آفاق المستقبل: حلم مدينة تونس الاقتصادية

12:52 صباحًا الجمعة 19 سبتمبر 2014
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لا شك أن المتغيرات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا عقب ما أطلق عليه الربيع العربي قد أثرت بصورة كبيرة على الصعد التي شهدت تلك المتغيرات و كانت أخطر تلك التأثيرات على الصعيدين الإجتماعي و الإقتصادي .. لذا كان لابد من التحرك من أجل إستعادة عافية تلك المنطقة التي وصلت إلى مرحلة حرجة تنذر بالخطر إن بقي الحال على ما هو عليه ؛ و لأن الإقتصاد كان دائما القاطرة التي تتحكم في حركة الجدل التاريخي و تحقق الإستقرار الإجتماعي و من ثم الأمني كان لابد لكل دول المنطقة أن تبحث عن حلول إقتصادية تتمثل في المشروعات العملاقة لكي تعوضها عن مرحلة الإرتجاجات العنيفة و فترات التوتر و عدم الإستقرار التي ترتب عليها هروب و توقف الكثير من المشروعات و هو ما أدى إلى تعثر عجلة الإقتصاد في تلك الدول مما تسبب لها في إنتكاسة إقتصادية خطيرة أثرت على المناحي الأخرى .. و يبدو أن تونس قد وجدت الحل الخاص بها ..
– مدينة تونس الإقتصادية :
في الوقت الذي إنعقد فيه المنتدى الإقتصادي ” إستثمر في تونس .. الديموقراطية الناشئة ” و الذي كان طموح الحكومة التونسية فيه يتوقف مبدئيا عند حد 12 مليار دينار تونسية أي حوالى 7.4 مليار دولار أمريكي تقريبا .. فوجئ الجميع في اليوم التالي بأن طموحات القطاع الخاص الذي إستعان بشراكة سعودية أعلى بكثير خاصة إذا وضعنا في الإعتبار فرص التشغيل و التأثيرات الجانبية الإيجابية لمثل ذلك الطموح .. و قد تمثل ذلك في مشروع ” مدينة تونس الإقتصادية ” الذي أعلن عنه رئيسه و مؤسسه رجل الأعمال التونسي ” رياض خليفة التوكابري ” مع شركاء مؤسسين من السعودية و الخليج جاء على رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير ” فهد بن مقرن بن عبد العزيز ” و السيد ” هشام بن موسى ” ؛ و الذي أكد مؤسسه ” رياض التوكابري ” أنهم يستهدفون أن يكون حجم إستثماراتهم في هذا المشروع خلال 15 عاما أو عشرين على الأكثر 50 مليار دولار أمريكي و ربما أكثر ..
؛ كذلك كان جانب الإنضباط التنظيمي لصالح أداء القطاع الخاص الذي إعتمد على شركة إعلام و دعاية محترفة ” ماركيديا ” فجاء التنظيم محكما و هو ما تفتقر إليه أحيانا المشروعات العامة رغم أهميته ..

مؤسس المشروع ” رياض خليفة التوكابري “

– و بعد الترحيب و الكلمات التي ألقاها مؤسس المشروع ” رياض خليفة التوكابري ” و الدكتور ” مصطفى بن جعفر ” رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي و السيد ” هشام بن موسى ” بحضور صاحب السمو الملكي الأمير ” فهد بن مقرن بن عبد العزيز ” ؛ قدم المهندس المصري ” هشام عبد الغني ” إستشاري المشروع شرحا وافيا لمشروع مذهل يمكن القول أنه تونس الجديدة ..
– تفاصيل :
لا يمكن الإلمام بتفاصيل ذلك المشروع العملاق في مقال مكتوب إلا بشكل مختصر حيث إستغرق سرد تفاصيله حوالي 40 دقيقة بمصاحبة الصور و الرسوم البيانية بمساقطه الرأسية و الأفقية ؛ لكن يمكن تكثيفه فيما يلي .. تبلغ مساحة ” مدينة تونس الإقتصادية ” “90 كيلومتر مربع” كما يبلغ طول ساحلها المجاور للمطار بمنطقة ” النفيضة ” التي سيقام فيها المشروع ” 18كيلومتر ” ؛ قلب تلك المدينة أو وسطها يضم المكاتب و البنوك و الشركات و الخدمات المحلية في الصحة و التعليم و الفنادق و الإستخدامات السكنية و دور العبادة فضلا عن مارينا و بحيرة صناعية مالحة يشرف عليها برجين توأمين و منطقة مركزية متعددة الإستخدامات ذات كثافة سكانية عالية و هو ما يعزز من صورة تونس دوليا و يجعلها نقطة مركزية للجذب الإقتصادي في شمال إفريقيا ؛ كما تضم المدينة .. مدينة عالمية للتراث و الصناعات التقليدية ؛ مدينة صناعات دوائية ؛ معارض دائمة للزراعات و الثروة الحيوانية ؛و مدينة للإبحاث و العلوم ؛عدة مناطق سكنية ؛منطقة حرة للمعارض ؛ مدينة صناعية تضم الصناعات الخفيفة و المتوسطة و الصناعات التجميعية التي تستهدف إعادة تصدير المنتجات المجمعة إلى أوروبا و إفريقيا نظرا لقرب تونس الشديد من تلك الأسواق ؛ المدينة الجامعية التي تشتمل على الجامعات الدولية التي ستستقبل الطلاب من تونس و البلدان الأخرى و تضم مناطق سكنية و ترفيهية لهم و ستوفر تلك الجامعات للطلاب المتفوقين من تونس فرصة التوظيف في مصانع المدينة و شركاتها الكبرى ؛ كما تضم المدينة منطقة خدمات لوجيستية و مناطق للتخزين المجاني و سكن للعاملين بها و يربطها بالمدينة طريق سريع و خط حديدي ؛ تشتمل المدينة أيضا على مدينة إعلامية يوجد بها إستديوهات مجهزة للإنتاج المرئي و المسموع معدة لإستقبال المحطات الفضائية الدولية و منطقة تعليم للإختصاصات الإعلامية فضلا عن منطقة مكاتب و فنادق و شقق سكنية توفر عروض تنافسية لجذب الطواقم الإعلامية الدولية للإستقرار في تونس مما يوفر فرص التدريب و العمل و يعطي دفعة للإقتصاد التونسي ؛ المدينة الترفيهية .. و التي تضم منتزهات و ملاهي و حديقة حيوانات و حديقة تاريخية و قرى بيئية و منطقة خدمية تضم فنادق و مساكن للسياح المترددين مما يعزز القطاع السياحي التونسي في هذا المجال إلى جوار السياحة التاريخية و الثقافية .. ؛ و من المزمع أن يكون ل ” مدينة تونس الإقتصادية ” ميناء تجاري متكامل بكافة الخدمات الخاصة بالشحن و التخزين و يضم سكن العمال ؛ المدينة الذكية : و التي ستعمل على تكنولوجيا المعلومات و الإتصالات و شبكات الإنترنت و تقديم الحلول للمشكلات التي تعترض المتعاملين في تلك المجالا ت و بما أنها تشتمل على مساحات خضراء بمسطحات كبيرة فسوف تدعم البحث في مجال تقليل إنبعاث الكربون ؛ المدينة الطبية : و التي ستضم مستشفيات دولية ومحلية و مختبرات و كلية للطب و معهدا للتمريض و مراكز صحية رياضية و مناطق للنقاهة و الإسترخاء و الرعاية الصحية الوقائية ؛ المدينة اللوجيستية : و التي تعتمد شعار صنع في تونس و تعني بصناعات ذات تكنولوجيا خاصة كما ستساهم في تطوير أفضل الممارسات في الزراعة و كذلك فريق المبيعات الدولية في الأسواق المستهدفة و هي توفر 50000 فرصة عمل؛ مدينة تونس المالية : ستضم نشاط البنوك و البورصات العالمية و نشاط البنوك الإستثمارية و التمويل و أنشطة التأمين و إدارة الأصول لإستقطاب المقار الإقليمية و الدولية للشركات متعددة الجنسيات و هو ما يوفر فرص العمل و تراكم الخبرات .. ؛ المدينة الرياضية : و التي ستضم الملاعب و الساحات و القرية الأوليمبية و مرافق التدريب و التأهيل الرياضي و نادي الفروسية و مضمار لسباق السيارات ” فورميلا 1 ” فضلا عن منطقة للتزلج على الجليد و يخدم تلك المنطقة عددا من فنادق الخمسة نجوم و يأمل القائمين على المشروع أن يكون ذلك داعما لتونس في إستضافة الدورات الأوليمبية و كأس العالم لكرة القدم ؛ المدينة السياحية : بطبيعة الحال لابد لمثل ذلك الكيان ” مدينة تونس الإقتصادية ” و الذي يشبه دويلة صغيرة و جديدة ربما فاق حجمها و سكانها بعض الدويلات الصغيرة من مدينة سياحية تضم كافة مستويات الفنادق من خمسة و أربعة و ثلاثة نجوم فضلا عن الشقق الفندقية و التي ستقام على البحر مباشرة بطول ساحل ” مدينة تونس الإقتصادية ” 18 كيلومتر و سيكون موقعها قريبا من وسط المدينة بحيث يوفر الفرصة لمن يريد العمل و الترفيه معا إذا حضر بصحبة عائلته على سبيل المثال .. ؛ و ينتظر أن يوفر المشروع مائتان و خمسون ألف فرصة عمل بشكل مباشر كما ذكر القائمين عليه .. كما سيسهم في التنمية الجهوية و العمرانية بحيث سيكون التوزيع العمراني و الديموغرافي متصل بشكل متسلسل من ولاية ” سوسة ” في الساحل و حتى ولاية ” تونس ” العاصمة مرورا بولايتي ” نابل ” و ” بن عروس ” مما سيكون له أثرا إقتصاديا و إجتماعيا و أمنيا ذو مردودية إيجابية ..

المدينة الرياضية : و التي ستضم الملاعب و الساحات و القرية الأوليمبية و مرافق التدريب و التأهيل الرياضي و نادي الفروسية و مضمار لسباق السيارات ” فورميلا 1 ” فضلا عن منطقة للتزلج على الجليد

– قمة الحلم :
يأمل القائمون على ذلك المشروع الحلم بتوسعة ” مطار النفيضة ” المجاور في المستقبل ؛ و إنشاء ” ميناء للمياه العميقة ” على هذا الجانب من المتوسط حيث لا توجد موانئ مماثلة سوى في مصر و المغرب ..
– هل سيتحقق الحلم و متى ؟ :
بقدر عملقة الحلم لابد أن تكون الإرادة .. و هذا ما دفع الصحفيين إلى التساؤل في المؤتمر الصحفي عن حصول القائمين على المشروع عن التراخيص اللازمة من الدولة ؟ .. و كان جواب رجل الأعمال ” رياض التوكابري ” أنهم حصلوا على موافقة مبدئية من حكومة ” الترويكا ” السابقة في شهر إبريل 2013 ؛ لكنه حينما تحدث عن توسعة المطار في المستقبل و ” ميناء المياه العميقة ” ثارت في ذهن كاتب السطور عدة تساؤلات لعل أهمها .. إن ذلك المشروع الحلم قد يتطلب قرارات على أعلى مستوى من السلطة التنفيذية و ربما تشريعات من البرلمان المنتظر .. فضلا عن أن ذلك كله يحتاج إلى إرادة سياسية قوية و حازمة و صادقة .. فهل سيكون مثل هذا الحلم مرهون بأشخاص و تجاذبات سياسية ربما هددته في المستقبل ؟ .. و تساؤل آخر يفرض نفسه .. ماذا عن المنافسين إن وجدوا ؟ ..
– هل يهدد المشروع ” محور قناة السويس ” و ” دبي ” ؟ :
سؤال منطقي يفرض نفسه .. هل يهدد المشروع الحلم ” مدينة تونس الإقتصادية” .. ” محور قناة السويس ” و ” دبي ” أم يتكامل معهما ؟ خاصة فيما يخص المنطقة الصناعية و مناطق تقديم الدعم اللوجستي و التخزين و هي نفسها موجودة تحت الإنشاء في ” محور قناة السويس ” و قائمة بالفعل في ” دبي ” صاحبة تجربة ” جبل علي ” المذهلة .. ؛ و ربما قال قائل أن ” دبي ” تخاطب منطقة أخرى من العالم غير أوروبا و إفريقيا التي تريد ” مدينة تونس الإقتصادية ” مخاطبتها .. لكن ذلك غير صحيح بعد تنامي تجربة ” دبي ” و تجاوزها درجة ” السوبر ” إلى درجة ” الهايبر ” و إتساع أعمالها إلى حد مشاركة ” موانئ دبي ” موانئ في أربعة أركان الأرض فوصلت حتى قلب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بغض النظر عن أية ملابسات و شراكتها أيضا في موانئ مصرية و ” محور قناة السويس ” ؛ بالإضافة إلى أن مشروع ” ميناء المياه العميقة “الذي طرحته ” مدينة تونس الإقتصادية ” يعتمد على السفن الثقيلة جدا و التي تمر من ” رأس الرجاء الصالح ” بدلا من مرورها عبر ” قناة السويس ” بسبب عمق ” الغاطس ” الخاص بها .. لكن ربما لم يصل إلى مسامعهم أن مشروع ” قناة السويس الجديدة ” يصاحبه مشروع تعميق الفرع القديم فيما ستكون القناة الجديدة عميقة جدا بطبيعتها و كلها أمور تؤثر على مشروع ” ميناء المياه العميقة ” فضلا عن التساؤلات حول المسألة برمتها .. هذا ما ستجيب عنه الأيام و ربما أصحاب المشروع الحلم ” مدينة تونس الإقتصادية ” و إن كنا نظن أنهم يملكون الحذق اللازم للتكامل مع الأشقاء ربما لأن الكعكة تكفي الجميع خاصة في إفريقيا الناهضة الواعدة ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات