تتبدى قوة الذاكرة في استنطاق التاريخ، سواء كان ذلك تاريخ الأمم والمدن، أو تاريخ البشر ومنتجهم الحضاري.
في هذا العدد من مجلة (العربي) إبحار في مدار الذاكرة التي تستثير فينا قراءة الماضي بعيون الحاضر، وأفق المستقبل. يبدو ذلك جليا في استطلاع “موزاييك قرطاج … من تونس إلى بنزرت” بقلم وعدسة أشرف أبو اليزيد.
تبدأ الرحلة في السوق الزيتونية، “حيث تتعدد المهن، بألوانها ومشاربها، بأصولها ومسمياتها، بقديمها الزاهر، وحاضرها المتعثر، وكأن كل مهنة تحتاج حارسا يحافظ عليها، ستنقرض حين يغمض العين عن حمايتها … وتنتهي في طريق العودة ، من بنزرت إلى تونس، وكان الليل قد حل، والقمر قد استدار، وكانت رائحة البحر تقص سيرة النساء، اللائي جئن وعشن وحكمن وروين، من عليسة إلى للا شريفة، وكلها سير عطرة خضبت الأرض فوهبتها كل ما يُستحب وأنبتت بها كل ما يستطاب، فالنساءُ هن الشواطيء التي روَّضت البحار، وهن الفنارات التي شق نورها ليل المرافيء”.
زاوية أخرى يضيئها رئيس تحرير (العربي)، د. عادل سالم العبد الجادر، لأسطورة الأميرة عليسة وشقيقها الملك بيجماليون في باب “حضارات سادت ثم بادت”، ليتكرس درسٌ هو أن الفعل الحضاري لا يُطمس، حتى وإن ضاعت أو تهدمت بعض شواهده. فلا تزال أسطورة الأميرة الفينيقية تتجدد تاريخيا، لتؤكد قدرة الإنسان على البناء، والنجاة بحضارته، وقد كانت أرض الله واسعة، فهاجرت من صور إلى الساحل التونسي لتبني مجدا امتدى لمعظم شواطيء المتوسط.
تدق (العربي) باب الذاكرة التي تستعيد سجل الآثار الليبية، حيث ترصد د. ريتا عوض كيف أصبحت تلك المتاحف المفتوحة ضحية للنهب والتدمير، من قبل أعداء الحضارة.
وتلح الذاكرة ـ كذلك ـ مستنطقة الفعل المقاوم، حتى ولو بالقول، كما تعرضه دراستان عن وجهي الشعر الفلسطيني؛ محمود درويش وسميح القاسم، بقلمي د. محمد الغزي، ود. ميشال جحا، بما يؤكد أن حرث الذاكرة يزيد المعنى قوة، وأن وجوها جديدة للحقيقة، الأدبية والفنية، تتجلى باستعادة هذه الذاكرة، ولتتحول معها النكبة إلى درس مستفاد، لتجاوز الهدم إلى البناء.
وما دمنا نتحدث عن البناء، نؤكد على ما جاء في حديث رئيس التحرير لهذا الشهر، الذي يرصد تخلف معظم الدول العربية في مضمار التقدم العلمي، ضمن أبواب أخرى، وهو تخلف يعكس ذاكرتنا المثقوبة، التي لم تأخذ بأسباب تقدم بها الأولون في الحضارة الإسلامية، فبزوا أقرانهم، ولكن ذاكرتنا الضعيفة لا تستضيء بهؤلاء، ومنهاجهم في الحياة.
بإيجاز، ليست الذاكرة مجرد بكاء على أطلال، وإنما تكمن قوتها في أن تكون مشعلا يضيء ما أظلم في الواقع، ومثالا مثاليا يُتبَّع لمن يريد أن يبني المستقبل. ولذلك علينا أن نحفظ ذاكرتنا، ففيها جينات تاريخنا، بدروسه وعبره، وفيها كذلك شجون وعبر تميز إنسانيتنا.
يكتب في هذا العدد من (العربي) : د. سعيد إسماعيل علي، وفاروق شوشة، ود. عادل زيتون، ود. محمد صابر عبيد، ود. حسن الإمراني، وحمزة الشافعي، ومحمد رياض العشيري، ود. أحمد علبي، وعقيل مهدي، ود. علاء الجابري، وعبد الناصر عيسوي، ورياض حمادي، ود. أحمد شعلان، وحاتم حافظ، وعبد الغني سلامة، ود. شيرين محمود، وجمال بخيت، وممحمد سلمان داود، ومحمد شعطيط، ود. مولاي مصطفى البرجاوي، ود. نزار العاني، ومنير خلف، وعامر التميمي، ومحمد عبد الرؤوف، ود. إبراهيم نويري … وآخرون.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
د.نزار العاني
21 أبريل, 2015 at 10:24 ص
عنوان الإستطلاع يفتح الشهية على أجواء الواقع السحري ( بالإعتذار من ماركيز ) الذي أضفى على ذلك التاريخ القرطاجي بريقا لا ينطفئ .