صانعو البهجة المنسيون: حسن ابو عتمان

12:58 صباحًا الجمعة 4 يوليو 2014
أحمد فارس

أحمد فارس

كاتب ومُصمم مصري

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
فى سنة 1967 تحديدا فى شقة من شقق عزبة ” ابو اتاته ” المتواضعة قفل الرجل المكلوم الباب على نفسه يفكر لوحده ويفرغ حزنه دخان فى سقف القوضة..
الألم المره دى اكبر من قدرته على الاحتمال ..
مصر المره دى هى اللى اتكسرت .. يبص فى وشوش الناس العادية فيحس بسنين اتضافت لأعمارهم .. ضهرهم انحنى اكتر و زادت تجاعيد الوشوش
امبارح كنا لسه هنرمى تل ابيب فى البحر .. النهاردة قلوبنا هتطق مرارة و عجز ..
طيارتنا اتضربت ع الارض وولادنا اتهزموا من غير حرب ..
آلام النكسة بتقتلننا اكثر من آلام الدم
ايه اللى حصل ؟!!بمنطِقُه البسيط ووسط دخان سيجارته بدأ الكتابة ”
“سلامتها أم حسن .. من العين و من الحسد
وسلامتك يا حسن من الرمش اللى حسد
سلامتها . . سلامتها .. سلامتها ام حسن ”

كان هو حسن المقصود و ام حسن هى مصر الجريحة ..
و بنفس البساطة شاف ان لا البخور و لا الزار هينفعها ..
مش هينفعها غير انها تقوم من تانى

“جرى ايه يا ام حسن لايميها و اخجلى
لا بخور ولا الزار بينفع ما تقومى و ترقصى
سلامتها ام حسن ”

لسماع الأغنية: من هنا“حسن ابو عتمان ” الشاعر المحلاوى اللى اتولد سنة 1929 ماكنش عارف مواهبه مودياه لفين عشان كده كانت رجله تدب مطرح ماتحب .. وكل ما موهبة منهم تندهه كان يلبى بدون تردد.

فى البداية لما ابتدى يشتغل فى شركة مصر للغزل و النسيج كموظف اكتشف فى نفسه حبه للخط فكان المسئول لمده 10 سنين كاملة من سنة 1943 لسنة 1953 عن كتابة لافتات الشركة كلها بالاضافة لانشغاله بفرقة المسرح للشركة اللى كتبلها مجموعة ازجال قبل ما يكتشف فى نفسه حبه لكتابة الاغانى بفترة طويلة.

فى سنة 1953 قدم استقالته من الشركة و فتح محل حلاقة. الحلاقة ماكنتش بتمثله مجرد مهنة بتأكل عيش .. اعتبرها حسن فن و كان شايف نفسه فنان بيرسم لوحات بطريقته. و فى خلال فترة قليلة المحل بتاعه بقى اشهر حلاق فى المحلة الكبرى عشقه لشغله خلاه يوصل لأنه يتمنى تتعمل مسابقات فى الحلاقة ويشارك فيها

سنة 1964 النداهة ندهته مرة تانية لكن للقاهرة راح هناك و استقر فى مكان متواضع ب”عزبة اتاته ” تحت كوبرى الجيزة ( كوبرى فيصل )
و المره دى الموهبة اللى ندهت عليه كانت كتابة الاغانى .. الاغانى اللى كان متأكد انها هتعيش لسنين قدام و ان الناس هيعرفوا قيمتها فى يوم من الايام و ده اللى حصل بالفعل. تعتبر اول بداية فنية ليه اغنية ” بنت الحلال ” لكن الانطلاقة كانت مع الفنان ” محمد رشدى ” و اغنية ” عرباوى ”

“عرباوي شغلاه الشابة الحلوة السنيورة
ام التربيعة بترسم ضلاية ع القورة
وضفاير غارت م القصة رقصت على رن الخلاخيل
وعيون يا صبايا ما تتوصى .. غيّة و بتطير زغاليل
بتبص بصة الله عليها
الشمس تخجل قدام عينيها
و البدر يسهى لما يراعيها
و ايش حالى انا يا ابو قلب غاوى”

لسماع الأغنية: من هنااستمر الشاعر ” حسن ابو عتمان ” يكتب اغاني لـ” محمد رشدى ” عشر سنين لحد ما جت اللحظة الفارقة فى حياته لما قابل ” أحمد عدوية ” لأول مرة و ابتدى دويتو شعبى نتج عنه مجموعة من اجمل الاغانى اللى غنتها الناس لسنين و سنين فى بساطة و جمال و عاشت لحد النهاردة

ومن الاغانى اللى كتبهاله و كسرت الدنيا فى الوقت ده على سبيل المثال وليس الحصر :
” يابنت السلطان – ياليل يا باشا – كراكشنجي – حبة فوق و حبة تحت – عيلة تايهه – على فين – زحمة يا دنيا زحمة – كله على كله – ستوه … الخ ”

يا بنت السلطان ( مع الموال )، لسماعها: هنا

الشاعر حسن ابو عتمان كأغلب الفنانين كان شديد التأثر باللى بيدور حواليه .. على سبيل المثال كتب كذا اغنيه بتدور حوالين افراد من اسرته على سبيل العتاب و ساعات الغيره و ساعات حبه ليهم. يعنى اغنية ” ستو” كتبها بعد مشكلة حصلت بينه و بين ابنه الاوسط ” محمد ”
” ستو بسبستله بسبوسه بالسمن و السكر و العسل
عسل مكسل يا حوسه عاطل و نايم فى العسل ”

لسماع الأغنية: من هناوبعد فترة من الخصام بينه و بين بنته ” اخلاق ” واللى سماها بالاسم ده بسبب حبه الشديد لزوجته ورغبته ان الناس ينادوا عليها يا ” أم اخلاق ” كتب لبنته اغنية ” عيلة تايهه ”
” ستة على سته نورتى الحته
مساها شربات و صباحها قشطة
الحلوة خوخة خوخة من بعد دوخة دوخة
و اللى يلاقيها يخطبها فى الحال يا ولاد الحلال ”

لسماع الأغنية: من هناوبسب الغيرة و الشك ظهرت بعض الخلافات فى اواخر ايامه بينه و بين زوجته فكتب اغنية ” صابرين يا دنيا ” اللى غناها وليد توفيق

لسماع الأغنية: من هنامن ناحية تانية التأثر ده كان سبب فى اغنية من اكتر الاغانى الشعبية اللى عاشت على الاطلاق.
من العجيب ان موقف من اسخف المواقف اللى ممكن يتعرضلها البنى آدم و اللى هو انك تمر على كمين مرور و يتقبض عليك و تتحط فى الحبس
لكن مع حسن ابو عتمان الموقف ده الهمه اغنية من اكتر الاغانى اللى نجحت نجاح جماهيرى ملوش مثيل .. بسبب صديقه اللى دخل معاه فى الحبس و اللى لما شاف الزنزانة مليانة ناس قعد يردد كلمة ” زحمة ” بطريقة لا ارادية .. الكلمة علقت فى دماغ ابو على و كتب الاغنية كاملة فى الحجز
” زحمة يا دنيا زحمة .. زحمة وتاهوا الحبايب
زحمة ولا عادش رحمة مولد و صاحبه غايب ”

لسماع الأغنية: من هناو برضه التأثر ده هو اللى ادى لاكتئابه و امتناعه عن الكتابة بعد الحادثة اللى اصابت صديق مشواره الفنى الفنان ” احمد عدوية ”
مش بس بطل يكتب لاء كمان بطل يبيع اغانيه المكتوبة و اللى وصلوا وقتها لحوالى 77 اغنية

رغم انه كان ناصري الهوى الا انه اتسجن فى عهد عبد الناصر بسبب اشعاره وازجاله اللى كتبها للعمال زمايله السابقين فى مصنع مصر للنسيج بعد ما سابه سنة 53 و اللى كانوا بيطالبوا بحقوقهم المادية و المعنوية ؟

وماقتصرتش اغانيه على اللون الشعبى بس لكن كتب اغانى متنوعة منها الوطنى و الدينى و اغنية عن ثورة يوليو اسمها ” فى الربيع ” ومواويل ادهم الشرقاوى اللى كتبها لمحمد رشدى فى فترة تعاونهم و غناله برضه محمد قنديل و وليد توفيق و غيرهم و ان كان افضل نجاحاته بالطبع كانت مع توأمه الفنى ” احمد عدوية ” ؟

اغلب نقاد عصره وصفوا كلمات اغانيه بالسطحية و التفاهه لكنه كان مؤمن ان الناس هم الناقد الاوحد الناس البسيطة اللى اغانيه هتعيش معاهم لسنين .. صدقه هو و عدوية هو اللى وصلهم للناس .. لانهم غنولهم ماغنوش عليهم

حتى بعد اغنية زى كراكشنجى واللى نجحت بعد كتابتها بحوالى 18 سنة لما اتعاد تقديمها سنة 2002
لكن حسن ابو عتمان ماكنش يتخيل ابدا ان فى 2014 مجموعة من الاجانب هيقرروا يغنوا الاغنية دى بالذات دونا عن بقية الاغانى و ينشروها على مواقع التواصل الاجتماعي ..
الاغنية كانت تحدى لاستخدام مهارات اللغة اللى عند حسن ابو عتمان و مهارات عدوية فى الغنا .. وبتحكى قصة من صميم الادب الشعبى .. و عشان كده عاشت

لسماع الأغنية: من هناالطلاب الاجانب و هم بيغنوها

لسماع الأغنية: من هنا* بعض القصص بتنسب الاغنية للشاعر ” مأمون الشناوى ” لكن الاصح انها لحسن ابو عتمان و تلحين محمد عصفور

يوم 19 يونيو سنة 1990 فى احدى مستشفيات محافظة الجيزة كان “حسن ابو عتمان ” الشاعر المحلاوى بتنده النداهة لآخر مرة علشان يعدى للضوء الابيض و يسيب الدنيا بعد ما خلف وراه اغانى مزجت تعاستنا بضحكتنا وخلانا نرقص على وجعنا .. عشان كده المصريين هيفتكروله انه غنالهم و عمره ما غنى عليهم ..

سلامتها ام حسن
و الله يرحمك يا حسن


اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات