لم يعُد الكوريُّ الشماليُّ إنسانا آليًّا

10:33 صباحًا الثلاثاء 15 يوليو 2014
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في عام 1986 أو 1987 أثناء قراءة نودونغ سينمون (يا إلهي، لقد كنت مشتركا في هذه الصحيفة في تلك الأيام – فقد كانت رخيصة جدا بالنسبة للمواطنين السوفيات!) قرأتُ مقالا يصف رحلة صحفي كوري شمالي لقرية في مكان ما في أفريقيا – ربما كانت في زيمبابوي، لا أتذكر على وجه اليقين. وروى المسافر المقدام كيف أن وصوله إلى تلك القرية الصغيرة كان عن طريق القوارب، وأنه “بالصدفة” اكتشف أن الأطفال المحليين كانوا منهمكين في درس مهم جدا.

ماذا يدرس هؤلاء في المدرسة المحلية؟

كانت سيرة كيم ايل سونغ، بالطبع!

تتحدث قصص أخرى في الصحيفة نفسها حول معاناة شعب كوريا الجنوبية تحت “نير الإمبريالية”. وأن ثمانية ملايين من الكوريين الجنوبيين (حوالي 35٪ من مجموع السكان القادرين على العمل) كان عاطلا عن العمل. كان هذا في ذروة المعجزة الاقتصادية الكورية عندما لم يكن مستوى البطالة يتجاوز 2٪ إلا نادرًا.

وفي مقال آخر نقرأ أن ربع النساء الكوريات الجنوبيات كُنَّ “عاهرات ليس لديهن خيار سوى بيع أجسادهن لأولئك الجنود الأمريكيين الشهوانيين”. هذا الرقم من شأنه أن يرقى إلى ثلاثة أو أربعة ملايين امرأة (حتى لو كنا نتحدث فقط عن النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 18 و 45 سنة فقط)، وهو عدد كبير نسبيا لخدمة نحو أربعين ألفا هم قوام القوات الامريكية المتمركزة في البلاد في ذلك الوقت، أليس كذلك؟ أي أن هناك مائة بَغِيٍّ لكل جندي واحد فقط …

في الواقع، كان البغاء مشكلة في كوريا، ولكن عدد هؤلاء النساء في العقود الأخيرة كان أدنى من نحو 10 آلاف امرأة، وهو رقم أقل مئات المرات مما تصر عليه الدعاية الكورية الشمالية.

ولكن السؤال هو: هل كانوا يصدقون ذلك برمته؟

هل يؤمن الرجل أو المرأة العاديان في كوريا الشمالية بأن القائد العزيز مُعجبٌ به على نطاق واسع في القرى الأفريقية وبلدات أمريكا الوسطى؟

هل يعتقدان أن كل جندي أمريكي يمشي متبوعًا بعشرات العاهرات الكوريات، على استعداد لتلبية شهوته في أي وقت؟

 الجواب الصادق الوحيد على هذا السؤال هو: إننا نحن لا نعرف على وجه اليقين. ولكننا نستطيع أن نوجز رأيًا، اعتمادا على بعض أدلة وتجارب أولية للأنظمة المشابهة الأخرى.

يبدو أنه في البداية تقبل الكوريون الشماليون الدعاية الرسمية كما هي – لأسباب ليس أقلها أنها كانت أقرب إلى الحقيقة في تلك الأوقات. ففي أوائل الستينيات من القرن الماضي، في الحقيقة، كان واقع الجنوب قذرا وفقيرا، بل وكان يُنظر في أواخر تلك الستينيات أن كوريا الشمالية نموذج جدير بالمحاكاة من قبل بعض الحكام المستبدين المتطرفين في العالم الثالث (والمعجبين بهم من اليساريين في الأوساط الأكاديمية الغربية).

ومع ذلك، وبمضي الزمن، بدأ الاعتقاد في ذلك يضمحل، فلم يتحقق في كوريا الشمالية الوعد بالازدهار أبدا، ومن العام 1975 تقريبا أصبح من الواضح أن مستويات المعيشة، التي لم تكن أبدا عالية، قد بدأت بالسقوط بشكل ثابت.

لم يكن الحصار الإعلامي كاملا تماما، كانت تتم تنقية بعض المعلومات عن العالم الخارجي أحيانا. في بعض المرات كان مروجو الدعاية الكورية الشمالية أنفسهم يرتكبون أخطاء – مثل نشر لقطات للتمرد بمدينة جوانج جو الكورية الجنوبية سنة 1980 حيث فوجيء الكوريون الشماليون برؤية إخوانهم “المعوزين” يرتدون بشكل أنيق ويبدون أصحاء ببطون ليست جوعى أبدا.

قبل نحو 15 عاما بدأت الشقوق في تلك الجدران تإعلامية المصمتة تتحول إلى فجوات ضخمة. فمع الحركة عبر الحدود مع الصين، والتخفيف من الضوابط الحكومية، واستشراء الفساد، قبل كل شيء، وسهولة الوصول إلى أقراص الفيديو الرقمية – ساهمت جميعها في تغيير جذري بوجهات نظر الشعب حول بلده.

ومما نعرفه، يبدو أنه في هذه الأيام فإن قليلا من الكوريين الشماليين يرفضون العقيدة الرسمية تماما، وأن هناك عددا أقل منهم يعتقد بصدقها كحقيقة غير قابلة للجدل. الناس تشك في أنهم كانوا يستمعون إلى أكاذيب ومبالغات ، ولكنهم ـ ربما ـ لا يدركون تماما درجة تلك الأكاذيب.

لقد ظنوا ان الجنوب يسير على نحو أفضل من الشمال، لكنهم لا يقدرون حجم الفارق الكبير بين الاقتصادين الكوريين.

ربما يكونون على شك حول الصفات القيادية لعائلة كيم، لكنهم لا يزالون أميل إلى إلقاء اللوم على المسؤولين الفاسدين المتسببين بمعظم الأخطاء التي يرونها حولهم.

هم يعادون بصدق الولايات المتحدة، وتبدو وطنيتهم متحمسة وفخورة بشأن البرنامج النووي لبلادهم، لكنهم يشكون في فرضية أن كل مشاكل بلادهم تنتجها المخططات الخبيثة للأجانب الغادرين.

لا تزال قبضة الأيديولوجية والدعاية قوية، ولكن لم يعد الشعب الكوري الشمالي مجرد روبوتات غسلوا أدمغتها. واقع الأمرإنهم لم يكونوا أبدا كذلك، ولكن في السنوات الأخيرة فقط  بدأوا في الحصول على معلومات تمهد لتحليل نقدي ممكن.

وسوف يحصلون على أكثر من ذلك، بالتأكيد …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات