فخ المصريين في ليبيا

08:59 صباحًا الجمعة 1 أغسطس 2014
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

نشرت جريدة الأهرام اليوم مقالا للكاتب محمد ابو الفضل يرسم فيه مأساة المصريين العاملين في ليبيا، ويأتي هذا المقال تزامنا مع رسالة وصلت (آسيا إن) من شهود عيان: .. المصريون جائعون مشردون عطشى أمام معبر رأس جدير على الحدود الليبية التونسية و الميلشيات الليبية تطلق عليهم النار ؛ متطرف ليبي يتحدث بمنتهى الحقد على قناة حنبعل التونسية يسب المصريين و الكاتب التونسي ” كمال بن يونس ” يقول لا يدخل المصريين إلى تونس و حكومتهم مسئولة عنهم تحضر لهم بواخر إلى طرابلس و مذيعة قناة حنبعل التي تدعى ” عربية ” تهاجم المصريين الهاربين من جحيم الحرب و تنافق الليبي المتطرف .. و السفير المصري في تونس كعادته لا أمل فيه .. تحركوا و كل متطاول يجب أن يحاسب .. أطلبو نسخة من حلقة “يحدث في تونس ” على قناة حنبعل التونسية التي تعاد الأن في الثانية صباح ا أغسطس .. لن نقبل الإهانة من كائن من كان و لابد من موقف حازم كفى تطاولا و عبثا .. ولم ينس مراسلنا في تونس توجيه جزيل الشكر و العرفان للمسئول التونسي المحترم السيد ” الحبيب شواط ” الذي تحدث عن أشقائه المصريين بالإحترام اللازم بين الأشقاء .. فيما يلي نص المقال:

فخ المصريين في ليبيا

محمد ابو الفضل، جريدة الأهرام

المعلومات التى رشحت من قبل بعض المسئولين، أثبتت أن الأحداث التى تعرض لها كثير من المصريين فى ليبيا كانت انتقامية، ولها أغراض سياسية وأمنية، ولم تكن عشوائية بالمرة، وتأتى ضمن لعبة القط والفأر التى تقوم بها الأجهزة الأمنية ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية الرائجة فى ليبيا.

الأخيرة تريد توظيف ورقة العمال هناك، لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية. منها، ترحيل أكبر عدد منهم إلى مصر، لزيادة حدة الأزمة الاقتصادية، وإيجاد مشكلة بطالة جديدة، حيث يصل عدد المصريين العاملين فى ليبيا إلى نحو مليون شخص. وقد صبر نظام حسنى مبارك كثيرا على تجاوزات العقيد معمر القذافى حتى لا يواجه شبح عودة هؤلاء. وأذكر أننى حضرت قمة الاتحاد الإفريقى فى سرت بليبيا عام 2009، وامتدت اجتماعات القادة الأفارقة إلى ما بعد الفجر، لأن القذافى كان مصرا على إعلان الولايات المتحدة الأفريقية فى الذكرى العاشرة لميلاد الاتحاد الإفريقي، يومها سألت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية (سابقا) عن سبب الصبر على تصرفات القذافي، فقالت لدينا مليون مصرى فى ليبيا، ولو تصدينا لممارسات القذافى السلبية، لوجدناهم بإشارة واحدة منه يعودون إلى مصر.

التحرك السريع مطلوب، خاصة بعد قنص المصريين موتا في طريقهم للحدود مع تونس

بصرف النظر عن الدلالات الكثيرة التى تنطوى عليها الواقعة، لكن ما يهمنى هنا أن مشكلة العمالة المصرية فى ليبيا أزلية، وجرى تحمل سياسات القذافى لعدم مواجهة شبح عودتها. الآن تغيرت الأمور فى الاتجاهين. ففى ليبيا تصاعد دور جماعات متشددة لديها أجندة مشبوهة للضغط على مصر، وتسعى لاستثمار هؤلاء العمال، وتمعن القتل فيهم، على الهوية تارة، وعلى الديانة تارة أخري. وفى الحالتين هناك مواطنون ضحايا. وفى مصر وصل نظام حكم يرفع شعار ثورة يناير «حرية عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية»، ولا يقبل استمرار مهانة المواطنين، ويعمل على اعادة الاعتبار لهم فى كل مكان.

فى حالة ليبيا تبدو المسألة دقيقة، فإذا سكتت الدولة على التجاوزات الفظيعة التى ترتكب فى حق المصريين هناك، فسوف تلحق بها أضرار معنوية كبيرة، قد تنال من هيبة النظام الحاكم. وإذا أعلنت مواجهة هذه الممارسات وقررت عودة مئات الآلاف من العمال، عليها أن تستعد لإيجاد فرص عمل بديلة لهم، وحل المشكلات الاجتماعية الناجمة عن هذه العودة، خاصة أن عددا منهم مكث فى ليبيا سنوات طويلة. وربما يكونوا محملين بالعداء ضد النظام الحاكم، لأنه فى نظر بعضهم لم يتمكن من توفير الحماية اللازمة لهم، أو محملين بالعداء ضد مئات الآلاف من الأشقاء الليبيين الموجودين فى مصر منذ فترة، وازدادت أعدادهم فى ظل الانفلات الأمنى الحاصل فى ليبيا. الأمر الذى قد تترتب عليه مشكلات اقتصادية وأمنية واجتماعية لا يعلم مداها إلا الله. فلدى الكثير منهم استثمارات كبيرة، ومنهم من تزوجوا مصريات واستقر بهم المقام، وهناك من له امتدادات أسرية فى ليبيا ربما تؤدى إلى الانتقام. وهكذا يمكن أن يتحول ما يجرى على الأراضى الليبية إلى أزمة حقيقية على الأراضى المصرية.

الورطة لا تتوقف عند هذه المنحنيات والدروب، لكن قد تصل إلى درجة البحث عن وسائل لتأمين حياة المصريين فى ليبيا، لتحاشى مواجهة النتائج السابقة. بمعنى إما التفاهم مع الحكومة الليبية، وهذا لن يكون مجديا، لأن الحكومة نفسها تفتقر للقوة والقدرة، وبحاجة لمن يحميها من سلاح المتطرفين، أو اختراق الجماعات المتشددة لمنع استهداف المصريين، وهذه سياسة لا توفر الأمان التام، بسبب كثرة أعدادها وتنوع ولاءاتها، وانتشار المصريين فى أماكن مختلفة. وحتى الاعتماد على شهامة الليبيين، خاصة أن عددا يقدر بمئات الآلاف يحملون الجنسية المصرية، لن يكون مأمونا، لأن غالبية هؤلاء من المسالمين، كما أن الجماعات المتشددة بلغت حدا من الاستقواء والاستعداء والعنف ضد المصريين، ما يصعب معه ردعها بأى وسائل إنسانية.

السيناريو الذى أخشى أن تقود إليه الورطة أن ترسل مصر قوات لتأمين المصريين، ولو للمساعدة فى الإجلاء التام لهم من ليبيا، فقد تحول البلد إلى حقل ألغام، أخشى أن ينفجر أحدها فى وجهنا ونضطر معه للبقاء إلى حين مداواة الجروح وسد الثغرات التى ظهرت بسبب التدهور الأمني. فما يجرى هناك يشير إلى تجهيز المسرح لتحويل ليبيا إلى صومال آخر، أى زرع دولة فاشلة على حدودنا الغربية، تستمر فى تصدير جميع المنغصات لنا، وتحتل بؤرة التركيز الأمني، وتضاف إلى نتوءات موجودة فعلا فى الداخل وبالقرب من حدود أخري. وهو ما يفضى إلى مشكلات جديدة تستوجب المزيد من الاهتمام. والخطورة أن يتشتت التركيز ونسقط فى الفخ المنصوب بإحكام فى ليبيا، التى أصبحت قاعدة للمتشددين، وفناء خلفيا للارهابيين الذين ارتكبوا أعمالا إجرامية فى مصر يندى لها الجبين، ناهيك عن تحولها إلى مرتع لأجهزة مخابرات مختلفة، ومكان يخوض البعض فيه حروبا بالوكالة، نعرف بداياتها، لكن نهاياتها لا تزال مجهولة.

تجنب الورطة يتطلب المزيد من الحذر والتريث فى ملف العمال المصريين، ومحاولة التوفيق بين مجموعة كبيرة من المتناقضات، واستخدام جميع الخبرات فى التعامل مع الحالة الليبية. فقد انتهى عهد الجلسات الدبلوماسية تحت أى خيمة مزركشة فى الصحراء، لحل أعتى الأزمات، وجاء عهد خيوطه متشابكة يفرض المرور عبرها تجهيز تقديرات محكمة، ومعرفة تفاصيل التوازنات الحالية. وأعتقد أن مصر لديها الحنكة وقادرة على فك شفرات الخريطة المعقدة فى ليبيا وتجاوز المحنة الراهنة.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات