مئوية إسماعيل ياسين … المضحك الحزين

11:56 صباحًا السبت 9 أغسطس 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

اسماعيل ياسين

مرت قبل أسابيع مئوية الفنان إسماعيل يس «1912ـ 2012» وقد يبدو الأمر لا أهمية له، ففي عالمنا العربي ما أكثر مئويات الميلاد والوفاة لكتاب وشعراء وفنانين، التي تمر دون أن ينتبه أحد. وغير بعيد ـ مثلاً ـ مرور ربع قرن على رحيل رائد المسرح العربي توفيق الحكيم دون أن يتذكره أحد بمقال! علام يؤشر ذلك؟ وما الذي يمثله إسماعيل يس كي نلوح له في مئويته؟ هذان سؤالان رئيسان سنحاول أن نجيب عنهما: إذا عدنا إلى جذور مفهوم «الكوميديا» أو «الملهاة» فهو يقابل «التراجيديا/ المأساة»، وكلاهما يرتبطان بإلاله ديونيسوس في الأساطير اليونانية، حيث تقام حفلات الكوميديا في عيد «البذر» وما يعنيه ذلك من فرح وسعادة وحياة، على عكس «التراجيديا» التي ترتبط بعيد «الحصاد». إذن المفهوم في أبسط معانيه، يختص بكل ما من شأنه إسعاد الناس وإحداث شعور بالبهجة. ومن ثم لا يؤشر تجاهل مئوية يس على خصيصة النكران وعدم الوفاء فقط، ولا الجهل بإنجازات الرواد، بل على سياق معادٍ للضحك والسعادة.

جوجل تحتفل

مثل هذا السياق الضاغط لا يقرأ الزمن في امتداده، فلا يتذكر ماضياً ولا يستشرف مستقبلاً، لأنه يضع الناس دائماً تحت وطأة هاجس اللحظة الآنية وهمومها، فالحياة اليومية غدت حلبة للصراع ومستعمرة للعقاب لا تحتمل ترف تذكر من رحل مهما كان حجم إنجازه، وبالأخص إذا كانت مهمته صناعة الضحك! فمن هذا رائق البال الذي سيتوقف عن متابعة هموم اللاجئين السوريين في المنافي وتدمير تراث الإنسانية في حلب والتفجيرات في العراق ومظاهرات الفقراء في مصر وحوادث العنف الاجتماعي هنا وهناك.. كي يتذكر مضحكاً مثل إسماعيل يس؟! ومن خطل التصور أن البعض يتوهم أن لحظة الكآبة هي استثناء بالغ السوء، لكن الحقيقة غير ذلك، فالقرن العشرون ـ عربياًـ كان حافلاً بكل أسباب الكآبة من الحروب والمآسي والديكتاتوريات والفوضى والفتن الطائفية والإرهاب. فقوسا البداية والنهاية في حياة إسماعيل يس نفسه، لا ينفصلان عن كآبة هذا السياق العام، فقد ولد قبل عامين فقط من الحرب العالمية الأولى وأفل نجمه مع نكسة يونيو، مروراً بالحرب العالمية الثانية والنكبة وضياع فلسطين والعدوان الثلاثي. ولم يكن السياق الاجتماعي الخاص به أحسن حالاً من السياق السياسي، فهو عاش طفولته يتيم الأم، مع زوجة أب قاسية، والأب نفسه كان صائغاً لاهياً خسر ثروته ومات مفلساً.

من بطل في دمشق إلى كومبارس في بيروت

وبرغم كل ما أدركه إسماعيل من شهرة وثراء لكنه مات أيضاً مفلساً مثل أبيه، وتم الحجز على العمارة التي يملكها، وختم حياته يقدم أدواراً صغيرة في أفلام لبنانية لا قيمة لها، وفقرات بائسة في ملاهي بيروت! المضحك الكبير فقد القدرة على الإضحاك وبات مثيراً للشفقة والرثاء، وتلك أسوأ جائزة حصل عليها يس في ختام حياته! وإذا سأل المرء نفسه: لماذا يشعر بالغبطة ويحتفي بصورة شمعة صغيرة وسط مساحة لا نهائية من العتمة؟ بالطبع لأن تلك الشمعة لا تعطيه الأمل فقط، بل التوازن الإنساني الضروري كي يشعر بقيمة الحياة ذاتها. والكوميديا تحدث أثراً شبيهاً بذلك، فهي تصيب المتفرج بعدوى الضحك والشعور بالبهجة والسعادة، والتسلية والتنفيس عن الذات. من هنا تأتي قيمة إسماعيل يس فهو مثل شمعة ضاحكة ومبهجة في سياق عام كئيب، وصاحب موهبة لا تبارى في انتزاع البسمة من وجوهنا المكدودة وأرواحنا المتعبة. هو حامل أسرار الضحك في مناخ حافل بالعنف والمآسي والحروب والخراب، وطوق نجاة لإنقاذ إنسانيتنا من وحش التخلف والفقر والتعصب المذهبي.. فنحن بخير طالما مازلنا قادرين على أن نبتسم ونضحك. ومن ثم فإن أيقونة إسماعيل يس لا تكتسب قيمتها من ريادتها التأسيسية، ولا ضخامة المنجز فحسب، بل من فرادة الإنجاز أيضاً، فهو صانع البهجة في مجتمع كاد أن ينسى معنى الفرح. وإذا كان من الصعب جداً إضحاك شخص واحد، فما بالنا بإضحاك ملايين أصبحت الأحزان والهموم غذاءهم اليومي. القيمة نأتي إلى السؤال الثاني: ما الذي يمثله إسماعيل يس كي نحتفي بمئويته؟ أو بمعنى آخر ما أهم العناصر التي تجعل يس قيمة فريدة في تاريخ فن التمثيل العربي، وليس مجرد «مضحكاتي» أو «آرتيست» أو «منولوجست»؟ 1ـ التأسيس لا يسبق إسماعيل يس في فن الكوميديا سوى اسمين مهمين: نجيب الريحاني، وعلي الكسار الذي ظهر يس سنيداً لهما في بعض أعماله. ومن ثم نحن إزاء فنان «مؤسس» للكوميديا العربية. لكنه يمتاز عن أستاذيه الريحاني والكسار، في أن معظم إنتاجه كان سينمائياً وتم حفظه للأجيال بفضل التطور التقني. بينما كان الحضور السينمائي للريحاني والكسار محدوداً وشرفياً.

رائد في الكوميديا ….

والمؤسف حقاً إن معظم التراث المسرحي للكبار الثلاثة، اندثر بكل أسف، لأسباب مختلفة! ويعود الفضل في اتجاه يس إلى السينما إلى المخرجين فؤاد الجزايري وتوجو مزراحي ثم أنور وجدي الذي ظهر معه في مشهد بانتومايم شهير على طريقة شارلي شابلن وهو يأكل طعاماً لا وجود له! بعدها أنتج له وجدي أهم أفلامه الأولى لإيمانه بموهبته، وهنا كوّنً يس مع المخرج فطين عبد الوهاب ورفيق دربه وكاتب أعماله أبو السعود الإبياري، ثلاثياً ذهبياً، لا يوجد ممثل أو ممثلة في مصر آنذاك، لا يتمنى العمل معه، وأبرز هؤلاء الفنانة شادية التي شاركته أكثر من عشرين فيلماً، إلى جانب أن نجوم الكوميديا الكبار كانوا أشبه بالجوقة الخاصة به وعلى رأسهم: عبد الفتاح القصري، حسن فايق، زينات صدقي، عبد السلام النابلسي، وعبد المنعم إبراهيم. 2ـ التلقائية قد لا يعرف كثيرون أنه بدأ حياته مطرباً عاطفياً في مدينته السويس، ثم شجعه أصدقاؤه على السفر إلى القاهرة كي ينافس عبد الوهاب ـ مثله الأعلى ـ وبالفعل جاء وغنى في الأفراح وكازينو بديعة مصابني، لكن الأغاني العاطفية التي كان يؤديها، تناقضت مع ملامح وجهه الهزلية وصوته الأجش، فأحدثت تأثيراً عكسياً مضحكاً. وهنا، انتبه يس إلى أنه يملك كنزاً آخر، أهم من براعته الموسيقية، إنه حضوره المضحك في حد ذاته، بكل عفويته وتلقائيته، وحركة فمه، وعدم وسامته، وصوته الخشن الرنان وحركات جسده خصوصاً عندما يهز جذعه. لقد كانت ـ ومازالت ـ تعبيرات وجهه، وحركات جسده، هما جواز المرور إلى قلب الأطفال على وجه الخصوص. فبدا أمام الكاميرا كأنه لا يُمثل، ولا يفتعل لاستدرار الضحك. بالعكس ما أكثر المشاهد التي تكاد أن تكون كئيبة، ومع ذلك يكفي أن يظهر فيحفز طاقة الضحك لدى الجمهور. وقد بلغ قمة الأداء الجسدي والحركي المثير للضحك في «الآنسة حنفي» أحد أشهر أفلامه من خلال التنكر في دور امرأة ـ إحدى أشهر الحيل الكوميدية ـ والفيلم على خفته يعد وثيقة إدانة للقهر الذكوري. ومثل معظم ممثلي الكوميديا العظام لم يكن يس ضاحكاً على الشاشة، بل من النادر أن يبتسم، فهو غالباً في مواقف جادة أكثر مما يجب «سلسلة أفلامه عن الجيش مثلاً» أو يعاني الفقر والتهميش وعدم الفهم والعجز عن الارتباط بحبيبته وتسلط الآخرين عليه واستغلال طيبته، لكن وسط كل ذلك تنبع مفارقة الضحك.. فهو ينتصر على خصومه بجرهم في ساحة هزلية، وعلى رأسهم خصمه الشهير الفنان رياض القصبجي ـ الشاويش عطية ـ رمز السلطة، فيكفي أن يجره إلى منطقته الهزلية، الهشة والضعيفة.. كي ينفجر الضحك وتتهاوى كل الجدية المفتعلة والسلطة الزائفة.. ولعلنا نتذكر هنا مشاهد مثل «شغلتك ع المدفع بروروم» و«مخالي شل يا عسكري» و«هو بغباوته»!. 3ـ الغناء ثلاث نصائح كان لها الفضل في صناعة أسطور إسماعيل يس، الأولى نصيحة أصدقائه في السويس بالسفر إلى القاهرة كي يصبح «مطرباً» مشهوراً، والثانية عندما نصحه أصدقاؤه بترك الغناء العاطفي والاتجاه إلى «فن المونولوج» أما الثالثة فهي تشجيعه على الظهور في السينما أواخر الثلاثينيات. وكان أبو السعود الإبياري مكتشفه ورفيق دربه، أول من ساعده في العمل في كازينو بديعة مصابني، وشجعه لاحتراف فن المونولوج، وهو لون غنائي هزلي ونقدي، يتناول بأسلوب جرئ مختلف القضايا، ويلامس هموم الناس، والمسكوت عنه، دون ابتذال أو تجريح.

… ومن رواد الإعلانات

ما بين العامين 1935 و1945 أصبح يس منولوجست مصر الأول، إلى درجة أن الإذاعة تعاقدت معه لتقديم أربع وصلات شهرياً مقابل أربعة جنيهات، وكانت تلك بداية انطلاقه السينمائي. ومع تربعه على عرش السينما حافظ يس على تميزه الغنائي كمنولوجست وقدم عشرات الإسكتشات والمونولوجات والأغاني في أفلامه منها: العقلاء، مراتي أسبور، ارتحت يا باشا، ولع ولع، كل ما أفوت ع البنك، يا اللي تملي تحسد، الدنيا تياترو، ما تستعجبشي، اللهم افقرني كمان وكمان، صاحب السعادة، قولوا للعروسة اتمخطري، قليل البخت، يا سلام ويا سليم، أنا متشكر أنا ممنون، ميمي وفيفي وغيرها. وقد تعاون من خلالها مع كبار الموسيقيين، ولو أخذنا اسكتش «العقلاء» من فيلم «المليونير» يكفي أن نشير إلى مشاركة عمالقة التمثيل في هذا الاسكتش الهزلي منهم عبد الرحيم الزرقاني، محمد توفيق، سراج منير، صلاح منصور وغيرهم. والفيلم نفسه شارك في كتابته أنور وجدي، وأبو السعود الإبياري ومأمون الشناوي، وإخراج فطين عبد الوهاب الذي أبدع في بناء مشهد مستشفى المجانين بأجساد الممثلين وحركاتهم الغريبة وعنوان الاسكتش نفسه قائم على المفارقة الهزلية والحادة والمغزى السياسي، فمن نعتبرهم «عقلاء» أمثال: نابليون، ونيرون، وعنترة بن شداد.. ليسوا سوى «مجانين» ومن نحسبهم مجانين أكثر عقلاً من هؤلاء! وفي واحدة من إبداعاته الغنائية الفريدة نراه يقدم أغنية عبد الحليم حافظ شديدة الرومانسية «في يوم من الأيام» حيث ثمة مذيع يقدمه بأنه «المطرب العاطفي المحبوب» ورغم حرصه على الأداء السليم، وحضور عبد الحليم نفسه، لكن المخرج قام بتفكيك المشهد العاطفي التقليدي في السينما العربية، وأعاد تركيبه على نحو هزلي يدين تلك الميلودرامية في استدرار العواطف، حيث يمسك إسماعيل يس منديلا في يده، والفتيات يتنهدن بلوعة وثمة رجل يسكر بعصبية وهوس.. حالة مبالغ في عاطفيتها ورومانسيتها، وتلك المبالغة ذاتها، جعلتها هزلية بامتياز. ثم فجأة يوقف يس الأغنية لإلقاء نكتة ثم يستأنفها مرة أخرى. إنه أشبه بالتغريب البريختي وكسر الإيهام، أو لنقل: الفن ضد الفن، ونقد القالب الرومانسي بما يحدث صدمة في وعي المتلقي. إن فن المونولوج والغناء، من أهم نقاط القوة في كوميديا يس، وجدير بدراسة خاصة، لما ينطوي عليه من نقد اجتماعي وسياسي، كما في اسكتش «حظرة ناري» الذي يسخر من الثقافة العثمانلية السائدة آنذاك. وأضفى هذا الفن خصوصية وقيمة رفيعة على أعماله الكوميدية، كما يحسب له البحث عن ثيمات غنائية أكثر رحابة من الأغنية العاطفية، وفي الوقت ذاته تتلاءم وطبقته الصوتية. لكن بكل أسف هذا الفن شهد عصره الذهبي مع إسماعيل يس، وانتهى تقريباً بانحسار الأضواء عنه. 4ـ التنوع إذا كان الريحاني برع في تجسيد شخصيتي «العمدة» العابث، و«الموظف» البائس، والكسار تفوق في شخصية «البربري» العائش على الفطرة.. فإن يس استهلك عبر عدد هائل من الأفلام كل أنماط الشخصيات الممكنة: الثري والفقير، الناصح والمغفل، الطيب والشرير، المجند والمجنون، الحبيب والمخدوع، الصبي ورجل العصابة. فلا شخصية في الواقع كانت عصية على أن يلج إليها ويعثر على كنز الضحك الخاص بها. لا مهنة لم يعمل بها على الشاشة. مع الأخذ في الاعتبار أن النص الكوميدي بطبعه خفيف ويعالج الشخصيات معالجة هزلية، اعتماداً على طرافة المواقف وحدة المفارقات، والحضور الحركي والجسدي للممثل، فمثلاً قد يكتفي يس بارتداء ملابس «البحارة» في فيلم «ابن حميدو» للتعبير عن شخصية «المخبر» المتنكر في شخصية «صياد»، أو يكتفي بالملابس العسكرية كما في سلسلة من أفلامه. 5ـ ضخامة الإنجاز برغم أنه مات دون الستين عاماً، لكنه ترك رصيداً ضخماً، إلى درجة أن البعض يتحدث عن ألف فيلم، لكن المسجل بالفعل قرابة 300 فيلم، وربما هو الممثل العربي الوحيد الذي قدم 16 فيلماً في عام واحد! كما قدم يس حوالي 50 مسرحية لكن للأسف موظف في التلفزيون مسح كل هذه المسرحيات عدا فصول بسيطة. وبرغم حجم هذه المأساة لكن ما يتبقى من أعماله، يبقيه متربعاً على عرش الكوميديا بعد مرور أربعة عقود على رحيله. 6ـ الأيقونة بسبب عفويته وحضوره وأدائه الجسدي وبراعته في الغناء وضخامة إنجازه، وتربعه على عرش الكوميديا وشباك الإيرادات، تحول «إسماعيل يس» إلى «أيقونة» ماركة مسجلة للضحك، والنجاح والشهرة.

اسم يبيع الفيلم

اسم لا يحتاج إلى صفة ولا تعريف ولا دعاية، ولا يحتاج إلى عناوين لأفلامه فيكفي ختمها باسمه مثل: إسماعيل ياسين في متحف الشمع، إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين بوليس حربي، إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين في البحرية، إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين. وعندما أسس فرقته المسرحية في الخمسينيات كان من الطبيعي أيضاً أن تحمل اسمه، رغم أنه من النادر جداً أن تكون هناك فرقة مسرحية تحمل اسم بطلها! وبذلك هو الممثل العربي الوحيد على مدار التاريخ، الذي حملت فرقة مسرحية اسمه، وكذلك أفلامه.. وكلا الأمرين لا يدلان فقط على شهرته الفائقة، بل أيضاً على كونه «أيقونة» لا يمكن نسيانها أو تجاوزها! 7ـ امتداد التأثير لو سألنا إنكليزياً عن أكثر شخصية بريطانية جديرة بالاحتفاء؟ سيجيب دون تردد «شكسبير». فالعالم المتحضر يدرك ببساطة قيمة الأدب والفن والإبداع، وطالما أن ملايين الانكليز تربوا على أدبه ومسرحه، فقد أصبح شكسبير جزءاً عزيزاً، من إنسانيتهم واعتدادهم بهويتهم. لكن لو طرحنا السؤال على أي مواطن عربي سوف يرتبك، وعلى أحسن الفروض سيختار شخصيات بلا قيمة حقيقية، في ظل مناخ الجهل ورداءة التعليم وتهافت وسائل الإعلام. فيما لو تحرينا الدقة في الإجابة، فلا نستطيع تجاهل أم كلثوم وفيروز في الغناء، عبد الوهاب في الموسيقى، نجيب محفوظ في الرواية، أحمد شوقي في الشعر، توفيق الحكيم في المسرح، وإسماعيل يس في الكوميديا، فهؤلاء نماذج لمبدعينا الكبار الذين شكلوا هويتنا، وإنسانيتنا، وثقافتنا. ورغم أن حياة إسماعيل يس كانت أقرب إلى الحزن، حيث بدأها مع أب مفلس، وأنهاها هو نفسه مفلساً، يعاني أمراض القلب، وانحسار الأضواء عنه، لكنه تحدى كآبة السياق العام، وكل الحزن الذي اعتصر قلبه، كي يبقى مُضحكاً لملايين البشر. إن آلاف المواهب تولد كل يوم لكن قد لا يتذكرها أحد. فيما قلة فقط تظل في قائمة الخلود بحجم عطائها وتأثيرها الممتد للأجيال. فمثلما لا يُتصور أن يمر يوم دون أن نسمع صوت أم كلثوم صادحاً في راديو أو على شاشة تلفزيون.. ومثلما لا تمر ساعة لا يكون ثمة لحن يُعزف لعبد الوهاب. فإنه سيكون هناك دائماً فيلم لإسماعيل ياسين تعرضه شاشة ما وثمة أطفال يجلسون حوله، يضحكون ويقضون أسعد لحظات حياتهم.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات