1- الرأي الآخر الكئيب
– من فرط الإدمان على السيّء، من الأخبار وسماع الأسوأ، بات المواطن العربي يخاف خبراً سياسياً عاجلاً قريباً من الحَسَن والأمل، ويخشى أن يصدّقه.
– على رأي الشاعر السوري الساخر الساخط محمد الماغوط الذي أجاب عن سؤال مضمر حول ضرورة أن يكفّ عن العبوس والنقد، فاسم ديوانه / بيانه الأخير هو :”الفرح ليس مِهْنتي ” — ما لوحظ في نوع من التغطيات على حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، في اليوم السادس من الشهر الثامن من سنة 2015، عندما كانت مصر تحتفل، ملتفّةً هو حضور الرأي الآخر،
– آه، لا بد من الرأي .. والرأي الآخر
– كان الرأي الآخر يناقش مسائل أخرى
– من نوع ؟
– من نوع مدى شرعية الرئيس المصريّّ عبد الفتاح السيسي.
2- – الصحفي في بحر الاستقصاء
– حين هبّت نسائم الفرح من مصر، بَدَا الصيفُ نفسه كما لو أنّه متعاطف فخفّف من نسبة الحرارة في السادس من الشهر الثامن، وكأنه منسجم مع أنفاس العزائم ..
– ربما الصيف لم يخفف من حرارته شيئاً، ولكن افتتاح القناة اشتغل مثل مكيَّف للطقس وملطف لحرارة الشمس.
– و في هذا اليوم التاريخي المشهود المحشود المحمود، كانت أغلب القنوات المصرية لا تحكي إلا عن فرح الشعب المصري بافتتاح قناة السويس الجديدة، في موكب مدروس في كل تفاصيله،
– ورسائله المتبادلة بين قيادة وجيش وشعب ومسجد وكنيسة،
– وكلهم حُرَصاء على إنتاج الفرح،
– وكان فرحاً مصرياً خالصاً لا تشوبه شائبة الاستيراد، ولا القرار المُمْلى من الخارج،
– وبعبارة السوق العالمية : صنع في مصر Made in Egypt
– وكان افتتاح القناة يشير إلى توسيع مشاركة الشعب المصري في الاكتتاب من أجْل أجْيالِ مصر القديمة والحالية والقادمة،
– هكذا تضيق الفجوة ، وتُرْدَمُ الهوّة، ويمتدّ الجسر بين الشعب والقيادة.
3- – غربال لعين الشمس
– مع ذلك
– مع ذلك ترى بعض الصحفيين، بعضهم كبعض الشعراء، يعافون السطوح، ويرومون الأعماق،
– نعم ، تراهم يعومون ويغوصون في أعماق الأخبار من أجل الاستقصاء،
– ولو أدّى بهم الأمر إلى التركيز على أخبار جانبية هامشية تهدف إلى التشويش على الخبر المركزيّ العالمي ألا وهو افتتاح قناة السويس الجديدة.
– وتجد دائماً
– تجدُ من يحاول تغطية شمس الكرة الأرضية بغربال من جزيرة،
4- قناة السويس عابرة للتشخيص
– القناة محفورة بِسواعد أهل مصر، ونور عيونهم، وبأعصاب من صبر، وعرق الجبين، وملح العمل الصامت، وموّال الغناء السلسال، ودماء أبناء النيل، وبناة السد العالي.
– الأرقام الخاصة بـ “قناة السويس ” باتت معروفة لدى الجميع، فهي فلكية وخرافية.
– بل، وأوسع مما يطلبه شرطُ الدخول غلى “كتاب غينيس للأرقام القياسية”.
– أنا سمعتُ أن كتاب “غينيس” يريد أن يمرّ عبر قناة السويس!
– وتواريخ القناة متاحة لمن أراد العبور إلى معلومات تكميلية،
– ولكن الدرس المصري الذي يمكن استخلاصه بمناسبة قناة السويس الجديدة هو:قناة السويس في الماضي والحاضر، تتجاوز رحالها وأبطالها، وتذكر، وتذَكِّرُ كُلاًّ بما فعل،
– هناك من فكّر، ومن فشل، ومن نجح، ومن قدّر، ومن سطّر، ومن حفّر، ومن استعمر، واستثمر، وهناك من أمّم وَ مَصّر، ومن أغلق، ومن هندس،
– و اليوم ها هي تفتح قناة جديدة، وتوسع في دائرة المستقبل .
5- أرض القناة المختارة
– وُلِدتْ قناة السويس الجديدة بيضاءَ من غير سوء ، مؤمّمَةً ، ومُمَصّرةً منذ يوم التدشين،
– و كما تذكر القناةُ أفضالَ السابقين ، فهي تذكر ما التزمتْ به القيادة المصرية وهي تكتب صفحة جديدة للقناة بحبر الطموح والتحدي .
– غير ان القناة ذات ذاكرة تاريخية مستمرة لا يقربها النسيان .
– لأنّ الجغرافيا شاءتْ أن تنتخب مصر لتكون أرض القناة المختارة،
– نعم ، فهي ملتقى القارّتَيْن على البحريْن: الأبيض المتوسط الأوروبي الأفريقيِّ الآسيوي، والأحمر الأفريقي الآسيوي، وشكلت بهذا حلاًّ يتيمًا و بلا أخٍ شبيهٍ، أو نظيرٍ أو منازعٍ،
– وكان حلاًّ عبقريّاً في الملاحة التجارية الدولية الكبرى
– لكأنّ القناة سرّةٌ بحريّة لتواصل العالم ..
6- قرار يتيم البرلمان
لعل أجملَ ما في قرار حفر قناة السويس الجديدة هو…
– هو أنه لم يخضع لقرار يناقشه أهْلُ البرلمان سنوات، ليتبينوا أهميته في كل مرة، وفائدته بعد عقود من النقاش والهراش.
– وتتمكن خلاله الاحزاب من التلاعب بالتصويت، إمّا لقرار توسيع القناة، أو لقرار الإبقاء عليه بدعوى أنّ هذا يكلّف الوطن غاليا، فلن يتمّ إلا بمساعدة البنوك العالمية،
– لعل أهمّ ما في القرار أنّه لم يخرج من رحم البرلمان ،
– ولو تمّت الولادة في البرلمان، لغاب بعض نواب الاحزاب يوم التصويت على إنجار قناة السويس الجديدة
– أو حضروا نائمين في المجلس.
– ولو كانوا حاضرين، كما في بعض البرلمانات، لنددوا وردّدوا كلاما من قبيل: إن قرار القناة الجديدة سيرمي مصر في الاقتراض والديْن إلى يوم الدِّين،
– ولو كان إنجاز القناة الجديدة مولوداً في عيادة خبراء الاقتصاد، والمستشرفين لعلم المستقبل الذين علموا شيئاً وغابت عنهم أشياء
– من بينها
– أن الشعب يمكن أن يسفّه الخبراء الأفاضل حين يتكفل بالمشروع دون قروض إلا من بنك الحماس والشعور الوطني الغلاب والإرادة العصيّة على القهر.
-و لَوْ كان هناك برلمان، لحمي النقاش بين النواب الديموقراطيين وغيرهم ، بكل ديموقراطية، حول آجال تنفيذ المشروع،
– ولكانت الكارثة، حيث أن البعض يرى أن إنجازاً ضخما كهذا يتطلب خمساً من السنوات،
– ويرى البعض الآخر أنه لا أقل من عشر سنوات، فلا بد للعمال أن ينالهم الإرهاق والتعب،
– وربما اقترح أحد الأحزاب تخصيص جراية شهرية قارة لمن لم يتمكّن من العمل في القناة الجديدة وإثقال ميزانية المشروع بمثل هذه الأجرة الشهرية.
– ولا تنس أن النقابات سوف تركّز على الإضرابات، و على الرفع في الأجور، وضرورة التلاؤم بين الأجور من جهة وارتفاع الأسعار، دون إهمال ساعات العمل الإضافية، والتأمينات الصحية، وظروف العمل في الحرّ صيفاً، وفي القرّ شتاء.
– هل كل شيء يمرّ على البرلمانات؟
– أم ماذا؟
– أمْ أن قراراً علويّاً، حين يترجم رغبة الشعب ومصلحته العليا، فإنّه ينزل برداً وسلاماً، و تتحرك الرغبات وَالأيادي، والافئدة، والمشاعر، والعقول، والضمائر، ويصير الشعب كله عاشقاً منقاداً وراء مجد هذه المشاريع العملاقة؟
7- حِكَمُ الشعب العامل
– لقد تمّ افتتاح القناة الجديدة، دون حاجة إلى مساعدة من الخارج ،
– نعم ، فلا خارج إلا ما كان في مدخرات شعب مصر وخرج لتنفيذ قناة السويس الجديدة ،
– ولقد كان الشعب المصري هو القادر على تنفيذ ما قاله أبو القاسم الشابي، ولا بأس من التذكير بـ “إذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر / ولا بدّ لليل أن ينجلي / ولا بدّ للقيد أن ينكسر” .
– وكان هذا الشعب قادراً على الاعتبار بسيل من الأمثال التي تبدأ من :”ما حكّ جلدَكَ مثل ظفرك ” أوْ ” صبري على نفسي ولا صبر الناس عليّ “،و” من طلب العُلا من غير كدّ، سيدركه إذا شاب الغراب ” و ” ما نيل المطالب بالتمنّي، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا ”
– وهات من أمثال التعويل على الذات لإنتاج الثروات،
– وهكذا تمّ ما تمّ بأيادٍ مصرية، وسواعد مصرية، وجنيهات مصرية من مدخرات جهود كافة الطبقات في أرض النيل والأهرامات،
– وهو ردّ أبلغ من أي ردّ، وأكثر نفاذاً من ثرثرات فوق السويس من أفواه أغلب السياسيين الذين يقولون ما لا يفعلون.
– من هذه الزاوية، أرى أنّ خبر افتتاح قناة السويس الجديدة هو جديرٌ بالفرح بمصر، وبكلّ العرب في زمن كثرت فيه أخبار البؤس والكدر. فمصر جديرة بالفرح المستحقّ.
– عاشت مصر.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
khaled soliman
23 أغسطس, 2015 at 3:57 م
صديقي و جاري العزيز .. لأنك جميل ترى الوجود جميلا مثلك .. و ترى مصر بعيون المحب .. لذا فلن تراك و أهلها إلا بذات النظرة الوفية الطيبة