بشـــيـر عيـَّــاد يُشفقُ عليهِ من أهوالِ الطرق المجهولة: إبراهيم محلب.. والوزراء منزوعو الدّسَم

06:55 مساءً الجمعة 21 مارس 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

وضعه القدرُ في مهبّ العواصفِ القاسية القادمة من كل الاتجاهات ، أعشاش الدبابير تتناثر في الزوايا وتكادُ تكون بين أهداب العين ، والرجلُ ـ إبراهيم محلب ـ كان أملا كبيرًا وهو وزيرٌ للإسكان ، وكنّا ننتظر منه أن يساهم بقدر ما يستطيع في حلّ الأزمة المزمنة ـ الإسكان ـ فهو بالفعل إنسان وفي ويحمل قدرًا من الأبوة ، كما يتميّز عن الوزراء السلاحف بالنشاط وسرعة التحرّك ، ولا يؤمن بالاسترخاء والمنظرة في المكاتب المكيّفة ، عوّدته الأيّام المشرقة والمشرّفة في” المقاولون العرب ” أن يتحدّى لهيب الشمس وبرد الشتاء وقسوة الصحراء ووحشة الليالي المقفرة ، وكان من أهم الذين أنتجتهم ، وأنجبتهم ، تلك الشركة التي تعد من أهم مصانع الرجال في وطننا ، ولأنه يتحرّك فإنه يرى !!

فالساكن الراكد يظل محدود الرؤية أو عديمها ، ولا يكون بوسعه اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ، ونحن ـ شعب مصر الغلبان ـ مُبْتَلُون بالمسؤولين الكُسالى ، مصروفٌ لنا مع شهادات ميلادنا رؤساء حنجوريون ، ووزراء مظهرجيّة ، ومسؤولون كبار في الهروب من المسؤولية ، ولذلك فعندما يأتي استثناء مثل إبراهيم محلب فإننا نراه واضحا متفرّدا مختلفا وكأنه نخلة سامقة تقف وحدها في صحراء قاحلة ، هكذا كان الرجل في حكومة الببلاوي الذي لا يجوز عليه سوى الرحمة الآن ، وإن كنا لا ننكر وجود نماذج أخرى محترمة مثل هشام زعزوع وفريد أبو حديد ومحمود أبو النصر فهؤلاء أيضا من الاستثناءات التي كانت شديدة التميّز في تلك الحكومة ، حكومة السلاحف السابقة ، ولذلك جاء استمرارهم ـ أو إعادة استوزارهم ـ في الحكومة الجديدة مُصيبًا وحتميّا وإيجابيّا ، بينما جاء اختيار آخرين مثيرا للتساؤل والاستغراب والحيرة ، فكأنّ مصر قد عقمت بحيث لا نجد مَن يملأ فراغ وزارة فنعود إلى استبقاء الفاشلين الذين لم يكن لهم من الإنجازات سوى ألبومات الصور على طريقة رئيس وزراء العيّاط المدعو هشام قنديل ، لدينا وزراء في الحكومة المحلبية ما كان له ـ وهو يحمل كلّ صفات الهمّة والنشاط والإيجابية وسرعة البديهة والقدرة على التحرك ـ أن يختارهم أو يستبقيهم معه ليكونوا كالأحجار العشوائية التي تعطّل الحركة ، وكان غريبًا وموجعًا أن يلتقي بعدد كبير من المواطنين ليختار من بينهم وزيرا للثقافة ، ثم تسفر المقابلات والتسريبات والتخمينات عن استبقاء محمد صابر عرب ، لنشعر أن الرجل ـ محلب ـ أراد أن يمنحه الفرصة ليدخل موسوعة الأرقام القياسية !! والشيء اللافت للنظر ـ والموجع في الوقت نفسه ـ أن جميع مَن قابلهم المهندس محلب من أجل اختيارهم لوزارة الثقافة كانوا أفضل من عرب ، لكن النكتة أو القافية حبكت ! فيتم استقبال هؤلاء لا من أجل اختيار أحدهم ولكن للتمويه على الجميع لكي نحتفظ بالجوهرة النادرة محمد صابر عرب ، والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا التخبّط وإحراج الآخرين ؟ بمعنى آخر … لماذا لا يتم التركيز والتنشين على شخص بعينه وفي السر والكتمان حتى تنتهي “العملية “؟ ثم الكارثة الكبرى وهي انصياع الدولة وانسحاقها أمام احتجاجات بعض الغاضبين !! غضبوا على أسامة الغزالي .. وغضبوا على أحمد مجاهد … وارتفعت رايات التهديد وأبواق التخويف ، وتراجعت الدولة مرعوبة أمام هؤلاء وهؤلاء ، بينما هم في الواقع ـ المحتجين ـ مجموعات من الانتفاعيين والباحثين عن مصالحهم الخاصة ، وكلٌّ يحسبها انطلاقا من قاعدة المكسب والخسارة ، وحتى لو كانوا صادقين في احتجاجهم وغضبهم فلا ينبغي للدولة أن تنحني أمامهم وتقول لهم : أنا آسفة ، وأمركم نافذ ، فمن المستحيل أن يختلف الناس حول الأنبياء ويتفقوا على شخص مواطن ما ، نحن بهذه الانحناءات والانصياعات نرسّخ ثقافة الاستهبال ونحرّضُ على التخريب والتعطيل ، ونساهم في نشوء أجيال من الفوضويين الذين يتفانون في قتل الفرص وشلّ حركة الدولة بلا أي مبرر أو أي داع ، ليكون شعارهم “الفوضى من أجل الفوضى “… فقط !!

بريشة الفنان عماد عبد المقصود ، رسّام جريدة فيتو

هل سيستطيع إبراهيم محلب أن ينقل عدوى النشاط والحركة على الأرض إلى زملائه الكُسالى الذين يعتبرون الوزارة مجرد واجهة اجتماعية تعطيهم الحق في المنظرة المجانية بلا مقابل ؟ هل سيستطيع الرجل أن يقول لكل منهم :” أنا شايفك “؟ ندرك أن العبء ثقيل ، ونعرف أن التركة تقصم الظهر ، كلّنا نرى بأعيننا ونسمع بآذاننا ، ولكن ليس معنى ذلك أن نغفر ونتسامح ، وإلا فما مبرر الاختيار ؟ بمعنى أن كل وزير يعرف جيدا أن العبء ثقيل وأنّ التركة تقصم الظهر ، فإذا لم يكن على قدر الموقف والتحدّي فلماذا لم يعتذر ويعلنها على الملأ : أنا عيّل ، أنا عاجز ، أنا أصغر من الموقف ومن الكرسي ؟ وإلى متى يظل الوزراء منزوعو الدسم يتعاملون معنا باعتبارهم انتقاليين عابرين ولا يصح أن يجتهدوا أو يعملوا أو يتحرّكوا ما داموا عابرين في مرحلة انتقالية استثنائية ، إذا كان ذلك كذلك فالأولى أن يكون لدينا رئيس وزارة بلا وزراء معه ، وينوب عنهم جميعا في النوم والاسترخاء حتى تمر الفترة الانتقالية أو ينتقل إلى رحمة الله !!
مأساتنا أن مآسينا أكبر من كلّ هؤلاء الوزراء ، هم يعتبرون الحالة الكرب التي نمر بها مبررا لعدم الحركة وعدم الإنجاز ، بل يتأبّطونها شمّاعة جاهزة يعلقون عليها عجزهم ويبررون بها خيبتهم وابتلاءنا بهم ، الوزير الذي يكتفي من الوزارة باللقب وبالمعاش المنتظر لا يستحق الاحترام ولا يستحق الصمت عليه ، الوزير الذي يغمض عينيه ويملأ رأسه بالمبررات الجاهزة ، ويقنع نفسه بأنه العابر المؤقت لا يستحق منّا لا رحمة ولا شفقة ولا احترامًا ، فما دمنا نعترف بحجم المآسي ونراها رأي العين فينبغي أن نرى حركة على الأرض ، وكل وزير يؤثر السلامة ويلزم مكتبه ويكتفي بتوقيع بعض الأوراق والتقاط الصور التذكارية لا يجب الصمت عليه أو تركه لينعم بالنوم ويستمتع بالفراغ .
عرفنا محلب رجلا نشيطا واعيا ووطنيا إلى النخاع ، وندرك حجم التحديات التي ينوء بحملها الجبل ، ويكفي موجات الاحتجاجات التي تجتاح البلاد وتكاد تكون طقسًا يوميًّا ندمنه ولا نتنازل عنه ، وندرك جيدا كل الشروخ الاقتصادية والأمنية وكل الألعاب القذرة التي يلعبها الأعداء في السر وفي العلن ، لكننا نصر على ألا يكون ذلك مبررا جاهزا لالتماس الأعذار والتحجج به ، ما دامت هناك تحديات فهناك رجال ، وإذا لم يكونوا رجالا وعلى قدرها فـ” الباب يفوّت جمل ” ، وأي وزير متردد مرتبك لا يدخل برأسه في قلب المشكلة فعليه أن يغسل يديه ويمشي ، سئمنا …. وامتلأنا يأسًا وإحباطا ، ولم تعد لدينا مرارة للتحمّل ولا فرصة لمنح الأعذار تحت أية حجة وأي ظرف ، وإن كنّا قد صفقنا لإبراهيم محلب وهو وزير للإسكان وقلنا : ” ونعم الرجال “، فهذا ليس حقّا واجبًا على طول الخط ، لن نظل صامتين مستمتعين بإعجابنا القديم وانبهارنا بالرجل وحركته على الأرض وسرعته في اتخاذ القرارات ، قد نمنح الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق والنظر في الأحقّ والأولى ، لكن لن نصمت على وزراء ليسوا بحجم المسؤولية وبحجم المخاطر التي تواجهنا ، وما دام السيد محلب هو الذي اختارهم فليتحمّل نتيجة سوء اختياره ، ولا عذر له ولا حُجة ، “القِربة مخرومة ” ، واليأس في أعلى مستوياته ، والصبر … بَح ونفِدَ رصيدنا منه ! ولا نريد ، ولا نتمنّى ، أن يأتي يومٌ لنقول : يا خسارتك يا محلب .. يا خيبة أملنا فيك !!
****

عن العدد رقم 109 من جريدة “فيتو ” القاهرية
الثلاثاء 11 مارس 2014م
ـ البورتريه بريشة الفنان عماد عبد المقصود ، رسّام جريدة فيتو .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات