كاتبة قتلتها كتاباتها

10:47 مساءً الجمعة 8 أبريل 2016
نسرين البخشونجى

نسرين البخشونجى

إعلامية وروائية من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
أميمة عز الدين

أميمة عز الدين

أن تقرأ رواية تبدأ بحالة عشق خاصة بين كاتبة و شاعر, ثم تنتهى بالموت حبا فى سبيل الوطن. هكذا ستأخذك رواية أميمة عز الدين “كاتبة” من يدك وتسحبك بخفة من الهم الخاص صعودا نحو الهم العام.

فالنص السردى لا يتناول فقط قصة حياة كاتبة تحاول الوصول للقمة, بل تنبش الرواية فى الحالة النفسية للمبدع الذى يعتبر إنتاجه نزف من الروح المتألمة. تناقش الرواية كذلك علاقة الكتاب ببعضهم البعض و كيف أن الوسط الثقافىو النقدى ممتلئ إلى حد كبير بالمجاملات والحسابات. صورة المثقف التى يرسمها لنفسه من خلال النص الإبداعى وكيف أنها لا تتفق أحيانا مع حقيقته, كانت إحدى الموضوعات التى برزت بشكل كبير فى الرواية. فأميمة عز الدين قدمت شخصية بطلها تلك وكأنه ممثل يقوم بدور و ينجح فيه فيتعلق به الجمهور ولكن هذا الدور لا يشبهه أصلا.

ثمانية رسائل طويلة كتبتها “الكاتبة” العاشقة لحبيبها “الشاعر” أثناء احتضارها بعدما أخترق جسدها الضعيف ستة رصاصات مطاطية يوم معركة الجمل إبان ثورة يناير 2011. يبرز التعارض فى شخصية “الكاتبة” التى فضلت النزول إلى ميدان التحرير لمشاركة الثوار فى تحقيق أهداف الثورة, و حبيبها “الشاعر” المرموق الذى يثير حماسة الشباب بقصائدة الوطنية حيث ألهمهم النزول إلى الميدان بينما يناضل عبر شاشة الكمبويتر مستخدما مواقع التواصل الإجتماعى أو ضيفا على منابر الفضائيات. وهو ما دفعها لإنهاء رسالتها الأخيرة له بجملة “لا تكن مثل يهوذا الإستخريوطى الذى باع المسيح لليهود بثلاثين من الفضة”.

image

رقم الرسالة هو الفاصل بين النص السردى الذى يشبه البوح و ينتقل بخفة من قصة لأخرى ومن وجع لأخر و من إحباط عاطفى لإحباط إبداعى. فالكاتبة التى لم نعرف اسمها المولودة فى ريف مصر سافرت إلى القاهرة فى ريعان شبابها لكى تحقق حلمها الإبداعى, فكان “الشاعر” أول من تعرفت عليه فى الوسط الثقافى القاهرى باعتباره رئيس تحرير مجلة ثقافية هامة. ظلت لأكثر من عشرين سنة تحبه رغم زواجها لثلاثة مرات بينما هو مشغول عنها بتحقيق ذاته كمبدع متألق و مشهور.

فى البدء حاول “الشاعر” ان يفك جدائل برائتها محاولا اقناعها ان المبدع لا يمكن ان يكتب بصدق من دون تجربة حقيقية. فقصتها القصيرة الأولى عن الحب مفتعله من وجهة نظره لأنها لم تعرف العشق.

من خلال روايتها “الكاتبة” الصادرة عن دار الحضارة بالقاهرة, طرحت الكاتبة أميمة عز الدين عدة تساؤلات فى ما يخص عالم المبدعين بشكل عام والكاتب بشكل خاص, هل على الكاتب ان يعيش تجارب حقيقية ليكتب عنها بصدق؟ ولماذا ينظر عامة الناس للمبدع على انه شخص غير طبيعى “ممسوس”؟ الكتابة تعرى الروح لكن هل تشفيها؟ وعلاقة الكاتب بالقاريء و الناقد.

متى تستطيع الكاتبة التخلص من سلطة ورقابة الأهل والمعارف أثناء فعل الكتابة؟ كان هذا هو السؤال الأهم والذى يعبر عن هم عام لدى الكاتبات و خاصة العربيات. إذ أنهن يواجهن تحديات و ضغوط أكبر من مسألة الكتابة و الإبداع. نظرة المجتمع أحدهم إذ يعتبر القاريء أن النص الذى تكتبه أنثى يعبر بالضرورة عن حياتها الشخصية وبالتالى يتعامل البعض معها على أن حياتها مستباحة بكل تفاصيلها. ولهذا السبب لجأت “الكاتبة” لإدمان حبوب “الترامادول” المخدرة كى تتخلص من كل الهواجس و المخاوف وتكتب دون تفكير فى أى شيء سوى الإبداع.

لم تكتفى عز الدين بالسرد المطلق فى روايتها بل اعتمدت على ادخال القصيدة النثرية و القصة القصيرة و القصة القصيرة جدا. حيث استهلت كل رسالة بجملة أو بيت شعرى. فكان مدخلها للرسالة الأولى:

“وكان حزنى عظيما لأن ساعة الرحيل حانت

و لم تهيئ لنا وداعا لائقا

أو تهب لى عناقا دافئا لأصابع

قد أنهكتها ذات يوم كتابة قصيدة

ترثى نبوءة رحيلك”

نسرين البخشونجى

نسرين البخشونجى
كاتبة وصحفية مصرية

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات