فتح الله جولن..في مواجهة أردوغان

03:12 مساءً الخميس 30 يناير 2014
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

محمد فتح الله جولن هو مفكر إسلامي وداعية تركي ، ولد محمد فتح الله جولن في 27 إبريل/ نيسان عام 1941 في قرية صغيرة تدعى (كوروجك) ونشأ في عائلة متدينة .

درس في طفولته وصباه في المدرسة الدينية على يد علماء معروفين وكان يجوب البلاد طولاً وعرضاً كواعظ متجول يلقي خطبه ومواعظه على الناس في الجوامع ، وفي الفترة الأخيرة عدّل منهجه ليتوافق مع متطلبات القومية التركية مضيفاً إليه مسألة شرعية محاربة الإرهاب وأقام علاقات جيدة مع الدوائر الأمريكية .

ليس هناك سبب علني رسمي لأسباب مغادرة جولن تركيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكن متاعب جولن مع السلطات التركية بدأت في 18 يونيو/ حزيران عام 1999 عندما تحدّث في التلفزيون التركي وقال كلاماً اعتبره البعض انتقاداً ضمنياً لمؤسسات الدولة التركية ، بعد ذلك اعتذر جولن علانية عن تصريحاته إلا أن بعض العلمانيين ظلوا متشككين في أهدافه ولاحقاً وُجهت له اتهامات بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش .

بعد تلك الأزمة حدثت أزمة لقطة الفيديو الشهيرة التي بُثت على اليوتيوب وظهر فيها جولن وهو يقول لعدد من أنصاره أنه سيتحرك ببطء من أجل تغيير طبيعة النظام التركي من نظام علماني إلى نظام إسلامي كما تحدث عن نشر الثقافة التركية في أوزباكستان مما أثار موجة غضب في الجيش التركي وباقي المؤسسات العلمانية في البلاد كما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين تركيا وأوزباكستان .

حتى سنوات قريبة لم يكن الشباب العربي يسمع بحركة جولن الإسلامية التركية إذ كانت المعرفة بها مقصورة على النخبة الثقافية والفكرية العربية المعنية بالأساس برصد حركة وتطور الفكر الإسلامي التنظيمي سواء كان ذلك في تركيا أو في غيرها من البلدان الإسلامية ، ومن ثم لم يزدْ أمر متابعة الحركة عن كونه أحد مسارات العمل البحثي الأكاديمي الذي يتناول الحركة كما يتناول بقية الحركات الإسلامية .

لكن مؤخراً وخلال أقل من عقد من الزمان تقريباً اختلف الوضع تماماً بالنسبة لحركة جولن سواء في مصر أو في بعض البلدان العربية فأضحت الحركة التركية من بين الحركات الإسلامية التي تقيم المؤتمرات وتعقد الندوات خارج حدودها الجغرافية وتُصدر الصحف والمجلات الناطقة باللغة العربية بل إن الحركة دشنت موقعاً الكترونياً خاص بمؤسسها الشيخ محمد فتح الله جولن ضمنته كتاباته ودراساته وسيرته الذاتية باللغة العربية أيضاً وهو ما لفت انتباه الكثيرين إلى الحركة ودفع آخرين إلى التطلع لمعرفة المزيد عنها وعن مؤسسها وما تطرحه من رؤى وأفكار .

ونظرا لأن النظام التركي خلال الفترة الماضية اتسم بعلمانيته الشديدة ومن ثم محاربته لكل الحركات الإسلامية والحد من نشاطها وهو الأمر الذي خفّت حدته بعد وصول حزب الرفاة برئاسة الراحل نجم الدين

فتح الله جولن..في مواجهة أردوغان

أربكان ومن بعده حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان وهما الحزبان المتصالحان إلى حد كبير مع الإسلام والتنظيمات الإسلامية مقارنة بالأحزاب الإسلامية السابقة عليهما .

يضاف إلى ذلك أن بلدان العالم العربي ذاته كانت ومازالت تزخر بالعشرات من الحركات الإسلامية المتباينة الرؤى والإتجاهات ، ولهذا فإن العالم العربي لم يكن في حاجة إلى أن يلتفت أو ينتبه إلى ما هو خارج حدوده الجغرافية .

إن أهم ما يلفت النظر عند دراسة حركة جولن هو موقف الغرب من الحركة إذ هي من الحركات الإسلامية القليلة التي يرحب الغرب بوجودها ويقبل بنشاطها بين بلدانه وهو الأمر الذي بقدر ما يمكن القول بأنه كان له ظلاله الإيجابية على حركة الدعوة الإسلامية بقدر ما يطرح تساؤلاً حوْل الأسباب الحقيقية وراء هذا الموقف ؟

فالبديهي أن الغرب دائم الرفض إلى حد العداء والمحاربة للحركات الإسلامية التي يرى أنها تمثل خطراً محدقاً بأمنه وسلامه الإجتماعي وهويته الثقافية فكيف إذاً يقبل بمثل هذه الحركة ؟

ولعل من مظاهر هذا القبول أن الولايات المتحدة ارتضت أن يعيش الشيخ جولن على أرضها وبالتحديد في ولاية بنسلفانيا منذ عام1999 ويتواصل من خلال تواجده هناك مع أتباعه وتلاميذه بل ويدير نشاط الحركة وفاعليتها وهو أمر يثير التعجب حتى لو كانت هذه الإقامة جاءت بعلة العلاج أو نتيجة المشكلات الأمنية والقضائية التي تعرض لها جولن في تركيا .

كذلك فقد كان لجولن موقفه الواضح والمحدد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 إذ انه بعد يوم واحد من وقوعها نشر إعلاناً من صفحتين في صحيفة (نيويورك تايمز) يقول فيه ان ” الإرهابي لا يمكن أن يكون مسلماً كما لا يمكن أن يُصبح المسلم الحق إرهابياً ” .

ويبدو أن فتح الله جولن ساعد حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى الحكم سعْيا منه لتحقيق مبادئه التي يؤمن بها ولكن السبيل الذي سلكه أردوغان كان على خلاف ذلك وقام بإصلاحات سياسية وإجتماعية زادت من نفوذ الإسلام في الحياة الإجتماعية مما أثار إمتعاضه وبالتالي دعاه إلى أن يتحدى الحكومة لدرجة أنه يسعى اليوم لإرغام أردوغان إلى التخلي عن السلطة .

وبالتالي فإن أردوغان يجد نفسه في مواجهة خصم يتمتع بنفس القدر من التنظيم الذي يتميز به أردوغان ويمثل الصراع بين الرجلين تهديدا قويا لطموحات أردوغان غيرالمعلنة في الترشح للرئاسة هذا العام .

وقد بدأت الخلافات بين أردوغان وحركة جولن في الظهور خلال إحتجاجات جيزي بارك في يونيو 2013 واتهم أنصار جولن رئيس الوزراء التركي بممارسة سياسة إستبدادية في حكمه وهو ما ينفيه أردوغان ولعل المعركة الطويلة التي بدأت تنفجر بين أردوغان وجولن تعود إلى تاريخ تركيا الحديثة وطبيعة الخصمين ، فحزب العدالة والتنمية وحركة جولن لديهما جذور دينية ولكن أصولهما مختلفة تماماً فحزب العدالة والتنمية هو خليفة الأحزاب السياسية الإسلامية بشكل واضح ولديه مخاوف عميقة من شرعية الدولة الجمهورية والتي تمارس شكلاً من العلمانية القمْعية ، بينما ، وعلى النقيض من ذلك فإن حركة السيد جولن (التي اُنشئت منذ الستينيات) هي وريث المفكرين الأتراك مثل الإمام سعيد النورسي أكثر من كونها تابعة أو مستلهمة لأي تجربة إسلامية معاصرة وترفض ما يُعرف ب” الإسلام السياسي ” .

وتستعد جماعة الداعية الإسلامي التركي الشيخ فتح الله جولن لعقد مؤتمر خلال الأيام القليلة القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية لرسم وتحديد الخطوات التي ينبغي إتخاذها ضد حكومة رئيس الوزراء التركي أردوغان بعد تصريحاته شديدة اللهجة ضد جولن .

وذكرت صحيفة (يورت) نقلاً عن مصادر مقربة من جماعة الشيخ جولن قوْلها : ” إن أغلبية مسئولي الإدارة الأمريكية بواشنطن لا يحبذون بقاء أردوغان في السلطة ويرون أن نهايته أصبحت وشيكة” وأشارت المصادر إلى أن هناك استقالات جماعية بحزب العدالة والتنمية قبل موعد الإنتخابات المحلية المقرر لها 30 مارس/ آذار القادم واصفة ذلك الشهر بأنه ” يمثل فترة عصيبة لرئيس الوزراء أردوغان ” .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات