بشير عيـَّاد يصفّق لفلاديمير بوتين ويتمنى له النصر : القيصر الروسي …يؤدِّبُ أوباما ومنتخب الذيول!

01:51 مساءً السبت 29 مارس 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

إذا أشعلها بوتين ، وأعني الحرب العالمية الثالثة لا قدّرَ الله ، فلن ينجو أحدٌ من شظاياها ، فإن كان الزميل زُهير بن أبي سُلمى ، أحد زعماء الشعر في العصر الجاهلي ، قد قال في معلّقته الخالدة :

وما الحَرْبُ إلا ما عَلِمتُم وذُقْتُمُو
وما هُوَ عنها بالحديثِ المُرَجَّمِ
فقد كانَ الرجلُ صادقًا وسابقًا لزمانه ، إذ أطلقَ هذا البيت المسافر في الزمن ولم تكن هناك طائرات ولا دبّابات ولا مدافع ولا صواريخ ولا كلاشينكوفات ولا حتى طبنجات 9 مم ، وكانت الحرب ، على أيّامهم ، بالسيف والرمح والسهام و…. الجري ، فماذا عساه أن يقول ـ عمّك زُهير ـ لو عاش إلى اليوم ، أو حتى إلى 1945 ورأى القنبلة الذريّة وما فعلته بهيروشيما ونجازاكي ؟ وهل كانت لغتنا الجميلة ستسعفه لو حاول خياله الاقتراب من التعبير عن هول ما جرى وما سمع وما رأى ؟؟
منذ ذلك اليوم الأغبر الذي استخدمت فيه أمريكا قنبلتيها الذريتين لتُنهي بهما ماراثون الحرب العالمية الثانية التي أشعلها هتلر ، وأمريكا تركب الكرة الأرضية وتحاول أن تسوق الشعوب والأمم كما تُساق الأغنام ، وبالرغم من الأثمان الباهظة التي تدفعها أمريكا من كرامتها وجنودها إلا أنها لا تتوب ، وكلُّ بني آدم يأتي ليسكن البيت الأسود في واشنطن يرتدي على الفور عباءة الصلف والغطرسة والكبر والاستعلاء والغرور حتى ولو كان مواطنا ضعيفًا ومرتبكا ومترددا ولا يُرى بالعين المجرّدة مثل باراك أوباما .

بورتريه بريشة الفنان عماد عبد المقصود

منذ العام 1945م وأمريكا ، وكما قال نيلسون مانديلا ـ لا تجد مَن يردعها أو يوقفها عند حدّها ، تعربد في كلّ اتجاه ، وترسلُ أصابعها الخفية تلعب في أركان الأرض الأربعة ، لا تترك بحرًا أو جوًّا أو صحراء إلا ودقّت خوابيرها الاستخباراتية وبذرت بذور الشر والإفساد ، حتى طفلتها المدللة إسرائيل ، لم ترحم إحداهما الأخرى وراحتا تمارسان معًا كلّ عاداتهما السريّة في التجسس والتلصص بالرغم من أنهما يزرعان معًا ويحصدان معًا ، ولكن ماذا تقول في هذا الإدمان والنقص المزمن ؟ هو شيءٌ من قبيل النكتة التي لا يصدّقها أحد ، أن ترى أمريكا تتجسس على إسرائيل وإسرائيل تتجسس على أمريكا ، لكنه واقع الحال الذي فرضته أمريكا على الكرة الأرضية كلها ، مَن في حضنها ومَن ضدها ، الجميع سواسية في التجسس والتلصص ، حتى دول الاتحاد الأوروبي التي اتحدت لتصبح قوة كبرى من شأنها أن تعدل “الموازين المايلة” التي خرقتها أمريكا سياسيا واقتصاديا وعسكريا ( على سبيل الردع لا الاعتداء ) فإذا بها تتحوّل إلى مجرّد ذيل لهذا المتغطرس الأمريكاني ، وليته رحمها وأعفاها من ممارسة هواياته الناقصة على زعماء الاتحاد ( ذات نفسهم ) بل وقع معظمهم ، بهواتفهم وحساباتهم الاليكترونية ، تحت طائلة التجسس الأمريكي .
ومنذ انتهاء الحرب الباردة التي كانت مشتعلة ( مجازا ) بين المعسكر الأمريكي والمعسكر الروسي ( الاتحاد السوفيتي سابقا ) ، والأمريكان يعتبرون الكرة الأرضية مجرد حديقة خلفية يقضون فيها أوقات فراغهم ويمارسون فيها ألعابهم القذرة والدنيئة بعيدًا عن الأعين ، فإذا ما تم ضبطهم متلبسين باحتلال دولة أو انتهاك سيادة دولة أخرى قالوا : إنها الديموقراطية ومبادئ الحرية التي نريد ترويجها وتعليمها للشعوب المتخلفة ، وتحت ظلال هذه الديموقراطية وتلك الحرية ضاعت العراق ، وتصحّرت أفغانستان ، وفي غمار الانحياز الأعمى لإسرائيل وبالصمت العربي تارة والتواطؤات العربية تارة أخرى ضاعت قضية فلسطين ودخلت في الماسورة ، ولولا أن تدخّلت يد الله في اللحظة الحاسمة لدخلت المنطقة كلها في فم أمريكا وإسرائيل ، ولتحوّل الربيع العربي إلى خريف أسود ، لكن شاءت إرادة الله أن يستيقظ الشعب المصري ويسترد وطنه من بين أنياب بائعيه والطامعين فيه ، وجاءت وقفة الجيش المصري العظيم لتعيد التوازن إلى سُرّة العالم ، بل وتقضي على مطامع أوباما المسعور ، فلو نجح مخططه البغيض ضد مصر لانفرط عقد المنطقة ولتساقطت دوله دولةً دولةً ، وما كان الشرق القريب أو الأقصى ببعيدَيْنِ عن الخطر ، وما كان العمق الأفريقي ومعظم دول العالم الثالث بمنأى عن سكّين التمزيق والتفريق والتقزيم ، لتنفرد أمريكا بالعالم ، ولتكون إسرائيل الشرطيّ الساهر من أجل تأديب منطقتنا وتهذيبها وإصلاحها .
جاء القيصر الروسي كأوّل المصفقين ـ من الدول العظمى وخارج الدائرة العربية ـ للجيش المصري ، وأوّل الداعمين والمعترفين بثورة الشعب العظيم في الثلاثين من يونيو 2013م ، وعلى كل المستويات استمر الدعم الروسي وبلغ ذروته بزيارة المشير السيسي لهم ، لشكرهم ، ولفتح كل الأبواب والنوافذ المغلقة في كل المجالات ، وإن كانت الدول العربية قد تضامنت معنا معنويا واقتصاديا ، فإن الدعم الروسي جاء ليملأ الكفة بالثقة ويمنحنا القدرة على الثبات في مواجهة العمى الأمريكي وذيوله في أوروبا وأفريقيا المنسحقة ، ولنواصل التقدّمَ إلى الأمام بخطى ثابتة وواثقة فكم كنا بحاجة إلى أحد الكبار ليقف معنا في مواجهة الكلاب الضالة والوحوش المسعورة ، وكنا جميعا ـ عدا محور الشرّ ـ فرحين بموقف الإدارة الروسية برغم كلّ تحفظاتنا القديمة على روسيا القديمة ، وها هي الثورة الأوكرانية تجبر روسيا على الدخول برأسها وكتفيها في قلب المعمعة ، ذلك لوشائج القربى ووجود أغلبية ساحقة في شبه جزيرة القِرم تنتمي إلى روسيا وتتكلم لغتها وتحلم بالعودة إلى أحضانها ، وها هو بوتين يتحدّى أوباما وذيوله في الاتحاد الأوروبي ، ويزحف بجيش جرّار ويقف على أهبة الاستعداد للتدخل العسكري من أجل استرداد ما يراه حقّا له ولأبنائه من المنتمين إلى روسيا ، ما دعا أمريكا وكلّ المشحونين في مقطورتها إلى التهديد بالويل والثبور لبوتين وجيشه وشعبه إذا ما نجح الاستفتاء في شبه جزيرة القرم وجاءت النتيجة لصالح العودة إلى أحضان روسيا .
المدعوة هيلاري كلينتون شبّهت القيصر الروسي فلاديمير بوتين بالزعيم النازي أودلف هتلر ، هتلر الذي أشعل الحرب العالمية الثانية في العام 1939م حتى حسمتها أمريكا في العام 1945م باستخدام سلاحها الفاتك الذي لم يكن معروفا بعد وهو القنبلة الذرية ، ومع القنبلة الثانية خرّ امبراطور اليابان مستسلمًا ومسلِّمًا بكل المطالب الأمريكية حتى يحمي بلاده من الدمار المُحتمل ، ومن رُعب القنابل الذرية التي أبادت الحرث والنسل ولم تترك أخضر ولا يابس ، فهل هذا التلميح الهيلاري وتشبيهها بوتين بهتلر يعني أن القنابل الذرية الأمريكية ـ موديل 2014 ـ باتت على المحك ؟ وهل هي مغامرة غير محسوبة من بوتين وهو يدرك أن المغرور الأمريكي سيمد أنفه في كل شيء ومن خلفه هؤلاء الذيول الذين أصبحوا كالأتربة العالقة في الكعب الأمريكي ؟ بوتين ليس بتلك الخفة ولا بذلك الضعف أو السفه أو قلة الحيلة ، هو يدرك أن التحدّي لا يحدّه سقف ، وأن عود ثقاب ولو على محمل الهزار قد يشعل العالم كله ويحوّله إلى حفلٍ لتبادل القنابل والرؤوس النووية ، وأنها ـ لو أضرموها ـ لن يخرج منها فائز وستكون المرة الأولى في التاريخ التي يخرج فيها الجميع مهزومين !! الرعب النووي ليس مثل الرصاص الذي يختار الرؤوس التي أينعت ، بل هو كالأكسجين الذي يقتحم الأنوف بلا تفرقة بين نائم ومتيقّظ ، أو رجل وطفل ، أو عصفورة وجمل ، أو فراشةٍ وغراب ، كما لا يفرّق بين نخلة ووردة ، أو بحر ونهر ، أو شلال ومستنقع !!
الربيع الأوكراني قد يتحوّل إلى خريفٍ ساحق يزحف على العالم كله ، وبالرغم من ذلك أراني ـ للمرة الأولى ـ أصفّق للتحرّك الروسي وللموقف الصلب لبوتين ، أصبحت أنتظر كلّ مَن يبصُق في وجه أوباما ، ويصعّر كعب حذائه له ولذيوله المنسحقين الذين يجرّون شعوب أوروبا كلها إلى مستنقعات الدم والهوان والخراب ، ليست شماتة ولا سعيا إلى مزيدٍ من الدمار فقد اكتفينا منه ذاتيا ، في مصر وفي مشرقنا العربي كله ، ولكن من أجل أن يفيق أوباما وكل مَن يأتي بعده ، وليدرك ـ وتدرك معه أوروبا ـ أن الشعارات الكاذبة والأوهام المتورّمة لا يمكن فرضها على كل الشعوب في لحظة واحدة ، وأن مَن يحترم شعبه وتراب بلاده فعليه ألا يمد أنفه أو قدميه إلى خارج حدوده .
لا نريدها حربًا لا تُبقي ولا تذر ، ولكن نريدها درسًا وصفعة جديدة على قفا أوباما المهزوز ، نريد لفلاديمير بوتين أن ينتصر ، لا لموقفه معنا ودعمه ثورتنا العظيمة ، ولكن من أجل إيقاظ الشعب الأمريكي ليبدأ ربيعه المُنتَظر، فقد فشلت كل نتائج التدخل في العراق وأفغانستان … إلخ في إيقاظه ، ولعل صفعةً روسية من بوتين وشركاه على قفا أوباما وذيوله تكون سببا في حقن الدماء وإعادة الأمن والسلام إلى ربوع الكرة الأرضية ، بعد أن ظنّها هؤلاء العابثون المغرورون مجرّد كرةٍ يتراكلونها لاهينَ غير عابئين بصرخات المليارات من البشر المحبوسين فيها .
****

ـ عن العدد 110 من جريدة “فيتو “القاهريّة ، الثلاثاء 18 مارس 2014م
ـ البورتريه بريشة الفنان عماد عبد المقصود ، رسّام جريدة فيتو

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات