” أما بعد وفاة الإسكندر فقد قسمت الأرض التي غزاها إلى مستعمرات  منفصلة  تحت قيادة  أحد  قادته و لكن هذا الوضع  لم  يستمر طويلا ً حتى  استعادها أحد المغامرين الهنود و المدعو شاندرا جوبتا موريا Chandra Gupta Maurya مكوناً إمبراطورية امتدت من منطقة البنجاب إلى كشمير ثم وادي الهندوس حتى حدود بلوشستان الحالية أي أغلب مناطق  باكستان و أفغانستان  مؤسسا ً سلالة حاكمة عرفت بسلالة الموريا و التي بعد تأسيسها للإمبراطورية اعتنقت البوذية”[8] .

شكل ( 48 ) الإلهة الأم السومرية و التي قدست في سومر و في غرب آسيا قبل فجر العصر المسيحي

” أعقب ذلك في عام 232 ق.م  تولي سلالة الشونجا Shunga dynasty  التي  تلاها بدايـة عهد المسيحية و الذي طرأ  فيه تحول كبير على نمط الثقافة و الدين  فـي أنحاء قارة آسيا كلها و بدا ذلك واضحاً بشكل كبير فـي منطقة وسط آسيا حيث تحول النظام الكهنوتي البوذي في معقله الجندارا من بوذية الهينايانا Hinayana إلى بوذية المهايانا Mahayana ونجم عن ذلك انتقال البوذية من المجتمعات المغلقة إلى المجتمع الأوسع فكان المعبد البوذي نظراً لهذا في حاجةإلى نوع من الأيقونات تمثل الإله بوذا بطريقة تميزه عن باقي الآلهة و القديسين ، و في الوقت نفسه كانت تجـارة آسيا مع روما  قـد بلغت أوج  ذروتها و امتد طريق الحرير ليشمل ربع الكرة الأرضية ممتداً من غرب الصين عبر فارس والبحر المتوسط ماراً قبل ذلك بوسط آسيا و جبال الهيمالايا ولعل ما يدلل على ذلك هو الأختام الرومانية  التـي وجدت فـي هذه المناطق و قد سمي هذا العصر بالعصر الكوشاني Kushan في الجاندارا و ماثورا Mathura “[9].

”  كان الكوشانيين يكتبون بالحروف اليونانية و هم الذين أسسوا عاصمة لهم في كابول و نتيجة للـوجود القـوي  للإمبراطورية الرومانية عبر البعـثات التجـارية ، حيث عبدت العـديد مـن الآلهة التـي عبدت  فـي أجزاء من الإمبراطورية في روما و الإسكندرية و الشرق الهيليني كهرقليس وهليوس و سيرابيس بالإضافة إلى شيفا و كومارا القادمين من الهند ، و لنشوء الحاجة إلى صور مميزة  للإله بـوذا  فقد  أخذ الأسلوب الجريكو روماني الجنداري  تفاصيل متعددة  ميزتها عن أشكال آلهة الشعوب الأخرى  لتكوين شكل الإله فقد ألبس الإله عباءة  تشبه تلك التي ترتديها  تماثيل الإمبراطور الروماني  وأخذ قرص الشمس المقدس عند الفرس ليمثل الهالة على رأس الإله ، ثم شعر ما بين الحاجبين للعيـن الثالثة عند الهندوس و بعد  ذلك  أضيفت  أوضاع  و حركات الأيدي الرمزية المميزة  المدرات Mudras  و لعل نفس الطريقة هي التي أظهرت صورة المسيح الغربية كما نعرفها في وقتنا الحاضر . و هكذا ظهرت أيقونة  بوذا في الجندارا أما صورة وجـه البـوذا  التي استمدت من  الصورة الإنسانية  لياكشا Yaksha ( شكل 49 ) الثعبان الحارس  في الهندوسية ، و لعل ما سبق ذكره من أمثلة  يوضح الأثر القوي  لأسلوب الفن الهـيلـيني الروماني على الجندارا “[10] ، “و قد استمر أسلوب الجاندارا في الدين و الفن قوياً حتى القرن الثامن الميلادي وذلك أيضاً عبر طريق القوافل الذي يربط بين تاكسيلا Taxila و باكتريا حيث ظهر مركزاً للرهبان البوذيين  في  باميان Bamyan  ( شكل 50 ) حيث رسمت  صـور هـي خليط  من أساليب المنطقة و الأساليب الهندية و الفارسية و هذه الرسوم  مميـزة  لعـدة  أسباب أهمها أن الرسـوم احتـوت على موتيفات  مستوحاة مـن رسوم النسيج  الساسانـي و أنها عبرت لأول مرة عن البدايات المبكرة للفاجارياناVajrayana  أو مفاهيم بوذية التانتريك”[11].

 

شكل ( 49 ) الصورة الإنسانية لياكشا Yaksha الثعبان
الحارس في الهندوسية

” و في عهد السلالة الجوبتا شيدت كهوف آجانتا ، و لعل هذه الكهوف من أهـم الأدلة علـى تأثر فن التصوير الهنـدي لتلك المرحلة بفنون الحضارات الأخرى فعلـى سبـيل المـثال فـي الكهـف الأول لآجـانـتا يـوجـد صورتان جـداريـتان الأولـى للبوديساتافـا بادماباني* Bodhisttva Padmapni ( شكل 53 ) ،

شكل ( 50 ) باميان Bamyan حيث رسمت صـور هـي خليط من أساليب المنطقة و الأساليب الهندية و الفارسية – القرن 8م

و الثانية  للبوديساتافا  أفلوكيتسفار**  Avalokitesvard Bodhisttva  ( شكل 51 ) و هما  يوضحان تماماً مـدى علاقة رسـوم  آجانتا  بأساليب الشرق و الغرب على حـد  سواء ، حيث كـان الاقتبـاس مـن النوعين  يـتم  بأسلوب حـر تماماً دون ضابط معين هـذا و يـبدو واضحاً علاقــة  صـور آجانـتا  بـفن الجندارا جريكـو رومـان فـي تـلك الفتـرة مـع تـأثر واضـح  بالأسلوب الكوشـي الإيراني و لعل الأثـر الأوضح  للأسلوب الغربي  يبدو فـي صورة بدماباني و يتـبدى ذلك فـي ملامحه الآرية و بشرته الفاتحة ، أما أفلوكيتسفار فقد تمـيز ببشرتـه الداكنـة و وجهـه المستديـر و شفتـاه الممتلئـتين و الكثـير من المجـوهرات التـي يرتديـها مما يعكـس أسلوبـاً شرقـياً أستلـهم مرة أخرى فيـما بعـد فـي الأسلوب الدكـني في العصر المغولـي “[12] .

رسم جداري من كهوف آجانتا البوديسافاتس أفلوكيستفار – الكهف الأول النصف الثاني من القرن السادس الميلادي شكل ( 51 )

“هذا و بالنظر إلى صورة أفلوكيتسفار لرأينا فيها أن شكله يعكس ملامح لشاب وسيم يتخذ جسده شكلاً محبباً لدى الرسامين الهنود يدعى ترباهانجا Tribhanga مع الكثير من الجواهر على جسده و تاج على رأسه حاملاً في يده زهرة لوتس بيضاء و يبدو و شكله الانسيابي عاكساً لحزن شديد الرقة كما تعطي عيناه إحساساً واسعاً بالشفقة و يحيط به إحساساً بغموض إلهي،مما يعطي المشاهد للبوديساتافا بعينيه الناظرة للأسفل إحساساً بأنه يتعاطف مع ما حوله ، و هذا العمل الفني الناتج عن إحساس ديني عميق يخلق أيضاً إحساساً مبهجاً بالحياة اليومية فالشخص المرسوم رغم كل المجوهرات التي يرتديها و رغم فتوته الفياضة يشارك العالم آلامه و تعطي عينيه إحساساً بأنها رأت عهوداً لا تحصى من الآلام كما أن شفتاه الرقيقة تبدو و كأنها نطقت بكلمات المواساة لعدد لا يحصى من المعذبين ( شكل 52 ) فالفنان الذي رسم هذه الصورة يريد أن يوصل للمشاهد رسالة بأن الكون غير متجاهل أو منفصل عن آلام و أحزان مخلوقاته”[13].

” كذلك للبوديساتافا بادماني فهو يتخذ لنفسه وضع الترباهانجا حاملاً في يده زهرة لوتس زرقاء مرتدياً أيضاً قطع ثمينة من المجوهرات و تاجاً و كذلك خيطاً مقدساً تتدلى منه حبات اللؤلؤ كإشارة إلى مكانته الرفيعة ، و يعكس وجهه الهدوء و التفاؤل ( شكل 54 ) الذي يعززه وجود جموع من الأشخاص حوله في جميع الاتجاهات و يقوي مكانته كمرفأ للسلام الروحي لا يتأثر بأصوات و لا بقوة مغريات المايا التي تحاول أن تجعله يحيد عن مبدأه كما أن غياب الظلال يوحي باستنارة الشخص و المكان الذي يحيط به و هذه الإضاءة موجودة في كل رسوم آجانتا و هي وليدة التكنيك الذي كان يتبعه فنانو ذلك العصر”[14]

” هذا و تدل رسوم الكهف الرابع على أنها رسمت قبل ميلاد السيد المسيح أو في مرحلة مبكرة بعده ، أما الكهفين الأول و الرابع عشر فربما يدلان على أنهما ربما رسما بعد ذلك بستة قرون*، و لا يوجد أي دليل على تطور في الأسلوب بل تعكس الرسوم الأولى خطوط واضحة و حادة أما الرسوم اللاحقة فتعكس اهتمام أكبر بالتشكيل”[15] .

  ” هذا و تضم كهوف آجانتا مشاهد من حياة بوذا مستقاة من الجاتاكات و لا يوجد إطار أو فاصل يفصل المشاهد عن بعضها ، و لكن المشهد يختلط مع الذي يليه هذا و تقود الأشكال الثانوية العين بمهارة شديدة للتركيز على الشكل الرئيسي أو المحوري لكل مشهد و كان الفنان يخلق الإحساس الوهمي بالعمق بوضع الأشكال الخلفية أعلى قليلاً من تلك التي في الأمام ، و أثر هذا الأسلوب يجعل المشاهد يتوهم أن الأشكال توشك أن تقف لتخرج من فوق الحائط المسطح لتقابله “[16].

تفصيلة – شكل ( 54 )

  ” و تعكس لوحات آجانتا بالإضافة إلى البعد الديني  بعداً اجتماعياً Secular  فهي بانوراما كاملة للحياة في الهند القديمة فيظهر فيها الأمراء في قصورهم و الأميرات في حريمهم و الحمالين تتهادى أحمالهم فوق أكتافهم و حتى الشحاذين و الفلاحين و الزهاد و معهم العديد من الوحوش و الحيوانات و الطيور و الزهور التي وجدت في الهند في تلك الفترة “[17].

” يلي ذلك ما يعرف باسم العصر الوسيط في التاريخ الهندي و هو يشتمل على الفترة الزمنية من منتصف القرن السادس إلى منتصف القرن السادس عشر أو من وجهة النظر الفنية القرون الخمسة التي أعقبت ظهور الإسلام في دلتا الهندوس و ذلك في أوائل القرن الثامن و حتى سيطرته تماماً على شمال الهند و وادي الجانج في القرن الثالث عشر لينهي عصراً كاملاً من الأعمال العظيمة و الخالصة للبراهمية و البوذية التي ازدهرت في شمال الهند ليضمحل بعد ذلك الفن البوذي من منطقة الهند و يصطبغ الفن الهندوسي بتأثير إسلامي قوي”[18].

” و بعد انتشار التأثير الإسلامي اتجه الفنان الهندي لرسم المنمنمات و أغلفة الكتب مستلهماً بصورة قوية من الأشكال الفارسية مع أن رسم المنمنمات في حد ذاته يعود إلى فترة أقدم بكثير من دخول المسلمين و لكن ما تبقى من المنمنمات من القرن الحادي عشر و الثاني عشر من بيهار و البنجال و نيبال و الذي احتفظت به الأحوال الجوية الجافة لمنطقة وسط آسيا تعكس أسلوباً ليس هندياً صرفاً ، لينتقل بعد ذلك إلى تركستان الصينية ثم عبر طرق التجارة إلى الصين مما يثبت أن الفن الصيني رغم طبيعته المستقلة يدين بالكثير للفن الهندي “[19]


[1]– The Art Of IndianAsia -Ibid -P18.

[2]– Ibid – P22.

[3]– The Universal Mother – Ibid -P109.

[4]– The Art Of IndianAsia -Ibid -P22.

[5]– Ibid – P36.

[6]– The Art Of IndianAsia – Ibid -P41.

[7]-Ibid – P37.

[8] – Indian Art A Concise History – P37.

[9] – Indian Art A Concise History  – Ibid -P 81.

[10]-Ibid -P86.

[11]– Indian Art A Concise History – Ibid – P97.

*  بادماني أو سامانتا بهاردارا Samanta Bhardra هو من أوائل البوديسافاتس حيث ورد ذكره في القرن الثاني الميلادي في اللوتس     سوترا Lotus – Sutra و التي تحتل موقعاً مهماً جداً في تاريخ الماهايانا.

**  أفلوكيتسفار Avalokitesvardهو البوديسافاتس الأكثر شعبية بين الآلهة و القديسين البوذيين و دائماً ما يصور و هو ينظر من          أعلى ملكوته إلى الأسفل حيث البشرية بتعاطف و شفقة و قد انتقلت عبادته من الهند إلى التبت في القرن السابع الميلادي و يعكس        تصويره دائماً مزجاً بين الأشكال التي يصور فيها بوذا و تلك التي تصور فيها الآلهة الهندوس .

    المصدر :Radha Banerjee -Ashamhabodhittva – Published by Abha Prakashan , New Delhi 1994 – P6

[12]– The cave painiing ofAjanta -Ibid -P71.

[13]-A survey of Indian painting – Ibid –  P6 -P7.

[14]– Indian Art – Ibid –  P 126.

 * مع العلم بأن كهوف آجانتا رتبت بأسبقية الاكتشاف في العصر الحديث وليس بأسبقية إنشاءها .

[15]– A survey of Indian painting- Ibid –  P6.

[16]– A survey of Indian painting – Ibid –  P6.

[17] – Ibid – P6.

[18] -Indian Art – Ibid –  P167.

[19]– A survey of Indian painting-  Ibid -P8.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات