بين نظام شاه إيران السابق رضا بهلوي وقيود النظام الإسلامي المتشدد بعد الثورة الإسلامية لم يستطع محسن مخملباف أن يحلق برؤيته الفنية والإبداعية في فضاء الفن السابع كما كان يحلم دائما, فقد شارك عندما كان عمره 17عاما في تظاهرات ضد الشاه انتهت باعتقاله لمدة عام ونصف ولما قامت الثورة في إيران 1979 دعمت الدولة بقوة الإنتاج السينمائي فكانت مؤسسة الفارابي السينمائية والتي تأسست عام 1981 تتويجا لهذا الدعم كما قللت الضرائب على صناعة الأفلام إلا انها كانت تهدف في الواقع إلى توظيف السينما كأداة للدعاية لاسيما للتعبئة العامة في فترة الحرب العراقية الإيرانية وتصدير المنهج الثوري الإسلامي ,فقدم مخملباف عام 1982 أول فيلم من إخراجه بعنوان: توبة نصوحة , ثم فيلمي : عينان لا تبصران , الفرار من الشيطان إلى الله وهما فيلمين يمكن تصنيفهما على أنهما يخدمان توجه الثورة الإيرانية بصورة اقرب إلى التوجيه المباشر .
في 1985 قدم مخملباف فيلمه السينمائي الأول (مقاطعة) بعيدا عن توجهات الملالي والتبشير بالثورة الإسلامية ويمكن تصنيفه كتجربة ذاتية إذ يتناول ملاحقة رجال المخابرات الإيرانية للشاب اليساري (فالح) بعد خروجه من السجن وتعذيبه وراء القضبان بعد أن حاول طعن شرطي وقد تعرف خلال فترة السجن على بعض الشباب الثوريين المسلمين المتهمين بمقاومة نظام الشاه وقتئذ يبدأ في مراجعة كل ماكان يعتبره من الثوابت والمسلمات , وقد قام المخرج الإيراني (ماجد ماجدي) صاحب أفلام (أطفال الجنة ), (غذاء العصافير) قام ببطولة الفيلم .
إلا أن هكذا توجه لم يرق للقائمين على الرقابة واستمر التضييق على الكثير من المبدعين الذين استمروا في تقديم افلام سينمائية تحمل رؤيتهم النقدية للمتغيرات التي طرات على وطنهم إلا أن عددا غير قليل قرر السفر للخارج بعيدا عن القيود الرقابية الصارمة , وكانت أسرة المخرج الكبير السينمائية ممن فضلوا الإغتراب بحثا عن الحرية .
عائلة مخملباف بين الإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو
لطالما شغلت الأوضاع المتردية لشعوب منطقة الشرق الأوسط أسرة محسن مخملباف السينمائية: فزوجته المخرجة المميزة (مرضية مشكيني) قدمت أفلاما مميزة تعكس مدى القهر والظلم الذي تتعرض له المرأة المسلمة عامة والإيرانية بصفة خاصة كأفلام: أصبحت امرأة , يوم وُلدت امرأة .. هذا الفيلم الذي يتناول بجرأة الظلم الذي تتعرض له المرأة في الإسلام وقوانينه الجائرة ضدها.
الإبن ميثم وهو مدير تصوير ومونتير إذ قام بالمهمتين معا مع والده في فيلم البستاني 2012, كما قام بإخراج فيلم (كواليس) وغيره من الأفلام.
أما ابنته المخرجة الشابة سميرة مخملباف فقد قدمت فيلمها الأول (التفاحة) عام 1998 وهي في الثامنة عشرة من عمرها كأول مخرجة في هذا العمر تُنافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان , وقد كتب سيناريو الفيلم والدها عن رواية (سيمن دانشفار) وأشعار فروغ فرخزاد, لم تُجز الرقابة الإيرانية هذا الفيلم إلا أن سميرة شاركت به في مهرجان كان وحصل على جائزة الكاميرا الذهبية بالإجماع, وفي عام 2000قدمت سميرة فيلم (سبورات) والذي حصدت به ذات الجائزة في مهرجان كان , وقدمت كذلك فيلم (الخامسة بعد الظهر).
أما هنا مخملباف فهي كذلك مخرجة متميزة قدمت فيلمها الروائي الأول (بوذا ينفجر خجلا) على خلفية تحطيم جماعة طالبان لتمثالي بوذا العملاقين في باميان , وقد شاركت مع والدتها مرضية مشكيني في كتابة السيناريو وهي في عمر الثامنة عشرة وقد عُرض الفيلم في مهرجانات عالمية وقد حصل على جائزة خاصة من مهرجان برلين 2008وحصل كذلك على جائزة خاصة من مهرجان سان سبستيان في أسبانيا في نفس العام.
إثنا عشر عاما بين قندهار وبستاني حيفا
“لست متشددا دينيا ولكن من المستحيل تجاهل العامل الديني وطاقته وأن لا يكون هناك سوى نظرة علمانية للمشاكل… فالكراهية باسم الدين والسلام باسم الدين موضوعان مهمان جدا وربما في المرة القادمة اقوم بانتاج فيلما عن الزرادشتية” كان هذا تعليق مخملباف حول فيلمه (البستاني) خلال فعاليات مهرجان الفيلم السنوي في مدينة القدس في شهر يوليو /تموز 2013, والفيلم الذي تم تصويره في مدينة حيفا في حدائق البهائيين الشهيرة المحيطة بالمركز العالمي لأتباع الديانة البهائية, وأضاف مخملباف :”اخترت البهائية لأن لديهم منهجا متسامحا وغير عنيف”.
كان فيلم البستاني قد نال جائزة أفضل فيلم وثائقي شرق أوسطي في مهرجان بيروت الدولي للسينما 2012, وقد كان العرض الأول لفيلم (البستاني) في مدينة (بوسان) بكوريا الجنوبية , وتحدث مخملباف في رسالة مرئية مسجلة ضمن فعاليات مهرجان بيروت مُعلقا على الفيلم: “أهدي فيلمي إلى كل من يعمل من أجل السلام بين الديانات لوقف الحروب التي تدمر عالمنا باسم الله”.
أما فيلم (قندهار) والحائز على جائزة التحكيم العالمية والتي تُمنح خارج المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته 54 عام 2001,و الذي كان يحمل في بادئ الأمر اسم (الشمس وراء القمر) يعرض لمأساوية الوضع في أفغانستان بين سندان الحرب الأهلية والألغام ومطرقة الفقر والجفاف , فيبدأ الفيلم بالصحفية الكندية الشابة ذات الأصول الأفغانية التي فرت من ويلات الحروب في أفغانستان والتي تتلقى رسالة من شقيقتها الصغرى التي تعيش في قندهار والتي فقدت ساقيها جراء انفجار لغم أرضي تُخبرها فيها أنها سوف تُنهي حياتها في يوم الخسوف النهائي قبل فجر القرن الحادي والعشرين
ولدى وصولها إلى الحدود الإيرانية الأفغانية ترتدي الشادور مدعية أنها الزوجة الرابعة لأحد الرجال الأفغان ولم يتبقَ إلا ثلاثة أيام للوصول إلى قندهار قبل خسوف الشمس…كان مخملباف قد أجرى تحقيقات مطولة ليصور هذا الفيلم المستوحى من قصة واقعية شارك في تجسيدها أشخاص عاديون غير محترفين.
شارك الفنان الإيراني المؤسسي وهو بالفعل كذلك في مهرجان كان مرات متعددة بأفلام : زمن الحب , سينما سلام1997 , غابيه , وفي عام 1999 شارك في المسابقة الرسمية على السعفة الذهبية بفيلم (أساطير الجيش) .
جائزة مانهي في الفنون تقديرا لمخملباف ورسالته الإبداعية
يتسلم المخرج الكبير جائزة مانهي في مجال الفن والأبداع في 12أغسطس /آب الجاري في مجمع إنجي الثقافي بمقاطعة كانج وون الكورية الجنوبية , مان هي هو اسم مستعار لراهب بوذي اختاره الشاعر والمناضل (هان يونج أون) 1879-1944 وهي جائزة عالمية تتوزع بين مجالات الأدب والفن وخدمة المجتمع والسلام , وقد تم اختيار مخملباف بناءا على رحلة عطائه الفنية الكبيرة والثرية في مجال الفن وسيتقاسمها مع الخطاط الكوري الجنوبي يون يانج هوي في مجال الفن وهو شخصية ثقافية محورية في شبه الجزيرة الكورية.
تتجسد قيمة الفن السابع كأداة للإصلاح والنهوض بفكر الشعوب وإزكاء قيم السلام والمحبة والإنتماء وإعمال العقل والقلب معا بجلاء وشاعرية بصرية وفنية في أعمال الفنان الكبير محسن مخملباف.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
Pingback: Makhmalbaf Awarded Manhae Peace Prize | The Gardener