بشير عيَّاد يقدم مناظرة بين الرئيسين : عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي!

07:25 صباحًا الأحد 25 مايو 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

المشير عبد الفتّاح السيسي والأستاذ حمدين صباحي ، بريشة الفنان عماد عبد المقصود رسّام جريدة فيتـــو

الشاعر والناقد والكاتب الساخر بشير عيَّاد له مبادراته الساخنة والرائقة في آن، والتي يقدمها لقرائه كل أسبوع مفاجئا في جريدة (فيتو)، لكن هذه المبادرة، التي جاءت على قسمين، كانت جريئة، لأنها المبادرة التي خشي منها كثيرون، أن تعقد مناظرة بين المرشحين، باعتبارهما رئيسين منتخبين. ففي العدد رقم 118 ، الصادر يوم الثلاثاء 13 مايو 2014م، جريدة “فيتــو” القاهريّة،  قدم بشير عيَّاد لشخصيته الأسبوعية هكذا: قبل أن تقرأ : في هذا العددِ تخيّلنا فوز المشير السيسي في سباق الرئاسة ، ونكتب له باعتباره الرئيس بشـــيـر عيـَّـاد  أعطاهُ صوتَهُ ولكنّهُ يقفُ في خندقِ المُعارَضَة!!! : سيادة الرئيس عبد الفتّاح السيسي .. كُن أنتَ ،فليس بالكلام تتحقق الأحلام !! أما في العدد 119 ، الصادر الثلاثاء الماضي، قبيل الصمت الانتخابي، بتاريخ 20 مايو 2014م، جريدة “فيتــو” القاهريّة، فكتب: في العددِ السابق تخيّلنا فوز المشير السيسي في سباق الرئاسة ، وكتبنا له باعتباره الرئيس ، واليوم نعكس الصورة ونتخيّل فوز السيد حمدين صباحي، بشـــيـر عيـَّـاد  مندهشٌ من المفاجأة ، لكنه يحترم كلمة الصندوق!!!: سيادة الرئيس حمدين صباحي .. الهلاهيلُ القديمةُ لم تعد تليقُ بعروض الأزياء الرئاسيّة. تقرر اليوم (آسيا إن) أن تفاجيء الجميع بأن تجمع المقالتين معًا، مناظرة بين الرئيسين، فرصة للتأمل، والاستشراف، والرؤية بدون أقنعة. (المحرر)

سيادة الرئيس عبد الفتّاح السيسي …

كُن أنتَ، فليس بالكلام تتحقق الأحلام!!

بالرغم من أنني أعطيتُ السيّد الرئيس عبد الفتّاح السيسي صوتي ، وكذلك عدد كبيرٌ من أبناء العائلة التي امتنع كثيرون منهم عن إعطاء أصواتهم لانتمائهم لجماعة الإخوان ، ووجود عدد آخر لا يُستهان به ممن ذهبوا بأصواتهم إلى المرشّح المنافس ليس من باب التأييد أو الاقتناع ، ولكن كراهية في السيسي وكيدًا له عسى أن تساهم أصواتهم في ترجيح كفته ، لكنّ الله سلّم ، والحمد لله استطاع كثيرون أن يهبّوا في اللحظات الأخيرة لإنقاذ السيسي ، بعد أن كادوا يبلعون المؤامرة التي كانت تسعى لإسقاطه بالقول إنه :” ناجح ناجح فلماذا تنزلون وتتعبون أنفسكم ؟” تلك المقولة التي انطلت بالفعل على ملايين الأبرياء في البداية ، وأوشكوا أن يستلسموا للنوم أو متابعة برامج التليفزيون التافهة ، وجاء نزولهم كطوقِ نجاةٍ في اللحظات الحاسمة .

أقولُ : بالرغم من أنني أعطيتُه صوتي فإنني أتوجَّسُ خيفةً على مستقبل الوطنِ ونحن نجتازُ أخطر مرحلةٍ في تاريخنا المعاصر ، وأراها الأصعب على الإطلاق وعلى كل المستويات ، والأخطر والأمرّ والأقذر هو ما يحدث على الجبهة الداخلية التي حوّلها الخونة واللقطاء والعملاء إلى ساحة للمقامرة بالمستقبل والمقايضة بالمنافع والمصالح الخاصة ، ولو تحوّلت مصر إلى كومة من الرماد تذروها الرياح أو تجرفها الأمطار !!

المشير السيسي بريشة الفنان خضر حسن ، رسام جريدة ” فيتو “

كنتُ قد ناقضتُ نفسي هنا على الملأ عندما استصرختُ المشير السيسي أن يظلّ وزيرًا للدفاعِ ولا يستجيبَ لصرخات الصارخين بأن ينزل ساحة المبارزة على مقعد الرئاسة ، وقلتُ ـ يومها ـ إن جيشا قويًّا تحت قيادة السيسي سيمنح أي رئيس القوة والمقدرة على قيادة السفينة بأمان مهما تكن التحديات ، فقد أصبح الجيش السد المنيع الذي يحول دون المساس بالوطن والمواطنين في الداخل أو الخارج ، لكنني عدتُ بسرعة البرق لأنضم إلى ملايين المستصرخين وأهتف معهم :” انزل يا سيسي “، عندما رأيت النكرات والأقزام والحثالة يستعدون لارتداء الملابس الرسمية ويتهيّأون لإعلان دخولهم سباق الرئاسة ، وكان خوفنا على مصر عظيما وصادقا ، فلو سقطت في يد الإخوان أو مَن يسيرون في ركابهم مرة أخرى فلن تقوم لها قائمة إلى يوم الدين ، ولن تنفع معها مائة ثورة بحجم 25 يناير أو 30 يونيو ، ولاح لنا السيسي البطل المثال أو النموذج الذي تتجسّد فيه كل قيم الوطنية والرجولة والبطولة والمسؤولية ، وكيف لا وهو الذي غامر بروحه ووقف ضد تآمر الإخوان وأعوانهم بقيادة أمريكا وإسرائيل ولاحسي أعتاب البيت الأسود من الأتراك إلى القطريين إلى أوروبا المنسحقة تحت وطأة القرار الأمريكي ، إلى أفريقيا الغلبانة المسكينة التي ظنت أن مصر قد سقطت وتخلت عن وجودها فدارت في الفلك الأوبامي الأرعن ، ووجدنا أنفسنا نواجه كل ما في معجم النذالة والنكران من الصديق قبل العدو ، ومن كل الذين كنا ندخرهم للشدائد ، كان موقف السيسي ومن خلفه جيش مصر العظيم سقفا للأمان والطمأنينة ، ومبعثا للفخار والاعتزاز والإحساس بقيمة التراب الذي نمشي عليه ، وأصبح المواطن العادي الذي لا يملك قوت يومه يمشي مرفوع الرأس ممتلئا وعيًا ووطنية ويقول :” طز في أمريكا وفي المعونة ، نجوع ولا ننحني ولا نفرط في تراب الوطن ” ، وبالرغم من كل صنوف التآمر والتخريب التي نراها ، وبالرغم من استهانة البعض بأدوارهم ومسؤولياتهم وإضرامهم القلق في الشارع العام بالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات بما يوفّر البيئة الصالحة لنمو الإرهاب الإخواني ، فإن الناس لم ييأسوا ولم يفقدوا الأمل في المستقبل ، وفي كل ورطة يستدعون مشاهد 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو 2013م ، ويكبر في وجدانهم السيسي / النموذج / البطل الشعبي القادم من عمق التاريخ الفرعوني حاملا كل تراث المصريين الأبطال لا الخونة والمنتفعين والمتآمرين ، لتتجسد فيه كل أحلامهم وآمالهم بمستقبل يليق بالتضحيات التي كانت من أجله ، وحانت اللحظة الحاسمة ، وخلع السيسي زيّه العسكري ( وإن ظلّ يرتديه في قلبه ووجدانه وتحت جلده ) وأعلن قبوله التحدّي ودخول سباق الرئاسة ، في تلك اللحظة عمّت الفرحة الميادين ، وانتفضَ الأمل في قلوب الملايين ، غير أنني شعرتُ بشيء غامض يعكّر الروح والخيال معًا ، ووجدتني أتساءل : أليس ذلك الذي استصرخته لينزل السباق ويواصل حماية الوطن من أعلى مقعد ؟ قلتُ : نعم ، لكنني بدأت أخشى عليه من نفسه أولا ، ومن المحيطين به ـ والذين سيحيطون ـ أكثر من خشيتي عليه من الأعداء ، فالرجل العسكري الصارم القوي الشجاع ، سيتحوّل على أيديهم وبمراوغاتهم إلى شيءٍ آخر ، سيتحول إلى مردد شعارات قديمة وأقوال حالمة لا تملأ بطون الجياع ، ولا توفر فرصة عمل للعاطلين ، ولا تؤمّن الخائفين الذي أصبحوا يتلفتون خوفًا من الموت المحيط بهم جرّاء ابتكارات الجماعة وشركائها الذين يملأون الشوارع والميادين ويتسللون إلى كل حارة !!

  جاءت لقاءات السيّد الرئيس فيما قبل بداية الحملة وبعدها مُحبطة ومخيّبة لآمالٍ كثيرة ، ونزل من شاهق البطولة والمثال والنموذج ، إلى درجة المواطن الذي يحاول استمالة الآخرين بكل الطرق ، وكان من أسوأ أفعاله أن التقى بمجموعة ممن يسمونهم الرياضيين ، لينزف وقته معهم في الآوت ، وليكون إنجازه الأكبر إجراء الصلح بين غريمين يتناطحان إعلاميا بأحط الألفاظ وبكل الأساليب ، وما كان له أن يلتفت لمثل هذه المشاهد التي أسقطت الكثير من هيبته ، ويبدو أن الذين اختارهم لقيادة الحملة لم يكونوا على مستوى المسؤولية وليس لديهم قدرة على الإبداع ، فجاءوا له بالمعلبات المحفوظة من أيام عبد الناصر ومتسوّلي مجلس الأمة أو النواب أو الشعب أو المجالس المحلية ، أولئك الذين يرتدون الابتسامات الـ “سكاند هاند ” أو المستعملة سابقا ، ويفعلون المستحيل من أجل الصوت الانتخابي لا من أجل غرس قيمة أو زرع قدوة ، وقد أسعدني ـ بشكل خاص ـ تلك اللقاءات التي كانت مع أسر العسكريين السابقين ، وعلى وجه خاص أسرة عبد الناصر ، ليس حبّا في عبد الناصر أو أسرته أو تخليدا له لا سمح الله ، ولكن لكثرة ما استعمل المرشح الآخر اسم عبد الناصر ودلل به في أسواق الدعاية الانتخابية ، لم أكن على استعداد لاختيار رئيس يرتدي الأثواب القديمة الممزقة والمليئة بالبقع وآثار الاستبداد والديكتاتورية وروائح الهزيمة الكريهة التي كانت نتيجة للمغامرات والمقامرات وللاستسلام لأبواق المحيطين من الكذابين والمنافقين ونافخي الكير الذين عاش بعضهم لينط في عبّ السيسي ويغني له أغاني الستينيات ويحاول الظهور معه أو على كتفيه !!

  وعندما بدأ السيد الرئيس الظهور على شاشة التليفزيون مع ذلك المذيع وتلك المذيعة ، حصدت كلاما رومانسيا كثيرا ، وخيالا  يكفي عشرات الشعراء المبتدئين أمثالي ، ولم أر شيئا واقعيا يتحرك على الأرض ويمكن الإمساك به أو الإلمام بملامحه ، ولكنني ـ وللحق ـ لم أيأس أو أقلق ، فكم من شعارات تجرعناها ، ثم أفضت إلى ما يشبه الحقن الشرجية ، وكم من وعود سُكبت في آذاننا وعندما طلع النهار أخرجت لسانها لنا وطارت ، بكل الصدق .. ظللت أحتفظ للسيسي بصورته القديمة ، البطل / المقدام / الوطني / الشهم / الشجاع ، وغضضت البصر تماما عن البرنامج الانتخابي  وعن اللقاءات وملاحظاتي عليها وعن كلامه المتلفز المدهون بالعسل والسمن والسكر المستورد ، تغاضيتُ عن كل ألاعيب المحيطين به من عواجيز كل الأنظمة والذين يتسللون من تحت الموائد ليملأوا الصورة فجأة أمثال هيكل وعبد الرحمن الأبنودي وهذه الأشكال ، كما غضضتُ البصر أيضا عن العيال أصحاب تمرّد ، وعن عشرات الكُتّاب البرّمائيين الذين جأرت أقلامهم من هول ما كذبوا ونافقوا واستفادوا في كل العصور الرئاسية السالفة ، أجّلت كل ما معي إلى أن تبدأ المباراة الفعلية على أرض الوطن ، وعندما ينزل الرجل أرض الملعب سيفصح عن نفسه ، وسيجعلنا نهتف له ونصفق ونقول :” الله حي التاني جاي “، أو نستعمل الأسلحة التقليدية التي يهرّبها مشجعو الدرجة الثالثة في أكياس السندوتشات !! ، وقديما قال أحد الحكماء :” أرجوكم ألا تهرّجوا أو تصفقوا حتى تنتهي سلاّمة من الغناء “، وسلاّمة لم تبدأ بعد ، فلماذا نصفّق أو نهرج بلا مبرر؟!!

 سيّدي الرئيس ، إنني أحبّك “لله في لله ” مثل كل المواطنين الذين قدّروا وقفتك الشجاعة التاريخية في 30 يونيو وما تلاها ، وأحلم لك أن تقفز بمصر عشرات الأعوام إلى الأمام في فترة ولايتك الأولى ، وأن تعيد الأمن والأمان والانضباط إلى البيوت والشوارع والميادين ، وإلى كل ربوع الوطن التي اندس فيها الخونة والمتآمرون والمخربون ليشعلوا النار في كل أركانها ، وإنني أحتفظ لك بمقولة في غاية الأهمية ، وهي قول سيادتك :” لست مُحمّلا بأية فواتير لأحد “، واعذرني يا سيادة الرئيس الذي أحبّه في قولي إنني “المُعارض المستمر والمؤيد الاستثنائي ” ، لا أنسى وعدا ، ولا أرمي جريدة قديمة ، وأحتفظ بالتسجيلات التي جعلها موقع اليوتيوب متاحة للجميع ، اعذرني إن أعلنت لسيادتك أنني أجيد التربص والترصّد والتصيّد ، ومن أكبر ما يعرفه الجمهور عني أنني لا أعمل إلا عند الله وضميري ، ولم أغمس قلمي في أية محبرة قذرة أو في رأس مسؤول كبير ولو كان رئيس الجمهورية ، ولا أقول إلا الحق ولو على رقبتي ، أي أنني لا أخافك ولا أحسب حسابا لذهبك أو سيفك ، ولكن أخاف الله الواحد الأحد ، ومن هذه اللحظة سأتربّص بأفعالك وتحركاتك وقراراتك وأترصّد وأتصيّد ، لأرى : هل بالفعل ليس عليك فواتير لأحد ؟ أم هناك الكثير الذي سنتحمّل نحن ضريبته ؟ سأقف معك بكل قلبي وضميري وقلمي ما دمت على الصراط الحق الذي يؤدي فعلا إلى ما يليق بالوطن وبتضحيات الشهداء ، ولو أخفقت مليون مرة ستجدنا كلنا معك ، ستحاول ونحاول معك بكل ضمائرنا وعزائمنا ووطنيتنا ، ولكن لو غفلت لحظة واحدة وتحولت إلى عبد الناصر الذي يريدونه ليغرزوك ويغرزونا في الماضي معك ومعه ، أو تحولت إلى مبارك الذي حولوه إلى بنزينة يستنزفون من خلالها خيرات الوطن ويسرقون حق اليتامى والمساكين والفقراء والمرضى والعجائز وملايين الشباب الضائعين في فم البطالة ، أو حولوك ، والعياذ بالله ، إلى عيّاط له بطانة ومجموعة كالأهل والعشيرة ، فثق أنك لن تجدنا معك ، وسنحمل بيجاماتنا وأدويتنا في حقائب أيدينا ، وسيكون المعتقل أشرف مليون مرة من الصمت على الخطأ أو مجرّد التهاون في حقّ الوطن والمستقبل .

 سيدي الرئيس : أريد منك التحرّك بسرعة وبحزم وبحسم من أجل عسكرة كل ذرة وكل ملليمتر على أرض هذا الوطن الغالي ، ولو سألتني : ماذا تقصد بـ “عسكرة “؟ أقول لسيادتك : هذا موضوع شرحه يطول ، ويستحق منا جلسة أخرى طويلة ومعقّدة  ، أعد سيادتك بها إن شاء الله ، وحتى يحين ذلك الحين ، أستودعك الله ، وأذكّرك بثقل الحمل والأمانة ، وأدعوه تعالى مخلصًا أن يوفقك ويسدد خطاك من أجل خير مصرنا الحبيبة ، فقد نزفنا الكثير وتعبنا وبكينا بما فيه الكفاية ، ولم يعد عيوننا ما يعادل دمعة ، ولم يعد في قلوبنا مكان لآلامٍ جديدة .

* * *

بشـــيـر عيـَّـاد  مندهشٌ من المفاجأة ، لكنه يحترم كلمة الصندوق!!!:

سيادة الرئيس حمدين صباحي …

الهلاهيلُ القديمةُ لم تعد تليقُ بعروض الأزياء الرئاسيّة

أعربُ عن شديدِ اندهاشي واستغرابي ، ففوز السيد حمدين صباحي في سباق رئاسة الجمهورية يُعد من المفاجآت التي يصعبُ تصديقها ، فبالرغم من كونه قد حصل على المركز الثالث في سباق 2012 المشموم ، فإن الوضع لم يكن مختلفا ـ فقط ـ هذه المرة ، بل كان يشبه سِباقًا بين صاروخٍ ونملة ، لدرجة أنني اقترحتُ ـ هنا ـ أن توضعَ حصّالات إلى جوار الصناديق في لجان الاقتراع ، الصناديق للأصواتِ التي تؤيد المشير السيسي ، والحصّالات للأصوات التي تؤيد السيد حمدين ، كنا نعي حجم الطوفان السيسي في شوارع الكرة الأرضية كلها وليس على الساحة المصرية فقط ، ورأينا الفرق شاسعا بين متنافِسِي 2012م ومتنافِسَي 2014م ، متنافسو 2012م على كثرتهم لم يكن بينهم مَن يصلحُ لقيادة مصر في هذه المرحلة المتأرجحة بما فيهم حمدين صباحي ذات نفسه ، ومن عجائب القدر أن تلك الانتخابات العجيبة جاءت بأسوأ المتنافسين ليكون رئيسًا لمصر ، فيما يشبه الكابوس ، وعندما شاء القدر بإزاحة الكابوس ودفنه إلى الأبد كانت البطولة الأولى للجيش المصري العظيم وقائده البطل عبد الفتاح السيسي الذي تجسّدت فيه أحلام الملايين بعد أن رأوا فيه المصري العظيم الشجاع المضحّي الذي لا يلين ولا يهتز إذا كان الأمر متعلّقا بما يمس تراب الوطن أو أحلام الشعب ، كان السيسي رأس الحربة التي قضت على الوهم المزمن الذي خرج من الظلمات ليجرنا إليها معه ، فأعاده السيسي إلى ظلماته القديمة وحده ، وأنقذ مصر من بين أنياب الضياع ، بل وأنقذ العالم كله من سيناريوهات الشيطان الأمريكي الذي كان يستخدم الإخوان كسكين لتمزيق مصر والمنطقة العربية ، ليستدير بعد ذلك لتمزيق الكرة الأرضية مستخدما سكاكين أخرى من ذوي الاستعداد الفطري للخيانة وبيع الأوطان .

حمدين صباحي ، بريشة الفنان عماد عبد المقصود رسّام جريدة فيتـــو

 لم أعط السيد حمدين صوتي ، لا في المرة الأولى ، ولا في هذه ، ولو أعيدت الانتخابات مائة مرة فلن أعطيه صوتي ، هو على المستوى الإنساني رجلٌ طيّب ، وملايين المصريين طيّبون ، وعلى المستوى الثوري رجلٌ رافض وله مواقف لا ينكرها إلا جاحد ، لكنه لم يكن الوحيد ولا الأول ولا الأخير ، بل يقف في ذيل القائمة إذ قيست تضحياته بتضحيات الثوريين الذين سبقوه أو جاوروه أو أتوا وراءه على الطريق ، وليس كلّ مَن قال : “لا ” في وجه رئيس أو خرج في عدة مظاهرات أو دفع عدة سنوات من عمره في السجون أو خرج إلى التحرير والتقطت له الصور مع الجنود والدبابات ومحمد البلتاجي يصلح رئيسًا للجمهورية !!

 لم أعط السيّد حمدين صباحي صوتي ، ولن أعطيه ، فلم أرَ فيه صورة القائد الذي يمكنه أن ينجو بمصر في مرحلة من أسوأ مراحل تاريخها وأعنفها وأخطرها ، لم أره “أصلا ” مطلقا ، ولكنني رأيته الظلّ الذي لا يستقيم بمفرده ولا ينتصب في الفراغ ، بل لا بد من وجود الأصل الذي يتخفّى فيه أو وراءه أو يرتدي عباءته ويحاول انتحاله بالكامل ، يصر الرئيس حمدين صباحي على أن يكون الرئيس جمال عبد الناصر ، وبالرغم من كل الكوارث والمصائب والبلاوي التي ألقانا فيها عبد الناصر ولم نستطع الخروج منها إلى اليوم ، وسنعاني بسببها كثيرًا ، إلا أنه من غير اللائق أن نبلع أقراص الوهم الحمدينية التي يوهمنا أنها خلاصة عبد الناصر ، كان عبد الناصر كبيرًا وضخما ومتفرّدًا في إنجازاته وفي أخطائه ، وللأسف الشديد تآكلت الإنجازات بمرور الزمن وفعل الخونة ، بينما تمددت الأخطاء وسرحت في شرايين المستقبل لتظل الأجيال تدفع ثمن المغامرات والتجارب الناصرية العشوائية بدءًا من مغامرة اليمن إلى مغامرة يونيو 1967، ناهيكم عن الاستبداد والقهر والسجون التي مسح زبانية عبد الناصر بلاط مراحيضها بجباه الشرفاء الذين قالوا له” لا ” : تلك الـ “لا ” التي كانت مشنقة لكبار الشعراء والكتاب والسياسيين ….. إلخ ، والذين يعرفهم السيد حمدين ويحفظ تاريخهم وما فعله فيهم قدوته المستبد والديكتاتور الذي أعمته المانشيتات الحمراء ومدائح هيكل وشركاه ، فظنّ أنه أقوى من أمريكا ومن العالم ، وأخذ الوطن في لحظة سوداء وألقاه في حفرة يونيو التي لم تخرج منها سوى رؤوسنا فقط حتى اللحظة لنستطيع أن نتنفس ـ بالكاد ـ ونشعر أننا على قيد الحياة ، ونقول إننا أقوى من الموت ، وإن مصر أكبر من الهزائم ومن الرؤساء ومن الكتّاب المنافقين ، وفي قلب كل هذه المآسي الناصرية يصر السيد حمدين على نبش جراحنا كلما تكلم ، إذ أعجبه جلباب عبد الناصر المهلهل الممزق المليء بالبقع المزمنة ، فخلع ملابسه العصرية وآثر أن يظل في هذه الهلاهيل القديمة ، وبدلا من أن يقفز إلى المستقبل ، اختار العيش في الماضي ، واختار من الماضي جزءًا من أسوأ ما فيه ، ويا سُبحان الله .. في سباق 2012م كان أولاد عبد الناصر فرحين بالأخ حمدين ، وكانوا يساندونه ربما من أجل الإلحاح على ترديد اسم أبيهم مدحًا أو ذمّا ، ولكنهم ـ في هذه المرة ـ أداروا له ظهورهم وأشاحوا وجوههم عنه ، وطالبوه ـ على استحياء ـ أن يكف عن التشبّه بأبيهم أو ترديد شعاراته ( وكلها فاقدة للصلاحية الآن ) ، ولما تطانش ولم يستجب هاجموه علانية وقالوا له : ارحمنا ولا تردد اسم أبينا ، حتى ابنه الذي كان يمشي إلى جوار حمدين كتفًا بكتف سابقًا ، انصرف عنه وقال على الملأ : أنا سيساوي ، وتبعته الأسرة بالكامل ، ولم تصمت ابنة الزعيم الخالد عن التجاوزات الحمدينية فكتبت له على الملأ بأن يكف أو ينكفّ ، ولكنه لم يستجب ، وبعد أن رأى صورهم التذكارية ـ أعني أنجال عبد الناصر وبعض أحفاده ـ مع المشير السيسي تعبيرًا عن تأييدهم واختيارهم له ، أراد السيد حمدين أن يزورهم ليلتمس البركة ، لكنهم اعتذروا عن مقابلته ، وبالرغم من ذلك لم يغسل لسانه ليمحو حروف عبد الناصر من أطرافه !!

 مواطن بهذه المواصفات لا يصلح رئيسا للبلاد من وجهة نظري ، فكيف أختاره ؟ مواطن يتخطى حواجز الحب والتأثر والاقتداء إلى حد العبودية والتماهي أو التلاشي في رفات مواطن آخر كان رئيسا للبلاد في يوم ما ، ورحل بما له وما عليه ، وتركنا ندفع ثمن أخطائه من دمائنا وأحلامنا ومستقبلنا ، لم أقل نعم لحمدين ولن أقول ، ففي سباق 2012م خانني التقدير واخترت أبو الفتوح ولم أكن أدرك أن الإخواني القديم النائم بداخله لم يمت بعد ، وفي جولة الإعادة امتنعت عن التصويت وقلت لشفيق ومرسي : إني رفضتكما معا ، فقد كانا مثل السل والجرب ( كوصف لأحد أطباء الأمراض السياسية والرئاسية ) ، ولم أرَ في أحدهما ما يليق بتضحيات الشعب ولا بأحلامه ، فاستغللت يوم الإعادة في النوم واللعب على الكومبيوتر . وفي هذه المرة ناديت بالسيسي وناديت له وشجعت على اختياره وأعطيته صوتي والآلاف من أبناء عائلتي ، ولكن الصناديق كان لها رأي آخر ، أقدّره وأحترمه ، ولا أشك أو أشكك لحظة واحدة في النتائج ، بل أصفق للتجربة وأرفع رأسي وأتنفس الأمل ، فهذا يعني أننا ماضون إلى المستقبل ـ ولو ببطء ـ وعلى الطريق الصحيح .

 لم أنشغل بمتابعة الحملات الانتخابية ، ولم أهتم بالبرامج وهذه الشعارات والأكاذيب ، فكلها تطير من قبل أن تظهر النتيجة ، لم أكترث بترديداتك ـ السيد الرئيس ـ  للكلام المستعمل ، ولم أرتعش لتهديدك بمحاكمة السيسي عند نجاحك ، فالسيسي هو سبب ما أنت فيه الآن ، وهو اليد التي سخرها الله لإنقاذ الوطن والعالم أجمع من مخططات بيت الشر في واشنطن ، الذي أثارني وأسال دموعي من كثرة الضحك لدرجة أنني استلقيتُ على مقعدي وظللتُ أضحك وكلما انتهيت أبدأ مرة أخرى ، الذي أثارني وكان السبب في ذلك هو وعدك الذي أعتبره فشرة عابرة للقارات والأزمنة عندما قلت إنك ستمنح الشباب خمسة ملايين مشروع ، وأنت ـ سيادتك ـ تعرف أن خزانة الدولة فارغة وأصبحت بيتا بديلا للقطط الضالة ، سيادتك تعرف تماما أن خمسة ملايين مشروع جملة لا يجرؤ على قولها رئيس أمريكا أو الصين أو اليابان أو روسيا ، وأعتقد أنك تقصد أنك ستمنح كل شاب عاطل بيضة يجلس بجانبها حتى تفقس ، ثم يأخذ الكتكوت ويربيه حتى يصبح دجاجة تبيض وترقد على البيض ( ويرقد الشاب معها ليساعدها لتنجز ) حتى يفقس البيض ويصبح مجموعة من الكتاكيت يعيد معها الدورة ذاتها حتى يكبر المشروع ويصبح مزرعة دواجن ، وفي خلال أقل من مائة سنة يكون لدينا خمسة ملايين مزرعة فراخ حمدينية تبيض ملايين البيضات كل يوم تكفي لأن ينام كل مواطن على عشر بيضات كل ليلة ليساعد الفراخ ويساهم في زيادة الإنتاج وتحسين الدخل القومي !! ولعل هذه النقطة هي أهم ما في برنامجك الذي لم أقرأه ، ولكنها لبست في وجهي بلا قصد من عناوين الصفحة الأولى في إحدى الصحف التي أقرأها ، هذه الافتكاسة البرمائية ستحل كل مشكلات مصر المزمنة ، لن يصبح لدينا فقراء ولا مساكين ولا محتاجون ولا عاطلون ولا ولا ، الخازوق الأكبر هو أن ينتظر كل شاب إلى جوار البيضة فالكتكوت حتى يكبر فيفاجأ أنه ديك فكيف يتصرّف والديك ـ كما تعرف سيادتك ـ لا يبيض ، أم أن سيادتك ـ بوصفك رئيسا للبلاد ـ ستجعله يبيض ويبيض معه العاطلون بالمرة ؟

 لن أطالبك بالسعي لحل مشكلة سد الزفت النهضة مع أثيوبيا فمشكلة المياه لا تهمني إذ أحتفظ بزجاجة مياه في الفريزر ، كما لن ألتمس منك عدم إلغاء اتفاقية كامب ديفيد فنحن بحاجة إلى محاربة دولة أخرى بدلا من محاربة أنفسنا ، كل الذي أرجوه ألا تأخذك مواقف أبناء عبد الناصر وانقلابهم عليك إلى ما يجعلك تقسو عليهم ، فهم ـ في كل الأحوال ـ أبناء حبيبك الذي تلبسه تحت جلدك بالرغم من اختلاف المقاس ، كما ألتمسُ ألا تمد يدك للذين خانوا العهد وأضاعوا الوطن وملأوا أيامنا وشوارعنا وذكرياتنا بالدماء ، وأعدك بأن أظل معارضًا على طول الخط ، لكنني لن أغمض عيني عن حسناتك إذا أحسنت .. سأصفق لك على الملأ ، ولن أخافك فلا أخاف إلا الله ، وتعرف أنني أجيد التربّص والعياذ بالله ، لكنني ـ واللهِ ـ أدعوه تعالى أن يوفقك لتقود بلادنا إلى كل ما نحلم به ويليق بنا وبتضحياتنا ، من أجل كل أبناء هذا الوطن وليس فئة أو طائفة أو أهلا أو زفتا عشيرة ، ولأنني ـ بيني وبين سيادتك ـ لم يعد لديَّ استعداد ولا طاقة للنزول إلى ميدان التحرير مرة أخرى …. خصوصا …مع إغلاق محطة مترو السادات!!!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات