ديانات عفا عليها الزمن (1)

01:58 مساءً الأحد 1 يونيو 2014
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

العالم القديم وحضاراته كانوا موطناً لتشكيلة هائلة من الديانات والعبادات المختلفة. معظمها تلاشت، دُفنت معابدهم وتماثيلهم تحت الرمال، وبالكاد نتذكر اسم الاله الذي كانوا يعبدونه. بالطبع ظهرت هذه الديانات كلها قبل ظهور الاسلام، المسيحية، واليهودية، وحتى يُعتقد أن معظمها ظهر قبل ظهور الهندوسية والبوذية، أشهر الديانات الوضعية. معظمهم انقرض تماماً رغم محاولة إحيائهم مرة أخرى من قبل متعبدين جدد. نقدم لكم قائمة طرحها كل من مايكل دوسين وناثان وايلي عن أشهر الديانات القديمة المنسية.

 

“الوثنية الفنلندية”

 

هي ديانة تؤمن بوجود عدة آلهة لم يتم إختيار اسم لها، الوثنية الفنلندية كانت الديانة الأساسية لفنلندا قبل أن يتم تحويلهم للمسيحية. تطور أصلها من أساليب سحرة الشامان، لذلك كانت هنالك العديد من العوامل المشتركة مثل تبجيل الأسلاف. كان الفنلنديون كذلك يعطون أهمية كبرى للكلمات وكانوا يعتقدون أن المخلوقات الحية والأشياء الجامدة كلاهما لهما روح. كانوا مرتبطين بالطبيعة وكانوا يؤمنون أن العالم تم خلقه من بيضة بطة. بعض أهم الألهة في تلك الديانة كذلك كانوا، جومي، أهتي، وتابيو. وقد كانت تلك الديانة حجر الأساس الذي قامت عليه حركة “سومنسكو” وهي تعني “الإيمان الفنلندي”، والتي كانت تسعى لإستعادة أسس العقيدة الفنلندية القديمة.

إله الديانة الأساسي كان يدعى أوكو، إله السماء والبرق، ويوم عيده كان يقام في الرابع من أبريل، وكان يعد من أهم الأيام في تقويمهم. كان يتشابه في بعض الصفات مع إله اسكندنافيا ثور، من أهمها حمل كلاهما بمطرقة سحرية، كما أنه كان يقال أن العواصف الرعدية كانت تنشأ عندما ينام أوكو مع زوجته أكا. وفي تطور غريب لصورة الإله القوي، فإن حيوان أوكو المقدس كانت الخنفساء، وكان يطلق عليها اسم “بقرة أوكو”

 

“الديانة الكنعانية”

أحد الديانات التي لم يطلق عليها اسم كذلك، كانت ديانة الكنعانيين، السكان الأصليين للمنطقة ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. لألاف السنين، كان الدليل الوحيد بحوزتنا الذي يثبت ديانتهم في التوراة والإنجيل، حيث تم ذكرهم بإعتبارهم أعداء لبنو إسرائيل. ولكن في الفترة ما بين 1927 و 1937، عدد من الألواح الكنعانية تم إكتشافها على الساحل الشمالي لسوريا. كانت ديانة متعددة الألهة، أبرزهم كان إل، الإله الأعلى، وبعل، ابنه وإله الرعد والمطر.

أحد أشهر الأساطير المتعلقة بهم كانت تلك المعركة الأسطورية بين بعل و موت، إله الموت. قام بعل بتحدي موت لينهزم بعدها بسهولة، مما أدى إلى فترة جفاف. كل الألهة الأخرى، بقيادة إل، إجتمعوا معاً لتحرير بعل. أنيت، إلهة الحرب العذراء، تذهب إلى العالم السفلي، تهزم موت، وتحرر بعل. وبسبب تأثير بعض الطوائف الدينية المجاورة، تم القضاء عليها من محتلي المنطقة من بنو إسرائيل، حتى إختفت تماماً.

 

“الآتونية” 

وهي تلك الديانة التي إخترعها أخناتون (المعروف كذلك بـ أمنحتب الرابع) من مصر القديمة، وقد كانت ديانة توحيدية وتم تنصيبها الديانة الرسمية لمصر خلال فترة حكمه، لمدة 20 سنة (بعد موته، عادت كل المعتقدات القديمة كما كانت). أتون كان إله مصري غامض وكان الاسم التقليدي لقرص الشمس نفسه. في البداية الآتونية كانت مُرحبة بالألهة المصرية الأخرى، ولكن بمرور الوقت، رفضتهم جميعاً. بعد موته، تم محو كل ما يخص الآتونية من سجلات الحضارة المصرية القديمة.

بسبب طبيعتها المُقيدة بعض الشئ (أخناتون، على سبيل المثال، كان هو الوحيد القادر على مخاطبة أتون)، لذلك إحتفظ معظم عامة المصريين بمعتقداتهم القديمة، مما جعل التحول بعد موته سهلاً. الألواح التي تم العثور عليها في بداية القرن العشرين توضح أن أخناتون أصبح مهووساً شيئاً فشيئاً بديانته الجديدة، وخاصة بعد موت زوجته، الملكة نفرتاري. كما أنه كان والد توت عنخ آمون، الذي قام بتغيير اسمه من توت عنخ أتون تحت تأثير ضغط الكهنة. عدد من التراتيل تم إنتاجها خلال فترة حكم أخناتون كذلك.

 

“الديانة المينوية”

ديانة أخرى تؤمن بتعدد الألهة دون أن نعرف لها اسماً، هذه كانت ديانة سكان جزيرة كريت من الشعب المينيوي. كانت على اتصال عميق بالطبيعة، فقد تم إيجاد أقنعة ثيران وقرون خلال عمليات التنقيب المتعددة. حتى أنه هناك بعض الأدلة التي تفيد أن الشعب المينيوي القديم ربما كانت لديهم بعض المسابقات الشبيهة بركوب الثيران حالياً، وكانوا فيها يحاولون مطاردة ثور وركوبه. ومثلها مثل العديد من الديانات القديمة، لم تكن هنالك كتابات تدل على وجودهم ومعظم المعلومات التي نعرفها عنهم مستقاة من رسومات جدارية وإكتشافات أثرية عديدة على الجزيرة.

الإله الرئيسي في الديانة المينوية كانت إلهة الطبيعة الأنثى، مما يجعلها أحد الديانات القليلة ذات القيادة الأنثوية (كان هنالك بعض الألهة الذكور ولكنهم كانوا أصغر من الإناث، وربما لم يكونوا آلهة على الإطلاق). بجانب الثيران، الثعابين والفؤوس مزدوجة الرأس كان لها دوراً كبيراً في طقوسهم. وخلال عمليات تنقيب حديثة، وجدوا دليلاً على قيامهم بالتضحية بالبشر – مما يؤيد أسطورة ثيسيوس والمينوتور.

 

“الميثراسية” 

تم جلب الميثراسية إلى أوروبا من جذورها الفارسية بعد فتوحات الإسكندر الأكبر. وإشتهرت بشدة بين الجنود الرومان، وأصبحت أحد أشهر العبادات الرومانية القديمة الغامضة، وقد كانت مقتصرة على أعضاء الطائفة فقط وإمتازت بالسرية. ميثراس، كما عرفه الرومان، كان الإله الفارسي للشمس، أو تلك المسافة ما بين الجنة والأرض. ليست هنالك الكثير من النصوص المتبقية عن الميثراسية، او كتاب تعبداتهم، إن كان موجوداً أصلاً. معظم ما نعرفه عن تلك الديانة يأتي من بقايا معابدهم. وقد إنتشرت معابدهم تلك تحت الأرض وكانت رديئة البناء، فقد كان هؤلاء الأتباع يفضلون بناء معبد جديد كلما تآكل القديم.

أما عن الفرق بين العبادة الرومانية للميثراسية عن الفارسية هو أن الإله غالباً ما يظهر و هو يذبح ثوراً، مما قاد إلى حيرة الكثير من علماء الأثار. أحد أهم التواريخ في تقويمهم هو 25 ديسمبر، والذي إعتبروه عيد ميلاد ميثراس. وقد تجنب التاريخيون أنذاك أن يشيروا لها بإعتبارها “دين” فكانوا يفضلون إستخدام مصطلحات مثل “أسرار ميثرا” أو “أسرار الفرس”.

 

“المانوية”

أسسها رجل فارسي يدعي ماني في القرن الثالث الميلادي، تم إعتبارها في البداية كطائفة مهرطقة من طوائف المسيحية، ولكن بعد ذلك تم إعتبارها ديانة مستقلة بذاتها. إدعى مؤسسها أنه يسعى لدمج ديانات العالم ، متضمناً الزرادشتية، البوذية، والمسيحية. وفي الواقع، لولا المانوية لما تمكنا من كشف بعض النصوص الملفقة والمُحرفة في المسيحية. في تركيزهم على الفرق بين الخير والشر، عُرف المانوين بإتباعهم المعرفة طريقاً للخلاص. وهم يشبهون أتباع ديانات عرفت بالديانات المختارة كما ظهر شبههم بالكهنة البوذيين، على الرغم من تطلبات كونهم رحالة.

أتباعها كانوا مبشرين، وكانت مهمتهم نشر تعليمات ماني في أنحاء العالم، لدرجة أنهم وصلوا وأصبحوا المنافس الأول للمسيحية في أنحاء العالم، حتى فقدوا شعبيتهم في العصور الوسطى. يعود سبب سقوطهم الأكبر، إلى الإضطهاد الذي شهدوه على يد الحكومة الصينية، الحكومة الرومانية القديمة، والكنيسة الكاثوليكية. أشهر أساطير المانوية قد تكون أسطورة الخلق الخاصة بهم والتي تتضمن معركة دارت بين عالم النور وعالم الظلام، اللذان كانا في البدء عالمين منفصلين. طبقاً لأسطورتهم، أدم وحواء تم خلقهم من قبل الأرواح الشريرة، بينما عيسى وماني تم خلقهم من قبل الكائنات الطيبة، من أجل كشف سر الروحانية الحقيقية للبشرية. ضاعت الكثير من كتابات ماني، ولكن تم إكتشاف بعضها مؤخراً.

 

“التنغرية”

أحد أقدم الديانات في العالم، يقال أن التنغرية نشأت في وقت ما في فترة العصر البرونزي (ما بين 3600 و 1200 قبل الميلاد). إبتكرها سكان جبال ألتاي في وسط آسيا، وهي ديانة توحيدية تعتمد بشكل كبير على عبادة الأسلاف. ليس هنالك كتاب مقدس كما في باقي الديانات ومعظم إعتقاداتهم الأولية من الصعب التوصل إليها. ولكن هناك فرضيات بأن المغول بشمال القوقاز كانوا يعبدون إله يدعى تنغري، والذي يقال أنهم كانوا يقدمون أحصنة كأضحيات له.

أهم أعيادهم يعرف بعيد الغطاس التنغري ويصادف يوم 23 ديسمبر. تقاليد ذلك اليوم تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وتتضمن إحضار شجرة شبيهة بأشجار أعياد الميلاد إلى المنزل وتزيينها. ذلك الطقس فقد شعبيته أثناء فترة المغول، ولكن التنغرية لا تزال تتم ممارستها حتى اليوم. حتى أن هناك بعض السياسيين في كرجيستان يطالبون بأن تصبح الديانة الرسمية للدولة. فحديثاً بدأت تنتشر في دول مثل تتارستان، كازاخستان، كرجيستان، وغيرها عقب انفصال الإتحاد السوفييتي.

 

“الأشورية”

الديانة القومية للشعب الأشوري، الأشورية تعد نسخة مطابقة للديانة البابلية القديمة ولكن يوجد بينهم إختلاف واحد كبير: عوضاً عن عبادة مردوك كالإله الأعلى، إختار الأشوريون تكريم أشور. ديانة الأشورية شملت ألاف الألهة، ولكن كان بها حوالي 20 إله هام، من ضمنهم عشتار ومردوك. وبسبب تشابهها الكبير مع الديانة البابلية، تتشارك الأشورية العديد من القصص مع اليهودية والمسيحية، منها أسطورة الخلق، الفيضان الأعظم، وبرج بابل. كما يتشاركون تلك القصة التي لم يتأكد منها أحد، عن ليليث، المرأة-الشيطانة التي يقال أنها زوجة أدم الأولى.

إحتفال العام الجديد، الذي كانوا يطلقون عليه اسم أكيتو، كانت أكثر فترة مقدسة في الأشورية، وكانت تدوم 11 يوماً، ويتم التعبد لأشور بشكل كبير خلالها. تم تأسيس تلك الديانة في فترة ما خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد واستمرت حتى القرن الخامس قبل الميلاد، عندما تدمرت دولة الأشوريين، ولكن من المحتمل أنها استمرت بشكل سري بعد ذلك.

 

“الفيدا” 

الفيدا هي ديانة الهنود الأريين القدماء وقد إنتشرت منذ 1500 قبل الميلاد حتى 500 قبل الميلاد. يمكننا النظر إليها بإعتبارها أصل الإعتقاد الهندوسي الحديث، حيث أنهم يتشاركون نفس الكلمات المقدسة، الفيدا الأربع، ولكن رغم ذلك هنالك بعض الإختلافات بين الديانتين. كانت طبيعتها الإيمان بعدد من الألهة، حيث تم تصنيف الألهة إلى نوعين: ديفاس، آلهة الطبيعة، وأشوراس، ألهة المعايير الأخلاقية. التراتيل كانت هامة لأتباع الفيدا ولعب الكهنة دوراً كبيراً في الإحتفالات المختلفة، يقال أنهم ساهموا في تحسين حياة الأتباع عن طريق إرضاء الألهة. مارست الفيدا التضحية الحيوانية، ولكنها لم تكن بذلك الإنتشار، وكان يتم إستخدام اللبن والحبوب عوضاَ عن ذلك.

إندرا كان الاله الأهم للفيدا، وأحد أشهر أساطيرهم كانت تلك عن إندرا وأبناء ديتي، والدة الشياطين. بعد أن قام إندرا بقتل معظم أولادها، بدأت ديتي بممارسة سحرها لتساعد أخر أبنائها الذي لم يولد بعد في أن يصبح أقوى من إندرا. عندما إكتشف ذلك، قام إندرا بضرب رحمها بصاعقة، ليدمرها، جراء ذلك تحول الطفل الذي لم يولد بعد إلى 49 شيطان غير مكتمل.

 

“ديانة الأولمك”

ديانة شعب الأولمك بأمريكا الوسطى إشتهرت بدءاً من 1400 قبل الميلاد حتى دمارهم عام 400 قبل الميلاد (ليس هنالك سبب واضح لتراجعهم، ولكن النشاطات البركانية أو التغييرات المناخية أكثر الأسباب منطقية). ليس هنالك دليل مباشر على ديانتهم، وقد إضطر علماء الأثار أن يلجأوا إلى مقارنة أثار ديانات المايا والأزتيك ليتوصلوا إلى أي سمات متشابهة. وبسبب إرتباطهم بالشامان، فإن أشهر إله في ديانة الأولمك كان إله نمر، إله المطر والخصوبة (على الرغم من أن بعض الدراسات تفيد بأنه لم يكن هناك إلها واحداً هاماً، بل ثمانية آلهة منفصلة على نفس القدر من الأهمية).

العديد من التضحيات، بالدم وتماثيل الأحجار الكريمة كانت يتم تقديمها إلى الألهة، بجانب بعض الرقصات والأقنعة الشعائرية. كان هناك إعتقاداً سائد بأن كهنة أولمك كانوا يستنشقون ما يشبه مخدر يساعد على الهلوسة ليساعدهم ذلك على التواصل مع الأرواح. حتى الأن، تمكن علماء الأثار من التعرف على 10 فقط من ألهة الأولمك. وبسبب قدمها، فالبعض يعتبرها ما يشبه “أم” ديانات أمريكا الوسطى اللاحقة.

 

 

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات