جاهدة وهبة .. تجربة مهمة بحاجة إلى تطوير

05:54 مساءً الإثنين 27 يناير 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في مطلع 2007 أهداني صديق أسطوانة بعنوان «كتبتني» لجاهدة وهبة، وكنتُ أسمع عنها للمرة الأولى، راقتني التجربة جداً وتوقعت أنها سوف تتطور إلى الأفضل مستقبلاً، ثم شاء القدر أن أستمع إليها في حفل أقيم لها في أحد فنادق الكويت، وخلال شهر تقريباً سمعتها مرتين، في دبي ثم في ختام مهرجان القرين مساء أمس الأول. وسألتُ نفسي: ما الذي طورته جاهدة في تجربتها طيلة عشر سنوات تقريباً؟ عدا أنها الآن باتت معروفة وأحيت في الأسابيع الأخيرة عدة حفلات ما بين دبي والشارقة والكويت.

جاهدة، صوت دارس وواع ومصقول بالحس الأكاديمي

بداية تمتاز جاهدة بصوت عريض، قوي، وسلامة النفس، ما يجعلها قادرة وببراعة على غناء المواويل العربية والارتجالات، ومع ذلك نادراً ما توظف هذه المقدرة في حفلاتها، ومنها حفل القرين.

كما إنها صوت دارس، وواعٍ، ومصقول بالحس الأكاديمي، أي ليست مجرد مطربة موهوبة بالفطرة، فحسب التعريف بها فإنها درست الغناء الشرقي في المعهد الوطني العالي للموسيقى وتابعت دراستها في العزف على العود وفي الغناء الأوبرالي باللغة العربية، والإنشاد السرياني والبيزنطي والتجويد القرآني، وحائزة أيضًا على دبلوم دراسات عليا في التمثيل والإخراج من الجامعة اللبنانية.

وهي كلها مؤهلات تجعلها لا تشكو من تقديم أي نوع من الغناء مهما بدا صعباً، وتميزها الأكاديمي يدفعها لتقديم أعمال ذات بناء عقلي، بمعنى أنها تخاطب عقل من يسمعها أكثر من عاطفتها، أو تخاطب «صفوة السميعة» أكثر من الجمهور الشعبي، وكان هذا واضحاً حتى في اختيارها لأعمال الرواد مثل رائعة عبد الوهاب «جفنه علم الغزل» ورائعة أسمهان «يا حبيبي تعال الحقني».

وهي أعمال، على تميزها، مساحة العاطفية، وأيضاً مساحة السلطنة والارتجال فيها أقل، لأنها عقلانية ومنضبطة أكثر مما يجب، مطعمة بالقوالب والآلات الغربية. إذا أضفنا إلى ذلك أن أعمالها الخاصة ترتكز على قصيدة النثر، وخواطر لكاتبة مثل أحلام مستغانمي، وشعر مترجم لكتاب مثل غونتر غراس… فمن المؤكد أنها بذلك تنفصل أكثر عن روح الجمهور العام، والدارج في الحفلات الغنائية. رغم أنه بإمكانه المزاوجة ما بين الشعبي، والعاطفي، وبين الغربي العقلاني المنضبط، مثلما طعمت حفلتها برائعة وديع الصافي «عندك بحرية».

هل معنى ذلك أنه ليس من حقها التجريب؟ بالعكس أهم ما يميز مشوارها هو التجريب واختيار كلمات وتراكيب غير مألوفة لشعراء مثل طلال حيدر الذي غنت له «نجمة الصباح» و«ياريت»، أو لأدونيس الذي غنت له من ألبومها الذي تجهز له حالياً.

كما إن تجربتها تنفتح على الغناء الصوفي، حيث غنت للحلاج «إذا هجرت».. وعلى الغناء الرومانسي كما يتجلى في قصائد نزار قباني وشعر سعاد الصباح الذي وجهت لها وللكويت التحية وغنت لها «قل لي».

تجربة تنفتح على الغناء الصوفي

لكن كل هذا التنوع، مازال عسير الهضم على المتلقي، ولم يصل إلى درجة التجلي المنشود. ربما لأن التجربة ذاتها لا تتحرك بالاحترافية العالية والمتوقعة من فنانة بموهبتها وذكائها وثقافتها، فابتداء وطالما أن الجمهور لا يألف كلمات أغانيها «الصعبة» نوعاً ما، يُفترض أن يكون هناك برنامج للحفل مصحوباً بكلمات الأغاني، وهو ما لم يكن متوافراً.

بل ثمة فوضى تتقاسم جاهدة وإدارة المهرجان مسئوليتها، وتواصلت الفوضلى مع البداية حيث فوجئنا بمذيعتين متميزتين، هما سودابة علي وبروين حبيب، الأولى تقدم الثانية التي قدمت بدورها مطربة الحفل. ولو تم استغلال تميز صوتيهما في تقديم مشترك عبر الحوار، أو حتى في إلقاء مقاطع قبل الأغاني.. لكان وجودهما مبرراً فنياً!

كذلك على مستوى الإضاءة، لا يوفر المسرح أي نوع من تصميم الإضاءة المناسبة لحفلة ذات خصوصية مثل هذه! وهو ما يتكرر في حفلات جاهدة التي على ما يبدو لا تشغل بالها كثيراً بشكل المسرح وطريقة تقديمها، رغم أن ذلك في صميم تجربتها وتطويرها، كما نرى مثلاً لدى ثلاثي جبران.

جسر الطرب موصول بأساطينه، جاهدة في وصلة غناء مع وديع الصافي

نأتي إلى الموسيقى، وهي تعتمد على آلات غربية وشرقية مثل الكمان والتشيللو والإيقاعات والناي، لكن في حالات كثيرة بدت الموسيقى أعلى من صوتها وأقرب إلى الضجيج، أو كأنها منفصلة عن روح الشعر، أو بدت مفرطة في توظيف آلات أكثر مما تحتاج إليه، عدا عن مشاركتها في تلحين معظم أعمالها أفقدها التنويع.

رغم أن طبيعة تجربتها الشعرية ـ الصوفية، قابلة لإلقاء الشعر أو الدندنة بصوتها، أو وضع مقاطع الشعراء بأصواتهم الخلفية، أو إقامة حوار غنائي مع آلة واحدة فقط كالناي أو الدف. فالأمر ليس مجرد بهرجة و«تخت» بل اختيار حساس جداً يتماشى مع نوعية الشعر المُغنى.

وطالما تحدثنا عن عملية الاختيار، فإن لضم باقة الأغاني يتطلب ترتيباً خاصاً، يمنح المتلقي المتعة والانجذاب، كأن تبدأ مثلاً بأغنية فرحة وتختم بأغنية صوفية.. لكن كان من الواضخ أن البرنامج عبارة عن خلطة عشوائية، علت في لحظات وهبطت جداً في لحظات أخرى.

تظل تجربة جاهدة وهبة مهمة، ملهمة، لكنها تحتاج ربما إلى إدارة أعمال، وفريق عمل أكبر، وإعادة النظر في التعاطي مع أمور كثيرة فنية وإدارية.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات