المسارات السياسية والقانونية للقضية الفلسطينية انطلاقا من تونس

09:04 صباحًا الأربعاء 8 أكتوبر 2014
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مع نهاية الشهر المنصرم سبتمبر إنعقدت في ضاحية ” قمرت ” شمال العاصمة التونسية ندوة دولية بعنوان ” المسارات السياسية و القانونية للقضية الفلسطينية ” نظمها ” مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي ” تحت إشراف السيد رئيس الجمهورية التونسية د/ محمد المنصف المرزوقي و مشاركة عدد من الشخصيات السياسية الدولية على رأسهم السيد / عزام الأحمد رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض بالقاهرة ؛ و المدعي العام الأمريكي السابق رمزي كلارك ؛ و ياسين أقطاي نائب رئيس حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا والمحامي الفرنسي جيل ديفير و النائب العمالي البريطاني جرمي كوربان و محمد شتية وزير المجلس الإقتصادي للتنمية و الإعمار و اسامة حمدان مسئول العلاقات الخارجية بحركة حماس و السفير عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي و العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة .. و عدد من الشخصيات السياسية و الإعلامية ..

* لماذا مؤتمر المسارات السياسية و القانونية للقضية الفلسطينية ؟

سؤال وضح من خلاله مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي هدفه من المؤتمر و الذي حاول تكثيفه في نقاط أهمها بإيجاز .. تقديم رؤية متكاملة حول سبل التعاطي مع مختلف الأطروحات السياسية للدفاع عن القضية الفلسطينية ؛ عرض الموقف القانوني الدولي من إستمرار الحصار على قطاع غزة منذ 2007 ؛ العمل على إستصدار فتوى من محكمة العدل الدولية حول مشروعية الحصار ؛ حث القيادة الفلسطينية على الإنضمام إلى ميثاق روما المنظم للمحكمة الجنائية الدولية !! ؛ تثبيت مسئولية إسرائيل على ما دمرته قي قطاع غزة و مطالبتها بالتعويضات ؛ ماذا يمكن للعرب و المجتمع الدولي أن يقدموا من أجل و قف الحصار ؟ ؛ السعي لعقد إجتماع مع الأطراف المعنية الدولية لمطالبة الكيان الصهيوني بوقف إنتهاكات إتفاقيات جينيف و تحديد التدابير الواجب إتخاذها دوليا من خلال إتفاقية جينيف الرابعة ؛ التعاون مع أوروبا و منظمة الأمم المتحدة لتسهيل حركة المسافرين و البضائع من و إلى غزة و تثبيت حقها في تدشين مطار أو ميناء بحري ضمن ضوابط قانونية و وجود مراقبين دوليين مع تثبيت حقوق غزة في إقليمها برا و بحرا و جوا .. ؛دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى إدراج الكيان الصهيوني في قائمة العار ؛ دعوة الدول التي يعمل عدد من حملة جنسيتها في صفوف الجيش الصهيوني إلى المسارعة بسحبهم و التحقيق بشأن إرتكابهم جرائم حرب ؛ التعريف بقضية الأسرى و الإنتهاكات التي يتعرضون لها و الرؤية السياسية و القانونية من أجل وقفها ؛ تقديم تصور متكامل حول العدوان على قطاع غزة و المسئوليات المترتبة عن ذلك فلسطينيا و عربيا و دوليا ..

وفي المحصلة يسعى المؤتمر أن يكون إضافة نوعية للجهود الدولية من أجل وضع حد لجرائم الحرب التي تمارسها سلطات الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ؛ و العمل على ترجمة تلك المساعي ضمن مسارات قانونية و سياسية واضحة المعالم من شأنها إنصاف الفلسطينيين و مساندتهم في الحصول على حقوقهم كاملة غير منقوصة ..

_ ملاحظات حول أهداف المؤتمر :

ذكرنا للقارئ الكريم أهداف المؤتمر كما إرتأتها الجهة المنظمة “مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي ” مع تعديل بعض المصطلحات مثل ” إسرائيل ” إلى الكيان الصهيوني و ” الجيش الإسرائيلي ” إلى الجيش ” الصهيوني ” إلخ و هو ما يتضمن إعترافا ضمنيا بالكيان الغاصب ؛ إختزل المؤتمر القضية الفلسطينية و الإنتهاكات و الجرائم المرتبطة بها في العدوان على قطاع غزة و سكانه فيما غابت بقية فلسطين المحتلة عن المشهد ؛ وقع صياغة أهداف المؤتمر في تناقضين عندما تحدثت عن حقوق السيادة على البر و البحر و الجو في الإقليم ” قطاع غزة ” و كأنه منفصل عن الدولة الفلسطينية بمجملها ؛ فضلا عن التناقض الثاني الذي يتحدث عن السيادة في وجود وضعية إحتلال إذ تحدثت الورقة صراحة عن قوات إحتلال صهيونية و هو ما يتنافي مع وضعية السيادة ؟! .. و هنا يتبادر السؤال حول الأهداف الفعلية للمؤتمر و توقيته إذ أنه ينعقد في توقيت تستعد تونس فيه للخروج من المرحلة الإنتقالية إلى مرحلة الجمهورية الجديدة مع إنطلاق الإنتخابات التشريعية و الرئاسية في شهري أكتوبر و نوفمبر 2014 ..

المنصف المرزوقي

* المرزوقي .. نحن لا نفرض شيئا على الفلسطينيين كما يفعل البعض ؟ :

عقب كلمة الجهة المنظمة التي ألقاها د/ عبد اللطيف عبيد .. قدم الرئيس د/ محمد المنصف المرزوقي الذي ألقى كلمة ثمن فيها نضال الشعب الفلسطيني و كفاحه من أجل إقامة دولته المستقلة و أكد على وقوف الدولة التونسية حكومة و شعبا وراء خيارات الشعب الفلسطيني أيا كانت دون أي تدخل أو إملاءات كما يفعل آخرون ممن يريدون التسلط على القرار الفلسطيني ؟! و إن لم يوضح كنه تلك الأطراف ؛ ثم إستطرد قائلا أن تونس دولة غير معادية للسامية و ليس لديها موقف عنصري من اليهود لكنها تدعم شعب فلسطين سياسيا بغير حدود من أجل الحصول على حقوقه العادلة .. قائلا ” جاد الفقير بما عنده .. فليس لدينا أسلحة متطورة لكننا سندعم أشقائنا في فلسطين سياسيا و سنرسل لهم ما نستطيع من مساعدات إنسانية و سنكون معهم في كافة المحافل الدولية و الإقليمية ” كما حرص على الحديث بصفتيه الحقوقية و الرئاسية مطالبا بمحاسبة من إرتكبوا جرائم الحرب و الإنتهاكات في حق الشعب الفلسطيني أمام العدالة الدولية ..

– عزام الأحمد .. يثمن الدور المصري :

عقب كلمة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي جاء دور عزام الأحمد رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة حيث إستعرض الإنتهاكات المستمرة من جانب الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني وطالببتفعيل القرارات الأممية و محاسبة حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة على ما إرتكبته من جرائم أمام العدالة الدولية مؤكدا أن الصمت ألأمميعليها و الحماية المستمرة و المطلقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني قد جعلته يتمادى في غيه و عربدته ؛ و ثمن ” الأحمد ” دور الشقيقة الكبرى مصر و قيادتها في وقوفها إلى جانب الحق الفلسطيني منذ النكبة و حتى اليوم و تبنيها للمفاوضات في القاهرة من أجل حماية الشعب الأعزل من العدوان الصهيوني المستمر ..

ياسين أقطاي

* ياسين أقطاي ..  منطق الوصاية على العرب و خطاب يتماس مع التكفير  :

سرعان ما تحول ” ياسين أقطاي ” نائب رئيس حزب العدالة و التنمية التركي من الحديث عن فلسطين و العدوان على غزة إلى الحديث عن الظلم و من ظلم الكيان الصهيوني إنطلق إلى حديث حول الظلم بشكل عام قائلا ” أن الظالم لا يمكن أن يعد مسلما ! .. لأن الإسلام يتناقض مع الظلم و لا يقبله ” بحيث أصبح خطابه يتماس مع التكفير ؛ ثم أنتقل إلى تخصيص الخطاب ليزعم أن بلاده ساندت الشعب السوري ضد ظلم “بشار الأسد” و مازالت .. و كذلك فعلت مع الشعب المصري حين ساندته ضد ظلم ” مبارك ” ؟! و تسانده اليوم ضد ظلم ” السيسي ” ؟! هكذا .. و كأن تركيا التي تطاردها جرائمها منذ العهد الأسود للخلافة العثمانية التي إرتكبت المجازر الجماعية في أرمينيا و اليونان و البوسنة و صربيا و بلغاريا إلخ وصولا إلى إبادة الأكراد و إنتهاكات ميدان ” تقسيم ” فضلا عن تورطها مع الجماعات الإرهابية التي تدمر سورية و العراق .. قد أصبحت فجأة الراعي الرسمي لحقوق الإنسان في الإقليم و الوصي عليه و هو ما لا يمكن قبوله عمليا و منطقيا ..

و بغض النظر عن مزاعم ” أقطاي ” و إفتراءاته .. فقد إبتعد تماما في كلمته عن أهداف المؤتمر الذي لم يعقب أحد من القائمين عليه على كلمة ” أقطاي ” التي ألقيت في حضور الرئيس التونسي و هو ما قد يتسبب في الإحراج للدولة المضيفة للمؤتمر ” تونس ” مع دول شقيقة لها تعرض لقياداتها بالاسم فضلا عن إهانته الضمنية لإرادة شعوبها .. و هو ما يلقي بالظلال حول توقيت المؤتمر و أغراضه و نوعية الحضور .. و ربما ظن البعض أن دخول الإستعدادات لعطلة عيد الأضحى المبارك كفيلة بإصلاح ما أفسده ” أقطاي ” الذي يمثل توجهات حزبه ” العدالة و التنمية ” التي لا تخفى على أحد ..

– كلمات كلاسيكية :

لم تكن كلمة المدعي العام الأمريكي السابق رمزي كلارك أو المحامي الفرنسي جيل ديفير أو النائب العمالي البريطاني جرمي كوربان تتعدى الكلمات الكلاسيكية التي تتعرض للجانب القانوني و كانت كلمة محمد شتية حول الإعمار ذات طابع فني إحصائي و قد قطع تلك الكلمات إنصراف الرئيس التونسي ربما لإرتباطه بمشاغل أخرى لتستمر الجلسة الإفتتاحية ذات طابع إجرائي أعقبها إستراحة لتناول القهوة لتبدأ بعد ذلك الندوات ..

كانت الندوة الأولى .. ندوة سياسية بعنوان ” ماذا بعد التهدئة ” ثم تواصلت بعد الغذاء الندوة القانونية بعنوان “المعالجة القانونية للإحتلال الإسرائيلي و عدوانه المتكرر ” ؛ كما كان مقررا ندوة حقوقية عنوانها ” أي دور للمجتمع المدني و المنظمات الحقوقية ” ؛ فضلا عن ورشات بالتوازي مع تلك المحاور .. أولها حقوقية قانونية ؛ الثانية حول الإعمار ؛ و الثالثة حول كسر الحصار .. و بطبيعة الحال كان المعني قطاع غزة  ..

و قد أسفرت تلك الورشات عن توصيات يتأرجح عددها بين ال17 و أقل من ذلك ..

موسم توجيه الملاحظات لمصر :

رغم أن تدخلات المشاركين في الندوات كانت أقرب للتقليدية إلا أن القاسم المشترك الأعظم لدي بعض المتدخلين مثل اللورد ” شيخ ” البريطاني من أصل هندي أو باكستاني و ” محمد اليازغي ” الكاتب العام السابق للإتحاد  الإشتراكي المغربي ؛ ” صباح المختار ” رئيس جمعية إتحاد المحامين العرب في بريطانيا و هي بالمناسبة مجرد جمعية مشهرة في بريطانيا لا علاقة لها بإتحاد المحامين العرب المعروف ..  كان يراوح بين توجيه النصائح لمصر أو المزايدة على موقفها ؛ فقد أقحم لورد ” شيخ ” مصر في أزمات غزة متجاهلا أن من أوقف إطلاق النار في غزة كان جهود مصر بعد أن فشل الجميع في ذلك بما فيهم الولايات المتحدة ؛ و أن المفاوضات بين الجانب الفلسطيني و الكيان الصهيوني لم تنجح إلا تحت رعاية مصرية ؛ كما أن مؤتمر إعادة إعمار غزة تم بدعوة من مصر و تحت رعايتها ؛ أما ” محمد اليازغي ” فقد تحدث حول فتح المعابر بما في ذلك معبر ” رفح ” رغم أنه كان المعبر الوحيد المفتوح للجرحى و المساعدات و الحالات الحرجة طبقا لما يوافق ظروف مصر .. و لا شك أن أي حديث حول ترتيبات فتح المعبر أو إغلاقه يحمل تدخلا مرفوضا شكلا و موضوعا في السيادة المصرية أيا كانت مبررات ذلك و هو ما لم ينتبه إليه في أفضل الفروض رجل يفترض أنه مارس العمل السياسي ؛ أما المحامي العراقي المقيم في لندن ” صباح المختار ” فقد قال ” أن الموقف المصري غير مفهوم .. رغم أنه دخل أكثر من مرة إلى غزة عن طريق مصر ” !! .. و ربما عدم فهم الموقف المصري يعود إلى السيد ” صباح ” نفسه.. فضلا عن أن أي دولة ليست مطالبة بشرح سياستها للآخرين حتى و لو لم يفهموها .. إذ أن المصالح العليا للدول لا يمكن أن تكون مرهونة بفهم من حولها من عدمه ..

– حديث التحفظ و حديث البطولة :

في خضم تعرض بعض المتدخلين في مداخلتهم لمصر كانت كلمة ” أسامة حمدان “مسئول العلاقات الخارجية بحركة حماس متحفظة و لم تتعرض إلا لأوضاع غزة و إنتهاكات الكيان الصهيوني ؛ فيما كانت مداخلة د/ عبد الله الأشعل مفاجأة من حيث إقحامه للشأن المصري إقحاما سواء فيما له علاقة بالقضية الفلسطينية مثل معاهدة كامب ديفيد أو فيما يبدو على الأقل لكاتب السطور إدعاء للمعرفة و البطولة حيث زعم د/ الأشعل “أن الموساد كان له يد في تعيين وزير مصري أصبح نجما فيما بعد ” وهو حديث لا يليق بسفير و أستاذ للقانون الدولي و العلوم السياسية فضلا عن كونه مرشح رئاسي سابق مهما كانت نسبة الأصوات التي حصل عليها ضئيلة ؛ و سواء كانت مزاعمه صحيحة أم لا فلا شك أن تلك طريقة رخيصة لإدعاء البطولة و المعرفة من خلال نشر غسيل مصر غير النظيف أمام الآخرين أيا كانوا .

هوامش على دفتر المؤتمر :

كان حضور تيار الإسلام السياسي من داخل تونس و خارجها ملحوظا خاصة تيار الإخوان المصري المقيم خارجها و أنصارهم بما في ذلك الإعلاميين ؛ كما كان غياب السيد فاروق القدومي ” أبواللطف ” الذي شغل منصب رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير ملحوظا رغم إقامته في تونس ؛ فيما كان واضحا رعاية أحد الأحزاب التونسية المدنية للحدث بالكامل ..

الإختتام :

و طبقا للبرنامج المنشور فقد إختتمت فعاليات المؤتمر في ذلك اليوم عقب العشاء بحفل للفنان ” ميشال بيلار ” .. ؛ ثم نهاية فعاليات المؤتمر بزيارة إلى مقبرة الشهداء بحمام الشط التي تضم جثامين الفلسطينيين و التونسيين ضحايا الإعتداء الصهيوني الوحشي على منطقة حمام الشط بتونس في غرة أكتوبر 1985 و النصب التذكاري ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات