إخوان بوكو حرام

09:20 صباحًا الأربعاء 28 مايو 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

خبر صغير عابر كان يمكن أن يمر مرور الكرام إلا أن ما جرى بعده على أرض الواقع ارتبط به كثيرًا. الخبر نقلته من العاصمة النيجيرية أبوجا وكالة أنباء الشرق الأوسط في 27 سبتمبر 2011، أي بعد سبعة أشهر من قيام ثورة 25 يناير، وبدء تسيد الإخوان المسلمين المشهد واستعدادهم الحثيث لما سيتحقق العام التالي من تولي حكم مصر. آنذاك قررت شركة مصر للطيران زيادة عدد رحلاتها الاسبوعية بين القاهرة والعاصمة النيجيرية أبوجا الي 7 اسبوعيا ابتداء من الأول من نوفمبر، وقالت مصادر في مكتب مصر للطيران لمراسل الوكالة في أبوجا إن الشركة المصرية قررت ايضا زيادة عدد رحلاتها من  القاهرة الي مدينة لاجوس العاصمة السابقة لنيجيريا والي مدينة كانو في شمال… مضيفة ان 80 % من الركاب هم من الأجانب الذين يصلون من دول أخرى إلى مصر ومنها الي أبوجا ومدن نيجيرية أخري (بعدها بعام أصبحت ست رحلات أسبوعية إلى أبوجا وخمس رحلات إلى لاجوس ومثلها إلى كانو في شمال نيجيريا).

حينها كانت قبضة جماعة المرشد قد أمسكت بمقدرات وأصدرت قرارات تعكس حجم الارتباط بين القاهرة وعواصم بدأت الحركات الإسلامية بها تؤدي دورًا شرسا في قلقلة الاستقرار. وكأن العاصمة المصرية أصبحت ملاذا للقادمين من جبال أفغانستان، لمواصلة جهادهم المزعوم في سيناء، وكأن القاهرة أصبحت معبرا للمسافرين إلى شمال نيجيريا حيث بدأت شوكة جماعة بوكو حرام تهدد سلام البلاد.

الربط بين مصر ونيجيريا، والمسافرين بينهما، وحالتيهما قد يكون افتراضيا، لكن تبعاته تفرض التفكير به. إذ تكاد مدرستا الإخوان المسلمين وبوكو حرام تتشابهان مسلكًا، فاسم الجماعة الثانية يعني أن التعليم الغربي (بوكو) حرام، وهو أيضا ما لمحه المصريون في دعوات رجعية من تابعي المرشد بتحريم أو تجريم تعلم اللغات الأجنبية. كما أن بوكو حرام تدعو إلى تزويج الفتيات مبكرًا فضلا عن محاولات أسلمة قسرية، كما تابعنا في حادثة اختطاف الفتيات النيجيريات من مدرستهن مؤخرا.

متظاهرات اتحاد نيجيري ضد الإرهاب ودعوة موجهة إلى الحكومة لإنقاذ الفتيات المختطفات من مدرتهن الثانوية في تشيبوك ، وهن ينشدن أطلقوا سراح فتياتنا الآن، مسيرة في شوارع العاصمة النيجيرية أبوجا، بعد قيام جماعة بوكو حرام باختطافهن وفشل الحكومة الذي أدى لمقتل أعداد كبيرة من المدرسين من قبل هؤلاء المتعصبين المتطرفين (أ.ب / جبنجا أولاميكان)

لم يكن مستغربا أن تشتعل عقب حركات الربيع العربي بؤر إسلامية في القارة الإفريقية، وهي بؤر لم تكن خالية من الإخوان المسلمين في الخلفية، التي دعمت القادمين من مخلفات حروب الجهاد الآسيوية باسم الإسلام، ليجدوا أرضا خصبة في شمال مالي، وشرق ليبيا، وشمال نيجيريا، وشرق مصر بشبه جزيرة سيناء، مدعومة لوجستيا بحكومات على الأرض، أو حكومات في الغرب، تأخذ منهم نموذجا معاصرا لحصان طروادة، ليجدد بها الاستعمار دمه. والمراجع للعناصر الأساسية بين رؤوس هذه الجماعات لن تفوته فكرة ربطها بالقاعدة في أفغانستان، والجماعة الإسلامية في الباكستان، وحماس في غزة، وداعش في العراق والشام.

كانت ثورة 25 يناير فرصة ذهبية لإنطلاقة اقتصادية وتنموية، يمكن أن تحقق أحلام 90 مليون مصري، إذا أحسن الاستفادة مما أتاحته من ظرف تاريخي، إلا أن القوى الرجعية تحالفت مع أوضع تنظيم بشري ـ هو الإخوان المسلمين ـ لإجهاض هذه الثورة، وشهدت مصر عامًا أسود تولت فيه الجماعة عبر أحد أعضائها حكم مصر، مما عاد بكل شيء للوراء، وشبه البعض الأمر بنكسة 1967، ووجد الآخرو أنفسهم يجاهدون من أجل العودة إلى بديهيات الحرية والعدالة التي أخفتها الجماعة ومرشدها وأخطبوطات مخططاتها التي انتشرت في شرايين الدولة، حتى استغاث الشعب بالجيش ـ مرة أخرى ـ وكأننا في 1952، مرة ثانية، بعد أن أزلنا الخليفة وأعدناه إلى مكانه الطبيعي في السجن.

رحلات مكوكية تقوم بها هاتان الطائرتان للعاملين في حقول النفط والغاز، لاجوس، نيجيريا

بالمثل كانت نيجيريا قد بدأت تشعر بثمار طفرتها الاقتصادية. فالبلد الذي يقع في غرب القارة الإفريقية يعد سادس أكبر منتج للنفط والغاز بالعالم، وبها أكبر عدد من مليارديرات القارة السمراء، وفي 2012 كانت نيجيريا قد تجاوزت منافستها؛ جنوب أفريقيا، بمصدري الطاقة، وكذلك بالاتصالات، والتوسع بعمليات الزراعة وأسواق المال، لتصبح أفضل وأسرع بقعة نامية اقتصاديا في المنطقة. أصبح البلد بيئة مثالية للمستثمر الأجنبي، حيث يستطيع الأجنبي أن يتملك 100% من مشروعه، ويمكنه بالمثل أن يحتفظ بنسبة أرباحه كاملة، وبدأت البنية التحتية الفقيرة تختفي لصالح مطارات داخلية ورشبكة اتصالل خارجية برا وجوا وبحرا، وسمح موقع نيجيريا المتوسط بالقارة أن يسافر المرء منها إلى أي مكان في أفريقيا في غضون خمس ساعات، وهي إذا نظر إلى الخريطة تملك زاوية قائة تملكها مصر أيضا، فضلا عن أفضلية مصرية بقناة السويس ولقاء قارتي آسيا وأفريقيا. ومن القوانين التي سنتها نيجيريا لتشجع بناء المطارات وتملك وتشغيل الطائرات الخاصة أنها وقعت اتفاق كيب تاون، بألا يكون يكون هناك أية ضرائب على الطائرات وقطع غيارها، كما يسمح للطائرات ألأجنبية بالبقاء داخل الحدود النيجيرية حتى أنها صنفت ضمن الفئة الأولى من قبل سلامة الطيران بالولايات المتحدة. ولا يستخدم الطيران في التجارة وحسب، بل في الدعاية الدينية يطوف به رجال الكنيسة البلاد المجاورة، ويسافر به السياسيون، وهي من البلاد الأكثر استخداما لرحلات الإسعاف الجوي.

لا تريد بوكو حرام هذا كله! إذ تكررت الاعتداءات والتفجيرات وكثرت حوادث الخطف للفتيان والفتيات، بأمر يكاد يعيد نيجيريا إلى نقطة الصفر؛ تعاني من عدم الاستقرار، تفتقر إلى مناخ الاستثمار الآمن، تشتعل بفتيل الطائفية.

تحكي إحدى الصحفيات كيف أنها ـ وهي تلميذة ـ كانت في مدرسة داخلية، تتركها عائلتها كل أسبوع، وهي تعيش أيام الدراسة مع صديقاتها اللائي كُن مسلمات ومسيحيات، ولا توجد تفرقة بينهن، فكن جميعا يشتركن في الجد واللهو. وألم تكن مصر كذلك؟

جيوش الولايات المتحدة في أفريقيا

إن المكانة الاقتصادية التي حققتها نيجيريا مهددة من الداخل والحارج معًا، وهذا يعني أن مصر، إذا تمكنت من تحقيق طفرتها الاقتصادية الموعودة، يمكن أن تتهدد في أي وقت، إذا ظلت جماعة الإخوان المسلمين وما على شاكلتها من حركات تتقنَّع بالإسلام حية وعاملة. لذلك تبدو فرصة النجاة من خلال القضاء على هذه الجماعات الانفصالية العنيفة، لمستقبل لا يهدد سلامة الوطن والمواطنين. لقد أثبتت هذه الجماعات أنها حمير طروادة التي تمتطيها القوى الغربية لكي تدس أنفها وتستدعي قواتها إلى قلب أفريقيا، وعلينا أن نشير إلى حضور جيوش للولايات المتحدة في القارة السمراء داخل 13 دولة، من بينها نيجيريا. وحضور قوات فرنسية لمجابهة الجماعات ذاتها شمالي مالي، والبقية تأتي.

ولهذا أعلنت خمس دول (نيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر وبنين) في غرب أفريقيا الأسبوع الماضي شن حرب إقليمية شاملة على جماعة «بوكو حرام»، بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بعد اجتماع في باريس ضم رؤساءتلك الدول، في وقت وسعت «بوكو حرام» حربها لتشمل منطقة شمال الكاميرون.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات