بيروت: نجاح موسيقى فتيات الأندرغراوند

08:59 صباحًا الأربعاء 7 مايو 2014
غنى حليق

غنى حليق

كاتبة وصحفية من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت: ظهرت مؤخراً في لبنان فرق فنية لا بأس بها من فرق “الأندرغراوند” الذين يعتمدون على أسلوب خاص في الغناء والتلحين، إذ يخاطبون الشباب ويتناولون مشاكلهم وأهتماماتهم بأسلوب بسيط ومحبب وجاذب، ومن الملفت أن بعض هذه الفرق بدأت تحقق نجاحاً  وشهرة تتعدى بلدهم لبنان، كما أن نسبةًلا بأس بها منهم هيفرق نسائية لا تهتم بشكلها الخارجي ولا بالسعي إلى الشهرة والمال بقدر ما تسعى لتحقيق ذاتها وفنها والتعبير عن هموم الشباب والمجتمع بأسلوب مميز وخاص.

من هذه الفرق برزت فرقة الشقيقتين ميشال ونوال كسرواني وفرقة “missing pixel  ” ، وهما فرقتان شبابيتان نسائيتان تأسستا صدفة وبامكانيات بسيطة جداً، جميع اعضاء هاتين الفرقتين يهوون الفن ومخاطبة المجتمع ، ويحاولون بناء أنفسهم بمفردهم بعيداً عن أضواء الشهرة والمال والمظهر الخارجي .

برزت شهرة ميشيل ونوال كسرواني من خلال تجربتهما الموسيقية الفريدة التي بدأت عبر موقع “يوتيوب” مع تقديم أغنيتها “جغل الـ usek” و”ماماياماما”  التي وصل عدد مشاهديها خلال شهرين فقط إلى 250 ألف مشاهد. واستكملتا مسيرتهما عبر أغان جديدة تكتبانها وتلحناها، وهي أغان لاتشبه النمط اللبناني السائد ، وكان آخرها “عالجمل بوسط بيروت” ، إذ يدلّ اسم الأغنية على استخدام جملين (بعيرين) في وسط بيروت للدلالة على ارتفاع أسعار المحروقات.  وتتشكل المفارقة في أنّ المنطقة لاتشهد عادة أي تواجد لأيّ نوق أو أحصنة أو أي دواب.  كماتسخر الأغنية من نظام السير في لبنان بطريقة خفيفة وكثيرة الكلمات.
أما فرقة “missing pixel  ” فتتألف من أربع فتيات وشاب يهوون الموسيقى والغناء، وأغلبهم يعمل في مجال “الغرافيك ديزاين” ويقوموا باختيار الاغنيات المشهورة وتحوير كلماتها والتعديل في الحانها لتصبح تشبههم واقرب إلى جمهورهم .

التقينا هاتين الفرقتين وكان هذا الحوار :

فرقة ميشال ونوال كسرواني

ميشال ونوال كسرواني، شقيقتان تخصصتا في مجال “publicite et art graphique” وتعملان في اختصاصهما، بالإضافة إلى عملهما في تأليف وتلحين الأغاني. وتقول ميشال أنها وشقيقتها تحاولان مزج الفن بالإختصاص الذي تعلمتاه كي يصل إلى الناس بطريقة واضحة ومسلية.

أسست الشقيقتان فرقتهما صدفة، وبعد أن اشتهرت أغنية “جغل الـ usek”( بالغلط) على الانترنت وحققت على ” You tube ” نسبة اعجاب كبير، ونسبة مشاهدة عالية وصلت إلى 400 ألف مشاهد خلال فترة قصيرة جداً. وعن ظروف كتابة هذه الأعنية وانتشارها تقول ميشال :”كتبتُ الأغنية منذ أربع سنوات تقريباً. كانت “فشة خلق”. لم أكن أفكر حينها بأنها ستنتشر. رودي صديقي سمعها مرّة وقال أنها جميلة. قررنا، أنا وهو، أن نسجلها على سبيل المزاح. سجلناها على هاتف خلوي أو على “لابتوب”، لم أعد أذكر. حتى أن الغيتار الذي كنت أعزف عليه لم يكن “مدوزناً” ، وعرفت لاحقاً أن أحد الأصدقاء نقل الأغنية إلى هاتفه. ثم تبادلها مع آخرين. وصرت أسمع بين فترة وأخرى أن هناك أغنية لي يسمعها الناس ويحفظونها على هواتفهم. وهكذا انتشرت الأغنية على ” You tube”، حيث سجل أكثر من 250 ألف مشاهد في اقل من شهرين”.

هذه النجاح أو الانتشار هو ما دفع الشقيقتين في التفكير جدياً في انتاج ألبوم خاص بهما، وتقول نوال:” أحسسنا أن هناك اشخاصاً كثيرين يفكرون مثلنا، خصوصاً أن مشاكل الشباب في عصرنا قليلاً ما تلفت انتباه المجتمع. وبما أنّ أغنياتنا تطرح كل هذه المشاكل قرّرنا تشكيل فرقة موسيقية “.

لم تدرس ميشال أو نوال الغناء أو التلحين، وهما لا تعتمدان على صوتهما، انّما على الأفكار وطريقة الأداء، تكتبان بحسب ما تصادفان من مشاكل أو أخطاء بالمجتمع ، وتلحنان بحسب معنى الأغنية وكلماتها بأسلوب عفويّ وبسيط . وتوضح ميشال :”أسلوبنا عفوي نتيجة مشكلاتنا اليومية ، ونحن ننتقد بطريقة بناءة ساخرة وهادفة لتحسين المجتمع من خلال اضاءاتنا على هذه المشاكل . نغني كما نتخاطب في لبنان،وتأتي الأغنية قريبة على السّمع، يعني ممكن أن تشمل كلمات فرنسية ، عربية وانكليزية . لا نحدّ فكرنا بلغة أو بلهجة”.

تتشارك ميشال ونوال في تأليف كلمات أغنياتهما وتلحينها، كما تتشاركان في الغناء واللعب على الغيتار، وهذا بحسب نوال يساعدهما كثيراً على التلحين . هما تختاران موضوعاتهما بطريقة عفوية، ولا تفتعلان المواقف ، تقول ميشال:”  لم أفتعل أي موقف، بل هذا ما كنت أشعر به وأرغب بقوله. إن في أغنية “جغل” أو “ماما يا ماما” أو “بدي صير ستار” وغيرهم …. وبالنسبة لجمهورهما تقول: “جمهورنا من كلّ الأعمار وكلٌ منهم يفهم الرسالة على طريقته ، ولكن أكثر من يتابعنا هم جيل الشباب الناشط على الانترنت” .

تغنّي الشقيقتان في المهرجانات الموسيقية مثل “مهرجان بيروت للموسيقى” وعيد الموسيقى” وتحييان حفلات ضخمة، كما تغنيان في مقاهي معينة في منطقتي الحمراء والجميزة. تقول نوال : “لا يهمنا أين ، أنما يهمّنا الجمهور يصغي”. تطمح الشقيقتان للغناء خارج لبنان، ولكن لم تتوفر لهما الفرصة المناسبة بعد .لا تسعى الشقيقتان إلى الشهرة والمال، بل إلى التعبير عن آرائهما، وهما يتلقيا الدعم المعنوي من مشجعيهما لانهم وبحسب ميشال يرون في كلمات أغنياتهما ما يعبر عن أفكارهم.

لفرقة كسرواني ألبوم فني بعنوان “بالغلط” ، وكان لقي نجاحاً كبيراً عند اطلاقه. هما اليوم تعملان على أغنيات جديدة فيها نضوج أكبر كما تقول نوال، ولكن بنفس الأسلوب النّقدي البناء والهادف . وعن عملية الانتاج تقول ميشال :”نحن ننتج أعمالنا بأنفسنا ، ولكن ندرس حالياً امكانية التعامل مع شركات انتاج ، لأن فنّنا دقيق وحرّ. لا يمكننا التعامل مع شركة انتاج تقيدنا”. وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي ساعدت كثيراً في انتشار وشهرتهما ، وترى نوال أن هذه الوسائل تخوّل الشخص الذي لا يملك شركة انتاج ايصال فكرته وفنه إلى الجميع،  وهي وسائل تواصل مباشر وشفاف مع المشاهد يعكس حقيقة رأي الجمهور والمشاهد لانه بكبسة زر يمكنه أن يعبر عن رأيه بالاعجاب أو عدمه، إذ يظهر عدد المشاهدين وبالتالي رأي الناس من دون أي وسيط.

أطلقت الشقيقتان كسرواني مؤخراً (كليباً) “عالجمل بوسط بيروت”، ويلقى نسبة مشاهدة واعجاب كبيرين من قبل الجمهور، وعن هذا الكليب تقول ميشال :”ولدت فكرة الكليب عندما نظرنا إلى وسط المدينة وراينا أنّها مخصصة لطبقة معينة من المجتمع، ففكرنا “إذا لم يكن عندي سيارة ؟ ( أناعندي جمل .. تضحك) هل يمكن لأحد أن يمنع شخصاًيمتطي الجمل من الدخول إلى وسط عاصمته فقط لانه من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة؟ فقرّرنا أن نحضر جملين من مدينة بعلبك وندخل بهما وسط بيروت لنرى ما الذي سيحصل؟ وكيف ستكون ردّة فعل الناس هناك؟ طلبنا من أصدقائنا أن يصوّراننا بهواتفهم ، وكان لدينا فقط 3 مصّورين مختصّين، ومن ضمنهم المخرج الشاب “رودي أبو شبل” وهو الوحيد الذي تشجع وقبل بالعمل معنا على الفكرة “.

لا تسعى الشقيقتان كسرواني لاصلاح المجتمع من خلال أغنياتهما ، وهذا برأيهما مهمة أكبر بكثير مما تقدماه. “نحن نعبّر عن رأينا بصراحة ونحاول إلقاء الضوء على المشاكل وإيجاد حل لها عبر كتاباتنا ورسوماتنا وأغانينا”. لقد بدأت الشقيقتان استعمال رسوماتهما أيضاً لانتقاد المجتمع، وهو نهج تتّبعانه لإكمال ما بدأتاه في الغناء كي توصلا فكرتهما بوضوح أكبر.

فرقة ال “missing pixel”

تتألف فرقة ال”missing pixel” من أربع صبايا وشاب، وهم كريستيان صليبي: مغنية رئيسية وعازفة غيتار، دانا فاخوري: مغنية وعازفة غيتار و ” Ukelele” (وهي آلة وترية صغيرة الحجم )، نور فاخوري: عازفة  كمان  وإيقاع، ناي طبارة : عازفة غيتار . أما الشاب الوحيد في الفرقة فهو ماريو يزبك يعزف أو ينقر على “cajoon”(آلة نقرية ).

تقول كريستيان أنها وصديقاتها أسسن الفرقة منذ أكثر من سنة، وبالرغم من قصر هذه الفترة الزمنية استطعن أن يحققن شهرة لا بأس بها بين معارفهن وجمهور الشباب في لبنان، وفي تلك الفترة لم يكن الشاب ماريو معهن في الفرقة لانه انضم اليها حديثاً. وعن ظروف تأسيس الفرقة تفيد كريستيان بأنها كانت قبل سفرها إلى باريس للتخصص في مجال “الغرافيك ديزاين” تهوى العزف على الغيتار،وكانت تشاركها هذه الهواية احدى صديقاتها في الجامعة، ولما سافرت وعادت أحيت هذه الهواية وتواصلت مع صديقاتها ومعارفهن من هواة العزف والغناء، وألّفت معهن الفرقة، وخلال اسبوعين اتّفقن وتدرّبن وجهّزن كل شيء وقدّمن حفلاً موسيقياً رائعاً.

وعن أجواء هذه التحضيرات تقول دانا حضّرنا لكل شيء بسرعة، وكنا متحمسات جداً للموضوع إلى درجة أننا كنا نتدرب (ليل نهار)تحضيراً لأول حفل نحييه. وتضيف كان لدينا نقصاً بالآلات الموسيقية، كما كان بعضها قديماً.  وتستدرك كريستيان قائلة:”كان غيتاري مكسوراً، وحاولت اصلاحه والعمل عليه قدر المستطاع، وصديقتي كارين كان غيتارها قديم جداً، كنا نستعير بعض الآلات من اصدقائنا، وبعضها الآخر نحاول اصلاحها، كان الناس يسألونا عن هذا النقص، فنقول لهم بضحكة فرقتنا فقيرة ،ومع الوقت بدأنا نشتري الآلات الموسيقية من مردود الحفلات، كما أن أهلنا وأصدقاءنا باتوا يهدوننا الآلات موسيقية في مناسباتنا الخاصة، حتى أصبح لدينا فريق كامل وآلات متعدّدة”. لقد أطلقت الفتيات اسم “missing pixel” (أي نواقص بيكسل)على الفرقة بسبب هذا النقص في الآلات والعازفين، ولأن أغلبهن يعمل في مجال “الغرافيك ديزاين” أي الكل “pixels”.

وعن أسلوبهن في الغناء ونسق الأغاني التي يخترنها، تفيد دانا أنهن يعتمدن الأسلوب الكلاسيكي والهادئ في الغناء، وانهن يخترن الأغنيات المشهورة ويحوّرن كلماتها ويعدّلنا في موسيقاها حتى تتلاءم مع أسلوبهن وشخصيتهن. “نحن لا نحب الموسيقى الصاخبة، ونعدل في الأغنيات لتصير تشبهنا”. وعن أفكار موضوعات الاغنيات التي تستهويهن تقول كريستيان، انهن لا يفكرن بالموضع كثيراً، وأن أغلب أفكار وكلمات الأغنيات تكون وليدة لحظتها. وتضيف نحن نختار الأغنيات المشهورة ونحوّرها لان هذه الأغنيات عالقة في أذهان الناس وينجذبون لها أكثر بعد تعديلها، علماً أن بعض الأغنيات تتغير تماماً بعد التحوير ولا تعود تشبه النسخة الأصل.

أعضاء فرقة missing pixel” كغيرها من فرق الأندرغراوند، هواة للغناء والموسيقى، ليس لديهن هدف احترافي ، ولا يلهثن خلف الشهرة والمال، وفي حال فكرن بالاحتراف فسيكون على طريقتهن الخاصة. تقول كريستيان:”نحن لم نخطط لشيء، بدأنا هواة نعزف ونغني في حفلاتنا الخاصة وحفلات أصدقائنا، ورويداً رويداً بات الجميع يعرفنا ويخبرون بعضم البعض عنا، “ضرب الحظ معنا، وبتنا نغني على المسارح وفي بعض الملاهي الليلية، كل ما حصل ويحصل معنا صدفة وبالغلط ربما”.

أول حفلة أحيتها فرقة ال” missing pixel” كانت بطلب من جمعية خيرية، وعاد جزء كبير من ريعها لأعمال خيرية، فهن وبحسب دانا يعزفن لأهداف سامية، وينشدن السلام والمحبة في أغلب أغنياتهن، ومنالطبيعي أن يحيين الحفلات التي تدعم الفقراء والمرضى والمحتاجين…وتستدرك دانا بالقول: “نغني من أجل كل شيء إلا السياسة”.

جمهور فرقة ” missing pixel” مختلف الأعمار والفئات، لانهن يتناولن الأغنيات القديمة والجديدة ، ويحيينها بأسلوبهن. حتى اليوم لا يوجد تسجيلات أو ألبوم خاص بالفرقة، وهن يخططن للقيام بهذه الخطوة لنشر أعمالهن بشكل منظم أكثر. وتفيد كريستيان أن أغلب حفلاتهن والأغنيات التي غنينها موجودة على “اليو تيوب”، وانها تحظى بنسبة مشاهدة واعجاب عالية. ” وسائل التواصل الأجتماعي والأنترنت ساعدنا كثيراً في نشر أعمالنا وبات الجميع يتابعنا على اليو تيوب”.

واجهت فرقة ” missing pixel” الكثير من المشاكل، ورغم ذلك كنّ يتجاوزنها بالضحك والمرح بدل التوتر والتشنج. فبحسب دانا لم يكن لدى الفتيات خبرة واسعة في الموسيقى وهندسة الصوت، وأن أغلبهن لم يدرسن أصول العزف أو الغناء، بل يمارسن هذه الهواية بالفطرة ، الغلط وارد ولا مشكلة لديهن مع الموضوع وحتى لو كان ذلك على خشبة المسرح. “نحن نواجه الأمور بروح رياضية، ولدينا أحلى جمهور، يتابعنا اينما ذهبنا، وإذا أخطأنا يغني معنا ويشجعنا”.

حتى فترة قريبة كان فريق ” missing pixel” مؤلف من أربع فتيات، ولكن دخول ماريو إليه أحدث اضافة جديدة ونكهة خاصة فيه بحسب كريستيان ودانا. ماريو كان من جمهور الفريق ومن المعجبين والمتابعين له، وهو انضم إليه بسبب حبه لنسق أغانية والحانه. يقول ماريو “وافقت على الانضمام إلى الفريق فور طلبهن مني ذلك، ودون أن أفكر بالموضوع. العمل مع الفتيات الأربع تجربة جميلة جداً، كل شيء منظم ومتناغم ويشعرني أننا عائلة واحدة أكثر مما نحن فريق”.

يعمل فريق ” missing pixel” على تطوير نفسه عبر إعداد خطط مدروسة تدفعه نحو التقدم، الشهرة والمال بالنسبة له ليسا بحلم أو هدف ولكن إذا تحققا “أهلاً وسهلاً بهما”. هم يتدربون في أوقات فراغهم ، ولكل منهم مهنته التي يعتاش منها، أما الموسيقى والغناء  فهما مجرد هواية تجمهم وتشعرهم بالفرح وبرسالة سامية فيها الكثير من الحب والعطاء.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات