المستقبل غير مبشر

خلق الله سبحانه وتعالى آدم واستخلفه في الأرض ليعمرها وهيأ له بيئة نظيفة خالية من التلوث ، ولكن أبناء آدم على مر العصور لوثوا البيئة المحيطة بهم عن قصد أو عن غير قصد فمنذ أن عرفوا النار استخدموها لأغراضهم مثل الطهي وصهر المعادن والإنارة والتدفئة وحرق الغابات وما إلى ذلك فبدأت البيئة المحيطة بهم تتلوث وكان هذا التلوث محدوداً ولكن مع التطور الصناعي والمدنية بدأ التلوث البيئي يشكل خطراً على صحة الإنسان وحياته فالإنسان هو السبب الرئيسي والأساسي في إحداث عملية التلوث في البيئة وظهور جميع الملوثات بأنواعها المختلفة بسبب التوسع الصناعي والتقدم التكنولوجي وسوء استخدام الموارد والإنفجار السكاني .

والتلوث هو إدخال الملوثات إلى البيئة الطبيعية مما يُلحق الضرر بها ويُسبب الإضطراب في النظام البيئي وهذه الملوثات إما أن تكون مواد دخيلة على البيئة أو موارد طبيعية ولكن تجاوزت مستوياتها المقبولة ، ولا يقترن التلوث بالمواد الكيميائية فقط بل يمتد ليشمل التلوث بأشكال الطاقة المختلفة كالتلوث الضوضائي والتلوث الحراري وينقسم التلوث إلى أكثر من نوع :

-1- التلوث الكيميائي : ويقصد به التلوث بالمواد الكيميائية المُصنعة سواء تلك التي تتكون لتستخدم لأغراض خاصة كمواد التنظيف وزيوت السيارات أو تلك التي تنتج كمخلفات جانبية لعملية الصناعة ويمكن إلقاء هذه المواد في المجاري المائية أو أن تنتشر في الهواء مما يسبب تلوثاً بيئياً ذو آثار خطيرة جداً على مختلف عناصر البيئة.

-2- تلوث بيولوجي : وهو من أقدم صور التلوث التي عرفها الإنسان وينشأ هذا التلوث نتيجة وجود كائنات حية مرئية أو غير مرئية مثل البكتريا والفطريات وغيرها في الوسط البيئي كالماء أو الهواء أو التربة واختلاط هذه الكائنات المسببة للأمراض بالطعام الذي يأكله الإنسان أو الماء الذي يشربه أو الهواء الذي يستنشقه يؤدي إلى الإصابة بالأمراض .

-3- تلوث إشعاعي : وهو تسرب مواد مشعة إلى أحد مكونات البيئة كالماء والهواء والتربة ويُعتبر من أخطر أنواع التلوث البيئي في عصرنا الحاضر حيث أنه لا يُرى ولا يُشم ولا يُحس وينتقل في سهولة ويسر إلى الكائنات الحية في كل مكان دون الحاجة إلى مقاومة .

-4- تلوث ضوضائي : يشمل التلوث الضوضائي أو الضجيجي ضوضاء الطرق وضوضاء الطائرات والضوضاء الصناعية ويعد أحد أنواع التلوث الخطيرة خاصة في المدن الكبرى .

-5- تلوث حراري : ويقصد به التغير في درجة حرارة المسطحات المائية الطبيعية .

-6- تلوث ضوئي : ويحدث بسبب الإفراط في الإضاءة .

والتلوث بمكوناته المختلفة يتسبب في الفتك بالعديد من الكائنات الحية بما فيهم البشر فتلوث الأوزون يمكن أن يتسبب بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية ، وتلوث المياه يسبب ما يقارب من 14 ألف حالة وفاة يومياً معظمهم بسبب تلوث مياه الشرب غير المعالجة مثل مياه المجاري ، كذلك التلوث الضوضائي يسبب فقدان السمع وارتفاع ضغط الدم .

وكان معهد (بلاك سميث) قد أصدر قائمة بأكثر الأماكن تلوثاً في العالم ومنها الصين والهند وأوكرانيا وروسيا وبيرو وزامبيا وأذربيجان ، ومن بين المدن الأكثر تلوثاً في العالم توجد ست مدن في آسيا التي ينبعث منها ثلث الإنبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون .

وتفقد أندونيسيا كل عامين نحو أربعة ملايين هكتار (عشرة ملايين فدان) أي ما يعادل مساحة سويسرا تقريباً بسبب عمليات قطع الأشجار لإنتاج الأخشاب وتتوهج السماء في شمال الصين بعواصف رملية برتقالية اللون تعبر المحيط الهادئ وتمطر غرب الولايات المتحدة بالغبار ، وفي هونج كونج تعج مياه الميناء بمخلفات المجاري .

وفي رقعة تمتد من منغوليا الداخلية إلى شبه القارة الهندية ومنطقة جنوب شرقي آسيا الإستوائية تتدهور البيئة الطبيعية وسط انتشار المصانع والإزدهار الإقتصادي .

ورغم أن الحكومات تعلن مبادرات عديدة لمكافحة التلوث في آسيا ومن أهمها اجتماع وزراء البيئة بدول جنوب شرقي آسيا في ميانمار فإن السياسة البيئية لا تُطبق كما يجب ففي الصين مثلاً أصدرت السلطات أوامر وسياسات لا تُحصى للحد من التلوث واستثمرت في مشاريع مختلفة لمكافحة التلوث وخولت المحاكم لفرض عقوبة الإعدام في الحالات الخطيرة ولكن القواعد لا تُطبق بقوة وصرامة على المستوى المحلي إذ تعتمد السلطات في الغالبعلى الضرائب التي تدفعها الصناعات المسببة للتلوث .

أما عن التلوث البيئي في مصر فهو مشكلة استراتيجية تواجه المجتمع المصري فقد جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية أن نسبة التلوث في مصر تزيد على ثلاثة أمثال المعدلات العالمية للتلوث وتتفاقم نسب التلوث في محافظات القاهرة الكبرى عن سواها من محافظات الجمهورية وهو ما يعود لتكدس شوارع القاهرة الكبرى بالسيارات والحافلات وانتشار المصانع وهو ما يأتي بعواقب وخيمة على صحة المواطنين ومستقبل التنمية ، ولا يفوتنا أن نذكر تلوث مياه الشرب في البلد التي اشتهرت بالنيل فالكثير من المصانع والفنادق يضخوا مخلفات كيماوية في النيل وقد أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريراً تحت عنوان ( تلوث المياه قنبلة موقوتة تهدد حياة المصريين) كما كشف تقرير رسمي مصري أن نسبة تزيد عن 28% من السيارات غير مطابقة للمعايير البيئية وأن السيارات تُعد مصدر رئيسي للتلوث في مصر .

وفي النهاية نجد أنه كلما ازداد التقدم التكنولوجي والصناعيبالإضافة إلى ازدياد عدد سكان العالم ، ازدادت أخطار التلوثوعلينا جميعاً أن نتعاون قدر الإمكان للحد من أخطاره .

Tweet