حروف على طريق الحرير

12:24 مساءً الأربعاء 25 مارس 2015
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لا أعرفُ متى بدأ عندي الاهتمامُ، ثم الشغفُ، بطريق الحرير؟

هل أردُّه إلى سنواتِ القراءةِ الأولى؛ حين داعبتْ المُخيلةَ سفراتُ تلك الشخصياتِ الخياليةِ؛ بين سندبادٍ بريٍّ وبحريٍّ، وأبطالِ ألفِ ليلةٍ وليلةٍ، وفوارس سير العربِ الشعبية؟

أم هو عشق كتابة التاريخ، الذي صنعه الخيال والواقع معًا، ومن بعدَه غرامُ أدبِ الرحلةِ الذي تعطر بكتابات العرب الأوائل، وصولا إلى أحفادهم في مجلة (العربي) التي ردت الاعتبار لهذا الأدب، قبل أن تتبعها فيه دورياتٌ أخرى، وسلاسلُ كثر؟

الاعتقاد أن هذا كله معًا، امتزج بحب السفر، وتتبَّل بمتعة الاكتشاف، لأكون في قلب هذا الدرب التاريخي الأشهر، حتى أسماني الشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح: ” السندباد الشاعر”!

لكنني لم أر إلى طريق الحرير بأنه مجردُ اقتفاءٍ لأثرِ القوافلِ القديمةِ في عواصم التجارة والثقافة على هذه السككِ التي تشعبت ـ مثل شجرة وافرة الغصون ـ بل رأيته نهجًا جديدًا يُمكن أن يُطبق ليعالج مشكلات شتى.

فإذا كُنا أعداءَ ما نجهلُ، فإن الطريقَ الحريرية تعني معرفة الآخر، وتقديم ثقافتِه وحضارتِه، وهذا ما تحوَّل لدي إلى برنامج عمل.

قبل سنوات، وفي العاصمة الكورية الجنوبية، وبأحد مؤتمرات جمعية الصحفيين الآسيويين، التي أرأسها هذه الدورة، دعوتُ إلى إنشاء طريق حرير إعلامي، من أجل محاربة الإرهاب، لأنني موقن بأن طريق الحرير التاريخي الذي بدأ بريا، وانتهى به المطاف في سماء الشبكة العنكبوتية، قد ساعد على ربط الدول والأفراد، لما يربو على 16 قرنا، مشيعًا الأمن بين أرجاء أسواقه، والأمان في أركان ممالكه، والازدهار في أقصاء أنحائه، لذلك فإن طريقا حريريا جديدًا جديرٌ بأن ينشأ لمواجهة هذا الإرهاب، بعيدًا عن سوء المصطلح الذي لونه ولوثه الغرب إعلاميا كما شاء.

علينا أن ندرس الآخر ونعرفه، وأن نتواصل معه ونتصل به، وأن نستمع إلى المقصيين ونناقش مشكلاتهم، وأن نشيع الفائدة والمتعة من أجل حياة نتشاركها، لا حيوات نضيعها، ولن يأتي ذلك إلا بتأسيس قاعدة معلوماتية لفائدة البحاثة والإعلاميين، وإشاعة الثقافة التي تهتم بالآخر وحضارته، وفتح نوافذ الإعلام لهواء جديد، ونسيم متجدد، وشرْع الأبواب لأدب مغاير وأصوات تفصح عن غد فاعل، لمستقبل مشترك.

موسوعتي الثقافية المصورة، التي صدرت عن مكتبة الإسكندرية وحملت اسم : طريق الحرير، جاءت في هذا السياق التعريفي الذي يقدم مرجعا عربيا يضم المدن والمعالم التي وصل إليها أو عبر بها طريق الحرير، والآداب والفنون التي اشتهرت بأرجاء هذه المقاصد، مع إشارات للممالك والأعلام التي عرفت تحت سماواته.

ثم قدمتُ في برنامجي التلفزيوني (الآخر) أيقونات الثقافات غير العربية للمشاهدين العرب، وكثيرهم من آسيا، وكانت كل حلقة من هذه الحلقات درسا لي، قبل أن تكون نافذة تعريفية للجمهور، أتعلم من ضيوفها وثقافات أممهم الكثيرَ والمدهش.

كما قدمت للأطفال مغامرات “ماجد على طريق الحرير” التي نشرت مسلسلة أسبوعيا لمدة 4 سنوات، تُعرِّف جيلنا الجديد على الآخر، ليعرف أن هناك من يعيشون على هذا الكوكب وهم بحاجة إلى فهمهم، وتقدير حضاراتهم، وتاريخهم، وتبادل الاحترام معهم.

لكن هذه الحروف على طريق الحرير لم تكن بحثية أو إعلامية وحسب، بل ساهمت بها إبداعيا، فترجمتُ لشعراء وأدباء من كوريا والهند والصين وتتارستان، مقدما إياهم إلى المكتبة العربية، للكبار والصغار. كذلك كانت روايتي “حديقة خلفية” استلهاما في بعض فصولها من رحلاتي في الهند. وإلى لغات طريق الحرير ترجمت بعض أعمالي، فظهرت شعرًا بالفارسية والتركية والروسية، ورواية بالكورية.

ما أريد إيجازه هو أن طريق الحرير لم يعد تاريخا يتجمد عند زاوية البحث، بل أصبح منهاجا، أجده معالجا لمشكلات شخصية وأممية، حضارية وثقافية.

وما دعوة خمسين دولة على رأسها الصين وروسيا، لإعادة إحياء هذا الطريق، برا وبحرا بل وعبر السكك الحديدية، إلا ليقين بأنه أهم آليات معالجة مشكلات العالم الاقتصادية والمجتمعية.

لهذا كله، يسرني أن أعلن لكم، بأنني سأعمل على إصدار كتاب سنوي باسم “طريق الحرير” تجدون فيه جُمَّاعا متجددا لآداب وفنون وتاريخ طريق الحرير، حاضره ومستقبله، ليكون أول دورية عربية في هذا الشأن، وأوجه دعوة مفتوحة للباحثين والمستكشفين والأدباء والفنانين لمشاركتي هذا الحلم، كي تكبر حروفنا على طريق الحرير، وتضيء، مثلما أضاءت حضارتنا لقرون وقرون.

……………………………..

نص الشهادة التي ألقيتها في ندوة أشرف أبو اليزيد: حروف على طريق الحرير، بالمكتب الثقافي المصري، دولة الكويت يوم 19 مارس 2015

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات