الفن السابع ينتصر على طالبان في أفغانستان

09:16 صباحًا الثلاثاء 28 نوفمبر 2017
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

إنه يوم السادس والعشرين من شهر فبراير عام 2001 , حيث أحكمت حركة طالبان سيطرتها على معظم دولة أفغانستان وتعهدت بتدمير كل التماثيل القائمة على أراضيها لانها لا تتفق مع أحكام الإسلام وكان تمثالا بوذا العملاقين هما البداية ،حيث تم نحتهما في جبال منطقة باميان في القرن السادس قبل الميلاد عندما كانت هذه المنطقة مركزا تجاريا بوذيا -وكانا يعتبران من آثار التراث العالمي الذي صنفته منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم ، وذلك بناءا على فتوى أصدرها زعيم حركة طالبان المُلا محمد عمر بتحطيم جميع التماثيل في أفغانستان على اعتبار انها أوثان .

كما أصدرت طالبان فتاوى بتحريم عمل النساءأو مممارستهن للرياضة ، وكذلك منعت الإناث من الذهاب إلى المدارس لمن هن فوق الثامنة، كما أجبروا النساء على ارتداء النقاب في الشوارع، مثلما أجبروا الأسر على طلاء النوافذ باللون الأسود، ومنعوا الرجال من حلاقة ذقونهم،

تمثال بوذا ... والتجويف الذي تركه بعد تدمير طالبان له

تمثال بوذا … والتجويف الذي تركه بعد تدمير طالبان له

وفِي إطارهذا التحول الكبير لحركة طالبان الأصولية ومحاولتهم فرض الشريعة بالقوة تم حظر كافة أشكال الترفيه والتسلية وعلى رأسها السينما.

في هذا اليوم كان هناك مجموعة من الرجال العاملين في مؤسسة صناعة السينما الافغانية والبلغ عددهم حوالي ١٢٠ موظفا قد وصلتهم تهديدات جماعة طالبان بضرورة تسليم جميع بوبينات العرض والنيجاتيف الخاص بالسينما الأفغانية وتوعدت الجماعة بقتل كل من تسول له نفسه إخفاء ولو فيلما واحدا. وكان وزير المعلومات لحركة طالبان وقتئذ قد توعد بشنق (الخواجه أحمد شاه) وحرق جثمانه إذا ثبت لديه أنه يخفي أية بوبينات سينمائية ،ذلك الوزير الذي أقدم بمساعدة رجاله المسلحين بحرق آلاف الوسائط والوثائق السينمائية الآفغانية في خطوة أولى نحو تحويل هذه البناية العملاقة إلى متحف للحرب يخلد تاريخ وإنجازات حركة طالبان.

Saving-Aynak-1435244983لما وصلت التهديدات لموظفي مؤسسة السينما الأفغانية قرر معظمهم الفرار من حجيم طالبان ، لكن بعض العاملين في صناعة السينما قرروا الحرب السرية والمواجهة غير المعلنة مع هذا الطوفان الغاشم ومن ثم وضعوا خطة محكمة حين شاهدوا تحطيم تمثالي بوذا أمام أعينهم وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع ، وكيف أن رجال طالبان لا يضعون أي اعتبار لقيمة حضارية او إنسانية …

كان الحل هو السباق مع الزمن في محاولة لإخفاء حوالي سبعة آلاف بوبينة سينما قبل وصول قوات طالبان للبناية وبالفعل قاموا بوضع معظمها في داخل علب فضية، وحفظ هذه العلب داخل براميل وأقاموا بدفنها في سقف البناية داخل بلاط الأسقف والأكثر إبداعا وإحكاما في هذه الخطة هو نقل الأكثر أهمية في هذا التراث العظيم إلى حجرة سرية للتخزين.

وكحركة تمويه قاموا ببناء حائط وهمي على باب الغرفة وقام مهندس كهربائي بقطع تيار الكهرباءعن هذه المنطقة وبالتالي ظلت هذه الغرفة مظلمة طوال السنوات الماضية وراء هذا الحائط الوهمي . ولما وصلت قوات طالبان لمبنى مؤسسة السينما الأفغانية كانت هذه الكتيبة من القائمين على الفن السابع في كابول قد استبدلوا الأفلام الأفغانية والنيجاتيف الخاص بها بمطبوعات وأفلام أجنبية .

وبينما كانت دوريات طالبان تحاصر الباب الأمامي للمؤسسة كان الخواجه أحمد شاه ومعه كتيبة الفن السابع الأفغاني يتجهون للأبواب الخلفية، ويحملون أحذيتهم في أيديهم حتى لا يسمعهم رجال طالبان المسلحون وصعدوا بسهولة إلى الطابق العلوي ليقوموا بإخفاء المزيد من البوبينات في الحجرة المظلمة المعزولة المخصصة لذلك.

ولم يتمكن وزير المعلومات ورجاله من الوصول إلى هذه الغرفة ولا معرفة مكان هذا التراث السينمائي الكبير .

يتذكر حبيب الله علي ؛ الذي عمل في مجال صناعة السينما الأفغانية لمدة تقارب ستة وثلاثين عاما يتذكر هذا اليوم جيدا ويحكي قائلا:

” لم نكن نتوقع أن نعود إلى منازلنا، ولا أن نظل على قيد الحياة ، كنا خائفين جدا ولكن بفضل الله وعونه تمكنا من حماية ثقافتنا والحفاظ عليها حاضرة “.

اليوم، تسعى أفغانستان بخطى حثيثة نحو استعادة مكانتها وتجاوز ما لحق بها من ويلات وحروب. فالفن السابع شريك أساسي في نقل الصورة الجديدة العصرية لدولة لها تاريخ طويل من الحضارة والتأثير الكبير في العالم.

صبا سحر على غلاف ديسمبر | ماجازين إن


المخرجة صبا سحر على غلاف ماجازين إن | ديسمبر 2017

 

وتعتبر المنتجة والممثلة الأفغانية الكبيرة (صبا سحر) صاحبة الشركة التي تحمل ذات الاسم هي المرأة الآفغانية صاحبة الشركة الوحيدة للإنتاج السينمائي، وهي واحدة من الممثلات القديرات والتي كانت قد تركت عملها في الشرطة النسائية قبل سقوط العاصمة كابول في أيدي طالبان في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكانت قد تعرضت للاعتقال بسبب تصويرها فيلما وثائقيا، ووضعت في السجن لنفس السبب … تتحدث صبا سحر عن بلدها بكل فخر وتخطو بالفن السابع نحو آفاق حديدة هادفة إلى تغيير صورة المرأة الأفغانية داخل أفغانستان أولا والعالم ثانيا .

صبا سحر

صبا سحر

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات