لوتس عبد الكريم على طريق الحرير

11:25 صباحًا الخميس 25 سبتمبر 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الدكتورة لوتس عبد الكريم، الثقافة والفن تختزلهما ابتسامة مع أشرف أبو اليزيد وإصداره “طريق الحرير” بعدسة الفنان أيمن برايز

على مدار سنوات يستقطب بيتُها الكواكب، كما تستقطب الشمسُ ما يدور حولها، لكنَّ نجمتنا تجلس بينهم، وهي في قلوبهم، كما يبين في تلك النظراتِ المحبة، يجمع بين أبصارهم الفن، وتنسج بين بصائرهم الأفكار والفِكَر، وتؤلف بين قلوبهم الثقافة، إنه صالون الدكتورة لوتس عبد الكريم، جزءٌ من سيرتها المفعمة بالأدب، المضمخة بالحب، والمنزوعة للحل والترحال.

على طريق الحرير سافرت، ليس فقط بين بلدها الأول مصر، ووطنها الثاني الكويت، ولكنها قطفت من بساتين العواصم والمدن الآسيوية والأوربية، وإذا لم تستطع أن تحصي ما زارته فتأمل حضور صالونها الأحدث وسترى العواصم تأتي إليها، وهي مع ضيوفها تجمعهم الذكريات، وتعيد إليهم سطورا لا تزال حية في الذاكرة.

سيرة مجلة

تتحدث لوتس عبد الكريم ببساطة وتلقائية، تُغلف الحديث بابتسامتها الساحرة، الساخرة حينا، والآسرة في كل الأحيان. ان اعتمادها في سيرتها على التدوين الدقيق، الذي يسجل الدقائق في الوقت والوقائع، هو الذي يتيح لها أن توجز سيرة المجلة التي أسستها، فكانت حالة استثنائية بين المجلات المعاصرة، مجلة الشموع، التي ولدت في صالون فنان كبير هو موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي أراد أن يوثق تلك الحوارات الفنية الثرية المتبادلة بين حضور صالونه، ومنهم د. لوتس عبد الكريم، ود. رتيبة الحفني، وإحسان عبد القدوس، وأحمد بهاء الدين الذي جاء أول رئيس تحرير للمجلة التي كرست صفحاتها للفن والثقافة الرفيعة، وبإخراج الفنان حلمي التوني. وقد علقت الفنانة آثار الحكيم على تجربة المجلات الثقافية بأنها تنحسر إذا لم تجد تسويقا إبداعيا موازيا لمحتواها الراقي.

جاليري راق لصالون ثقافي

احتفت د. لوتس بضيوفها، في الصالون الذي خصصته لتحية الدبلوماسي سالم الزمانان، سفير دولة الكويت إلى القاهرة لدوره فى دعم الثقافة بين مصر والكويت. والسفير سالم غصاب هو دبلوماسى كويتى شهير عمل فى الدبلوماسية والخارجية الكويتى لما يقرب من اكثر من 25 عاما فكان سفير الكويت فى اليمن لمدة ثلاثين شهرا ثم اصبح بعدها سفير للكويت فى سلطنة عمان حتى اكتوبر 2013 لينتقل للعمل فى مصر. لذلك تصدر أعضاء السلك الدبلوماسي أركان الصالون المطل على النيل، للترحيب بالزمانان، وهم محمد سعد العلمى، سفير المغرب، والأديب د. خالد زيادة، سفير لبنان، ومؤلف “الكاتب والسلطان”، والسفير بالخارجية المصرية محمد شاكر، وقد تحدث من السفراء الأديب والدبلوماسي وعالم الاجتماع العراقي الدكتور قيس العزاوي، متناولا مشاريعه الثقافية، التي تتماس مع تجربة الدكتورة لوتس عبد الكريم في إصدار المجلات ، سواء تلك التي تدوِّن خلاصة الصالونات الفكرية، خصوصا مع تجربة الصالون الثقافي العربي التي أسسها لدى عمله مندوبا للعراق في جامعة الدول العربية.

روايات الأهرام

أفرد الصالون الذي أدار حواراته الشاعر أحمد الشهاوي المجال لي لأتحدث عن جائزة مانهي للآداب التي حصلت عليها مؤخراً في كوريا الجنوبية، مثلما تحدث الروائي بهاء عبد المجيد عن سيرته الذاتية، ودراسته بين مصر وأيرلندا، ورواياته وترجماتها، التي صدر آخرها ، خمارة المعبد، عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية في القاهرة، كما تحدث الروائي محمد الشاذلي عن روايته الجديدة “عشرة طاولة” التي تعد معادلا موضوعيا للانتصارات والانكسارات في الحياة المصرية المعاصرة من وجهة نظر خبير بلعبة النرد، واختار الشاذلي أن يخصص جُل حديثه لمشروع جديد يرأسه في الأهرام ، كمدير لمركز الأهرام للنشر والترجمة، الذي دشن سلسلة جديدة بعنوان “روايات الأهرام”، خص باكورتها لعمل الروائي محمد ناجي، ودعا الشاذلي الحضور النخبوي لدعم المشروع برفده جديد الإصدارات في الفكر والإبداع والترجمة.

جائزة مانهي

تُمنح جائزة مانهي سنويا تقديرًا لاسم الشاعر والراهب والمناضل الكوري هان يونغ أون واسهامه الوطني والأدبي والإصلاحي، حيث تجاوزت أفكاره المتفانية عن الحرية والمساواة والتقدم والسلام حدودها الضيقة لتصل إلى عامة الناس، وأضاءت للشعب الكوري الطريق إلى الحركات الديمقراطية والشعبية، كما أثرت أفكاره الأدب الكوري الحديث، مما جعله مصدر طاقة للشعب الكوري، وهو ما أسهم في 29 يونيو 1996، وبمناسبة مرور ربع قرن على وفاته، بإنشاء جمعية تعزيز وممارسة أفكاره تحمل اسمه وتكرم من أسهموا بأعمالهم في تكريس أفكار السلام والخير للإنسانية في كوريا والعالم، وتُمنح الجائزة في عدة فروع هي السلام، وخدمة المجتمع، والآداب والفنون

ولد الراهب الذي كان يوقع قصائده باسم “مانهي” في مقاطعة تشونغ تشيونغ بكوريا الجنوبية، وقبل توسيمه راهبا انخرط في مقاومة نفوذ اليابان في بلاده، الذي بلغ ذروته في سنوات الاحتلال الياباني 1905-1945، وقد بدأ في عام الاحتلال نفسه سيرته كراهب بوذي في معبد بائيكدامسا على جبل سيوراك. ككاتب اجتماعي دعا مانهي لإصلاح البوذية الكورية، وتناول شعره مقاصد الوطنية والحب، ومن أكثر مجموعاته السياسية شهرة ما نشره في عام 1926 حول أفكار المساواة والحرية، وكان من ملهمي المقاومة السلبية غير العنيفة في حركة الاستقلال الكورية كما كان هان يونغ أون أحد 33 عضوا وقعوا في عام 1919 وثيقة تاريخية باعتبارهم ممثلي الشعب لإعلان الاستقلال الكوري من السيطرة الاستعمارية اليابانية، وارتبطت قصائده بالتأمل الفلسفي للطبيعة وأسرار التجربة الإنسانية.

هذا العام اختارتني لجنة الجائزة اختيار تقديرًا “لمنجزه في الشعر والرواية، ودوره في مد الجسور الثقافية بين الشعوب عبر الترجمة”. وقد سبق أن فاز بجائزة “مانهي” في فروعها المختلفة عدد من الحاصلين على جوائز نوبل، ففي الأدب فاز بها الكاتب النيجيري وول سوينكا (2005) والروائي الصيني مو يان (2011)، كما فازت الدكتورة شيرين عبادي بالجائزة في فرع السلام (2009). ونالها أيضا أبرز مبدعي كوريا الجنوبية، وعلى رأسهم الشاعر كو أون (1998) الذي ترجمت له مختارات من أشعاره قدمها للمكتبة العربية بعنوان (ألف حياة وحياة). وترجمتها امتنانا بعد ترجمة أولى رواياتي؛ “شماوس” ، إلى اللغة الكورية في 2008، كما ترجمت حكايات شعبية كورية، وديوان الشاعر والراهب الكوري تشو أو هيون “قدِّيسٌ يُحلق بعيدًا”، و قدمت للتلفزيون سلسلة من اللقاءات مع نحو مائة من أيقونات الثقافات غير العربية في برنامجي (الآخر). وأصدرت مكتبة الأسكندرية للكاتب دراستي عن مجلة بيرم التونسي في المنفى بعنوان “عبث الشباب”، كما نشرت لي مؤخرا موسوعته الثقافية المصورة “طريق الحرير” ضمن مشروع المكتبة لتوثيق الحضارات والثقافات لهذا الطريق التاريخي. وقد سعدت بإهداء هذه الإصدارات إلى الدكتورة لوتس عبد الكريم التي سبقتني على طريق الحرير، وسأحكي في مقال تال عنها كرحالة، خاصة في آسيا.

من اليمين: دكتور قيس العزاوي، دكتور يحيى الجمل، أ. محمد الخولي، د. صلاح فضل، والشاعر أحمد الشهاوي ، عدسة : أيمن برايز

فاروق شوشة

كثيرون أضاءوا الصالون بحضورهم وحديثهم، حيث روت الدكتورة مشيرة خطاب، وزيرة الأسرة والسكان الأسبق، طرفا من سيرتها الذاتية ، مركزة على جانبين، حياتها كدبلوماسية بين جنوب أفريقيا، ورئاستها للجنة الطفولة والمرأة لعقد كامل، حاولت أن تغير تقاليد بالية منها إصرار المجتمع غير الواعي على تشويه جسد المرأة بعادةٍ كالختان، وعقبت على أن ذلك عنف مماثل للعنف الذي ذكرته عن النساء الكوريات اللائي تعرض للأذى الجنسي خلال الاحتلال الياباني لبلادهن، وهو ما دعا لجنة جائزة مانهي أن تمنح دار رعايتهن الجائزة في فرع السلام لهذا العام.

وحضر الصالون الكاتبة سالى وفائى، والشاعر فاروق شوشة، الذي ذكرت الدكتورة مشيرة خطاب أن صوته في بواكير عملها الدبلوماسي بالعاصمة النمساوية كان سفير أنس في الراديو يأتي في المساء، وهو حديث لم يسمعه الشاعر الكبير الذي غادر مبكرا بعد حديثه عن تجربة عام قضاه في الاذاعة الكويتية عام ١٩٦٣ التقى خلاله بالدكتور أحمد زكي اول رئيس تحرير للعربي، كما حضر الصالون د. يحيى الجمل، نائب رئيس الوزراء الأسبق، واللواء مجدى دياب، والكاتبة الصحفية سيلفيا النقادى، رئيس تحرير مجلة البيت سابقا، والكاتب ود. محمد الخولى، المستشار بالأمم المتحدة، الذي مزج حديثه بين عمق الفكر وملح الدعابة، ود.صلاح فضل، الذي تحدث عن الدكتورة لوتس وصالون ها وصداقتها للملكة فريدة وزيارتهما الخاصة لمنزله، كما حضر الفنان سمير صبري والكاتب الصحفي بجريدة الشرق القطرية مدحت عبد الدائم، والدكتور أحمد الصغير، والدكتور خالد عزب، والروائي وحيد الطويلة، والمصور أيمن برايز.

ربما لا تسعف الذاكرة ذكر الجميع، لكن ما لا يجب أن ننساه هو أنهم جميعا محطات على طريق الحرير، الذي نسجته بتؤدة ومحبة الدكتورة لوتس عبد الكريم، التي أضاءت الشموع مجلة وصالونا وسيرة عطرة، فتسابق الجميع في إزجاء الشكر لها كما يتسابق العشاق في تقديم قرابين الشكر لآلهة نذرت نفسها للثقافة والفن.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات