الذات الوارمة للمثقف العربي

11:14 صباحًا الجمعة 28 مارس 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كان الكاتب الأرجنتيني الأشهر بورخيس يجيد أربع لغات هي الانكليزية والاسبانية لأن أسرته كانت تتكلم باللغتين، ثم الفرنسية التي أتقنها خلال دراسته في جنيف، والألمانية التي تعلمها بنفسه. ورغم ضعف بصره تدريجيا، حيث قضى معظم سنوات عمره المديد شبه كفيف لكنه كان قارئا موسوعيا، قرأ آلاف الكتب، أو قرئت له.

ورغم اتساع ثقافته، كان بورخيس موظفا بسيطا في المكتبة الوطنية، وعندما انتقد حكومية بيرون، أحيل الى وظيفة «مفتش دواجن» في سوق البلدية، فكان يجمل وظيفته تلك ساخرا بأنه «مفتش دواجن وأرانب»!

خورخى لويس بورخيس أبرز كتاب القرن العشرين

أروي ذلك لأدلل أن واحدا من أعظم الكتاب والشعراء في القرن العشرين، عاش حياة متواضعة، ودفع ثمن مواقفه من السلطة، ومثله عشرات النوابغ في الشرق والغرب.

ولو نقارن ذلك بالمثقف العربي، فهو غالبا لا يقاوم السلطة، ولا ينتقدها، بل يسير في ركابها، ينافقها ويداهنها، ويزين لها أفعالها وأقوالها، ويتحول الى أداة تضليل لوعي الناس لا أداة تنوير وتثوير.

عينه دائما على «الغنائم» حيثما كانت، من مهرجانات وجوائز وأسفار.. وعلى نيل الرضا عبر اختياره في اللجان ومناصب من عينة مستشار وملحق ثقافي ومدير عام.

قد يتظاهر «لفظيا» بأنه صاحب موقف، وقضية، لكن يفضح كل ذلك ما يناله من مكاسب وعطايا، وما تكشفه علاقاته بالسلطة أيا كانت.

واذا كان معظم المثقفين والمبدعين في الغرب يراهنون على جمهورهم الواسع، ويحرصون على التواصل معه واحترامه، لشعورهم العميق بأنهم بمثابة الضمير لهؤلاء الناس الذين يثقون بمقالاتهم وابداعاتهم.. فان المثقف العربي لا يتواصل مع الجمهور، ولا يتابع أساسا أي نشاط ثقافي ما لم يكن مكرما فيه، أو تم اختياره لادارة ندوة أو مهرجان.. بمعنى أن النشاط الثقافي لا يعنيه في ذاته، بل ما يعنيه «بروزة» صورته، والاستمتاع بنرجسيته وذاته الوارمة.

لذلك لا تحظى مقالاته في الغالب بمتابعة حقيقية من جمهور القراء، ولا تملك أي تأثير، فهي لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وكذلك كتبه تبقى قابعة في دور النشر لا توزع ألف نسخة، بينما أقل كاتب في الغرب يوزع خمسين ألف نسخة.

قبل أن نلوم السلطة على تلاعبها بالمثقفين وتدجينهم، وهذا مبرر، لحاجتها لمن يلمع أفعالها واقوالها، فالأولى أن نلوم المثقف نفسه على تهافته وتكسبه الرخيص، نلومه على انشغاله بما سيربحه أكثر من انشغاله بقول كلمة الحق.

علينا أن نلومه لأنه يتعامل مع الكتابة كوجاهة اجتماعية، وليس قضية حياة أو موت. وعلى نظرته المتعالية الى جمهور الثقافة وأنشطتها، والاصرار على أن يبقى في برجه العاجي ممتلئا بذاته، هو وحده.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات