نيل مصر يحمل السيرة الهلالية إلى الكويت

11:38 صباحًا السبت 7 مارس 2015
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
المخرج المسرحي عبد الرحمن الشافعي متحدثا، وجواره دكتور نبيل بهجت، رئيس المكتب الثقافي المصري بالكويت

المخرج المسرحي عبد الرحمن الشافعي متحدثا، وجواره دكتور نبيل بهجت، رئيس المكتب الثقافي المصري بالكويت

حين تجمعُ عبارة واحدة أسماء قامات فنية، فهي لا تقف عند حد كونها جملة مفيدة، بل هي حديثٌ دالٌّ، يفيض بالمتعة والمعرفة، ويتجدد بالعطاء والإبداع.

هكذا تحمل عبارة واحدة أسماء الأديب يحيى حقي، والفنان زكريا الحجاوي، والمخرج المسرحي عبد الرحمن الشافعي، والباحث الدكتور نبيل بهجت.

هذه العبارة هي : فرقة النيل للفنون الشعبية

أمسيتان قدمتهما الفرقة التي جاءت من مصر بدعوة من د. بهجت، رئيس المكتب الثقافي، الملحق بسفارة جمهورية مصر العربية لدى دولة الكويت، وكما يختلط ماء النيل القادم من الجنوب بطمي الخصب، ومثلما يمتزج الدم العربي، بالتصاهر والدفاع المشترك، هكذا كان الجمهور، عائلات مصرية وشخصيات كويتية، أرادت أن تقرأ جذور الشجرة التي حددت هوية المصريين، بخضرتها الوافرة، وظلها الوفير.

بدأت الليلة الثانية بتقديم المستشار الثقافي للضيف الكبير المخرج المسرحي عبد الرحمن الشافعي، الذي أوجز فأعجز ملخصا رحلة الفرقة التي أسسها بشكلها الحالي، ولكنه لم ينسَ إضاءة مشوارها الكبير ، منذ الميلاد، وتقلبات حياتها، وهي التي تنضج، وقد تمرض، لكنها لا تموت، فهي مرتبطة بحياة مصر، مثلما هي مرآة لنهر النيل في تدفقه اللامنقطع.

السيرة الهلالية

السيرة الهلالية

بدأ الحديث بذكر اهتمام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بالتراث المصري، وفنون شعب مصر، وهو ما تجلى حين تولى الأديب الكبير يحيى حقي، منصبه كأول ـ وآخر ـ مدير لمصلحة الفنون سنة  1955  ، حيث عهد خلال تلك الفترة للملحن الكبير زكريا الحجاوي بتأسيس فرقة للفنون الشعبية، ليطوف الفنان بربوع مصر، من قلب الصعيد إلى صدر الدلتا، ومن النجوع إلى القرى، وكأنه معادل موضوعي للنيل نفسه، حين يجمع تياره الخصيب ليخضر الصحراء ويروي الأرض، وليدخل على حقي، في نهاية الرحلة، بمجموعة جاءت “بعَبَلِها”، أي بقدها وقديدها، ولتسكن هذه المجموعة القاهرة، وتبدأ سُنة، لا تزال حتى اليوم، كان اسمها “شادر الحجاوي”، وتحولت إلى “ليالي رمضان” حيث أن السهرات التي كان يعدها الحجاوي بدأت في الشهر الكريم.

ولأن الفرقة كانت ابنة القرى فقد أسماها الحجاوي “فرقة الفلاحين”، كأول فرقة للفنون الشعبية تتبع وزارة الإرشاد القومي-الاسم القديم لوزارة الثقافة، وكما كان الأداء يتابعه أهل القاهرة في الشادر حيا، فقد أهل مصر جميعهم، بطوائفهم وطبقاتهم، يتابعونها عبر الإذاعة المصرية، ولتتردد أسماء خضرة محمد خضر، ومحمد طه، بين المغنين، مثلما تتردد الملاحم الشعبية كابن عروس وملاعيب شيحة.

في عام ١٩٧٠ رحل الحجاوي إلي قطر، وتسلم الفرقة سليمان جميل الذي فض الفرقة الكبيرة التي جمعها الحجاوي، وقصرها على العازفين، وأسماها “فرقة الآلات الشعبية” وهي الفترة التي انتهت بسفره أيضا إلي الخارج سنة ١٩٧٥ وليتولى المخرج عبد الرحمن الشافعي، مدير مسرح السامر، الفرقة، وليعود إلى استلهام المشروع الأساسي للحجاوي،  فيجوب مصر يجمع فناني الشعب، من مطربين وغوازي، وليطوف بالفرقة العالم كله، كما يقدمها في أعماله المسرحية. وإلى اليوم تقدم الفرقة أسبوعيا عروضها داخل بيت “السحيمي” ولتواصل مسيرتها عبر رحلة جديدة، حطت بها رحالها في الكويت.

بعد أن أوجز الشافعي الحديث عن ميلاد الفرقة، وتاريخها، قدم طرفا من نشأة السيرة الهلالية، وكان المخرج الكبير قد أعد السهرة لتمزج بين الحكي والدرس والفن، لكنه استشعر أن الجمهور يريد استعادة الفرح، وكأن كل أسرة مصرية رأت أن الفرقة تأخذها إلى بيتها هناك، في وادي النيل، لذلك اكتفى بتقديم مشهدين، الاستهلالي للسيرة، بدءا من الخضرة الشريفة.

إن خضرة التي تزوجت “رزق”، المسن  الذي يكبرها بسنوات كثيرة، لم تنجب زوجاته السابقات له، لذلك حين وضعت “خضرة” طفلها، نظر إليه “رزق بن نائل” تساءل في رعب وخوف بأن كيف يكون له ولدٌ أسود اللون كالليل وهو أبيض البشرة؟

تحت نظرات الشك طُردت “خضرة” من الديار، بعد أن أعطاها زوجها كل حقوقها، وأعطاها من المال ما يكفل تربية ولدها، ويزيد.  رحلت “خضرة” المتهمة بالزنا مع طفلها الأسود، الذي كبر في 17 عاما وأصبح فارسًا ذاع صيته، واشتهر بقوته وصلابته وهو يخوض المعارك ضد أهله الذين لا يعرفهم، ويفرق بسيفه شملهم. ويتركهم حائرين في أصل هذا الفارس الأسود. إلى أن جاءهم يوماً من يقول لهم: إن هذا الفارس الأسود هو ابن “خضرة” وأبوه “رزق بن نائل”!

راجعت القبيلة حساباتها، وراحت تتوسل للفارس الأسود “أبي زيد” أن يصير منهم، وأن يكون سيداً في قبائل بني هلال. وأنهم يعتذرون عن خطئهم بحق أمه “خضرة”. ولكن الفارس الأسود “أبو زيد الهلالي” وضع شرطين على أهله كي يغفر لهم، ويجنبهم بطش سيفه:

أولاً: أن يصير اسم أمه من الآن فصاعداً “خضرة الشريفة”.

ثانياً: أن تعود أمه “خضرة الشريفة” إلى الديار على ظهر جمل لا يمشي على الرمل، وإنما تفرش الأرض تحت خف الجمل بالحرير طوال طريق العودة!

خدوده تفاح يافا ، وانا من رمشه خوافة!

خدوده تفاح يافا ، وانا من رمشه خوافة!

واختتم المخرج سيرته الهلالية بمشهد ثان في تونس الخضراء،  بعد أن بدأ بالخضرة، وجلب إلى خشبة المسرح بهجة أخرى بين مزمار بلدي وربابة شقية وغنج الأفراح البلدية، وغناء يخرج مع الأكسيجين من الدم، ليعطي حياة:

خدوده تفاح يافا ، وانا من رمشه خوافة!

هكذا تغني فتاة الشعب، وأسأل أين تفاح يافا، وقد غدرت به يد المحتل، لكنه الوجدان الذي لا يعترف إلا بالتاريخ، والحق، حتى ولو جارت أزمنة. غزل للعباد، وغزل للبلاد، بالشدو لمصر:

مصر يا غالية، يا أم الدنيا!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات